نار وهدنه

ناار وهدنه (الفصل الرابع والثلاثوان)

ناار وهدنه (الفصل الرابع والثلاثوان)

هناك عطرٌ لا يُستدلّ إليه بالأنف، بل بالذاكرة؛
رائحةٌ تتخفّى في طيّات الأيام الماضية، فإذا مرّت بخاطرك، أعادت إليك زمناً كاملاً بضحكاته ودموعه.
وهناك أرواحٌ لا تراها العيون، لكنها تلمس كل حواسك في غيابها، كأنها ظلّ يسكنك أينما مضيت.

ويبقى هناك شخصٌ بعينه، إن غاب عنك، أيقظ الحنين في صدرك بأيسر لمحة، شخصٌ لا يُجهدك كي تتذكره، لأن حضوره محفور في داخلك، غائبٌ بالجسد لكنه أوفى من كل حضور.

فالحنين ليس سوى اشتياقٍ لقطعةٍ من روحك تعيش في مكان آخر، تذكّرك دومًا أنّك لم تعد ملك نفسك كاملة، بل تركت شطرًا منك مع من أحببت.

في قلب قصر الهواري،

حيث يمتزج البذخ بالعتمة، ارتسم مشهد لا يجرؤ الخيال على احتضانه….

كانت الغرفة المستديرة، بقبتها العالية المزدانة بزخارف ذهبية تتشابك كشبكة عنكبوت، تختنق بدخان السيجار الفاخر ورائحة الخطر الممزوجة بالمال والدم.

توسط المكان طاولة فخمة، منحوتة من خشب نادر يلمع تحت ضوء المصابيح الكريستالية،

وكأنها عرش غير مرئي يفرض سلطانه على كل من يقترب. حولها جلس رجال لا تقاس قيمتهم بالذهب، بل بالدماء التي أراقوها، وبالإمبراطوريات التي شادوها على حافة الخراب…

أقوى رجال المافيا العالمية، وجوه مشهورة في أسواق المال والسلاح، وأسماء إذا ذكرت ارتجف العالم من وقعها.

وعلى رأس الطاولة، جلس الرجل الذي تهابه العواصم كما تهاب العاصفة… ديفيد مايور… العقل المدبر، والرأس الخفي، الشبح الذي لا يمسك له أثر… ، أما الحقيقة، فهي أنّه كيان لا يعرف الرحمة، رجل تتبعه الأساطير قبل أن تتبعه العيون…

انسكبت نظرات الحاضرين عليه كما لو كانوا أسرى أمام جلادهم، تتقافز في عيونهم ظلال الخوف والرهبة.

بعضهم خفض رأسه تجنبا لملاقاة عينيه، وبعضهم ثبت بصره إليه رغم الارتجاف الخفي في أطرافه،

وكأنهم جميعا يعبدون صنما من رعب، صنما يعلمون أن كلمة منه قد ترفع أحدهم إلى عرش القوة أو تسقطه إلى هاوية العدم…

كان حضوره طاغيا، أشبه ببركان صامت لا أحد يعرف متى ينفجر، لكنهم جميعًا أيقنوا أن لحظة غضبه قد تعني نهايتهم.

في الطابق العلوي من القصر،

حيث يطل الزجاج العريض على الغرفة المستديرة في الأسفل، وقف سلطان كهيئة ملك غاضب يتأمل عبيده من اعلي…. عيناه تتقدان كالجمر، وصدره يعلو ويهبط بأنفاس متوترة تكاد تشق الصمت…

كان ينظر إليهم ببرود قاتل، وكأنهم ليسوا سوى دمى اجتمعت على مائدته، على أرضه، وتحت سلطانه.

لم يكن ديفيد مايور في تلك اللحظة إلا ظلًا باهتا أمام وهج الحاكم الحقيقي… رهبة سلطان لم تكن تحتاج إلى لقب أو أسطورة، بل كانت ترى في وقفته وحدها؛ وقفة رجل ولد ليمتلك، لا لينازع.

اخترق السكون صوت جلال في أذنه اللاسلكية، خفيضًا، حادا: سلطان، متنزلش غير لما أديك التمام.

أومأ سلطان ببطء، والقبضة على ذراعه تنقبض كمن يحبس بركانا، ثم همس: خد بالك من نفسك.

رفع جلال حاجبه في تحد معتاد، ورد ببرود : علي الله.

لكن صوتا آخر تسرب إلى أذنه من جهة جاي، جافا متوترًا بالإنجليزية:
– Sultan closed the doors so that those inside would not know what was happening outside.
– سلطان، اقفل الأبواب… حتي لا يشعر من بالداخل بما يحدث في الخارج .”

أومأ سلطان برأسه بثقة وقال بكلمة مقتضبة كأنها أمر لا يرد: Okay…
ــ حسناً.

رفع هاتفه، وصوته يخرج همسًا باردًا بالروسية:
– Закрой двери, Маркус.
أغلق الأبواب، يا ماركوس.”

رد ماركوس من الطرف الآخر، صوته مشوب بالانصياع التام:
– Хорошо, сэр.
– حسناً، يا سيدي.

أغلق سلطان الهاتف بهدوء، وعاد ينظر إلى الأسفل. من حيث يقف بدا كطيف أسود يطبق على المكان، يملك مفاتيحه ومصائره….

كل ما يجري في القاعة لم يكن سوى لعبة، واللاعب الحقيقي واقف في الأعلى، يوزع الأوامر بلمحة عين، كأن كل ما في القصر خاضع لسلطانه.
……..
على مسافة ليست بعيدة عن قصر ديفيد مايور، أخذت مروحية سوداء اللون تحوم في السماء كطائر جارح يبحث عن فريسته. نظر جلال عبر منظاره الليلي، وعيناه تلمعان بحدة الصقر الذي لا يخطئ هدفه…وخرج صوته همسا صارما، مشبعة ببرودة القناصين: ابدأ…

وفي اللحظة التالية، دوى الصمت برصاص لا يسمع. انطلقت الطلقات من قناصته، دقيقة ومدروسة، لتصطاد الحراس واحدًا تلو الآخر. سقطوا كما تسقط الدمى، دون صرخة، دون أثر، سوى أجساد خامدة تنزلق إلى ظلام الحديقة.

اقتربت المروحية بخفة فوق سطح القصر، والريح تعصف بشدة مع دوران شفراتها. أمسك جلال الحبل المعلق منها، وانزلق برشاقة مذهلة،

جسده ينحدر كظل لا يلمسه الضوء. لحقه رجاله واحدًا تلو الآخر، بخفة وهدوء لا يليقان إلا بأشباح مدربة.

وما إن وطأت أقدامهم السطح، حتى ارتفعت الطائرة بعيدًا، تاركة المهمة بين أيديهم.

أشار جلال إلى رجاله بإشارات صامتة مدروسة، كل حركة من يديه تحمل خطة محكمة…

انقسموا إلى مجموعتين، وانطلقوا في اتجاهين مختلفين، يهبطون عبر الممرات الداخلية للقصر….

كل خطوة كانت مدروسة، وكل حارس يعترض طريقهم كان يسقط في صمت مطبق، برصاصة صامتة أو بيد خاطفة تقطع أنفاسه إلى الأبد.

دفع جلال باب غرفة نوم ديفيد مايور ببطء، عيناه تمسحان المكان كحسابٍ بارد. بخفة واحتراف، بدأ يفتش الأثاث والجدران، أصابعه تتحرك بثقة رجل يعرف ما يبحث عنه…

ثم التفت إلى أحد رجاله وأشار بيده، صوته يخرج غامضا عميقا: عايز جهاز الأشعة السينية…

أخرج الرجل الجهاز الصغير، شاشة زرقاء تتلألأ عليها خطوط وأشعة متقاطعة….

أمسكه جلال بيد ثابتة، ومرره ببطء على الجدار المقابل. ظهر الصمت في الغرفة كثيف كالدخان، لا يسمع سوى أزيز خافت ينبعث من الجهاز…

لحظة بلحظة، تكشف طبقات الجدار أمام عينيه: الطوب، الفولاذ، ثم… فجأة انبثق على الشاشة خط داكن على هيئة مستطيل.

ابتسم جلال ابتسامة باردة، ولمعت عيناه كصياد وقع على فريسته…

ضغط بيده على الحائط، وبحركة خبيرة كشف الباب السري المخفي خلف لوحة خشبية ضخمة….

اندفع إلى الداخل ليجد خزنة حديدية ضخمة، محصنة وكأنها قلب القصر.

لم يتردد؛ ركع أمامها، أخرج أدواته، وأخذ يتعامل مع الأقفال بدقة قاتل يعرف أين يضع نصل خنجره…

دقائق معدودة، ثم انفتح الباب الثقيل بصرير مكتوم. في اللحظة ذاتها انطلق جرس إنذار حاد اخترق سكون القصر، كصوت ذئب يعوي في ليل دامس.

لكن جلال لم يلتفت. مد يديه بسرعة، وجمع ما وجده: أوراق مشفرة، سيديهات معدنية، فلاشات صغيرة لامعة، كلها معلومات سرية تكفي لإشعال حروب وإسقاط بلدان … دفعها في حقيبة سوداء محكمة، ونهض.

انفجرت الأبواب من حولهم، اندفع الحراس المسلحون كالسيل. رفع جلال يده إشارة لرجاله، لتبدأ رقصة الموت.

كان أولهم قد اندفع بسكين، فالتقطه جلال بذراع من حديد، دار بجسده نصف دورة، وكسر عنقه بلمحة عين. آخر صوب مسدسه، فانطلقت رصاصة من أحد رجال جلال لتخترق جبهته…

في زاوية الممر، انقض اثنان معًا، فتلقاهما جلال بركلة جانبية كسرت ضلع أحدهما، ثم انخفض فجأة وأطلق رصاصتين متتاليتين على الآخر، فسقط يتلوى.

القتال كان كالسيمفونية؛ كل حركة مدروسة، كل طعنة ورصاصة تأتي في وقتها….

رجال جلال انقسموا، يزرعون قنابل صغيرة لاصقة على الجدران والأعمدة، كل واحدة تومض بضوء أحمر خافت يوحي بنهاية محتومة.

كلما تحركوا للأعلى، كان الرصاص يملأ المكان كالبرق، وأجساد الحراس تسقط كأوراق خريف. ومع كل سقوط، كان الصمت يبتلع الصرخة قبل أن تولد.

أخيرًا، اندفعوا إلى سطح القصر… الهواء كان يعصف بشدة، وضوء المروحية العسكرية يخترق الظلام كعين من نار…

ألقى جلال إشارة أخيرة لرجاله، فتسلقوا الحبال بسرعة مذهلة. وما إن ارتفعت الطائرة بهم، حتى دوى انفجار هائل من أسفل، ارتج معه القصر بكامله.

تتابعت الانفجارات كسلسلة برق، ألسنة اللهب تشق السماء، والنوافذ تتطاير شظايا كالسهام… تحول قصر ديفيد مايور إلى جحيم ملتهب، دخان أسود يتصاعد إلى السماء، بينما المروحية تشق الظلام مبتعدة، تحمل أشباحها إلى الأمان.

جلس جلال داخلها، يلتقط أنفاسه، عيناه لا تزالان تتقدان… حقيبته بين قدميه، ثقيلة بما يكفي لإسقاط عالم بأسره… ابتسم ابتسامة قصيرة، وقال بصوت خافت حاسم : تمام يا سلطان

في الظلام المحيط بقصر الهواري،

حيث كان الصمت يلف المكان كغطاء من الرصاص، تسللت مجموعات ديفيد مايور إلى مواقعها. وجوه متجهمة، أسلحة ثقيلة مشهرة علي قصر الهواري علي استعداد، ينتظرون الإشارة لينقضوا على سلطان…

كانوا يظنون أن المفاجأة في أيديهم، لكنهم لم يدركوا أن الأشباح قد سبقتهم بخطوة.

على حافة الحديقة المترامية الأطراف، انخفض جاي بجسده قرب الأرض، عيناه تلمعان تحت ضوء القمر. أشار لرجاله بإيماءة قصيرة بالكاد ترى، فانطلقوا كظلال تتفتت بين الأشجار.

اقترب أول حارس من السور الخلفي، لم يسمع سوى حفيف الريح، ثم ذراع قوية لفت حول عنقه، وصوت خافت لسكين يخترق جلده…. سقط بلا صوت، وجر إلى العتمة.

رجل آخر كان يتفحص جهاز الاتصال في يده، لم يلحظ ظلا يقترب من خلفه. كم ثخين التف حول فمه، وسكين صغيرة غاصت بين أضلعه، فانحنى جسده وتهاوى كدمية مكسورة.

تحرك جاي بخفه كذئب جائع. اقترب من اثنين يتبادلان الإشارات قرب البوابة الجانبية… بخطوة سريعة، قفز خلف أحدهما، كسر رقبته بلمح البصر، ثم استدار ليواجه الآخر. الرجل لم يتمكن حتى من رفع سلاحه، إذ انغرز خنجر جاي في حنجرته، فسقط متخبطًا في دمائه، بينما عيناه تحدقان في الظلام كمن رأى الموت وجها لوجه.

ظل رجال جاي ينسابون بين الأشجار مثل الريح، كل واحد منهم يعرف دوره بدقة… أحدهم أطلق سهما قصيرا صامتا اخترق عنق حارس عند البرج الصغير، فسقط للخلف دون أن يطلق طلقة واحدة…

آخر التقط حجارة صغيرة، قذفها ليشغل انتباه اثنين من الحراس، وبينما التفتا، خرج من الظل وسدد رصاصتين كاتمتين إلى قلبيهما.

في دقائق معدودة، كان الطوق الذي زرعه ديفيد حول قصر الهواري قد تفتت تمامًا. أجساد الحراس تناثرت صامتة على العشب، ودماؤهم انسابت بلا شهود.

تجمع رجال جاي حوله، يتنفسون بانتظام كأنهم لم يخوضوا لتوهم معركة موت…

مسح جاي بيده سكينه الملطخة، ثم نظر إلى القصر، عيناه تومضان ببريق حاد، وقال بصوت منخفض كأنه يكلم الليل نفسه: The road is clear now it’s your turn Sultan
ــ الطريق أصبح نظيف ..الان حان دورك سلطان!!

في أذن سلطان اخترق الصمت صوت جاي، واثق، حاد
ولم يكد صدى كلماته يخبو، حتى جاء صوت جلال من الطرف الآخر، صوته عميق يحمل إصرار الحديد: انزل يا سلطان… وقتك جه.

أدار سلطان جسده عن النافذة، خطف معطفه الأسود الذي يكسو هيئته بهيبة لا يملكها سواه، ثم خطا نحو السلالم بخطوات ثابتة، كأن الأرض ترتجف تحت أقدامه. مع كل درجة ينزلها، كان الصمت يتكثف أكثر، حتى بدا كأن القصر كله يحبس أنفاسه.
…….
في المستشفى..

خيم الصمت على أرجاء المستشفى، وكان القلق يتسلل إلى النفوس كدخان كثيف يخنق الصدور….

جلست حياة على المقعد الطويل، يديها مشدودتان إلى حجرها، وعيناها ملعقتان بالأرض كأنها تخشى النظر إلى أي وجه…

مدت بطة يدها، وربتت بحنو على ساق ابنتها، وصوتها يخرج مبحوحا بالإنهاك: قومي يا حياة… روحي، عيال أخوكي في البيت، وجدك مش هيقدر عليهم يا بنتي، وكمان عيال أختك.”

هزت حياة رأسها بالنفي، ودموعها تنحدر في صمت، ثم غمغمت بصوت متهدج: مش هقدر يا ماما… أنا هموت من القلق لو روحت…. وكمان نوسة وآية وتقي في البيت.”

تنهدت بطة، ثم همسة متوسلة: يا بت روحي ساعديهم… هي القاعدة هنا هتعمل إيه؟ ده حتى…

لكنها لم تكمل جملتها؛ إذ انفتح باب الممر فجأة، واندفعت نوسة وآية وتقي يركضن بأقصى ما أوتين من قوة، أنفاسهن متقطعة، والدموع تغمر وجوههن. صاحت نوسة بنحيب يقطع نياط القلب: في إيه؟ حرام عليكم… محدش بيرد علينا ليه من الصبح؟”

سارع علي وعمار وراجح نحو زوجاتهم، يلقون عليهن الأسئلة والرجاء. قال علي بحدة امتزجت بالقلق: إيه اللي جابكم؟”

أجابت نوسة بصوت متكسر وهي تنتحب: بنرن… محدش بيرد… تلفونتكم مقفوله ليه !!

وانفجرت تقي بغضب يختلط بالدموع: ليه كده؟ إحنا دماغنا كانت هتنفجر من التفكير.”

أومأت آية برأسها، وصوتها يخرج محملًا بالرهبة: فكرنا… لا قدر الله… في حاجة.”

هز عمار رأسه نافيا، وحزنه باد على محياه، وغمغم: مفيش… التلفونات فصلت شحن بس، ومكناش عاملين حسابنا.”

مد راجح يده، وأمسك بكف تقي، وجذبها لتجلس، وقال بحنان مرهق: تعالي اقعدي… واستهدي بالله.”

لم تهدأ نوسة، فأشارت بعينين دامعتين، وهتفت بحرقة:
أمال فين عليا؟ وفين خالتي عايدة؟”

أجابت بطة وهي تشير إلى الداخل، والدمع يتلألأ في عينيها: جوه… عليا يا حب عيني وقعت من طولها.”

تجمدت آيه برعب وهتفت تقي ونوسة معًا، وكأن قلبيهما انقبضا دفعة واحدة:يا قلبي! هدخل اشوفها.”

أومأت بطة موافقة، ثم التفتت إلى حياة وضغطت على قلبها بيدها: يلا يا حياة… البنات جم، روحي يا بنتي.”

اقترب إبراهيم بخطوات مترددة، وقال وهو يمد يده إليها:تعالي أوصلك يا حياة… ومتتعبيش أمك.”

أومأت برأسها في صمت، ونهضت متثاقلة، ثم غمغمت بصوت مبحوح وهي تبتعد: هبعتلكوا الشاحن مع ابراهيم… اشحنوا، ولما اتصل أردوا بسرعة وطمنوني.”

اومات لها بطه بالموافقه ..وتبادل الجميع النظرات في صمت مثقل بالوجع، بينما كانت حياة تغادر وهي تمسح دموعها بكفها، هامسة بدعاء يكاد يختنق في حلقها:
يا رب…”

بعد لحظات خرجت زاد من غرفة العناية تركض كمن يحمل البشرى بين يديه، وصرخت بصوت مرتجف:
خالتي! عز فاق… يا خالتي!”

تجمد الجميع لوهلة، ثم شهقوا كأنهم يستعيدون أنفاسهم بعد غرق طويل. دوت في المكان زغرودة بطة، لكنها كانت زغرودة مشوبة بالدموع، مرتجفة كقلبها وهي تهتف: يا مانت كريم يا رب!”

انفجرت المشاعر دفعة واحدة؛ عانق عمار أخاه ياسر والدموع تسيل على وجنتيه، بينما طوق علي ذراع راجح بقوة عارمة، وربت العتال على كتف خليفة وهتف من أعماقه: الحمد لله! تعالى نطمن عاشور بسرعة.”

اندفعوا جميعًا نحو غرفة عاشور، وما إن دخلوا حتى وجدوه يهوي ساجدا أرضا، والدموع تغسل وجهه، يجهش ببكاء مرير وهو يلهج بحمد الله شاكرًا.

في تلك اللحظة، هرولت بطة نحو غرفة عليا، وصوتها يعلو مرتجفا بالفرح: عليا! يا قلب أمك… عز فاق يا بت!”

قفزت عليا من بين أحضان عايدة، كمن دفعت بقوة لا تقاوم، وركضت وهي تبكي بحرقة وصاحت بلهفة تكاد تخنقها: فاق… فاق والنبي!”

تبعتها عايدة، والدموع تتساقط من عينيها، وهي تقلب يديها تقبلهما من الجهتين وهتفت بحرارة ممزوجة بالامتنان: الحمد لله يا رب… جبرت بخاطري، يا خابر كل مكسور.”

تجمعوا جميعًا عند زجاج العناية المركزة، عيونهم معلقة بالداخل، يراقبون إيهم وهو يفحص عز ويتأكد من استقرار حالته…

اختلطت الضحكات بالدموع، في لحظة نادرة لا تشبه سوى الحب حين يبعث من تحت الركام.

وبعد لحظات بدت دهورًا، فتح الباب، ودفع سرير عز خارج العناية، والكل اندفع حوله كأنهم يحرسون الحياة ذاتها…

أياد كثيرة تمسكت بأطراف السرير، وعيونهم لم تفارق وجهه المرهق، ذلك الوجه الذي يترنح بين اليقظة واللاوعي.

لكن، وسط كل ذلك، تحركت يد عز في بطء معجز، تعرف طريقها كأنها تعود إلى وطنها الأول؛ قبضت على كف عليا بقوة باهتة لكنها يقينية…

شهقت عليا شهقة حارقة، وانكبت على يده تقبلها بجنون، دموعها تتساقط على جلده كندى مقدس، وهي تنشج بحرقة:حمد الله على سلامتك… يا عمري، يا كل دنيتي.”

دلفوا غرفة عز بخطوات متسارعة، يتسابقون إلى أن يحيطوه، وحملوه بحرص شديد حتى استقر على السرير، تتناوب أيدي راجح وياسر وعمار وعلي على تثبيته كأنه كنز لا يقدر بثمن.

اقتربت منه عليا أولًا، ثم لحقتها عايدة وبطة، وكل واحدة منهن تقبله وتمسح على رأسه بحنان غامر، بينما ابتسم عز ابتسامة واهنة، لا تفارق عيناه وجه عليا، كأنها وحدها من تمنحه الحياة. همس بصوت مبحوح: إنتي كويسة؟”

هزت رأسها بالنفي، ودموعها تنهمر بصمت خانق… ربت على يدها بلطف، وصوته يكاد يتلاشى: فين سلطان… وضي؟”

انحنت عايدة فوقه تقبل جبينه، وغمغمت وهي تبكي:
كويس والله يا بني، متشغلش بالك.”

نظر عز حوله بدهشة وارتباك، وصوته يخرج واهيًا:
هو فين؟”

اقترب منه ياسر، وأمسك بيده ليطمئنه: سلطان بخير… وضي تعبت شوية، راح يروحها وزمانه جاي، يا حبيبي، متقلقش.”

أومأ عز برأسه ببطء، كأنه يجاهد ليثق، وهمس برجاء ضعيف: بأمانة…سلطان! كويس سلطان؟”

شد ياسر على يده، وصوته متحشرج بالدموع: والله كويس.”

اقترب عمار، وانحنى يقبل منكب أخيه، هامس بحرقة مخلوطة بالامتنان: انت فديته يا شقو… كنا هنموت عليك يا أخويا.”

انزلقت دموع عز على وجنتيه، وتردد صوته المرتجف:
الحمد لله.”

ثم جاء علي، وربت على كفه بحنو، وهتف بصوت مبحوح: حمد الله على السلامة يا شقو… وجعت قلبنا يا راجل.”

وفجأة، اندفع إيهم إلى الداخل، وابتسامته تشع فرحا وهو يعلن بصوت متهلل: الحمد لله يا جماعة… الأشعة زي الفل، والرصاصة مش هتسيب عليه أي أثر!”

ارتفعت الهتافات في الغرفة بصخبٍ غامر، ضحكات ودموع تتشابك في لحظة واحدة: الحمد لله… قدر ولطف!

شهقت عليا وانكبت على رأس عز ووجهه تقبله بجنون، تردد بصوت متحشرج يغلبه البكاء: الحمد لله يا حبيبي… يا عمري.”

ابتسم عز ابتسامةً مُرهَقة لكنها صافية، وهمس بمكر خافت لا يسمعه غيرها: عليا… الناس حوالينا، يا قلبي.”

تورد وجهها حياء، وعضت شفتها السفلى بخجل طفولي، قبل أن تتراجع مختبئة خلف عايدة… تعالت الضحكات في الغرفة، ضحكات دافئة كسرت ثقل الألم، لتملأ المكان بروح جديدة.

…………
عوده الي روسيا

دخل سلطان إلى القاعة المستديرة، وقف الجميع دفعة واحدة… كراسيهم انزلقت إلى الخلف في ارتباك، ووجوههم شحب لونها تحت وطأة حضوره…

لم يجرؤ أحد أن يتنفس بصوت عالي. أمام هيبة سلطان التي غطت المكان كليل ثقيل،

حتى أن أعين الرجال لم تستطع أن تلتقي بعينيه، إلا رجل واحد… ديفيد مايور.

ظل ديفيد جالسا، سيجارته بين أصابعه، عيناه تلمعان بمكر. ابتسم ببطء ..وبمجرد أن أومأ ديفيد برأسه إشارة صامتة، بدأ رجاله يخرجون من بوابة القصر واحدًا تلو الآخر. خطواتهم مترددة، عيونهم زائغة، وكأنهم يساقون إلى قدرٍ محتوم….

وفي الخارج،

كان جاي ورجاله ينتظرون في الظلال، يتحركون بخفة الذئاب المدربة… كل من تطأ قدماه العتبة، يجد قبضات فولاذية تكمم أنفاسه قبل أن يدرك حتى ما يحدث…
يطرح أرضا، يكبل، ويسحب بعيدًا بصمت مرعب، حتى لم يبق منهم أحد.

داخل القصر،

ساد صمت كثيف كأن الأنفاس توقفت. لم يبق في البهو الكبير سوى سلطان واقفا بثبات، قامته شامخة كجبل لا تهزه الرياح،

وعيناه مثبتتان في عيني ديفيد. في تلك اللحظة بدا المكان كله يضيق، الجدران تطبق عليهما، وكأن القصر لا يتسع إلا لاثنين فقط: الملك والخصم.

ارتسمت على شفتي ديفيد ابتسامة باردة، ابتسامة من يعرف أنه أمام خصم استثنائي….

أما سلطان، فظل واقفا بلا حراك، لكن الهيبة التي تسري منه كانت كافية لأن تشعل الأرض تحت أقدام عدوه.

حتي تجرد المشهد من كل الضوضاء، ولم يتبق سوى مواجهة رجلين… صراع عيون، وصراع نفس، صراع سيحسم بيد من حديد ودم لا محالة.

انعكست أضواء القاعة على عيني ديفيد وهو يرمق سلطان بنظرة متهكمة، وصوته يتسرب ببطء بارد:
إنت متعرفش أنا مستني اللقاء ده من إمتى… من يوم ما خليت خلف يشارك البدري.”

لم يهتز سلطان، ظل واقفا بصلابة والبرود يكسو ملامحه، ورد بحدة حاسمة كأن كلماته سهام:ولا إنت تعرف… أنا مستني اللحظة دي من إمتى…

من يوم ما قتلت عثمان البدري… ومن يوم العقود المزورة اللي خطفتوا بيها كل أملاكه”

ارتفع حاجبا ديفيد قليلًا، ثم هز رأسه في بطء متعال، وصوته ينزف جليدًا: العقود مش مزورة… هو مضى بنفسه.”

ابتسم سلطان ابتسامة باهتة تحمل وراءها سخرية لاذعة، مد يده إلى أحد الأدراج ببطء محسوب، وأخرج ظرف أنيق .. ألقى به أمام ديفيد بقوة، كمن يرمي بحقيقة دامغة، وقال بتهكم يلسع الهواء:البدري… اتنازل عن كل أملاكه لأولاده قبل ما يتقتل بيوم، وقبل ما يمضي ليكم بحاجة. يعني العقود… مزورة.”

ارتعشت نظرات ديفيد للحظة، وهو ينحني يلتقط الأوراق بعصبية، عينيه تزدادان اتساع بدهشة غير متوقعة. نهض فجأة من مقعده، صوته يرتفع محتدًا: لما الورق ده معاك… سكت كل الوقت ده ليه؟”

ارتسمت على شفتي سلطان ابتسامة عبثية، باردة، كمن كان يدير اللعبة منذ بدايتها، وأجاب بنبرة تقطر يقين:
عشان أجيبك لحد عندي … هو إنت فاكر إني كنت مصدق إن خلف يقدر يعمل كل ده؟ أنا من أول لحظة، من ساعة ما المتر علام قابلني وأنا نازل من المطار… كنت متأكد إنك وراه.”

فلاش باك

خرج سلطان من المطار بخطوات مثقلة بالوقار، وجهه صارم وعيناه متوجستان، حتى توقف فجأة وقد قطب حاجبيه بدهشة حين لمح رجلًا يقف في انتظاره كأنه يعرف موعد قدومه….

كان الرجل يتقدم نحوه بخطوات متسارعة، وعلى وجهه لهفة واضحة، وما إن وصل إليه حتى هتف بصوت مضطرب: أخيرًا… أنا قلبت الدنيا عليك يا سلطان!”

رمقه سلطان ببرود وحذر، وصوته خرج غامضا، محمّلًا بالريبة: إنت مين؟”

أشار الرجل إلى نفسه، وقال بجدية مشوبة بحزن عميق:
أنا علام رئيس المحاميه الخاص.بتاع عثمان البدري الله يرحمه،

تسمرت عينا سلطان عليه، والدهشة تتسرب من قسماته، وارتجف صوته رغم قوته: الله يرحمه؟!… أبو عمار اتوفى؟”

أومأ علام برأسه، والحزن يغلف نبراته: أيوه يا ابني… مات من يومين وسيبلك أمانة تقيلة… تقيلة أوي.”

انقبض صدر سلطان، وخطواته تسارعت كمن يريد الهروب من ثقل الخبر، وهتف بعزم نافذ:أنا لازم أشوف عمار الأول.”

أمسك به علام من ذراعه، صوته يتوسل بإصرار:استنى… لازم تفهم الأول اللي حصل قبل ما تشوف عمار. تعال نقعد في العربية وأنا هفهمك كل حاجة.”

تردد سلطان لحظة، ثم أومأ برأسه ورافقه… دخلا السيارة، وما إن جلسا حتى أخرج علام ملفا أنيقا،

ناوله لسلطان بيد مرتعشة. التقطه سلطان بسرعة، فتحه وبدأ يقلب أوراقه بعينين لامعتين، يقرأ كل سطر بتركيز وصمت يشبه العاصفة قبل أن يهدر. رفع رأسه ببطء وقال بحدة:ده تنازل… من عثمان البدري لولاده بكل أملاكه؟”

أومأ علام بحزن: أيوه… وقعوا قبل ما يتقتل شهر واحد.”

أطبق سلطان قبضته على الورق، لكن علام أكمل بصوت متوتر:وبعد ما مات… ظهر ورق تاني… تنازل برضه، بس لخلف شريكه في مصنع الحديد، بتاريخ قبل اليوم اللي مات فيه عثمان باسبوع .”

تجمدت ملامح سلطان، وانعقد حاجبه بغضب حاد، وهتف ساخرا بمرارة: ما هو واضح… خلف ابن مـ****. أكيد مزور العقود دي… أو يمكن مضّى البدري غصب عنه. وأصلاً… يبلها ويشرب ميتها! البدري كان متنازل قبلها بشهر … يعني اللي مضاه بعد كده ما يسواش.

أطرق علام رأسه ثم رفع عينيه بتوتر: عشان كده… الورق ده لو ظهر دلوقتي… هيقتلوا عمار وأخواته زي ما قتلوا أبوهم. الورق ده… ما ينفعش يظهر دلوقتي.”

ساد الصمت لحظة، قبل أن يضيف علام بصوت منكسر:
سلطان… أنا ماعرفش ليه البدري حط ثقته فيك. بس قالي إنك الوحيد اللي تؤتمن على الورق ده. وإنت اللي لازم تحط إيدك في إيد عمار… وتساعده.”

أطرق سلطان رأسه، ثم رفع نظره بثبات:يعني عمار ما يعرفش أي حاجة عن الورق ده؟”

ــ لأ… ومينفعش يعرف. حياته هتبقى في خطر. اللي قتلوا عثمان… مش هيسيبوا وراه حد. وخلف عايز كل حاجة… وأولهم ضي… بنته.”

اشتعلت عين سلطان بغضب قاتل، وصوته دوى كهدير:
وماله بضي؟”

هز علام رأسه بارتباك: مش عارف. بس عثمان في آخر أيامه… كان بيجيله تهديدات كتير بخصوص ضي. كأن اللي بيبعت الرسائل… واحد مختل.”

كور سلطان قبضته حتى ابيضت أنامله، الشرر يتطاير من عينيه. لكن رنين الهاتف قطع شروده. التقطه بسرعة، وصوت عمار جاءه غاضبا، مضطربا:إنت فين؟! الحقني بسرعة… أنا في مصيبة… الدنيا بتولع هنا!”

تجمد سلطان لوهلة، نظر إلى علام، ثم رد بصوت أجش، مبحوح بالغضب : أنا جاي حالًا.”

أغلق الهاتف بعنف، ثم دفع باب السيارة ونزل، متوجهًا إلى سيارته بخطوات صاخبة. لحقه علام وهتف بقلق:
هتعمل إيه يا سلطان؟! شكل الحيوان اللي اسمه خلف راح لعمار القصر عشان يطردهم.”

أدار سلطان رأسه نحوه، وصوته خرج كالعاصفة:
هنفذ وصية الميت… ولو على رقبتي! عمار وأخواته في حمايتي… واللي عينه تبص لضـي… هغزاها.”

ثم صعد السيارة، وأدار محركها بعنف، وانطلق يشق الطريق كالسهم. وقف علام يتابعه، وابتسامة حزن وإعجاب ارتسمت على وجهه، وتمتم بخشوع:
عثمان… نظرتك ما تخيبش أبدًا. الله يرحمك يا صاحبي.”

عودة

رفع ديفيد حاجبه، وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة إعجاب باردة، وهو يغمغم بسخرية متعمدة: والله عجبتني… أنا معايا ع الخط من وقتها بقى… بس انا اللي كانت عايز ضي مش خلف!!

في لحظة واحدة، تحولت ملامح سلطان إلى بركان انفجر غضبا.

اندفع نحوه، قبض على ياقة سترته بقبضة فولاذية، وسحبه بعنف حتى ارتطم ظهره بالجدار…

عيني سلطان اشتعلتا كجمرتين، وصوته دوى كالرعد وهدر: غلطت عمرك… لما حطيت عينك على حاجة تخص سلطان الهواري!”

ارتطم جسد ديفيد بالحائط، لكنه ظل ينظر إليه ببرود قاتل، وغمغم ببطء:أمال لما آخدها… هتعمل إيه؟”

ارتجف الهواء بينهما من
شدة الغضب المتبادل، وانفجرت شرارة في عيني سلطان وهدر بجنون: هتخدها إزاي؟! أحب أعرف.”

وقبل أن ينفجر الصراع أكثر، اخترق أذن سلطان صوت جلال السعيد عبر الجهاز، صوته جهوري يحمل البشرى:
سلطان… عز فاق! فاق يا سلطان وعدى مرحلة الخطر!”

شهق سلطان، كأن صخرة ثقيلة انزاحت عن صدره، وانزلقت دمعة حارة من عينه، مسحها سريعًا بكفه قبل أن يلحظها أحد… ارتجف صوته لحظة ثم دوى بعزم متجدد:
ـينصر دينك… تصدق؟! هاحترمك من دلوقتي.”

رد جلال بصوت ممتعض ساخر، ممتزج بالحنق:
ـطب غور واخلص… كفاية لت وعجن، أنا جيلك.”

عاد سلطان ببصره نحو ديفيد، نظرة كفيلة بحرق الهواء المحيط به. كان الغضب يتفجر من عروقه، بينما أخرج ديفيد هاتفه، وغمغم بإنجليزية مشوبة بالارتباك:
ــ “Now… الآن.”

صمت لحظة، أرهف السمع في انتظار الرد. لكن لم يأت صوت… تكررت محاولته، صوته بدأ يتخلله الغضب:
ــ “Hello?! Now you idiots! الو… الآن أيها الحمقى!”

وفجأة اخترق السماعة صوت جاي، صوته كالثلج يقطع العظم:
ــ “Shut up, David. He’s finally fallen into the jaws of death.”
ــ “اخرس يا ديفيد… لقد سقط أخيرًا بين فكي الموت.”

تجمد ديفيد، والذهول يكسو ملامحه و هتف:
ــ جاي كاي؟!”

أومأ سلطان برأسه، ببرود يقطر حقدا وغضبا، قبضته ما زالت تطحن ياقة سترته،

ثم رفعه بقوة وضرب جبهته بعنف متكرر حتى ارتج جسده، وهدر بصوت وحشي: هشوقك يا ابن المرة الـ!”

انفجر المكان فجأة بصوت ارتطام الأجساد، كأن جدران القصر ارتجت على وقع معركة لا تعرف الرحمة…

اندفع ديفيد بجسده الضخم ليحرر نفسه من قبضة سلطان، وضربه بلكمة هادرة أصابت وجهه فانفجر الدم من زاوية فمه…

لكن سلطان لم يتزحزح إلا خطوة واحدة، ثم رد بلكمة أشد، جعلت أنف ديفيد يتشقق والدم يسيل بغزارة.

اشتعلت الغرفة صراعا؛ جسدان جباران يتبادلان الضربات كالمصارعين، كل ضربة تحمل ثقل العداوة القديمة…

تناثرت الكراسي ، الطاولة الفخمة تحطمت إلى نصفين حين ارتطم بها جسد ديفيد، والمزهريات الكريستالية تهشمت تحت الأقدام، والزجاج تناثر كالخناجر في أركان المكان.

رفع ديفيد إحدى القطع الخشبية المكسورة وانقض بها، لكن سلطان خطفها من يده بعنف وكسرها نصفين على ركبته، قبل أن يغرس أحدها في كتف خصمه فارتفع صوته بصرخة مكتومة.

ورغم الألم، اندفع ديفيد بقوة وحشية، التف حول جسد سلطان وضربه في ظهره كأنه يريد كسر عموده الفقري.

لكن سلطان… سلطان كان جبلًا. استدار فجأة، ورفع ديفيد عن الأرض بقوة عضلاته الحديدية، ثم قذفه على الحائط حتى ارتجت القاعة…

حاول ديفيد أن ينهض، لكن سلطان لم يمنحه الفرصة. انقض عليه، قبض على رقبته كأنها عود هش، وضغط بكل ما في داخله من حقد وغضب.

صوت التكسير تردد في الغرفة، مزلزلًا. عظام ديفيد تفتت بين يديه، والعمود الفقري انحنى بصرخة أخيرة مزقت صمت المكان…

لم يكتف سلطان… بل لوى رأسه ببطء، حتى انكسرت الرقبة تمامًا، وانفصلت المفاصل كأنها لعبة مكسورة.

سقط جسد ديفيد كدمية بلا حياة، مشوها، لا عظم فيه يستقيم على آخر…

ساد الصمت القصر بعد أن هدأت المعركة، وارتسم الدمار في كل ركن؛ الأثاث محطم، الجدران مشققة، وبقايا الزجاج متناثرة تحت الأقدام.

وفي قلب هذا الخراب، وقف سلطان منتصبًا، أنفاسه متلاحقة ووجهه يقطر عرقا ودما، فيما جثة ديفيد ملقاة تحت قدم سلطان ككومة لحم مكسور، لا رابط بين عظامه سوى خيط الموت البارد.
………

في شقه فريد الصياد
حيث الشقة غارقة في هدوء ثقيل كالغبار، دلفت عهد إلى الغرفة بخطوات متثاقلة، تحمل الهاتف بيد مرتجفة. ضغطت على الشاشه ، لحظات مرت وكأنها دهور، حتى جاءها صوته الخشن، نبرة الرجولة التي تشتعل تحتها المحبة : إيه يا عمري؟”

انهارت عهد في نحيب مختنق، وصوتها يتهدج:
فريد… ضي منهارة، وأنا مش قادرة أهديها… فات اليوم كله ومافيش خبر… البنت مش مستحملا.”

أغمض فريد عينيه للحظة، كأنما يجمع شتات صبره، ثم أومأ برأسه وتمتم بصوت أجش يقطر حزم وحنان في آن واحد: أنا جاي يا حبيبي… جاي حالًا. اهدي إنتي بس.”

ابتلعت عهد دموعها، وهمسة برجاء مرتجف: سوق ع مهلك يا حبيبي.”

ـ حاضر… سلام.”

أنهى المكالمة، ووضع الهاتف ببطء، ثم غمغم في صوته غليان مكتوم: سامح… وصلني بجلال.”

مد سامح الجهاز نحوه بعد أن أجرى الاتصال، وهتف باقتضاب: أهو.”

رفع فريد الهاتف إلى أذنه، صوته يأتي كالرعد المكبوت:
وصلتوا فين؟”

جاءه صوت جلال عبر الأثير، حادا باردا: مستني إشارة من سلطان… هو وديفيد لوحدهم في القصر.”

ارتفع حاجب فريد في سخرية غاضبة، وهدر كالنصل القاطع: سلطان مش هيدي إشارات يا جلال! ادخل… هتلاقيه بيشرب من دم أم ديفيد يا عر*…

في تلك اللحظة، كان جلال وجاي قد ترجلا من السيارة ودلفا إلى القصر، فتعالت نبرة جلال وهتف بغيظ:
حصل يا دنجوان؟”

هزّ فريد رأسه بيأس، وتنفس بعمق كمن يحاول أن يفرغ صدره من النار، وتمتم ببرود ساخر: اتنيل… هاتوه وارجع.”

أغلق الاتصال، وألقى الجهاز في حجر سامح بغلظة، ثم انصرف بخطوات غاضبة تحطم الأرض تحت قدميه. تابع سامح المشهد مبتسما بمرح خبيث، يهز رأسه كمن اعتاد على ثورة فريد وعواصفه…
…..
عوده الي روسيا

تأرجحت عيونهما في ذهول على المشهد، كأنهما لم يصدقا أن قوة بشرية قادرة على ترك هذا الخراب…

ارتسم الرعب في ملامحهما للحظة قبل أن ينفجر جلال صارخا : الله يخرب بيتك يا سلطان! كانوا عايزينه حي.”

استدار سلطان ببطء، بعينين جامدتين كسيوف مسلولة، وقال ببرود قاتل: ما هو حي… حي حتة واحدة أهو.”

زم جلال شفتيه بحنق وهو يشير إلى الجثة المهشمة:
حتة واحدة؟”

أومأ سلطان برأسه مبتسمًا بسخرية غامقة: أيوه… دانا كنت ناوي أشقه أربع تربع. بس افتكرت إنكم عايزينه حي… مش فكة.”

انفجر جاي بضحكة صاخبة وسط أجواء التوتر، ثم أردف بالعربية المكسرة: إحنا كنا عايزين نحقق معاه سلطان .”

لم يتغير وجه سلطان، بل زاده البرود صلابة وهو يرد بهمس كالسيف:أنا حققت… حكمت… ونفذت. ماحبتش أتعبكم انا غلطان .”

أشار له جلال بتنهيدة ثقيلة: لا يا اخوي كتر خيرك تعبناك تعال يا خوي… الطيارة مستنيانا، خلينا نرجع بلدنا.”

ارتسمت على ملامح سلطان ابتسامة صافية لأول مرة منذ زمن، كطفل عاد من حربه سالماً، وقال بلهفة مكبوتة:
أوي… وحشتني مصر أوي.”

اقترب من جاي وضمه بحضن قوي، وهتف بصوت متأثر:
شكرا جأي ..مش هنسي اللي عملته معايا طول عمري !

ربت جاي على ظهره وقد امتلأت عيناه بصدقٍ نادر، وقال: أنا اللي لازم أشكركم يا سلطان… سنين وأنا بسعى للقبض على الشبح، وبمساعدتكم اتخلصنا منه.”

اقترب جلال وضمه هو الآخر مرددًا بحرارة:مع السلامه يا جاي.”

ابتسم جاي وربت على منكبه، ثم قال وهو يشيّعهما:
مع السلامه جلال بالمناسبة يا رجل … احمل سلامي لفريد الصياد، وقوله إني اشتقت للقاه.”

أومأ جلال برأسه مبتسمًا: هيوصل

تحرك جلال وسلطان معًا نحو الطائرة، وخلفهما يبتلع القصر صمته من جديد…. وما إن ارتفعت الطائرة تخترق سكون الليل، حتى ارتسم على وجه سلطان ابتسامه نادرة… ابتسامة رجل هزم شبحه وعاد أخيرًا إلى وطنه.

…..
في شقه فريد الصياد

وصل فريد إلى شقته، وصوته يسبق خطواته وهتف بحرارة: عهد! فينك يا قلبي؟

خرجت عهد من الغرفة بخطوات متثاقلة، تحمل يزن بين ذراعيها، ملامحها منهكة وصوتها متعب وغمغمت : أنا هنا…

وقعت عيناه على الطفل الصغير، فزم شفتيه بحنق ساخر وتمتم: هو الواد ده صاحي ليل ونهار ولا إيه؟

أومأت عهد برأسها، والدموع تتلألأ في عينيها من شدة الإرهاق، وهمسة بصوت متهدج: آه… وأنا تعبت… ومش راضي باي داده منهم !!

اقترب منها فريد، أخذ الطفل من بين ذراعيها، ومرر يده على شعرها بحنان أخاذ وهمس: لا… سلمته المدلع بتاعي، أبو العيال على اللي جابهم.

انفجرت عهد بضحكة قصيرة وسط دموعها وقالت: بس بقى… ادخل شوف ضي.

أومأ برأسه، وغمغم بثقة: هديها، يزن يشغلها شوية… واجيلك اعملك مساج ..

قهقهت عهد بخفة وردت: إنس عندها أصلاً.

ابتسم بعبث وهمس: ده كده حلو اوي !!

تقدّم فريد إلى غرفة ضي، ودلف إليها مبتسمًا وهتف:
ضي القمر! سلطان جاي في السكة.

شهقت ضي بدهشة ممزوجة بسعادة جارفة، وقفزت من سريرها والدموع تلمع في عينيها: بجد؟ بالله عليك بجد؟!

ابتسم فريد وربت على كتفها مؤكدًا: آه والله بجد، الحمد لله… كل حاجة عدت على خير.

انفجرت شهقة جديدة من ضي، مزيج من ذهول وسعادة، قبل أن ترتمي في حضنه بعفوية صارخة، وهتفت بصوت مرتجف:أنا متشكرة أوي… مش عارفة أقولك إيه… بجد إنت ملاك، والله العظيم ملاك!

ابتسم فريد ابتسامة أخوية حانية، وهو يربت على منكبيها:أنتي وسلطان زي إخواتي… ربنا يسعدكم.

لكن ما إن سمعت اسم سلطان حتى اضطرب جسدها كله، تراجعت خطوة إلى الوراء، والدموع تنحدر من عينيها، وغمغمت بخجل: أنا آسفة… والله ما حسيت بنفسي… من فرحتي بس!!

أجابها فريد بابتسامة واسعة وهز رأسه بمزاح أخوي:
مفيش حاجة… دانا أديك مرتين يا بت… يعني اد ابوكي!!

ضحكت ضي وهزت رأسها بالنفي وهمسة: بابا ايه حضرتك وسيم اوي وصغير علي بابا انتي زي عمار عندي والله !!

ضحك فريد بصخب وهتف: متشكر يا قمر!!وانتي زي سما اختي.. وبنتي ماسه!!

خفضت ضي عينيها، تفرك كفيها بخجل طفولي، ثم همسة برجاء: ممكن حضرتك توصلني المستشفى؟… عايزة أطمن على عز.

أومأ فريد برأسه دون تردد وقال بحزم: طبعًا… البسي وأنا هستناكي بره.

أشارت برأسها موافقة، فيما انسحب فريد بخطوات ثابتة ينتظرها خارج الغرفة.

ووووووووووووووووووووو


ساحره القلم ساره احمد

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
809 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Samar
Samar
1 شهر

اكيد تحفه من قبل ما اقراه بالتوفيق ي قلبي❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Samar

تسلمي يا قمر ♥️

Sara
Sara
1 شهر

البارت تحفة من قبل ما اقرأ

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Sara

تسلمي يا قمر ♥️

رونا
رونا
1 شهر

تحفة التحف ♥♥♥🥰

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  رونا

حبيبتي تسلمي ♥️

Rooa
Rooa
1 شهر

من قبل ما أقرأ اكيد تحفه اكيد روعه ❤️✨

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Rooa

تسلمي يا قمر ♥️

May
May
1 شهر

تسلم ايديك

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  May

تسلمي يا قمر ♥️

May
May
1 شهر

تحفة

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  May

حبيبتي تسلمي ♥️

Imen Kraoua
Imen Kraoua
1 شهر

أكيد البارت تحفة من قبل ما أقرأ 🔥

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Imen Kraoua

حبيبتي تسلمي ♥️

Imen Kraoua
Imen Kraoua
1 شهر

حبايبي من نتسوش الفوت

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Imen Kraoua

صح ي ايمو ♥️

Imen Kraoua
Imen Kraoua
1 شهر

💗💗💗💗💗

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Imen Kraoua

♥️♥️♥️♥️♥️

نهاد بهجت
نهاد بهجت
1 شهر

سارة تنفع فى المخابرات
وبعد. كده لو فى مجرمين ولا حاجة ومش راضيين يعترفوا هنخلى سرسورة تكتب للظباط يعملو ايه 🥲

ندي
ندي
1 شهر

حصل 😂😂😂

نهاد بهجت
نهاد بهجت
1 شهر

بس بجد ابداعك المرة دى فوق الخيال يا سووووووووووو 🤍🤍🤍
مستنيين لقاء سلطان وضي 😉😊

ندي
ندي
1 شهر

التفاعل يتم وينزل ♥️

Shimooo
Shimooo
1 شهر

جميييل جداا تسلم ايدك😍❤️❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Shimooo

تسلمي يا قمر ♥️

Enas adel
Enas adel
1 شهر

ايه الجمال ده

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Enas adel

♥️♥️♥️♥️♥️

Nour ELtaybe
Nour ELtaybe
1 شهر

تحفه ياقلبي ❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nour ELtaybe

حبيبتي تسلمي ♥️

مجهول
مجهول
1 شهر

تحففففهههه

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  مجهول

تسلمي يا قمر ♥️

غزل
غزل
1 شهر

تحفه تسلم ايدك ❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  غزل

حبيبتي تسلمي ♥️

سمسمه
سمسمه
1 شهر

💚💚♥️🔥🔥🔥🌹🌹💗💞💙💗💗💓💚💯💯🔥🔥🔥💯🔥💯💜💯💯💜💜🖤🖤💓💓💚♥️🌷♥️💚💝❤️👌الجمال عدي الكلام 🌷🌷🌷🌹

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  سمسمه

♥️♥️♥️♥️♥️

سمسمه
سمسمه
1 شهر

جميل اللهم بارك

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  سمسمه

حبيبتي تسلمي ♥️

Omnia
Omnia
1 شهر

❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Omnia

♥️♥️♥️

Noora
Noora
1 شهر

تسلم ايدك روعه 😍❤️❤️❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Noora

تسلمي يا قمر ♥️

Noora
Noora
1 شهر

ابداع يا حبيبتي 😍😍😍😍😍

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Noora

تسلمي يا قمر ♥️

Noora
Noora
1 شهر

تحفههه 😍😍♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Noora

تسلمي يا قمر ♥️

Mony
Mony
1 شهر

حلو

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Mony

♥️♥️♥️♥️

Zahraa
Zahraa
1 شهر

قلبي وقع في رجلي طول القتال الرهيب اللي حاصل ده
انتي اشتغلتي في المخابرات قبل كده؟
ليك حد اشتغل في المخابرات قبل كده؟
انتي متكتكة عسكرية؟
طيب انتي شغالة في التكتكة العسكرية؟
انت مسكتي مجرمين قبل كده؟
خططتي تمسكي مافيا قبل كده؟
انتي بتفهمي روسي؟ والماني؟ وفرنسي؟
انت مين😆😆
بجد رهيب رهيب رهيب يا سارة مش ممكن والله
عز فاق الحمدلله والرصاصة مأثرتش علي حاجة
دي حاجة زي العسل خبر جميل جميل فرحت معاهم وبوسته معاهم

ثقة ابو ضي في سلطان حاجة تحفة اكتشاف مختلف
الدنيا مزبطة ببعضها بطريقة حلوة جدا جدا الحقيقة

انتي حد عظيم وشغلك عظيم

منتظرين الباقي علي نار يا قمر
وسلامتك الف مليون سلامة يا حبي

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Zahraa

ساحرة القلم ساره ي روحي توقعي اي حاجه ♥️♥️♥️🌚

Nehal
Nehal
1 شهر

تحفة ♥️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nehal

حبيبتي تسلمي ♥️

صو
صو
1 شهر

💗💗💗💗

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️

صو
صو
1 شهر

🔥🔥🔥🔥🔥🔥

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️

صو
صو
1 شهر

❤️❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️

صو
صو
1 شهر

🌸🌸🌸🌸✨

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️

صو
صو
1 شهر

😍😍😍😍

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️♥️

صو
صو
1 شهر

🥰🥰🥰🥰

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️♥️♥️

Doha Tarek
Doha Tarek
1 شهر

تحفه ❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Doha Tarek

حبيبتي تسلمي ♥️

صو
صو
1 شهر

💯💯💯💯

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️

صو
صو
1 شهر

🌹🌹🌹🌹🌹

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️♥️

صو
صو
1 شهر

❤️❤️❤️✨

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️♥️

Aya Sayed
Aya Sayed
1 شهر

تحفه

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Aya Sayed

حبيبتي تسلمي ♥️

صو
صو
1 شهر

🤍🤍🎀✨

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️

صو
صو
1 شهر

💞💞💞💞

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  صو

♥️♥️♥️♥️

Dede Ali
Dede Ali
1 شهر

تجنن اوى

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Dede Ali

تسلمي يا قمر ♥️

ام ادم
ام ادم
1 شهر

تححححفه

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  ام ادم

تسلمي يا قمر ♥️

Manal
Manal
1 شهر

أيوة كدة خلى سلطان يروق

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Manal

♥️♥️♥️♥️

هدير سيد
هدير سيد
1 شهر

أفضل كل بارت اقولك ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️بحبك يا ساره

ندي
ندي
1 شهر

حبيبتي تسلمي ♥️

منوش
منوش
1 شهر

رووووووعه

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  منوش

تسلمي يا قمر

روما روما
روما روما
1 شهر

البارت تحفه زي كل مره تسلم ايدك

ندي
ندي
1 شهر

حبيبتي تسلمي ♥️

سندس
سندس
1 شهر

البارت عظمه تسلم ايدك ❤️😚

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  سندس

تسلمي يا قمر ♥️

اميره
اميره
1 شهر

قمر وبجد تسلم افكارك

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  اميره

حبيبتي تسلمي ♥️

Nibras
Nibras
1 شهر

جميل جدا

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nibras

حبيبتي تسلمي ♥️

Heba Mohamed
Heba Mohamed
1 شهر

جميله❤️❤️❤️❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Heba Mohamed

من ذوقك يا قمر ♥️

شيماء
شيماء
1 شهر

تحفه

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  شيماء

حبيبتي تسلمي ♥️

Nedaa
Nedaa
1 شهر

طبعا بجنن فوق الخيال كالعادة تسلم الايادي❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nedaa

حبيبتي تسلمي ♥️