ناار هدنه(الفصل التاسع عشر)

الفصل التاسع عشر
“قلبُ المرأةِ…
كزهرةٍ وُلدت لتُبهج العالم بلونها ورحيقها، لا لتُداس فتتألم.
هي الغُصنُ الطريُّ الذي تميلُ به الرياحُ كيف تشاء، لكنه لا ينكسر في العواصف، بل يزداد مرونةً وثباتًا.
الأنثى… ليست كائناً عابرًا، بل وطنٌ لمن عرف قيمتها، ومأمنٌ لمن أتقن سُكنى روحها.
فيها من القوة ما يجعل الحياةَ تتكئُ عليها، ومن الرقي ما يرفع من حولها، ومن الحبّ ما يُحيي من حولها.
هي المرأة… لا تنكسرُ بالحياة، بل تُعيدُ تشكيلها بقوةٍ وجمال، كأنها وُجدت لتكون حياةً للحياة ذاتها.”
لكنّ الصوت الذي قطع المشهد، لم يكن ينتمي للضابط، بل خرج كالرصاصة من فم حاقد : عايز بنتي يا بلطجي! إنت وهو!
استدار الجميع ناحية الصوت، ليظهر ثروت والد آية، وجهه مزيج بين غضب مهين وخوف دفين.
رفع سلطان حاجبه بازدراء، وابتسم نصف ابتسامة، ثم زمجر بصوت خفيض لكنه زلزل الأرض: وطي صوتك يابا… هنا مافيش حد بيعلي صوته ويطلع على رجليه.
اندفع عمار كالصقر، وعينيه تقذفان شررًا: إيه؟ دي لعبة جديدة يا عمي؟ ما شبعتش؟!
تقدم ثروت نحو الضابط بشكوى مرتعشة: شاهد يا باشا! بيهددوني قدامك!
لكن الضابط لوح بيده، وقال بتحذير:بلاش يا معلم سلطان الطريقة دي… إحنا مش عايزين الحوار يطلع من إيدينا.
تحرك سلطان من فوق الدرجات ببطء قاتل، عينيه لا تبارح وجه ثروت: قوله هو الكلام ده يا باشا.
اقترب ثروت وهتف بنبرة ملوثة بالغضب: أنا عايز بنتي اللي خطفها عمار.
زمجر عمار دون أن يتراجع خطوة: ملكش بنات عندي… وأنا مخطفتش حد.
صرخ ثروت كمن أُحرج أمام الناس: لا! خطفتها… آية مش ممـــ
لكن صوته انقطع بصوت آية، التي تقدمت بثبات وعيناها تشتعلان بالكراهية: عمار مخطفنيش يا ثروت بيه… أنا اللي جيتله برجلي… وطلبت منه يتجوزني.
تجمد ثروت في مكانه، وعيناه تشتطان غضبا وصاح :
انتي أكيد اتجننتي؟! عايزة تتجوزي العاطل ده!!
وتعيشي فـي الخرابة دي وسط الجربيع دول؟!
وهنا، لم يتمالك سلطان نفسه، فانقض عليه، وقبض على عنقه ورفعه عن الأرض كريشة، وهدر بصوت أجش كالرعد: لا انت كده جبت آخرك. الناس اللي عايشه هنا دول مش جربيع دول انضف من وسخ زيك.
أسرع عمار وياسر والضابط للتدخل، وهتفوا جميعًا:
سيبه يا سلطان… متوسخش إيدك.
لكن سلطان اقترب من أذن ثروت، وهمس بفحيح قاتم:
عارف يا عا** انت دلوقتي حفرت قبرك بإيدك خلاص… واتحط عليه اسمك كمان.
ارتعش جسد ثروت، وحاول التملص، ثم صاح بجنون:
سيبني! أنا هاخد بنتي… واعلي ما فا خيلك اركبه.
دفعه سلطان في صدره حتى ارتد للخلف، وهتف بنبرة مشتعلة: لا يا خو* !! ده أنا هقلبك إنت خيل… وهركبك يا روح أمّك!
ثم استدار للحشد وهتف باحتقار: انت رافع ايه؟!
ده القوالب نامت والكلاب قامت يا جدعان!
أمسك ياسر بذراع سلطان، وهمس بحذر: اهدى يا سلطان… فـ الآخر بنته.
اقترب عمار من آية، وسألها بهدوء: عايزة تروحي معاه؟
نظرت لوالدها، ثم لعمار، وهزت رأسها بالنفي.
رفع عمار حاجبيه بشماتة وقال لثروت: يبقى انسى… مش هتخدها غصب عنها يا ثروت بيه.
لكن ثروت لم يتراجع، اقترب من آية وهمس بصوت سام: يا خسارة… أمك بين الحياة والموت بسببك… وانتي مش فارق معاكي.
ثم رفع يده كمن يستعد لضربها، لكنها اختبأت خلف ظهر عمار، وفوجئ الجميع بكف عمار يوقف يد ثروت في الهواء، وهدر بنبرة قاتلة: إيدك لو اتمدت تاني… هتندم.
تعلقت آية بذراع عمار، وهمسة بصوت مبحوح: مالها ماما؟!
زمجر والدها بغضب: أمك تعبانة من يوم ما سبتي البيت… وانتي معندكيش دم!
سحبت نفسها منه وقالت باكية: أنا جاية معاك… عايزة أشوفها.
ثم نظرت إلى عمار والدموع تهطل من عينيها: عمار…
اقترب منها، وربت على ذراعها وقال بحنان: متخافيش… مش هزعل روحي. اطمني على أمك، ووقت ما تحتاجيني… هتلاقيني.
ثم وجه نظره لثروت، وقال بحدة: لو عملت فيها حاجة… ولا صباعك جايه عليها… هتلاقيني واقفلك.
قبض ثروت على ذراع آية، وسحبها بعنف وهو يزمجر:
يلا! هو أنا واخدك على المشنقة؟!
ابتسم سلطان بعبث وهو يراقبه: اتعودت تعيش بأمان وسط الرجالة… صعب ترجع تاني تعيش مع الـ*
سحب ثروت آية، ودفعها إلى داخل السيارة، ثم انطلق ومعه سيارة الشرطة.
اقترب سلطان من عمار، ووضع يده على منكبه، وقال بنظرة عميقة: سيب شيطانة يسوحه.
هز عمار رأسه، وتمتم بشجن: لعله خير… يا صاحبي.
…………………………………….
في شقه عز الهواري
كانت عليا تقف أمام المرآة، يديها تتحركان في بطء وهي تمشط خصلات شعرها، كأنها تجس نبض الوقت بشعورها.
في وجهها صفاء، وفي عينيها وهج خافت يشبه الشوق إذا خجل، أو كأنه الضوء البعيد لنجمة بدأت تعود إلى مدارها.
مرت لحظات، ثم شعرت بشيء دافئ يقترب من خلفها.
لم تسمع وقع خطواته، لكن قلبها شعر به قبل أن تراه.
فجأة، أحاطها بذراعيه من الخلف ، التحم بها في حضن صامت، لم تطلبه لكنه جاء في وقته تمامًا.
أسند ذقنه إلى كتفها، وراح يتأمل ملامحها في المرآة، دون أن ينبس بحرف.
شهقت بخفة، شهقة من يخاف أن يحب أكثر مما يجب.
لكنها لم تبتعد… فقط خفضت جفنيها، والخجل صعد إلى وجنتيها كضوء الفجر.
همس بصوته المبحوح، القادر وحده على بعثرة ثباتها:
وحشتيني… يا وجع قلبي وراحته.
ردت بصوت مرتبك، تتوارى فيه النعومة خلف المزاح:
خضتيني يا عز، كده تدخل فجأة؟
ضحك بخفوت، وكأن صدره يتنفسها:
دخلت كده عشان ماعرفش أستنى… أنا لو عليا، مش عايز اطلع من حضنك أصلاً.
ظلت صامتة، لكن ابتسامة صغيرة خائفة ارتسمت على شفتها.
شدها أكثر إليه، وأكمل: بقولك إيه… إيه رأيك نسرق يومين كده وتيجي معايا السخنه؟ جبتلك فيلا صغيره هناك علي البحر… نسيب الولاد مع أمي، ونفصل شوية عن كل حاجة. محتاجلك وبس، من غير هم ولا دوشه!
نظرت له في المرآة، والعين تقول ما عجز عنه اللسان وهمسة:السخنه ؟ أنا وانتا؟
اوما برأسه وقال: هو فيه حد غيرك أنا عايزه؟
خفضت وجهها، وهمسة: طب وهينفع نسيب البنات ؟
ضحك وقال بحنو : هينفع ونص… روحي حضري شنطتك، واعتبرينا طالعين دلوقتي. عليا النعمه لو اتأخرتي هاجي آخدك بالعافية.
هزت رأسها، والفرحة تغمرها بتواضع أنثى لم تعتد أن تدلل: خلاص… هاجهز.
ترك قبلة دافئة على وجنتها وهمس: على مهلك يا ست البنات… بس ما تتأخريش، قلبي بيزهق بسرعة من غيرك.
وخرج وهو يبتسم، بينما وقفت هي تمسك بخصلة من شعرها، وعيناها دامعتان من الفرح.
همست لنفسها: هو دا الحب… ولا إيه؟
…………………………………………..
مساءا في منزل ياسر الهواري
نظرت جنات إلى الهاتف الذي لا يزال يرن…
نفس الاسم… نفس الصوت الذي حاول أن يتسلل إلى هشاشتها.
لكن في لحظة… لحظة كانت أقرب للنجاة منها للسقوط،
قبضت يدها على الهاتف ورمته بكل ما فيها من قهر وغضب مكبوت في حائط الغرفة، فتناثر صوته كما تناثر صبرها.
صرخت…
صرخة مكتومة خرجت كأنها تنتزع من جوف روحها، وركضت…
ركضت إلى الحمام كما يركض التائب الهارب من ظله.
فتحت الصنبور… توضأت والدموع تختلط بالماء،
وكانت كل قطرة تنزل من يديها كأنها تغسل معها جرحًا عميقا في قلبها.
عادت غرفتها، وفرشت السجادة…وقفت.
يدها على صدرها… وقلبها يرتجف.
رفعت يديها، وكأنها تسلم روحها إلى السماء،ثم كبرت… وبدأت الصلاة.
ركعة تلو الركعة… سجدة تلو الأخرى…
كانت تبكي وهي تصلي… تبكي في كل سجود، كأن الأرض تبتلع وجعها بصمت.
استمرت على هذا الحال حتى ضعفت ساقها،
وسقطت بجانب السجادة… لا تقوى على الوقوف،
لكن لسانها لا يزال يلهج، وروحها لا تزال تتشبث بباب السماء.
ثم بدأت تهمس… لا، بل تبكي بين يديه:
ياااااا رب… أنا تعبت…
أنا ضعيفة أوي… ومكسورة ومش لاقية حد يشيلني…
كل ما أفتكر إني هتسند، الدنيا تزقني أكتر…
كل اللي بحبه بيبعد، واللي محتاجاه مش شايفني…
أنا يا رب ماليش غيرك…
أنا من غيرك ولا حاجة، تايهة، ضعيفة، ماشية في طريق كله خوف…
أنا مش عايزة أضعف، مش عايزة أضيع…
أنا مش بتاعت غلط، ولا هكون… بس قلبي محتاج حضن، وأنا مش لاقية غيرك يا رب…
أنا خايفة… خايفة من الدنيا، ومن الناس، ومن نفسي…
وخايفة أزعل منك من كتر الوجع…
بس أنا بحبك… بحبك، رغم كل حاجة، وبجريلك وأنا بنزف.
إلحقني يا رب…
أنا بتقطع من جوه… ومش قادرة أتكلم مع حد…
أنا بنام كل يوم في حضن وجعي، وبصحى على وحدتي…
امسح على قلبي…
خليني أقوم من تاني، خليني أحبني من تاني،
خليني أعيش وأنا شايفاك في كل حاجة،
خليني أشوف في وجعك رحمة، وفي منعك لطف… وفي سكوتك حكمة.
أنا بين إيديك أهو…بعيط زي طفلة، خايفة، ومش فاهمه…بس مصدقاك…ومستنياك…
ومفيش باب غير بابك، ولا حضن أحن من حضنك.
ردني ليك،وخدني في رحمتك ، ونجيني من ضعفي… ومن نفسي… ومن كل حاجه ممكن يبعدني عنك.
ثم انكمشت على نفسها بجوار السجادة، كأنها جنين يتكور في رحم الطمأنينة، وسكنت…وسكن الليل…
وسكن الوجع، بعد أن سكنته يد الرحمن…
أغمضت عينيها التي اثقلتها الدموع وغفت على جنبها، وجهها مبلول بالدموع، وجسدها متكور كأنها طفلة صغيرة هربت من وجع الدنيا إلى صدر أمها…
لكن ما إن أغمضت عينيها، حتى وجدت نفسها في مكان غريب، دافئ… مبهج…لم تكن تعرف أين هي بالضبط.
فتحت عينيها، فوجدت نفسها تسير حافية القدمين على أرض ناعمة، لا تشبه تراب الدنيا ولا زفت شوارعها. الأرض من نور… والهواء بارد بنعومة لم تعرفها من قبل.
الهدوء… الهدوء كان كامن في كل شيء.
لا صوت، ولا صخب، فقط سلام… وكأنها نزلت من فوق سماء سابعة على بقعة من الجنة.
نظرت حولها، فوجدت أشجار عالية، أوراقها تضيء… ونسيم يمس شعرها فيطمئنه.
ثم سمعت الصوت…
صوت يشبه صوت البراءة صوت طفولي
لكن دافئ، عميقا، يخلخل جدران قلبها برفق:
ربنا جنبك… سامعك ومعك وإنتي بتعيطي… سامعك وإنتي بتندهيلو … شايف قلبك وهو بينكسر، ومحدش حاسس بيه.
تجمدت خطواتها، وارتجف جسدها من الجمال.
رفعت عينيها، فوجدت نورا لا يحد… لكنه لا يؤذي، لا يعمي… بل يحتضن.
وتقدم منها طفل صغير، أبيض الثوب، وابتسم لها، وقال:
ربنا بيحبك… ومش ناسيك… وكل دمعة نزلت منك اتكتبت… وكل لحظة وجع اتحسبت… وكل خوف انكتبله أجر.
اقترب منها الطفل أكثر، ومد يده، فوضعها على قلبها، وقال:القلب ده مش لوحده… اتحصن… اتحصن بالدعوة اللي قلتيها وانتي ساجدة… اتحصن بسجدة مخلصة… اتحصن برحمة من رب كريم.
انزلقت دموعها وابتسامه مرتعشه ارتسمت علي شفتيها وهمسة: انت مين يا حبيبي ؟!
اقترب منها وقبلها على وجنتها وهمس: أنا ركان ابنك يا ماما …
ثم اختفى النور فجأة…
لكنها لم تعد خائفة…
بل شعرت بحرارة في صدرها… دفء غير مفهوم… طمأنينة ما كانت تحلم بها.
وهمسة وهي في الحلم: ركان ابني .. إنت فعلاً سامعني… أنا مش لوحدي…
ثم استيقظت.
استيقظت وعيناها دامعتان، ووجهها على نفس السجادة، ويدها ما زالت مكانها كأنها كانت تمسك شيئًا من الحلم.
لم يكن وهم… كان وعد.
…………………………………………….
في صباح اليوم التالي،
في شقة سلطان الهواري.
اندفعت ضي إلى الغرفة كالإعصار، وجهها يلمع من دموع الفرح، وعيناها تتقدان كأنهما عثرتا أخيرًا على الحياة. كانت تمسك الهاتف بيد مرتجفة، وصوتها خرج مبحوحا من فرط الانفعال: سلطان! الحق! سلطان!
قفز سلطان من فوق الفراش وكأن رصاصة اخترقت سكونه، وهتف بنصف وعي: اثبت يا ابن المرة !!
تجمدت ضي عند حافة الفراش، وعيناها متسعتان بارتباك. وهمسة بخوف: سلطان… ده أنا.
نظر حوله بسرعة، مسح على شعره بيده في عصبية، واقترب منها بخطى مترددة، ثم غمغم بصوت مبحوح وهو يتفحص ملامحها: مالك يا ضي ؟ في إيه؟ انتي تعبانه؟
هزت رأسها بالنفي، ثم رفعت الهاتف في الهواء كمن يرفع كأس النصر، وهتفت من بين دموعها: نجحت!
اتسعت عيناه بدهشة مطلقة، كأن النبأ اخترق صدره دفعة واحدة. مد ذراعيه نحوها فجأة، واحتواها في حضنه بقوة، ثم دار بها كطفلة صغيرة، وهو يهتف بسعادة لا تشبه إلا لهفة الحلم حين يتحقق: بجد؟! الله عليكي يا جناب الحلو!
ضحكت ضي بحرارة، ولفت ذراعيها حول عنقه، وهي تصيح بفرحة: أنا نجحت! يا بابا… نجحت يا سلطان!
أنزلها برفق، وكأنها قطعة من ضوء، وهمس وهو يربت على وجنتها برفق: نجحتي يا ضي عين سلطان! وكنت متأكد إنك هتنجحي، عشان كده حضرتلك حاجة… يارب تعجبك.
رفعت حاجبيها بدهشة، وهمسة: حاجة؟ إيه يا حبيبي؟
اقترب منها، فتح أحد الأدراج، وسحب علبة قطيفة حمراء كأنه يخبئ قلبه بداخلها. عاد إليها بخطى بطيئة، وفتح العلبة أمامها في صمت عميق، ثم قال بصوت منخفض لكنه حاد الأثر: أنا من سنين، دي أول مرة أنزل الورشة وأعمل حاجة بإيدي… عشانك إنتي، يا ضيو.
نظرت داخل العلبة، فارتعشت أناملها. كانت هناك سلسلة ذهبية رقيقة، محفور عليها بخط أنيق: ضي السلطان… حروف ناعمة مرصعة بماس صغير يلمع كدمعة فرح.
نظرت له وهمسة بذهول: انت عملتها بإيدك؟
هز رأسه بالإيجاب، وابتسم بفخر لا يشبه إلا انكسار عاشق.
تناولت السلسلة بين أصابعها، تمردت دمعة على جفنها، ثم قالت: تحفة… يا حبيبي، انت شاطر أوي.
ضحك سلطان بمرح، وجذبها نحو صدره من جديد، ثم مال بها على الفراش، وغطى شفتيها بقبلة عميقة، كأنه يسترد بها عمرا كاملاً ضاع منه. كان يقبلها كمن ينقذ نفسه من الغرق، شفتاه تنهشها بجوع مكبوت، ورجولته تستغيث من شوق حاول طيلة الأيام الماضية أن يلجمه.
وحين تحررت شفتاه من شفتيها، أسند جبينه على جبينها، وهمس بأنفاس مرتجفة: وحشتني الفراولة أوي… يا جناب الحلو.
ابتسمت بخجل، وهمسة: وانت كمان وحشتني أوي… يا روح الحلو.
اقترب من وجنتيها، طبع قبلة خفيفة، ثم عضهما بخفة وهمس بصوت أجش: الخدود دول… كل ما يحمروا كده، ببقى عايز آكلك! أمصك اوي !!
ضحكت ضي بخفوت، وحاولت دفعه بخجل: يا مجنون… العضة دي بتوجعني، خدي… آآه.
ضمها إليه أكثر، انزلق بأنفاسه نحو عنقها، امتصه بشغف وهمس:يا بت، شعلتي النار جوايا… وهولعك بيها.
شهقت بنعومة، وهمسة بصوت متهدج: آآه، سلطان… بالراحة، بتوجعني.
رفع وجهه نحوها، عينيه تلمعان بشيء أعمق من الشهوة، شيء يشبه الذوبان: آه يا ضي السلطان… عمري ما كان ليا نقطة ضعف، لحد ما طلعتيلي انتي. تلاتة سنتي على الأرض قلبوا حالي.
لكزته بخفة، ضاحكة، وقالت بمرح طفولي: كده يا سلطان؟! أنا مقموصة منك… أوعى!
ضحك بصوت عال، أمسك يدها، ثبتها بجانب رأسها، وهتف بجنون عاشق: مقموصة؟! لااا… أنا مقدرش أعيش وانتي مقموصة مني.
ثم انحنى عليها، وغطى شفتيها بقبلة أخرى، قبلة أشبه بسحر مشتعل. أغمضت ضي عينيها، كأنها تسلمه كل كيانها، دون تردد…
وحين تحررت شفتاها أخيرًا، فتحت عينيها بأنفاس متقطعة، وهمسة بصوت خافت: عايزة أقولك سر.
رفع حاجبه بدهشة وهمس: سر؟ قولي سر يا ضيو.
بلعت لعابها بصعوبة، وارتبكت ملامحها وهمسة:أنا… أنااا…
قطب حاجبيه واقترب منها أكثر: قولي يا ضي، متخافيش.
بللت شفتيها بتوتر، وهمسة بتلعثم: ممكن… أقولك في التليفون؟
كتم ضحكته بصعوبة وهمس بمكر: اشمعنى يا آخِرة صبري؟
رفعت منكبيها وغمغمت: مش عارفة أقولها كده… وش في وش !!
أومأ برأسه وهو يبتسم، وقال: ماشي، هطلع وأكلمك من بره، تمام؟
هزت رأسها إيجابا، وهمسة: تمام.
خرج سلطان من الغرفة، وما إن سمعت صوت الباب يغلق، حتى نهضت سريعًا وأغلقت الباب من الداخل بالمفتاح. لحظات، وهاتفها اهتز… نظرت إلى شاشته، ثم وضعته على أذنها بصوت خفيض: أممم؟
ضحك سلطان من الطرف الآخر وقال: إيه يا حبيبي؟ قولي، شوقتيني أووي.
عضت شفتها بخجل وهمسة: سلطان… أنا بحب بوسك، بس… بحسها غلط.
أطلق صوتا معترض من أنفه، وهتف بانفعال: إخخخخخ، نعم يا أختي؟ دانا هديكي بوسة تاخدي بعدها عشر غرز، يا بت! أنا ببوس غلط؟!
نهضت من سريرها ووقفت خلف الباب وهمسة بخوف:
اهدى، بس… أنا مش قصدي إنها وحشة، بالعكس، دي حلوة أوي… دي بتسحرني.
دار حول نفسه بغضب في الخارج، وهتف: أمال إيه غلط دي يا بت؟ وانتي أصلًا عرفتي منين البوسة الصح من الغلط؟!
رفعت كتفيها ببراءة، وقالت: معرفش… بس بحس إنها عنيفة أوي، بتوجعني أكتر ما بتبسطني. يعني… حاول تهدي شوية، حاول تكون رقيق.
ضحك بصوت عال، وقال بسخرية: رقيق؟! أنا؟
لامؤاخذة، بس أنا معرفش يعني إيه رقة دي.
عضت شفتها بخجل، وهمسة: طيب… بوسني بالراحة.
ضحك بمرح، وهمس بوقاحة محببة: ده كمان أنام معاكي بالراحة؟
شهقت بفزع، وأغلقت الهاتف على الفور، بينما كان صوته يتردد في أذنها ضاحكًا بصخب، فتوردت وجنتاها، وهمسة لنفسها بخجل: وقح…!
………………………………..
في العين السخنه
كانت الفيلا الصغيرة المطلة على البحر، كأنها قدت من صمت الجنة… لا خدم، لا حراس، لا أصوات سوى نفس البحر، يتهادى على استحياء، كأنه يراقب اللحظة من بعيد.
دلفت عليا أولًا… كأنها تقتحم عالم مسحور لم يفتح من قبل.
سارت بخطى مترددة، عينها تدور على السقف المتدلي منه ضوء خافت، على الستائر التي تراقص النسيم، على الأرائك المريحة التي تنادي للسكينة…
لكن أكثر ما جذبها كان الصمت… الصمت الذي يشبه وعدًا.
وضعت حقيبتها على الأريكة، وهمسة بدهشة:ياااه… دي فيلا ولا جنه ؟
اقترب عز من خلفها، لم يجب…أغلق الباب بهدوء، كأنما يغلق الدنيا خلفه… ويفتحها داخلها.
ثم اقترب منها بصمت مهيب، حتى صارت أنفاسه تداعب عنقها من الخلف.
شهقت عليا بخفة، لكنه لم يتوقف.
مد يده… أحاطها من خصرها، وراح ينزل على كتفها قبلات دافئ، عميقة، كأنها توقيعه الأبدي عليها.
وهمس : أنا هنا… وانتي خلاص بقيتي ليا. ليا لوحدي، يا عليا..
التفتت له بعينين مرتعشة، وهمسة :إحنا لوحدنا… خالص؟
قبل عنقها مرة أخرى، وغمغم: أهو ده اللي ناقصنا من زمان… نكون لوحدنا، من غير خوف، من غير فواصل.
كأن النار اندلعت من الكلمات لا من اللمسات…
كأن شيئًا ما استيقظ في جسدها لم تعرف أنه موجود.
التفتت إليه، تلاقت العيون،
أمسك وجهها بكفيه، وهمس بنبرة موجوعة بالعشق:
كل حاجه فيكي بتندهني… كل تفصيله منك بتخلي قلبي يولع …نفسي ألمسك… من غير ما أخاف عليكي، من غير ما أخاف عليا.
شهقت، وهمسة بصوت مبحوح: وأنا… أنا تعبانة من كتر ما عايزاك.
ضمها، ضمة عنيفة، حنونة، مشتاقة.
ثم مال عليها يقبلها ببطء، كأنها صلاة تتلى بشفاه عاشق.
أناملها قبضت على قميصه، لم تكن تهرب هذه المرة،
بل كانت تقترب… بكل أنوثتها، بشوقها، بخوفها الناضج.
حملها بين ذراعيه…كأنها أخف من الريح، وأثقل من قلبه.
دخل بها غرفة النوم، وهناك…أنزلها على السرير كما تنزل وردة على حرير….نظر لها طويلًا، بعينين لا تشتهي، بل تتأمل وهمس : كل مرة كنت بلمسك… كنت بستأذن.
بس الليله… أنا هاخد حقي، من غير خوف، ومن غير إذن.
أغلقت عينيها، وهمسة: أنا مش خايفة منك… أنا بس، أول مرة أحس إني ست بجد.
جلس بجانبها، مرر أنامله بين خصلات شعرها، وهمس:
كنتي ست من أول يوم… بس كنتي مستنية حد يشوفك زي ما انتي…وأنا شفتك… كلك.
اقترب منها ودفن وجهه وقبل عنقها، قبلة طويلة… مشتعلة. ثم انزلق إلى كتفها… فإلى بروز نهديها…
ويداه تنزعان عنها ملابسها… لا كمن يعري، بل كمن يحرر.
شهقت، وارتجف صدرها، تمسكت بذراعيه،
ونظرت له بعينين تلمعان بالدموع والشوق والخجل والامتنان: أنا بتعلم أعيش… معاك، عايزه اسعدك وأسعد نفسي .
رد عليها بأن حنى جسده فوقها…
وانهمر عليها بكل ما فيه: رغبة، احتياج، دفء، حب، جوع.
بدأت هي نفسها تتنفسه، ترد له القبلات،
تذوب فيه كما يذوب الشمع في نار محب.
وحين اختراقها … دخل ببطء… بخشوع… كأنها المعبد، وكأنه المؤمن.
شهقت عليا،
شهقة ناعمة، ممزوجة بالدهشة، بالوجع، بالاكتمال.
ارتجف جسدها كله بين يديه،
ولم تكن تلك الشهقة شهقة ألم فقط، بل شهقة ميلاد.
كأنها تولد منه، وكأنها تعيش أول لحظة حقيقية.
همسة، وعيناها تغرق في عينيه: إنت راجل… راجل محصلش.
قبل جبهتها ببطء وهمس: وأنا كنت مستني اللحظة دي من سنين… كنت مستني أكون راجلك، وبس.
شدها إليه أكثر، وراح يهمس على صدرها، أنا مش بس هحبك… أنا هاخليكي تنسي أي خوف، أي وجع، أي كسوف
دار بها وجعلها فوقه وسحبها اليه وهمس أمام شفتيها بصوت أجش مشتعل: سيبي نفسك انسي كل حاجه افتكري بس انك في حضن جوزك اللي بيموت فيكي ..
اومات برأسها ومسحت علي منابت ذقنه وبادرت هي وقبلته قبله ناعمه عميقه وكأنه تمتص منه الحياه
لم تكن هذه المرأة التي يحتضنها الآن هي نفسها عليا التي عرفها في بدايات زواجهما.
لم تكن تلك الفتاة الصامتة، المرتبكة، التي تتلقى اللذة بخجل وتمتص الشوق دون أن تبوح.
بل كانت أنثى جديدة… أنثى تفتحت أمامه بكامل شهوتها، صارت تتنفسه، تهمس باسمه، وتصرخ كلما اقترب منها أكثر…
أنثى لم تعد تكتفي بأن تؤخذ… بل تريد، وتطلب، وتلهب.
قبض علي خصرها يثبتها علي رجولته الثائر بجنون حتي جعل شهقاتها لم تكن مرتعشة كالعادة…
بل واضحة… قوية… تحمل نغمة جديدة لم يعرفها من قبل.
همساتها كانت ترجه من الداخل…وهي تصرخ : أنا عايزاك… أكتر… كمان… خدني أكتر، يا عز…
صوتها، نظراتها، استجابات جسدها، كلها اشتعلت فجأة كأنها أنثى خرجت للتو من شرنقة الخوف إلى جناحي المتعة.
وعز… عز شعر أنه يولد من جديد في حضنها.
كأن رجولته كانت مكتملة قبلها… لكن لم تشتعل إلا الآن.
صرخاتها، تآوهاتها، حتى حين نادت اسمه بين أنفاسٍ مكسورة:عز… آه… ياااه، بحبك… بموت فيك،
كلها كانت تصب في أذنه بنغمة تشبه الطرب…
لكنها طرب مجنون، يجعل الدم يغلي في عروقه، ويقلب كل اتزانه.
رفعها من خصرها بجنون، و واعتلاها وزرع رجولته بداخلها بعنف لكن احتواها بجسده كأنما يخفيها من العالم.
كأن هذه اللحظة، هذه الليلة، لا يجب أن يراها أحد… لا يجب أن يعرفها غيره وصرخ : انتي بتقتليني، يا عليا…
إنتي مش عليا بتاعتي…إنتي نار… نار بتولعني، بتكويني، وبتخليني أرجع أهاجمك واكلك كل ثانية!
ضغط عليها بجسده أكثر، وكل حركة منه كانت تصرخ بالشغف…كان عنيف… لكن عنفه من نوع خاص…
عنف حب، عنف شوق، عنف رجل تملك أخيرًا من أنثى اختارته بكاملها.
كانت عليا تتنفس بجنون، تصرخ بلذة، تعض على شفته، وتقول وهي تلهث: أنا… أنا كنت ميتة قبل كده…
بس دلوقتي، يا عز… أنا عايشه…عشانك، وبك، وجواك…
رد بأن دفن وجهه في عنقها، وصرخ فيها من عمق وجعه وولعه: إنتي ليا أنا اللي جواكي … بالنار دي، بالصوت ده، بالدم اللي بيجري فيكي… إنتي كلك عليا…
ومش هسيبك تنامي الليلة… قبل ما تشهدي مليون مرة إنك بقيتي مراتي بجد… مراتي كلك ..
وانهمر فوقها مرة أخرى، كالموج العاتي…
كأن رجولته كانت تنتقم من صمتها القديم… وتنتشي بجرأتها الجديدة.
وعلى ضوء الغرفة الخافت، وارتجاف صدرها بين يديه، قال بصوت حاد، شهواني، ناري: أنا بموت في النسخة دي منك…النسخة اللي بتصرخ، اللي بتطلبني،اللي مش بتستخبى…هفضل أحبك كده… أحبك لحد ما الصوت ده يفضل يرن في ودني طول العمر.
…………………………………….
في احد الاماكن المنعزله…
في مساء متمرد على القانون والنظام، داخل إحدى ساحات السباقات غير الشرعية… كانت الأضواء الكاشفة تلسع الإسفلت، وصدى الهتافات يشق صمت الليل المزدحم بالمحركات والغبار والقلوب اللاهثة.
انحدرت سيارة سوداء أشبه بشبح مسرع، وارتفعت الأصوات مع اقترابها من خط النهاية.
دوى اسم واحد بين الحشود: هيمااا هيمااا …
وبالفعل… اجتاز إبراهيم البدري خط النهاية كعادته، بلا هزيمة.
ترجل من السيارة بخطوات واثقة ونظرات مشتعلة. التف أصدقاؤه حوله ملوحين له، وأحدهم صرخ بسعادة:
مفيش بعد هيما البدري! عاش يا صاحبي!
ضحك إبراهيم، وصفح صديقه وهتف بمرح:عيب عليك يا كابوو!
في تلك اللحظة… ظهرت هي.
شابة فاتنة تقف بشموخ وسحر، ملامحها تنطق بالغموض، وعيناها بلون الغروب… تقدمت نحوه بخطى واثقة وهتفت بصوت رخيم:
– Hi, I’m Rogida. You race very well
ـــ اهلا أنا روجيدا انت متسابق جيد جدا
رفع حاجبه بإعجاب، وجال بعينيه عليها من قدميها حتى قمة شعرها، ثم قال وهو يبتسم بثقة:
Hi Rogida, I am Hema Al-Badri. And you are very beautiful… very very beautifu
ـــ اهلا روجيدا أنا هيما البدري وانتي جميله جدا جدا
ضحكت بخفة، وهزت رأسها وقالت:
– I know who you are. This isn’t the first race I’ve seen you in.
اعلم من أنت فهذا ليس اول سباق أشاهده لك
اتسعت ابتسامته وقال بدهشة:
– You’re watching me then?
ــ انتي تراقبيني أذن؟
غمزت له بمكر وقالت:
– Yes. Because you are very interesting.
ــ نعم لانك مثير للاهتمام جدا !!
اقترب منها خطوة، وخفض
صوته وهمس:
– You are very sexy and attractive too.
ـــ انتي مثيره وجذابه جدا أيضا !!
ضحكت، وكأنها تنتظر هذه الجرأة، فمدت له يدها تمسك بهاتفها المحمول….لكنه ببساطة… سحب الهاتف من يدها بلطافة، رفعه أمام وجهها، فتحه ببصمة عينها، ودون رقمه عليه ثم اتصل بنفسه. نظر إليها بحدة خاطفة وهمس:
– Now I have your phone number and you
have mine. We need to meet
ـــ الان رقم هاتفك لدي.. ورقمي لديكي …يجب أن نلتقي!!
أخذت هاتفها من يده، ورمقته بنظرة سريعة، ثم استدارت لتبتعد، وقبل أن تصعد إلى سيارتها، هتفت بنبرة مرحة:
– Without a doubt, handsome.
- دون شك ايها الوسيم !!
ركبت السيارة، وأقلعت بها بخفة، فيما بقي هو واقفًا… ينظر لها كأنها شيء أشعل فيه شيئا غريبا.
عض على شفته السفلى، وهز رأسه وغمغم بضحكة:
خمس ست مزز ف بعض… يخرب بيتك!
لم يكن وحده المنتصر هذه الليلة، بل خرج من السباق وكأن له غنيمتين: الرهان وتلك الساحره !!
ألقى بمفتاح سيارة صديقه، الذي صافحه ووضع في يده رزمة كبيرة من النقود قائلاً: الرهان النهاردة كان توب… نصيبك يا هيما.
زفر إبراهيم بضيق، وكأن النقود لم تعد تغريه، ثم رمى بها في جيبه وهو يتمتم: هات يا اسطا… ربنا يتوب علينا.
وانصرف من المكان، لكن عيونه لم تفارق عيون روجيدا ولا تفكيره رحل عنها… كانت قد سرقت من قلبه سباقا دون أن تخوضه.
…………………………………….
في اليوم التالي،
ف محل نوسه
دلف علي إلى المحل بنظرة متحفزة، جال ببصره سريعًا يبحث عنها، لكن المكان كان خاليا من حضورها…
زفر بضيق، ثم التفت إلى سلامة وسأله بنبرة متوترة: سلامة؟
اقترب منه الرجل بخفة: آآمر يا متر.
– نوسة مجتش؟ دي مش عادتها.
هز سلامة رأسه نافيا، وقد بدت عليه الحيرة وقال : لا والله يا متر… دي ما كانتش بتغيب كده أبدًا. أنا خايف تكون تعبانة، أصلها مش بعادتها تقعد كام يوم كده من غير ما تنزل.
تبدلت ملامح علي، وتحول القلق في عينيه إلى عزم مفاجئ. لم يعلق. استدار فجأة، وخرج من المحل بخطوات سريعة، صعد بها درجات السلم المؤدي إلى بيت نوسة، كل خطوة كانت تدق كقلبه المضطرب.
توقف أمام بابها لحظة، يحاول استجماع أنفاسه، ثم طرقه.
وبعد ثواني، فتح الباب. وظهرت نوسة بقميص بيتي بسيط، ينسدل على جسدها كالماء، يحتضن خصرها النحيل، يعلن عن أنوثة فتاكة لم يقو علي على تجاهلها.
شهقت بدهشة وقالت : علي! في إيه؟ حصل حاجة؟!
لم يجب، بل ظل يتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها. ابتلع لعابه بصعوبة، ثم همس بصوت خرج من أعماقه: يخربيت وسطك… عشان كده كنتي لابسة عباية واسعة أوي؟!
شهقت بغيظ، وغضبها اشتعل وصاحت : يخربيت عينك! في إيه يا علي؟! انت اتهبشت في عقلك؟!
ضحك بتوهان، وهتف: بصراحة؟ آه… حاسس إن عقلي ساح.
– لا ده طار خالص مش ساح… امشي يا علي قبل ما أبويا ييجي ويطين عشتنا!
اقترب منها خطوة، وعيناه تتوهج بنزق مكتوم: – دانا هزفت عيشتك لو منزلتيش معايا دلوقتي المحل… إنتي بتهربي ليه؟!
– مش بهرب، كنت تعبانة وقلت أريح يومين… هو لازم تبقوا ورا الواحد بالعصاية؟!
ابتسم بمرح وهو يميل نحوها: هعمل نفسي مصدقك، يلا يا نونو بقى…
لم تحتمل سخريته، فأمسكت بياقة سترته وصفعته بكلماتها: بقولك إيه يا جدع، بطل نونو بتاعتك دي بدل ما أفقعك روسية إسكندراني أشوقك!
ضحك بجنون، ثم جذبها من خصرها وهمس بجانب أذنها بنبرة مبحوحة: وأنا أفقعك بوسة… أجيب أجلك.
ثم ضغط على خصرها أكثر، وهمس بنزق عاشق: وسطك على مقاس دراعي… ولا دراعي اتخلق على مقاس وسطك؟
دفعته بعنف وهي تصيح: أوعى! انت اتجننت؟! أبويا ممكن يدخل علينا ف أي وقت!
هز رأسه بلامبالاة: خلي ييجي… عشان أطلبك منه!
عقدت حاجبيها بدهشة مذهولة: إيه؟ تطلبني؟ تطلب إيه؟!
ضحك بخفة وقال: أطلب رجلك… يا نوسة!
ارتفع حاجبها بصدمة، عندما اقترب منها تراجعت حتي اصطدمت بالحائط وقبل أن يتمادى أكثر، ركزت ركبتها في موضع حاسم، جعل علي ينحني وهو يصرخ بألم: يابنت المجنونة… بضيعي مستقبلك كده!
دفعته بقوه وأغلقت الباب في وجهه بسرعة، وهي تصرخ من خلفه: كل ما تقرب مني، اشرب من ده! لحد ما تحترم نفسك يا راجل يا مهزأ!
ضحك علي وهو يتلوى: ماشي يا نوسة… أنا وانتي والزمن طويل… وهتندمي على الضربة دي!
ثم انصرف متكوما، يتلوى من الألم ويضحك في الوقت ذاته، بينما هي جلست خلف الباب، تضع يدها على قلبها وهمسة بين أنفاسها المرتجفة: مجنون… بس حنون… وقمر! يا ابن البدري…!
………………………………………
ف الحاره
كانت تقى تمشي بخطى واثقة، لكن قلبها يقرع صدرها كطبل في ساحة حرب. اقتربت من القهوة، تلك التي يجلس أمامها دوما راجح كأنها عرشه، فثبتت قدميها أمامه، وقالت بصوت مشحون بالغضب: إنت! يا اللي اسمك راجح… عايزاك في كلمتين.
رفع راجح رأسه ببطء، نظرة ساخرة تلون ملامحه، وحاجبه يرتفع بدهشة وقحة وغمغم : ياللي اسمك راجح؟!
وقف أمامها بجسده الصلب ونظراته الحادة، كأنها صغيرة تتحدى وحش في عرينه، بلعت تقى لعابها بتوتر…
وشهقت بفزع عندما سحبها الي جانب الطريق ..
دفعته بقوه ونظرت له بخوف .. لكنها سرعان ما تماسكت، وأشارت له بإصبعها بثبات:إنت بأي حق تقول إني مراتك؟ إنت جبلة مش بتحس؟! ألف مرة قلتلك مش طايقاك، وبرضه لزقلي زي الخيله الكدابه… إنت إيه؟ معمول من صفيح؟!
اشتد فكه غضبا، واحمرت عيناه بنار صامتة، وغمغم بصوت كالرعد: أنا أقول اللي أنا عايز… ومش عيله بت امبارح هتيجي تعلي صوتها عليا!
قبض على ذراعها بعنف، قربها منه حتى كادت تتنفس أنفاسه الثقيلة، وهدر بجنون مكبوت: فاكرة نفسك إيه؟ فاكرة إني هموت عليكي؟! ده انتي لو آخر بنت في الدنيا مش عايزك… بس قبل ما أسيبك؟ قسما عظما لأندمك على كل حرف قولتيه. هخليكي انتي وأبوك تبوسوا رجلي عشان أتجوزك… وأنا اللي هرفض!
شهقت تقى بقهر ودفعت صدره بكل قوتها وهي تصرخ:
نبوس رجلك؟! ده إنت اللي بتجري ورايا زي الديب وانا اللي كرفاك! ناسي نفسك ولا إيه؟!
نظر لها بنظرة مظلمة، كأن الشر يسكن ملامحه وهدر :
ماشي يا تقى… لو ما خليتك تجري ورايا، وتتحسري، وتبقي زي البيت الوقف… لا لي ولا لغيري… ما بقاش اسمي راجح العتال!
رفعت رأسها بعناد، وعينيها تشعان بالرفض والاحتقار
وهتفت باستنكار : أنا؟ أجري وراك؟! ده يوم ما تلحس قفاك بلسانك! وعند فيك بقى… أول واحد يخبط على بابي، هجوزه! بس عشان انكد عليك عيشتك!
انطلقت تمشي بعنف، كأنها تثأر لأنوثتها المهدورة على أعتاب كبريائه، وتركت خلفها راجح يقف كتمثال محطم.
ظل ينظر في أثرها، نظرة حقد تشتعل كالجمر تحت جلده، ثم غمغم بين أسنانه: طيب… يا بت الهواري، جبتيها لنفسك.
انتبه لحوله من عيون الناس ووشوشاتهم، فصاح بنبرة غليظة تقطر تهديدًا: إيه يا جدعان؟ واحد وخطيبته بيتخانقوا… محدش ليه فيه! كل واحد يلزم حدوده بدل ما أروق على دماغكم!
تفرق الجمع من أمامه بسرعة، كأنهم شعروا بانفجار وشيك، أخرج سيجارة، وأشعلها بلهبٍ لم يكن أقل من النار المشتعلة داخله، ثم زمجر: هاتلي زفت على دماغك… يا عـ**
………………………………………….
مساء فـ شقة سلطان الهواري
في مساء رمادي خرج سلطان من المرحاض وهو يجفف شعره ويغلق أزرار قميصه، توقف أمام المرآة يعدل ياقة القميص، عينيه زائغتان كأنه يستعد لحرب لا يعلم إن كان سيعود منها حيا.
دلفت ضي إلى الغرفة بخطى سريعة، وفي نيتها أن تناديه، لكنها توقفت فجأة… الكلمات تجمدت على شفتيها. كانت عيناها معلقتين بذلك السلاح الموضوع فوق الفراش، وبجانبِه الحقيبة الصغيرة التي لم ترها إلا في أسفاره المشؤومة.
نظر لها بدهشة، وصوته خرج محموما بالقلق: مالك؟ بلمتي كده ليه؟ انتي تعبانه؟
هزت رأسها نفيا، وهمسة بغيظ مكتوم: لا مش تعبانة… وبطل تقول الكلمة دي كل ما تشوف وشي.
اقترب منها بخطوات هادئة، رفع يده ومسح على وجنتها بلطف، وهمس: يا حبيبي، أنا بخاف عليكي… لو لون وشك بس اتغير، قلبي بيوقع.
أغمضت عينيها، كأن الألم داخلي لا يقال. قالت بصوت منكسر: متجبش سيرة الموت يا سلطان… بترعبني.
رفعت عينيها إليه، كان في نظرتها رجاء موجوع، وهمسة: انت مسافر؟ مش وعدتني إنك هتبطل؟
أومأ برأسه بأسى، وقال:هبطل يا ضي، بس قلتلك… الموضوع مش بالساهل. شغل اتأخر شهور، وأنا أصلاً رجعت مخصوص لما عرفت إنك تعبانه. أنا ما بدأتش شغل جديد، بس لازم اخلص اللي فات.
زفرت بقلق، وصوتها ارتجف: وهيخلص إمتى؟ بعد شهور كمان؟ يعني أنا هفضل أعيش في الرعب ده لحد إمتى، يا سلطان؟
اقترب منها أكثر، كور وجهها بين راحتيه، ونظر في عينيها نظرة رجل يقسم بقلبه: يا حبيبي، ليه الرعب؟ متخفيش، أنا هرجعلك… وهنعيش أجمل أيام عمرنا مع بعض، يا ضي السلطان.
ضحكت ضي ضحكة باكية، حزينة، كأنها لا تصدق… انسابت الدموع ببطء، وقالت بمرارة: بتسأل ليه الرعب؟ أنا كنت بخاف وأنت مسافر وأنا مفكراك رايح شغل عادي! أعمل إيه دلوقتي وأنا عارفة الحقيقة؟ ده غير خوفي وإنت غايب… يا سلطان، افهم، انت أماني، وأنا بحبك موت… هموت لو حصلك حاجة!
احتواها سلطان في حضنه بعنف، ضمها كأنها طوق نجاته، وهمس بصوت مجروح: بعد الشر عليكي يا بت! أنا بعشقك، انتي كل اللي ليا، وهعمل المستحيل عشان تبقي مرتاحة. بس بالله عليكي، متخفيش… وبلاش تكتمي جواكي. قولي، حتى لو كلام يزعل، قولي ومتخفيش مني.
ضمته ضي بقوة، قبضت على قميصه وكأنها تتمسك به من حافة الهاوية، وقالت ببكاء خافت: مافيش جوايا غير حبك… وخوف. نفسي يبقى بس حب… من غير خوف.
أخرجها من أحضانه، طبع قبلة على جبينها، ثم انحنى يطبع القبلات على وجهها بأكمله، واحدة تلو الأخرى، حتى استقر على شفتيها… قبلها بجوع ولهفة، كأنه يودع قطعة من روحه.
ثم همس بصوت أجش، أنفاسه مختلطة بعطشه لها: هقتل الخوف اللي يقرب منك… هقتل أي حاجة تحاول تخدك مني. اديني آخر فرصة، وبعدها… كل حاجة هتمشي زي ما انتي عايزة يا ضي عيني. أوعدك.
أومأت برأسها بصوت واهن، شفتاها ترتجفان: أوعدني ترجعلي يا سلطان…
ضمها من جديد، وهمس ودموعه تكاد تسقط: أوعدك يا ضي عيني وأيامي… هرجع، حتى لو على آخر نفس. حتى لو بموت… هرجع أموت في حضنك.
ضربته بقبضتها على منكبه برقة، وهمسة بتوتر: بس إيه اللي بتقوله ده!
ضحك بمرح، وقال: أنا هرجع أعيش في حضنك… أعيش في كل حتة فيكي. حلو كده؟
أومأت بخجل: آه… حلو.
أخذ سترته، وحمل الحقيبة، ثم التفت نحوها وغمز بمشاكسة: انتي اللي جناب الحلو، والله.
تحرك نحو الباب، وقبل أن يفتحه، أوقفه صوتها الخافت، المرتعش، الذي اخترق صمته كسهم: سلطان… أنا حاسة إني مش هشوفك تاني وووو
متنسووووش الفوت والكومنتات يا سكاكر قلبي ♥️ وحشتيني اوي اوي اوي
ساحره القلم ساره احمد 🖋️
❤️❤️❤️
تحف🥰🥰
تحفه 😘🥰❤️❤️