نار وهدنه

ناار وهدنه(الفصل السادس عشر)

ناار وهدنه(الفصل السادس عشر)

الفصل السادس عشر
ليست كلُّ النساء مِهرات…
وليست كلُّ القلوب تصلح للركض في مضمار العشق.

المرأةُ الحقّة…
هي تلك التي تشبه الفَرَسَة الأصيلة،
لا يجرؤ على ترويضها إلا فارسٌ يُتقن لغة الكبرياء قبل لغة القُبَل،
ويعرف أن جمالها ليس في جسدٍ يراه،
بل في عقلٍ يُنصت له، وإحساسٍ لا يُهان.

هي لا تُعطي قلبها لمن يهوى التملّك،
بل لمن يفهم أنّ غيرتها غريزةُ أنثى لا ضعف فيها،
وأن احترام مشاعرها مدخل لعرشها الأسمى،
وأن الحُب ليس غزواً، بل عهد بين نبلَين.

فإن لم تكن ذلك الفارس…
الذي يعرف متى يُمسك، ومتى يُطلق،
متى يصون الصمت، ومتى يتكئ على الكلمة…
فلا تحاول أن تقترب من فارسةٍ لا تنحني.

هي لا تُروض بالقوة،
بل بالإرادة… إرادتها.
وحين تُحب، تُحب كأنها تُلقي بنفسها في معركة لا هزيمة فيها،
تعشق بقوةٍ لا تحتمل الخيانة،
وتُخلص كما تُخلص الفُرسان لأرضهم.

فإن أردت أن تكون سيّدها…
كن لها أولًا.
وإن راودك الحلم أن تملك قلبها،
فاجعلها تاجًا على رأسك، لا حِملًا على كتفيك.

ارتج الباب تحت قبضاته العنيفة، ودوي صوته كالرعد:
افتحي يا ضي… بدل ما أكسر الباب وأكسر دماغك معاه!
طرق سلطان علي الباب كأنه لا يطرق أبواب العتاب… بل يهدمها.

في الداخل، ارتجفت ضي كطفلة طاردها كابوس مرعب….تراجعت بظهرها خطوة…ثم ركضت، وانزوت داخل الخزانة، تكمم شهقتها بكفها، ودموعها تسابق أنفاسها الخائفة.

ثم…تحطم الصمت.
اندفع الباب، واندفع سلطان خلفه… كعاصفة فقدت عقلها.

وهدر بصوته الوحشي: ضييييي!
ليلتك سواد على دماغك، يا بنت البدري!

تقلب في الغرف كمن يبحث عن جزء من روحه… أو جزء من جرحه.
بينما هي، هناك في ركنها، تتوسل للصمت ألا يخونها، ولنبضها ألا يفضحها.

لكن الخزانة فتحت فجاءه ..وامدت يده كالكابوس، وجذبها من ذراعها بعنف وصاح : لا يا بت… هو أنا مختوم على قفاي، وهاسيبك تهربي!
ده أنتي لو نزلتي تحت الأرض، هطلعك!

صرخت، وضربته بكل ما تملك من ألم وصاحت : سيبني!
يا همجي! يا متوحش! You bastard

دفعها إلى الحائط بعنف، وعيناه تتقد بشرر: آه! همجي؟ متوحش؟ ولسه ما شوفتيش حاجه ! أنا بحاول أكون كويس معاكي، بس باين عليا غلطان!
أنا سايبك بكيفي  يا ضي، بس شكلك فهمتي حبي ليك غلط !

شهقت وهزت رأسها، وانفجرت بنحيب: كيفك مش عليا
وانس إنك تلمس شعرة مني تاني!أنا مش هعيش مع قاتل قتلة!

في لحظة، كانت يده تطوق عنقها، والصقها في الحائط، وحاصرها بجسده الغاضب.

اقترب منها حتى اختلطت أنفاسهما، وهمس بفحيح موجوع: كيفي عليكي… انتي بالذات… لو عايز أظبطك، هعمل كده!

شعرت كأن العالم يدور من حولها…والهواء يضيق.
والأرض تميد صرخت، وحاولت دفعه بضعف وغمغمت :
أوعى تلمسني! مش طايقة نفسك… ولا طايقة أشوفك!

لم يتراجع.

بل أخرج من جيبه حبة صغيرة، ووضعها بين شفتيه…
ثم أمسك وجهها بين يديه، واقترب منها كالسم.

شهقت وصرخت : لأاااااا…

لكنه لم يمنحها مهرب وقبلها…قبلة لا تشبه الحب، بل تشبه القهر.
قبلة يسكت بها تمردها، يفرض بها سلطته، يخمد بها صوتها المرتجف.

ودفع الحبة من بين شفتيه إلى حلقها…
بأنفاسه، وبقسوة رجل لا يعرف إلا السيطرة دفعها بلسانه
وتابع بعينيه ارتعاشة حلقها، حتى ابتلعتها…

تراجعت، تسعل، تحاول التقيؤ، لكنها فشلت.
همست بصوت مخنوق: إنت عملت إييييه؟!

لكن قد فات الأوان.
شعرت بساقيها تنهار ، وعالمها يبهت تدريجيًا من حولها

اقترب منها، وهو يحاول أن يبدو قوياً بينما الشكوك تنهش عينيه وهمس : مش قادر أسيبك… حتى لو اضطريت آخدك غصب.

نظرت له بتشويش وسقطت بدون حول ولا قوه..وما إن تهاوى جسدها، حتى التقطها بذراعيه.

كأنها كنز يسقط، وهو لم يتعلم بعد كيف ينقذه من تحطمه.

سحب رداء قماش، ألبسها إياه سريعًا، ثم رفعها على منكبه… وخرج من الشقة بخطى عنيفة.
نزل الدرج كمن يركض خلف هزيمته،
ودفع باب السيارة بقدمه، وألقاها على المقعد الخلفي
كأنها شيء ثمين لا يعرف كيف يحميه.

قاد السيارة بجنون…وأنفاسه تتلاحق، وعيناه تبرقان بجنون خفي … حتي وصل إلي الفيلا وصف السياره بعشوائية وترجل منها فتح باب السياره
وحملها إلى غرفته، بخطوات ثقيلة كأنها تحمل ذنبه.

ألقى بها على السرير بلطف متناقض…
ثم غطاها كمن يحاول إخفاء الجريمة.

جلس إلى جوارها…
ومرر يده على شعرها برفق.

ثم همس: أنا حياتي خربانة…ومش عايز أخرب حياتك انتي كمان… بس لو سبتيني هموت … والله أموت يا ضي.

ظل ينظر إليها طويلًا،
كأنها آخر خيط نور في قلبه المظلم…

كأنها غيبوبة العمر،وكأن روحه كلها معلقه بها …
وكأنها آخر ما تبقى من إنسانيته التي تترنح على الحافة.
نائمة أمامه،  ويعرف إنها ستصحو عليه … لا له !

أفاق من شروده على اهتزاز الهاتف بين طيات جيبه،
أخرجه ببطء كأنما يخرج وزرًا من صدره، وزفر بضيق مكبوت، ثم رفعه إلى أذنه قائلاً بغمغمة منهكة:
أيوه يا عمار!

جاءه صوت عمار مرتجفًا، تسكنه نغمة القلق والخوف:سلطان… انت خدت ضي بالعافية ولا إيه؟! باب الشقة مكسور يا سلطان! إنت فين؟! أنا عايز أشوف ضي!

عض سلطان شفته السفلى بضيق، كأن الكلام يسحب من روحه، قبل أن يرد بنبرة يكسوها الغيظ المكبوت:
لأ يا عمار… خدتها برضاها، بس ف الأول عاندت وركبت دماغها… وقفلت الباب في وشي… عشان كده اتعصبت على الباب. بس لما دخلت… صلحتها، وخدتها نغير جو يومين.

جاءه صوت عمار مجددًا، هذه المرة ممزوجا برعشة قلب لا يهدأ: سلطان… ضي لسه صغيرة… وانت…

لكن سلطان قاطعه بصوت انفلات من نفاد صبره:
عارف يا عمار… متخفش يا صاحبي!

صمت عمار لحظة، كأن عقله يتأرجح بين الإيمان بصديقه والشك في قدرته على الاحتواء، ثم تمتم بصوت منخفض: ماشي… طيب ضي جنبك؟ عايز أسمع صوتها!

ألقى سلطان نظرة إلى الفراش… حيث كانت ضي تغط في نوم عميق، ساكنة كأنها هاربة من الدنيا إلى حضن أحلامها،
مسح على وجهه بكف مرتعش، ثم رد بصوت مبحوح:
معلش يا شقو… ضي بتاخد دش، تطلع من الحمام وهخليها تكلمك.

أومأ عمار برأسه، كأنما يداري خيبته بإحراج خفيف، ثم قال: طب خلاص… هبقى أكلمها بكرة. تصبح على خير يا صاحبي…

أغلق سلطان الهاتف ببطء،
وأسند جبينه إلى طرف الفراش، كأن التعب تسلل من قلبه إلى جسده كله،
مسح شعره بيده كأنما يلعن شيئًا في روحه، ثم همس بنبرة قهر خافتة: واخرتها يا ضي السلطان؟!

كان صوته يخرج منه كما يخرج النفس من صدر غريق…لا يسمعه أحد، سوى الليل…
وسوى ضي النائمة على طرف قلبه.

…………………………………
في شقه عز الهواري 

كان الليل صامتا كأنما ينصت لما سيحدث.
دلف إلى الداخل بخطى بطيئة مثقلة، والهدوء يكسو المكان كأنما جنة نزعت منها الأرواح.
خلع ساعته ومفاتيحه ووضعها على الطاولة، ثم سار نحو غرفة النوم كأنما يسير نحو قلبه ذاته.

فتح الباب ودخل، وأغلق خلفه بهدوء كمن لا يريد أن يوقظ الحلم، ثم اقترب من الفراش.
كانت هي نائمة، ملامحها ساكنة كأنها جزء من الضوء الخافت…
جلس إلى جوارها، يتأملها بعين جديدة، بعين رجل كأنه يراها للمرة الأولى، وكأن الغشاوة التي كانت تحجب رؤيته لها قد زالت.

رأى يدها تمسك بالهاتف وكأنها غفت وهي تتصفح شيئًا، فمد يده برفق ورفع يدها، طبع قبلة عليها، ثم سحب الهاتف بهدوء.
أضاءت الشاشة، وظهرت صورتها…
كم هي جميلة… بل رائعه الجمال ..

رفع حاجبه بدهشة حقيقية، وبدأ يقلب في الصور ببطء، يتأمل كل تفصيلة في وجهها كأنه يكتشفها لأول مرة،
وغمغم بصوت أقرب للذهول:يخرب بيتك… انتي جامدة كده؟ وأنا عايش معاكي احسس في الضلمه ! بقالي كام سنة؟!

بلع الغصه التي تشكلة في حلقه بمراره، وشعر  بثقل في صدره… لم يكن غاضبًا منها، بل من نفسه أكثر .
همس بصوت مكسور: إزاي؟ إزاي ماخدتش بالي إن تصرفاتك مش عاديه؟

وضع الهاتف جانبا، واقترب منها، مرر يده في شعرها برفق كأنه يعيد ترتيب فوضى السنوات كلها، وهمس بصوت أجش: عليا… يا قلبي.

انزلقت أصابعه إلى وجنتها، ولمسها بخفة، ثم همس وهو يربت عليها:حبيبتي… اصحي يا بت، وحشتيني.

تململت بخفة، وفتحت عينيها بتثاقل.
نظرت إليه وهمسة بصوت ناعس: عز؟… إنت جيت؟

أومأ برأسه واقترب، قبل جبينها وهمس:جيت يا حبيبتي.

نظرت إليه بدهشة وقالت: تحب أحضرلِك عشا؟

هز رأسه نافيًا: لأ… مليش نفس.

نظر لها مطولًا، كأن عينيه تتفحص كل ما لم يره من قبل،
فسألته باستغراب: في إيه؟ بتبصلي كده ليه؟

أزاح خصلة عن وجهها، وهمس:إنتي حلوة اوي النهارده… مغيره حاجة في نفسك؟

هزت رأسها وهي تنظر إلى ثيابها ونفسها : لا، مش مغيره حاجة… إنت شايف في إيه متغير؟

اقترب منها وهمس في أذنها بعبث محبب:حاجات… يا لولو.

ارتجف صوتها، وهمسة: لولو… أنا؟

دنا منها وقبل منكبها قبلة ناعمة، أشبه بقطرة ندى على زهره مرتعشة، ثم غمغم بصوت مبحوح: إممم… انتي أحلى لولو في الدنيا.

شعرت بقشعريرة تسرى في جسدها، وقبضت على مفرش السرير،
نظرت نحو الضوء في الغرفة كأنها تبحث عن ملاذ… ثم أغمضت عينيها بهمسة مرتجفة:بجد… حلوة؟ يعني انت بتشوفني حلوة يا عز؟

اقترب منها أكثر، تراجع جسدها بتردد، فتمددت على الفراش، ولحق بها بخفة،وطل عليها بصدره العريض وهمس:مع إن جوازنا مكنش عن حب، بس… لما عيشت معاكي، وقربت منك، وقعت في حبك.
في عينيكي… اللي فيهم حنية الدنيا،
وفي قلبك الأبيض…
ومفيش أحلى من إن الواحد يدوخ في حب مراته… مراته حلاله.

مررت يدها بخجل على ذراعه، وهمسة بصوت خافت أقرب للاعتراف:أول مرة شوفتك لما جيت مع سلطان… عجبني شكلك… حسيت بإحساس غريب.

غامت عيناها بالدموع، وتابعت بصوت مرتجف: بس لما قلت لأختي… إنك أمور وعجبني، أمي سمعتني… زعقت فيا وقالتلي:الجواز مش عجبني وشكل وكلام فاضي ! الجواز بيت وعيال وعيشة بالحلوة والمرة… مش قلة حياء!

نظر لها عز بدهشة، ممزوجة بغضب مكتوم، وهتف:إيه الجنان ده؟! هو البيت والعيال هيطلعوا من غير حب ازاي؟
يعني العيل لو مشفش أبوه وأمه بيحبوا بعض، هيتعلم الحب ازاي ؟
والبني آدم من غير حب… يبقى بني آدم إزاي؟!

هزت رأسها بالنفي، والدموع تنزلق على وجنتيها بصمت موجع:أنا عمري ما شفت أبويا وأمي بيقولوا لبعض كلمة حلوة…
بحبك كانت جريمة عندهم…

اقترب منها وضمها إلى صدره، دون أن يمنع دموعها.
تركها تبكي… تبكي الماضي كله، والمفاهيم المعوجة، والخوف القديم.
كان فقط يمسح على ظهرها بحنان، ويربت على شعرها، كأنما يعيد طمأنة الطفلة التي في داخلها.

وحين هدأت، قبل وجنتها برفق وهمس:بحبك يا عليا… بحبك زي ما انتي…مش عشان شكلك… ولا عشان جسمك…أنا بحبك عشان بحس إنك نصي التاني من الدنيا…إنتي اللي بتكملي عز الهواري يا عليا…
أنا من غيرك مليش وجود.

أغمضت عينيها، وتنفست بعمق، وهمسة بصوت مبحوح: وأنا كمان… بحبك قوي…أنا فتحت عيني عليك…
إنت أول كل حاجة… يا حبيبي.

ضمها بقوة، كأنما يخشى أن تفلت منه لحظة.

ثم قبلها قبلة ناعمة على شفتيها، وهمس : بحب قلبك…

ثم قبل وجنتها: وبموت في حنانك…

ثم وجنتها الأخرى وغمغم : وبدوب في شخصيتك… وأخلاقك.

ثم جبهتها، وتمتم: بعشق روحك…

رفع وجهها بلطف، وأطبق شفتيه على شفتيها في قبلة أعمق، ثم همس بشغف متهدج: وبيجنني جسمك النار… يا مزتي.

فتحت عينيها بأنفاس متقطعة وهمسة: نار… بجد؟

ابتسم، ومرر يده على جسدها المرتجف بحنو ورفق، ثم همس:نار وشرار…
أحلى مزة في الدنيا… وعنيا..

رفعت ذراعيها، لفتهما حول عنقه، وهمسة بأنفاس ساخنة تلامس وجنته : بحبك… اوي.

ضمها أكثر، وغمغم في أذنها بنبرة حانية: وأنا… بحبك. وهفضل احبك عمري كله …

وظل الليل شاهدًا على لحظة صدق ودفء،
لم تكتمل، لكنها كانت بداية…
بداية لأنثى تتصالح مع نفسها، ومع أنوثتها، ومع رجل احبها حقا.
………………………………………….
صباحا في فيلا سلطان الهواري

استفاقت ضي على وقع الدوار الذي يفتت رأسها كالمطرقة…

تململت ببطء كمن يغوص من حلم ثقيل إلى كابوس أثقل…
فتحت جفنيها بصعوبة، والضوء يغمر الغرفة كوميض موجع للعين والقلب.

نظرت حولها، وقلبها ينبض بتوجس غريب، حتى شعرت بذراعه…
ذراعه الذي يطوق خصرها بحميمية يشوبها التملك.
أنفاسه تدفئ عنقها… لكنها بالنسبة لها كانت شرارة حريق.

أغمضت عينيها مجددًا، بقهر مر، وكأنها تتوسل لنفسها أن تستفيق من كابوس حي.
حاولت التملص بهدوء من بين ذراعيه… لكن قبضة سلطان كانت أسرع.

في لحظة خاطفة، استيقظ، وسحبها إليه بعنف جعلها ترتجف…وعيناه تشتعلان بجنون، وهدر: رايحة فين يابت؟!

شهقت بفزع، ودفعته بكل ما أوتيت من ضعف، وصرخت بصوت مختنق: اوعى! سيبني!
انت… انت مختل! سيبني يا أخي، هتخنق!

أصدر صوت ساخرًا من أنفه، وغمغم بمرارة:
أخي كمان يا بت! تصدقي؟ أنا اللي غلطان…
غلطان إني طبطبت واهتميت وقلت نبدأ بداية جديدة.
كان لازم أظبطك من أول ليلة… عشان تعرفي مين سلطان الهواري، يا بنت البدري!

في لحظة غضب، عضته في يده بقوة، ثم دفعته وركضت إلى أقصى الغرفة.
أمسكت بأحد الفازات، ولوحت بها في وجهه، وصاحت بصوت يمزق الحناجر: حتى لو هموت، مش هتلمسني!
أنا عارفة إنك ممكن تاخدني غصب عني…
بس ساعتها هبص في عينيك، وأقولك كان غصب!
ووقتها، تبقى خسرت كل حاجة يا سلطان… الرجولة مش كده!

تجمد للحظة، وقد ارتفع حاجبه بدهشة وإعجاب خفي.
نهض من الفراش بخطوات بطيئة، لكن وقعها في قلبها كان كالرعد.
تراجعت حتى التصقت بالحائط، بينما اقترب منها، وحاصرها بجسده…
وضع كفه بجانب رأسها، وهمس بنبرة دافئة مفعمة بالعبث:طيب…ولو خليتك تسلمي برضاكي؟
وتدوبي تحت إيديا؟ هتعملي إيه ساعتها يا ضي؟
ساعتها… أنا اللي هبص في عيونك واقولك
سلمتي… وكنتي توب في الأنوثة!

حبست أنفاسها ،كأن رئتيها لم تعودا قادرتين على استقبال الهواء.
دفعته، والقت الفازة أرضًا، فتهشمت إلى شظايا.
وصرخت بعنف: مش هيحصل! ومش هسلم!
حتى لو هموت! أنا مش قادرة اتحمل لمستك…
ريحة الدم بتخنقني يا جزار!

تشنج وجهه، وقبض على ذراعها بعنف، وهزها وهو يصيح: ليه مش عايزة تفهمي؟!ده شغل! أهو شغل زي أي شغل! اللي بيشتري مني السلاح ضعيف… وأنا بدي له قوة! السلاح… لما يتكلم، الكل بيتخرس!

صرخت، والدموع تتفجر من عينيها: ده مش مبرر!
انت بتضحك على نفسك ولا عليا؟! انت شايل أرواح على كتفك يا سلطان! ومن قتل يقتل، ولو بعد حين!
ليه؟!
ليه عايزني أشوفك بتموت قدام عيني؟
ليه عايزني أعيش نفس المصيبة تاني؟
أنا… أنا مش هتحمل!

ثم انفجرت بالبكاء، كأن كل وجع السنين قد تهدل دفعة واحدة على كتفيها الهزيلتين: مش هتحمل، والله ما هتحمل… ليه عايز تيتمني تاني؟ ليه؟!

اقترب منها، والغصة تخنقه، لكنه لم يجد كلمة… فقط مد يده لها … تراجعت، تحدق في كفيه برعب…
ثم صاحت: إيدك… مش نضيفة! حرام تلمسني بيهم!
لو بتحبني بجد… مش هيهون عليك تلمسني بالإيد دي!

همس بصوت مبحوح: لا يا ضي… أنا بحبك! بحبك اكتر من الحب نفسه !!

ترنحت بالم وهتفت، بألم يغمرها: لا! انت متعرفش يعني إيه حب!

وفي لحظة نظرت له وعينيها تغلق بالم …وفي اللحظه التاليه خذلها جسدها.
تهاوت أرضًا، كأن الأرض انسحبت من تحت قدميها.

جحظت عيناه، وركض نحوها، وضع يده خلف رأسها قبل أن تصطدم بالأرض، واحتضنها بقوة. وصاح بذعر : ضيييييي! لاااااا!

ارتجاف صوته كان مزيجًا من الرعب والوجع: ضي… لا يا قلبي! أنا بحبك! وانتي كمان بتحبيني… احنا بنحب بعض يا ضي!

حملها سريعًا، أعادها إلى السرير، وأسندها برفق.
ركض إلى خزانة جانبية، وسحب زجاجة عطر، أفاضها على كفيه، وقربها من أنفها.. وصاح :  فوقي! يا حبيبي فوقي! متعمليش كده فيا… أنا مش قادر أعيش من غيرك… حاولت أبعد… حاولت كتير…
بس مقدرتش!

اخيرا… بدأت تفيق.
تحرك جفناها ببطء، وشفتيها تأوهت بألم.

ضمها سلطان بقوة، وكأنها نجت من الموت.وغمغم بدموع :  الحمد لله… ضي، ردي عليا! أبوس إيدك، قولي كلمه… قلبي هيقف عليكي!

فتحت عينيها، والدموع تغرق وجنتيها، وهمسة بصوت مبحوح: سلطان…

ضمها مجددًا، كأنه يحضن آخر نفس في حياته، وهمس بصوت مختنق: روح قلب سلطان… وضي أيامي… وعمري.

أغمضت عينيها مجددًا، لا تزال مرهقة، لا تملك ردا،
لكن سلطان كان قد سمع كفاية…
ليصدق أن قلبها، ما زال… على قيد الحياة.

………………………………
في الحارة…

خرجت جنات من الصيدلية بخطى حذرة، تطبق على حقيبتها بيد قلقة، وعيناها تبحثان عن شيء لا تدركه تماما.
فتحت الحقيبة ببطء وألقت نظرة على علبة الدواء التي اعتادت شراءها كل شهر.
حبوب منع الحمل… تلك الأقراص الصغيرة التي صارت جزء من روتينها، لكنها في قلبها تشبه ختما لا يرى على صدر امرأة لم يطلب منها طفل، ولم يسأل عن أمنيتها.

كانت على وشك إغلاق الحقيبة،
حين انتفض جسدها فجأة كشعلة برق باغتت ليلًا ساكنًا.
شهقت برعب حقيقي….ذاك الغريب… عاد.

وقف أمامها مجددًا، بنفس الثقة، بنفس العينين اللتين تراقبها بشيء لا يشبه الفضول.
قبضت على حقيبتها بيد غريزية، كأنها تدافع بها عن نفسها، ونظرت إليه بدهشة ممزوجة بالغضب، ثم رمقت الحارة بعين متوترة، خائفة من أن تلمحها أعين لا ترحم.

اقترب منها، وهمس بصوت خافت: متخافيش… لو حد شافنا، هاقول بسألك علي عنوان.

كلماته لم تطمئنها، بل زادت من ارتباكها.
قطبت حاجبيها، والغضب يتفجر في صوتها كأنها تطرده من مسافة زمنية وليس مجرد شارع: نعم؟! ونكدب ليه؟ وتقف معايا ليه من أصله؟ انت اتجننت يا حيوان !!

لم يهتز.
فقط أومأ برأسه، وصوته أكثر هدوءا مما يحتمل الموقف:
بصراحة… من ساعة ما شوفتك، ومخي اتبرجل…
واتصدمت لما عرفت إنك متجوزة…مع إن… بصراحة… مش باين عليكي.

لم تنتظر.
تحركت مبتعدة بخطى سريعة، وصوتها يخرج من بين فكيها وكأنها تقاوم قذارة التصاق شيء لا تريده:
عالم ماتختشيش! بترد على نفسك؟
أنا ست متجوزة، وبموت في التراب اللي جوزي بيمشي عليه…رايح نفسك!
أنا مش من النوع اللي في بالك… يا أستاذ!

تابعها ببصره…
لم تغادر دهشته ملامحه، لكنها دهشة مشوبة بإعجاب لا يخفيه.
تبعها بخطوات بطيئة، من بعيد، كأنه لا يريد أن يخيفها، بل فقط يحفظ لها أثرا.

رآها تدخل بيتها وتغلق الباب خلفها.
وقف لحظة، ينظر حوله، يسجل المشهد كله…
الشارع، العتبة، شكل الباب، حتى تلك الشرفة التي انتظر أن تظهر منها… لكنها لم تفعل.

ثم… انصرف.
وعيناه لا تزالان معلقتين بذلك المكان… بذلك الباب الذي أغلق في وجهه وفي وجه فكرته عنها.

في الداخل…

دلفت جنات إلى البيت وأغلقت الباب بعنف،
كأنها تغلق بابها على الشيطان ذاته، على الهمس الذي بدأ يتسلل إلى أعماقها منذ لحظة ظهوره.
سقطت على أول أريكة تقابلها،وجسدها يرتجف…
وأنفاسها قصيرة، كأن قلبها يلهث من الركض داخلها.

بدأت تبكي… بصمت،
لكن البكاء لم يكن ضعفا، بل طردًا قاسيا لما تسلل إليها من رجفة، من ريبة، من شيء لا تريد أن تسمية رغبة.

همسة بشفاه مرتعشة، ولسانها يتلوها بخوف حقيقي:
أعوذ بالله… أعوذ بالله…مش الشيطان… شيطان الإنس والجن…ياااااارب…

أغمضت عينيها بقوة، كأنها تريد أن تفر من صورتها، من تفصيلة النظرة، من فكرة أنه رآها امرأة… فقط امرأة.
فكرة واحدة ضربتها كالسوط: ليه قلبي خاف؟
وليه حسيت بالذنب… وأنا ما غلطتش؟!

وما كانت تعرفه  أو ترفض الاعتراف به
أن الجفاف العاطفي لا يصنع خيانة،
لكنه يجعل قلب المرأة هش أمام كلمة…
أمام نظرة…
أمام رجل يراها، بينما من يفترض أن يحبها… لا يرى.

كان الصمت يلف البيت ككفن، وجنات لا تزال جالسة على الأريكة، نفس الأريكة، نفس الهيئة…لكنها لم تعد هي.

تتشبث بحقيبتها وكأنها درع،
تتنفس بصعوبة،
وصدرها يعلو ويهبط بنبض متسارع لا تعرف له قرارًا…
كل شيء داخلها يتنازعها: خوف، خجل، غضب، وشعور عميق بالقذارة، ليس منه… بل من ارتباكها هي.

ثم فجأة…انفتح الباب.

شهقت دون وعي، ونهضت واقفة كأن الأرض اشتعلت تحت قدميها.
دلف ياسر… بوجه عادي، لا يحمل أي توتر…
يحمل فقط رتابة يومٍ آخر في حياته…لكنها شعرت برعب يتسرب الي قلبها..
أغلق الباب خلفه وهو يقول بحنق : الشاي اتكب علي القميص… فقلت أجي أغيره قبل ما أروح الورشه !

اتجه مباشرة إلى غرفة النوم دون أن يلاحظ في البداية ملامحها المرتبكة…
لكنه حين عاد، وجدها واقفة في الصالة، وجهها شاحب، وعيناها لا تثبتان في مكان.

توقف للحظة، ونظر لها بتركيز خفيف وقال : مالك؟
وشك اصفر ليه … فيكي حاجة؟

اقترب منها خطوة، ثم مد يده ووضعها على جبينها ليتأكد من حرارتها. مجرد لمسته تلك، جعلت جسدها ينتفض… لكن ليس من الألم.
علي الرغم من أنها كانت لمسة عاديه… بشرية… معتادة…
لكنها بدت لها كـ طوق نجاة سقط فجأة من السماء.

نظرت إليه بعيون دامعة،
ثم…دون تفكير، ألقت بنفسها في حضنه.

احتضنته وكأنها تغرق،
وكأن فيه وحده تختبئ من كل ما حولها، من الوجوه، من الشكوك، من نفسها.

تجمد ياسر في مكانه، رفع ذراعيه ببطء وهو لا يزال مندهشًا، ثم ضمها بحذر وقال: جنات… في إيه؟!

لم تجبه…كل ما فعلته أنها زادت من شدة احتضانها له،
وهمسة بخفوت يكاد لا يسمع:خليك معايا شوية… بس شوية.

شعر بشيء غريب…كأن بين ضلوعها صرخة لا تقال.
كأن ظهرها يرتعش وكأنها تخشى شيئًا لا تقدر على تسميته.
ضربات قلبها كانت تصل إليه،
وكان بداخلها ذلك الارتعاش الهش الذي يسبق الانهيار.

ظل صامتًا… لا يفهم ما بها لكنه شعر ولأول مرة منذ زمن  أن هذه المرأة، التي تملأ البيت صمتا، تحارب شيئًا لا يراه.

ومع ذلك…
وجد نفسه يربت على ظهرها بهدوء، دون وعي.
يده تتحرك كأنها تتذكر شيئًا قديم…كأن بها ما يشبه العطف.

لم يدرك ما الذي تغيّر، لكنه حين خرج من البيت بعد دقائق،كانت صورته في مرآة الذاكرة تقول: مراتي… عمرها ما حضنتني كده قبل كده.

وهو نفسه…لأول مرة،كان يشعر أن هناك شيئًا ما فيها…
يستحق أن ينصت له، ولو لمرة واحدة.

علي الدرج …

كان ياسر يهبط درجات السلم ببطء، وكأن كل درجة منه تئن بثقل أفكاره.

لم تكن خطواته معتادة، ولا روحه متزنة كما اعتاد أن يخدع بها نفسه.
شيء في حضن زوجته قبل قليل أيقظه… شيء ناعم، هش، مؤلم… شيء لم يفهمه، لكنه تسلل إلى صدره وأشعل داخله ارتباك لم يعرف له ملامح.

قطع شروده فجأة صوت خافت، ارتطم جسده بشخص صغير قادم من الأسفل.

شهقت تقي وتمسكت به وتاوهت بالم : آه
تمسك بها ونظر له بدهشه وهتف : براحه يا تقي

وقفت أمامه بثوبٍ بسيط، وجهها خال من الزينة، لكن فيه براءة تشبه الندى على ورق النعناع.

رفعت عينيها إليه بضحكة صغيرة وهتفت: انت ماشي وانت سرحان حب جديد ولا إيه؟ خبطتني في حيطي يا ياسر!

ابتسم…ابتسامة مشوبة بارتباك، لكنه ما لبث أن مد يده ووضعها فوق رأسها، ومال نحوه ببطء، كأنها كنز صغير يخاف عليه من الهواء وقال : يا بت أنا اللي اتخبط مش إنتي… انتي بتجري وانتي اد المج دماغك غرزت ف بطني

ضحكت بمرح وردت بعبوس مصطنع : انت كمان هتعمل زي العبيط راجح
رفع حاجبه بعبث وغمغم: ولا العبيط نافع ولا عاقل نافع معاكم يا بنات حواء

رمقته بقلق حقيقي وسألت: مالك؟ وشك متغير كده ليه؟ جنات كويسة؟

ربت على كتفها وقال بنبرة دافئة: جنات والله ما عارف  يمكن أنا اللي بعيد

ضحكت، ثم وضعت يدها في ذراعه، وسار الاثنان معًا على درجات السلم وقالت : تعالى، أعملك شاي بالنعناع… ولا تحب ةنزل أجيبلك عصير مانجا من عم رمضان اللي بتحبها؟

ابتسم بمرح وقال : هو انتي لسه فاكرة إن المانجا نقطة ضعفي؟!

هزت رأسها بثقة: أنا اللي كنت بودي واجيب طول النهار بينك وبين جنات ف قزايز المانجا
نظرت له بدهشة وقالت: هو انت بطلت تجيب مانجا لجنات ولا ايه؟!

بلل شفته بضيق وغمغم: والله عايز اجيب بس مكسوف!!

ضحكا معا، ضحكة بسيطة دافئة… تلك الضحكة التي لا يصدرها الإنسان إلا حين يكون بقرب من يثق بهم تمامًا.

ثم هدأ ياسر فجأة، وسار بجوارها على السلالم ببطء، قبل أن يهمس دون أن ينظر إليها: راجح لسه بيتصل؟

توقفت تقي للحظة، وغمغمت وهي تعض شفتها السفلية: بيبعتلي… بس أنا ما بردش.

نظر إليها من طرف عينه، وقال برقة تشبه صوت الأمان: طيب وآخرتها معاكم!! واخرت الزعل ده كله ؟!

هزت رأسها ببطء، ثم قالت بصوت مبحوح: أنا زعلانة من الدنيا كلها… ومن اللي بين أبوه وبين بابا.

نظر لها ياسر بصمت، ثم همس: انتي بتحبيه، صح؟

لم ترد. لكن عينيها قالت كل شيء.

اقترب منها وربت على رأسها وقال:قلبي معاكي يا تقي… بس اللي ربينا عليه، ما يمنعناش نحب، بس يمنعنا نكسر نفسنا.

نظرت إليه وهمسة: عشان كده بصد… مش عشان ما بحبوش.

ابتسم ياسر ابتسامة حزينة… وقال: وهو كمان باين عليه بيحبك بجد. بس للأسف… المشاكل أكبر مننا.

ثم توقف فجأة عند باب شقتها،

وأمسك بيدها برفق… وقال بصوت يخرج من قلبه لا من فمه: خلي بالك من نفسك يا تقي… أنتي أغلى من الدنيا دي كلها.

نظرت إليه باندهاش، ثم قطبت جبينها وهتفت: ده أنا اللي المفروض أقولك كده يا ياسر أنت مش رايق… أنت اللي شايلنا كلنا فوق دماغك، وحاطت قلبك تحت رجليك..

ضمها فجأة لصدره، حضن لم تعتده… لكنه لم يكن ثقيلًا، كان يشبه ستر دافئ في ليل بارد وهمس: ربنا يصلح الحال يا قلبي!!

همسة وهي تخفي وجهها في منكبه: يارب … ربنا يخليك لينا يا ياسر.

ثم انفصل عنها برفق، وكأنه يترك قطعة من روحه خلفه، وقال وهو يفتح باب العمارة: خشي إنتي، وأنا هعدي أشوف الورشة… سلام يا مج

ردت بابتسامة صافية: امشي يا رخم
غمزها بعبث وضحك وخرج واغلق الباب ضحكت تقي ودلفت الشقه وأغلقت الباب …

…………………………….
ف محل نوسه

وقفت تراقب الطريق لا تعلم هل تنتظره ام تخشي لقاءه لكن سرعان ما عملت الاجابه وحدث ما كانت تخشاه ورته أمامها يقترب من المحل بخطوات بطيء وهو ينظر ف هاتفه باهتمام …

رفعت حاجبها بدهشة وهمسة: ياتري مشغول بايه في التلفون؟!
شهقت بنزق عندما أدركت ما تفوهت به وغمغمت : الله!! طب وانا مالي !

نظرت له مره اخري وجحظت عينيها عندما وجدته اقترب اكثر ..تحركت بسرعه بتجاه المكتب بارتباك وتوتر وجلست عليه …

مسكت القلم ورفعته به شعرها ثم انتبهت الي ما تفعله وقطبت حاجبها بدهشة وهمسة: أنا برفع شعري ليه هو أنا في بيتنا ؟!ولا داخله اخد دش؟! ولا أنا اتجننت يا نهار اسود !!

مسكت القلم لكن قبل أن تسحبه من شعرها.. دلف علي وجحظت عينيه بذهول عندما وقعت عينيه عليها ..

كم بدأت فاتنه امراه سمراء سمارها فتنه بكل ما تحمل الكلمه من معاني.. وكأنها اميره خرجت لتو من قصة خياليه..

رمش بعينيه يحاول استيعاب كتلة الجمال.. وذاك العنق المشرئب باحمرار طفيف…
اقترب منها وهو يلاحظ ارتباكها ..واصفرار وجهها..
وحركتها العصبيه..

وعندما وقف أمام المكتب نهضت وصاحت بغضب مكبوت وعصبيه مجنونه : ولا يا سلامه أنا مش قلتلك تروح تجيب الشغل من الورشه؟! ولا اروح أنا بنفسي اجيبهم يا روح امك؟!

اوما سلامه برأسه وقال: فوريره يا معلمه!!
اومات برأسها وقالت: بسرعه !! روح وتيجي تجبلي فنجان قهوه دماغي مصدعه !

اوما برأسه وركض بهمه عاليه …
بقيت نوسه تعطي ظهرها الي علي وهي تفكر في طريقه حتي لا تتعامل معه ابدا ..

قطع شرودها صوته الهادي لكن واثق : صباح الخير يا نوسه !
أغمضت عيناها بوهن وهمسة: يسعد صباحك!!

نظر لها وغمغم بعبث : نوسه هو انتي مدياني ضهرك ليه؟! في حاجه أنا زعلتك؟؟

هزت رأسها بالنفي وغمغمت وهي تتحرك بين الارفف بارتباك وتوتر وسحبت حقيبتها : لا ربنا ما يجيب زعل!!
انا بس رقبتي وجعاني.. شكلي نمت بطريقة غلط عليها ..

قبضت علي الحقيبة وتحركت الي الخارج وغمغمت : أنا هروح تعبانه النهارده مشي أنت الشغل الله لا يسيئك يا اخوي!!

قطب علي حاجبه بدهشه وغمغم: اخوكي!! استني يا يا ستي ..
لكنها كانت انصرفت بخطوات مرتبكه حذره وكانها تهرب من نار حارقه ..

…………………………………….

في قلب الحارة…

كانت شمس العصر تنكسر على جدران البيوت، تنساب خيوطها الذهبية على الأرض المبللة بعد رش الماء، وتنبعث منها رائحة طين طازج…
في الزقاق الضيق، وقف الكبار والصغار على الجانبين، ينتظرون بلهفة… فقد عاد الحاج سعيد من العمرة.

انطلقت الزغاريد من شباك بطه، وصاحت من قلبها: الحمد لله عالسلامة يا حاج سعيييد… منور الحارة يا خويا!

لوحت عايدة بطرف إيشاربها وابتسمت : حمد الله عالسلامة يا أخويا… ربنا تقبل، ورجعك لينا بالسلامة.

وما إن ترجل سعيد من سيارة الأجرة، بجلبابه الابيض وشعره المغطى بكوفية بيضاء ناصعة، حتى اندفعت نحوه القلوب قبل الأقدام.
استقبله خليفة وفتح له ذراعيه: يا ما شاء الله… وشك منور، كأنك راجع من الجنة نفسها يا نوسه !

ابتسم سعيد بتواضعه المعتاد، واحتضن خليفة بقوة: من غيرك ما تكملش الفرحة يا خليفة…

ثم اندفعت إليه نوسه كأنها طفلة رأت أباها بعد غياب سنين، وصرخت والدموع تلمع في عينيها: حمد الله على السلامه يابا ..

فتح سعيد ذراعيه كأنهما جناحا طير، واحتواها بحنوّ شديد:وحشتيني يا نوسه … كنت بدعيلك كل يوم عند الكعبة.

تعلقت في عنقه، وهمسة: وأنا كنت بعد الأيام يابا ..

جاءت حياة وجنات وتقي خلفها، كل منهن تحمل شيئًا من بهجة اللقاء،
وقبلت حياة يده وقالت: نورت الحاره … الحاره كانت ضلمة من غيرك يا عم سعيد يا قمر !!

ضحك سعيد ومسح على رأسها: منوره بيكي ياحياه بيت الهواري ربنا يبارك فيكم.

ثم جاء ياسر بخطى واسعة واحتضنه: حمد الله عالسلامة يا عمي… عمره مبروك ربنا يتقبل يا راجل يا طيب !!

ابتسم سعيد وربت على منكبه :طمني عليك وعلي  مراتك يا بني، وشد حيلك… أنا ناوي أعمل عمرة تاني مخصوص عشانكم أنا مش ناسي أن جنات كان نفسها تروح معايا …

ضحك ياسر وهو يقول: شد حيلنا إيه… دا جنات بتدعي على دماغي ليل نهار.

ضحك الجميع، وتداخلت الضحكات مع زغاريد بطه التي لا تهدأ،
أما عاشور، فاقترب بوقاره المعتاد، واحتضنه وقال: رجعت بألف سلامة يا أخوي… العمرة دي محتاجة قعدة نحكي فيها… سلمتلي علي حبيبك المصطفى؟!

أشار له سعيد بابتسامة وقال: قعدة وسبح ومسك… ومن عند حبيبك النبي ، قلتلك تعالي معايا  يا عاشور.

اوما عاشور برأسه وقال : كله بـ اوانه يا اخوي ..

صعدوا جميعًا إلى شقة سعيد،
ورائحة القهوة السادة كانت قد سبقتهم من يد جنات…
جلس الجميع في الصالة الكبيرة،
وسعيد في صدر المجلس،
وبدأ يسرد لهم عن رحلته، عن الكعبة، عن دعواته لهم اسمًا اسمًا.

كان المشهد أشبه بصورة قديمة من الزمن الجميل…
ضحكات، ودعوات، وقلوب متماسكة…
ودفئ عائلي مريح للقلب والعين

……………………………………..
فيلا سلطان الهواري

كان الليل قد تمدد فوق الدنيا كغيمة كثيفة تخنق الضوء، ويخنق معها الهواء.

هدوء ثقيل يخيم على الأرجاء، يقطعه صوت خطوات سلطان المتوترة وهو يقترب من الغرفة التي تنام فيها ضي منذ الصباح. بين يديه صينية عليها اطباق طعام ساخن وقلب يرتجف.

دفع الباب برفق، فصوته وحده قد يوقظ المواجع.

اقترب منها، كانت مستلقية على جنبها، ظهرها له، ووجهها غائب عن الحياة. عيناها مفتوحتان، لكن بلا بريق. نظراتها معلقة بالجدار، كأنها تنظر في هوة لا قرار لها.

جلس جوارها، ومد الصينية أمامها، وهمس بصوت حنون، لكنه مشحون بالقلق:يا ضي… قومي كلي، إنتي ماشربتيش مية حتى من الصبح… هتموتي كده، وانا مش هقدر استحمل.

لم ترد.

فأعاد الكلمة بصوت أعلى: ضي، قومي كلي يا بت، مش هينفع كده … ده أنا جايبلك الاكل بإيدي، و…

استدارت فجأة.

كانت عيناها تبرقان بشيء يشبه النار.

هتفت بصوت متكسر، لكن غاضب: سيبني ف حالي يا سلطان… سيبني… مش عايزة منك لا اكل ولا طبطبة، ولا أي حاجة!

قطب حاجبيه وقال بلهجة تحمل غضبا مغلف بالقلق:
هو أنا غلطت إني بحاول أطبطب؟! يعني كنت أعمل زي زمان؟ أشخط وأزعق؟! واقلب الدنيا فوق دماغك عشان تسمعيني؟!

نهضت فجأة، ودفعت الصينية بكلتا يديها لتتهاوى على الأرض وتتناثر محتوياتها، ارتطام الاطباق بالأرض أحدث دوي اخترق سكون الفيلا كطلقة في صدر الليل.

صرخت بصوت مبحوح من شدة البكاء:أنا مش لعبة في إيدك يا سلطان! مش كل شوية تخليني أحبك… وبعدين تكسرني بإيدك! أنا تعبت، بجد تعبت!

اقترب منها خطوة، لكنها تراجعت، وشهقت بنحيب:
لو بتحبني بجد… سبني أمشي! سبني أرجع لإخواتي… مش عايزة منك حاجة، ولا حتى حبك!

أمسك ذراعها، وقال بصوت خافت لكنه غاضب:
إنتي مش هتمشي… انسي! انتي ليا… غصب عنك، فاهمة؟ ليا!

نظرت له بنظرة مشبعة بالخذلان والاحتقار، ثم جذبت ذراعها بقوة وركضت ناحية الشرفة.

صاح من خلفها: ضي! تطارجعي هنا، بقولك إيه!

لكنها كانت قد فتحت باب الشرفة، ووقفت على السور الرخامي، والهواء يلفح جسدها الهزيل.

هتفت بصوت مجنون: لو ما سبتنيش أمشي… هارمي نفسي!

ضحك ضحكة قصيرة مرة، كان يظنها تهديدا فارغًا وهتف : بتخوفيني يعني؟! ارجعي جوه يا ضي… بلاش لعب عيال صغيرة!

لكنها لم تتراجع.

قالت بصوت ميت: أنا مش بخوفك… أنا بخلص نفسي.

وقبل أن يفهم ما يحدث، كانت قد أفلتت نفسها من على السور.

تجمد سلطان وهو يري طرف ثوبها يلوح في الهواء … ثانية واحدة…ثم صرخ بكل ما أوتي من وجع: ضييييييييي!!!!
ووووووووو

متنسووووش الفوت والكومنتات يا سكره انتي وهي
ساحره القلم ساره احمد 🖋️

5 3 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Salma Mohamed
Salma Mohamed
10 أيام

😘😘😘😘😘