نار وهدنه

ناار هدنه(الفصل الرابع عشر )

ناار هدنه(الفصل الرابع عشر )

الفصل الرابع عشر
كانت أميرتي…
بل كانت أبعد من كل مسمّى يُطلق على النساء.
هي فتنتي وسكينتي، عذابي وسكينتي، روحي المتعبة ومأمني الأخير.
ما خلق الله على وجه الأرض أجمل منها…
نظراتها؟
سيوفٌ من لهبٍ مسنون، تنسلّ من أغمادها دون رحمة، فتفكك أضلعي، وتُفتّتني، ثم تتركني أتعلّق بأهداب عينيها كمن يستغيث بالغرق… ولا من مجيب.

يغلي دمي حين تسكن عينيّ فيها، تشتعل غيرتي حتى ترتجف داخلي براكينُ لا تهدأ.
تتدافع بي الأفكار، ما بين ماضٍ يُلهب الحنين، وحاضرٍ لا يشبع من ملامحها.

أتجرّعُ الصبر كمن يحتسي العلقم…
أشتاقها حدّ الانطفاء، تتهدّج أنفاسي، تتأجج آهاتي، وتتناوبني كلّ الانفعالات دفعةً واحدة:
جنونٌ… غيرة… غضب… شوقٌ مسعور!

أتبعثر… كمن فقد بوصلته.
أُحدّق فيها، كأنّي أستدعي بها المطر، كأنّ نظراتي ظلٌّ يُظِلُّها من شمسٍ لا ترحم،
أُرقيها من كل عينٍ حاسدة، وأدعو لها بصمتٍ متبتل.

أستغيث بها… لا بصوتٍ، بل بنظراتي، بأشواقي التي تتسلل عبر نسمات المساء إليها.
كل ما أريده؟
لحظة… لحظة واحدة فقط، أرتاح فيها بين يديها، أضمها كمن يشتهي النجاة،
أوشم قبلتي على جبينها… وشمًا لا يُمحى.

يا عشق عمري وسنواتي،
يا تاجًا صنعته من حروف اسمي وحياتك،
علّقته على عنقك، ليعلم الجميع أنني كنت… وما زلت… وسأظل،
رجلًا لا يتحول عن حبك يومًا… ولا يرحل.

في المطعم…

توقفت يد سلطان أمام شفتي ضي، وقد شل كل شيء في اللحظة التي صدح فيها صوت مألوف، ثقيل كالغصة، مشحون بالحقد: هو الجواز بيحلي كده يا عرسان؟ ولا إيه!

رفعت ضي رأسها، وتجمد الدم في عروقها…
بسبب الكريه ذاته…
نظراته نفسها التي لطالما أفزعتها، نبرة صوته التي كانت تنهش في أعصابها.

لكن سلطان… لم يكن سلطان الهواري الآن.
لقد تبدل.
كأن بركان بدائية انفجر داخله، يقذف نيرانه عبر عينيه وعضلات وجهه المشدودة، أنفاسه ثقيلة… وكأن الوحش الذي يسكنه استيقظ على صرخة تهديد.

مد خلف يده بصفاقة تجاه ضي، وتفجر صوته الخبيث وهو يغمغم بسم لزج: مع أن المعلم سلطان مش واخد علي النوع المصري.. وذوق مايل للمستورد! بس شكلكم ولا تكونوا وخدين بعض علي حب!!

لم تفهم ضي كلماته الخبيثه… لكن سلطان فهم كل شيء.

وفي لحظة خاطفة، ووسط ذهول الحاضرين، قبض سلطان على كف خلف، ولفها للخلف ببطء مرعب، حتى سمع صوت طرقعة مفصل اليد بوضوح… صوت أشبه بكسر غصن يابس.
صرخ خلف بألم مجروح:آااااه… ايدددددي !

شهقت ضي، وارتعدت وهي تنهض بتوجس، تتراجع خطوات للخلف، بينما الزبائن يركضون هاربين من المطعم، يتفادون هذا الانفجار الغير متوقع.

لكن سلطان لم يهتز.
تقدم خطوة، وقبض على ياقة قميصه، ثم زمجر بصوت أشبه بقصف رعدي: عايز تلمسها يا خلف؟!… نجوم السما أقربلك منها….عايز تلمسها دانا هطلع علي جتتك البلاء مش واحد نجس زيك يقرب من اللي يخص سلطان الهواري!

اقترب من أذنه وهمس بخشونة غليظة:لحد ما تندم على اليوم اللي ابوك نـ** فيه أمك عشان يجيبوا الخلفه النجسه دي!!

بلع خلف لعابه بصعوبة، وصاح بصوت مرتعش:أنا مش هسيبك، يا سلطان… حتى لو آخر يوم في عمري!

ابتسم سلطان ببرود جليدي، ثم فجر رأسه برأس خلف بضربة مدمرة، سال الدم من أنف خلف على الفور وهدر : هتموت على إيدي يا بن الوسخة!

دفعه بقوة نحو الطاولة حتى كاد يسقط فوق الأطباق، ثم التفت فجأة نحو ضي، ونادى بصوت يأمر:ضي!!!!

ارتجفت لكنهااقتربت بخوف، والدموع تحاصر عينيها وهمسة : نـ… نعم؟

أشار بيده إلى الطاولة، وقبض على كوب زجاجي فارغ، وضعه في يدها بقوة، وقال بأمر واضح: كسريه على دماغ أمه!

شهقت، وتراجعت، وصرخ خلف: لاااااا!”

لكن سلطان لم يتراجع، قبض بسكين من على الطاولة، وضغط بها على عنق خلف حتى بدأ الدم يسيل، ثم التفت نحوها وهتف بوحشية: هتضربيه انتي ولا أخلص أنا؟

صرخت ضي بفزع : سلطان لاااااا! بلاش تودي نفسك في داهية عشاني!

أشار لها بصمت، عيناه تقدحان جنونًا، ووجهه يشتعل بالغضب العاشق…نظرت إليه…ونظرت إلى خلف…
ثم تذكرت…كل ما فعله بها. بإخوتها. بأيامها.

قبضت على الكوب، واليد التي كانت ترتعش منذ لحظة… استقامت….وصرخت داخليا، ثم فجرت الكوب على رأسه بضربة مدوية، تناثر الزجاج، تدفق الدم…
وصرخ خلف بألم حاد…كأن أحباله الصوتية تمزقت.

وقفت تتنفس بصعوبة، وتنظر إلى يدها وكأنها لا تصدق ما اقترفته.

ضمها سلطان بسرعة، رفع ذراعها المرتجفة بين يديه، ضمها إلى صدره وهو يهمس بفخر له: شـاطره يا جناب الحلو!

دفنت وجهها في صدره، وهي ترتجف، والدموع تنفجر من عينيها.

مرر يده على شعرها وهو يحيطها بكل قوته، كأنما يخبئها عن العالم كله.

ثم أخذها وخرج بها من المطعم، كمن ينتشل قلبه من بين أنياب الموت.

ركبا السيارة، وانطلق بسرعة مجنونة…
لكنها لم تخف….كانت تشعر أنها آمنة، لأول مرة منذ زمن طويل.

…………………………………….

في أحد المولات التجارية

وقفت عليا متجمده أمام واجهة المتجر، عيناها تتسعان بدهشة مصدومة وهي تحدق في تلك القطع الحريرية الجريئة، التي بدت لها أقرب إلى الفضيحة منها إلى ملابس منزلية.

شهقت بصوت خافت، وهتفت بفزع : يا نهار اسود! إيه ده يا مرات عمي؟ مين اللي يرضى يلبس قلة الأدب دي؟

اقتربت منها عايدة وضحكت بنبرة خفيفة وقالت:كل الستات يا حبيبتي… إلا انتي!

زفرت عليا بغيظ وضمت ذراعيها إلى صدرها كأنها تلوذ بما تبقى من حيائها، ثم تمتمت بمرارة: يبقى عز هيتجوز عليا، والنبي يا مرات عمي انجديني، ده لو عز ضاع مني هموت فيه!

لم تستطع جنات منع ضحكتها، فهتفت من على بعد:
أيوه كده… اظهر وبان عليك الامان يا ست عليا!

نظرت لها عليا بعينين دامعتين، وقالت بصوت يفيض رجاء: الراجل ده جوزي، وأنا عمري ما حبيت غيره… ومش هضيعه مني.

ربتت عايدة على منكبها برفق وهمسة: هو ده الكلام اللي يفرح يا بنتي… جدعة!

ثم سحبتها برفق وهي تقول: قوليلي بقى… عملتي اللي قلتلك عليه؟

أومأت عليا بإيجاب، وقالت بحياء: كله… حتى الفيديوهات اللي بعتيهالي، بعمل التمارين كل يوم قبل ما أنام.

ابتسمت عايدة برضا وقالت: برافو يا لولو… أنا زمان لما اتجوزت الحج عاشور، كنت بتعب أوي… كان عندي تشنجات في الحوض، وكل مرة كان يقرب مني كنت بتعذب. لحد ما وداني للدكتورة، علمتني تمارين، وادتني علاج، وقلتلك عليهم كلهم… دلوقتي النت مخلاش حاجة، وإنتي في بيتك تعملي اللي يريحك.

غمغمت جنات بتهكم وقالت: والراجل الجبلة حله إيه بقا يا أماه؟

ضحكت عايدة وقالت: الجبلة اللي مش بيحس؟ نشوف إيه اللي وصله لكده… يمكن إنتي اللي بتدي أكتر من اللزوم! خفي شويه، اتقلي، مش لازم ترني عليه كل شوية… كبّري دماغك.

أشارت جنات بيدها وهتفت: والنبي عندك حق… أنا معدتش عارفة مين غلطان فينا.

التقطت عايدة بضع قطع ناعمة من الملابس المنزلية، أنيقة ورقيقة، ثم مدتهم لعليا: شوفي دول… حلوين أوي.

أخذت عليا القطع بتردد وهمسة:حلوين اوي .. بس أنا مش متعودة ألبس كده، يا مرات عمي!

نظرت لها عايدة بثقة وقالت بنبرة حازمة يملؤها الحنان:
اتعودي… جسمك جميل، وملك جوزك. مش ناقصك حتة عشان تخبيها عنه!

أمسكت بيدها وسحبتها نحو غرفة تبديل الملابس:
عارفة يا عليا؟ لو أنا كان عندي جمالك، كنت جننت الحج عاشور أكتر ما هو مجنون بيا!

ضحكت عليا بعفوية، وقالت بسعادة: بجد يا مرات عمي؟ أنا جميلة أوي؟!

دفعتها عايدة برقة إلى الداخل: وجد الجد يا عين مرات عمك … يلا يا قمر، غيري ووريني الجمال!

وأغلقت الباب خلفها.
على الجانب الآخر من المتجر…

كانت جنات تقلب الملابس بلا اهتمام، عقلها شارد، وقلبها هش كزجاج على وشك الانكسار، إلى أن قطع شرودها صوت رجولي غير مألوف: الأحمر أكيد هيكون أحلى عليكي…

رفعت رأسها كمن تلقى صفعة، ونظرت إليه بحدة: وانت مالك؟ بتتدخل ليه يا جدع إنت؟!

اقترب منها خطوة، وغمغم بثقة:مش فاكراني؟ شفتك من يومين في السيدة زينب… كنتي بتعيطي.

رمقتها بذهول، ثم قالت بغيظ:وافتكرك ليه يا حلتها أنا ست متجوزة… وجوزي راجل شراني، أبعد عني، لو عرف وقفتك دي ممكن يطلع بروحك!

هز كتفيه باستهانة، وهمس بحزن مصطنع: متجوزة؟ خسارة… يبقى هو ده الشراني اللي خلاكي تعيطي؟ راجل ما بيفهمش، يخلي قمر زيك يدمع…

اشتعل وجه جنات بالغضب، وهتفت: إيه تلقيح الجتت ده؟! يا جدع إنت… إنت راجل سمج صحيح! أبعد عن وشي بدل ما أجبلك اللي يخليك تعيط أنت كمان!

استدارت بعصبية وبدأت تتحرك مبتعدة، بينما هو يتمتم بثقة متعجرفة: أنا خالد أبو الحمد… عشان بس لما تحكي عني، تقولي ليه اسمي ،عشان ميدورش كتير.

رمقته بنظرة حانقة وهمسة: يا سم جاتك البلا يا بعيد!

ثم غادرت المكان تبحث عن عليا وعايدة، والغضب يشتعل في عروقها كجمرٍ تحت الرماد.
……………………………………….
في سيارة سلطان الهواري،

كانت ضي تتطلع إلى يديها، وكأنها لا تصدق ما فعلته… راحت عيناها تنزلقان بتوجس نحو سلطان، الذي كان يقبض على عجلة القيادة كما لو كان يقبض على رقبة خلف نفسه. فكأن الغضب في صدره كان حريقا يصلي من يقترب، وكانت السيارة تبتلع الطريق في صمت متوتر.

ارتجفت أناملها وهي تتشبث بمقبض الباب، ثم أغمضت عينيها وهمسة بصوت مرتعش: سلطان…

ما إن سمع صوتها حتى التفت إليها بعينين لم تهدآ بعد، لكنه لمح الارتعاشة في عينيها… الرعب الذي يسكن ملامحها. مد يده على الفور وسحبها بحنان غريب إلى حجره،

أجلسها بين ساقيه وضمها إلى صدره كأنه يخبئها من العالم. شد عليها ذراعيه، وهمس بصوت خافت كأنما يطبطب على قلبها: اهدي… خلاص يا حبيبي، أنا هنا.

دفنت وجهها في صدره وقبضت على سترته بجنون، كأنها تغرس أصابعها في الواقع حتى لا تسقط في هاوية الخوف:ممكن يكون مات يا سلطان؟!

تنهد، وهمس بصوت أجش تملؤه اللامبالاة بكل ما يخص خلف:ما يغور في ستين مصيبة على دماغه.

هزت رأسها، وصوتها المرتعش تقطعه الدموع: يعني احنا قتلناه؟

ضحك سلطان ضحكة قصيرة، فاجرة، تمزج التهكم بالغضب:لا يا بت البدري، ساعتها هقول أنا اللي قتلته… هدخل السجن مكانك، بره عنك.

شهقت، ووضعت يدها على فمه وصاحت بحرقة: اسكت! ايه اللي بتقوله ده؟! أنا مقدرش…

نظر لها بوله، نظرة تقطر حبا غير مشروط، وسحب يدها من على فمه بلطف، ثم قال بصوت يتهدج: خايفة عليا يا ضي؟… إنتي خايفة عليا؟

تجمعت في عينيها كل المشاعر التي هجمت عليها دفعة واحدة؛ خوف، حب، ضعف، ولهفة، وطمأنينة كانت تظن أنها لن تعرفها بعد موت أبيها. وهمسة، وجسدها يرتعش بين ذراعيه: أنا عمري ما خفت على حد بعد بابا غيرك يا سلطان… وعمري ما حسيت بأمان في حضن حد بعده… غيرك.
هو ضاع مني، ومش هستحمل تضيع إنت كمان…

وقبل أن تكمل، خنقها البكاء، فضمها سلطان بقوة، وراح يطبع قبلات دافئة على رأسها، كأنه يطفئ نيران قلبها بأنفاسه.
وهمس بجانب أذنها، وصوته يذوب عشقا:وأنا راضي بكده… مؤقتا…بس خليكي عارفه ،أنا مش هرتاح غير لما أبقى أنا رقم واحد في قلبك، وفي حياتك، وفي كل نفس بتتنفسيه.

رفعت عينيها إليه، ولفت ذراعيها حول عنقه، ثم همسة بأنفاس متقطعة: ربنا يخليك ليا…

ربت على رأسها، وقبل جبينها بشغف، وهمس: ويخليكي ليا… يا ضي أيامي.

سكنت قليلًا، ثم همسة وهي تتلفت حولها باستغراب: احنا رايحين فين؟

مرر يده على ظهرها ببطء، واقترب من أذنها وهمس بنبرة خبيثة مفعمة بالعبث: مفاجأة… سبيلي نفسك، واثقه فيا.

هزت رأسها بتسليم وابتسامة سرقتها من ضي القمر، ثم همسة:آه… أوي.

ضحك بخفة وقرب وجهه من عنقها وهمس بجنون:
ـ أوي أوي؟! هتجنني أمي برقتك دي… يا بت البدري.

عضت شفتها بخجل وهمس بصوته الأجش وهو يمرر أنامله على خاصرتها: تعالي هنا… تعالي في حضني يا ضيو، لسه هدومك فيها ريحة خوفك… وأنا عايز أطمنك، بطريقتي.

همسة بتوتر خافت، وعيناها تهربان من نظراته:
يا سلطان إحنا… إحنا في عربيه!

ابتسم بعبث آسر، ثم غمغم وهو يدفن أنفه في عنقها:
عارف… بس أنا لما بتجنن، الدنيا كلها بتضيق عليا… ومبحسش غير بيكي.

احتضنها بقوة، حتى شعرت أنها باتت ملك يمينه، لا مناص لها من أسر قلبه.

مرر شفتيه على رقبتها برقة متمهلة، كأنه يكتب فوق جلدها قصيدة لا تقرأ، فقط تشعر بها …
فارتجفت بين يديه وهمسة بوهن: هتجنني…”

ضحك بصوت خافت، وهمس في أذنها: أهو ده المطلوب… تجنني معايا .”

ثم تمادى أكثر، أزاح خصلات شعرها خلف أذنها، وقبل وجنتها برقة لا تليق إلا بالعاشقين، ثم قبلها مجددا بشغف يزداد… فشعرت أنها تنسى، تنسى كل شيء…
أين هما؟ إلى أين يسيران؟ من هي؟ من هو؟
كأنه جردها من الزمان والمكان، وتركا خلفهما كل الواقع، وعاشا لحظة واحدة فقط…

هو وهي…

مر إصبعه على ذقنها، ورفع وجهها إليه برفق يشوبه الجنون:بصيلي كده… هو أنا ينفع أتساب؟ ينفع تروحي مني؟ ده أنا مولع، ومرجعش غير وانتي في حضني، فاهماني؟

أومأت برأسها، وصوتها خرج أشبه بزفرة: فاهمه… ومش عايزه أسيبك.

ضمها إليه بقوة، حتى شعرت أن نبضاته تتخلل جسدها، همس على شفتيها قبل أن يلتهمها قبلة طالت وطالت، حتى نسيت أنفاسها، نسيت الوقت، ونسيت أنها في سيارة تسير في طريق عام.

كانت ضي تذوب بين يديه، تنصهر، تتبخر من واقعها لتعيش فقط تحت جلده…
همس بين القبلات: عارفه إيه الفرق بيني وبين أي راجل؟

ردت وهي تلهث : إيه؟

  • إني لما باحب… ببوس بعمر، وبحضن بروح، وبمسك بإيد خايفة عليكي من الدنيا كلها.

دفنت وجهها في عنقه، وهمسة بخجل مرتجف: أنا مش قادرة… مش قادرة أقاومك.”

ضحك بصوته العميق وقال: ما تقاوميش… استسلمي.”

كان الليل يسير خارج النوافذ ببطء، والمدينة تمر صامتة، تفسح طريقها لحكاية تكتب في صمت السيارة، وحرارة القلوب المشتعلة.
…………………………………….
في المول التجاري،

كانت عليا تبتسم للمرة الأولى منذ زمن… ابتسامة صغيرة، خجلة، لكنها صادقة. أنهت جولتها مع عايدة وقد حملت بين أكياسها ملابس ناعمة، اختارتها بتشجيع من عايده وجنات ، لكن ما حملته في قلبها كان أثمن… بعض من الثقة، وجرعة أولى من الإيمان بنفسها.

أما جنات، فكانت تسير خلفهما كمن يجر قدميه فوق رماد مشتعل. كانت تشعر أن أعصابها مشدودة على وشك الانفجار، ليس فقط من ذلك الغريب الوقح الذي تبعها من محل إلى آخر، بل من نظراته التي كانت تنفذ إلى الداخل… إلى موضع هش بداخلها ظنته مات منذ زمن.

كانت تشعر بالغضب، بالغليان، لكنها… لماذا لم تطرده من أول لحظة؟
لماذا كان هناك صوت خافت، ضئيل، يرتجف في صدرها ويهمس لها:لسه فيه حد شايفك… فيه راجل بيبصلك كست مرغوبة، مش بس كأم ومراته!

نظراته كانت فجة، نعم، لكن خلف وقاحته كان هناك شيء يربكها… مزيج من الجرأة والانبهار… ومكر لا تخطئه أنثى مثقلة بالخسارات.

وأخيرًا، خرجن من المول.

كانت السيارة تنتظرهن، فصعدت عليا وهي تحتضن مشترياتها، واعتلت وجهها سكينة لم تعرفها من قبل.
فيما جلست جنات بصمت مشحون، وظهرها يلتصق بالمقعد كأنها تهرب من أفكارها.

أما خالد، ذاك الغريب الفضولي، فكان يقف على الرصيف المقابل، ينظر إلى السيارة الفارهة التي غادرن بها، وعيناه تتبعان جنات كأنها لغز لم يحل.

تمتم وهو يضع يديه في جيبه بنظرة مزيجها الانبهار والوقاحة:شكلها متجوّزة واحد تقيل… بس شكلها بت بلد. وأنا… بموت في البلدي.

في السيارة،

كانت عليا تجلس بجوار النافذة، تحتضن ما اشترته كأنه أحد أكبر اسرارها ، وفي عينيها بريق خافت… بريق لم تزره منذ زمن بعيد، يشبه ضوء شمعة أُشعلت أخيرًا في نفق طويل.

التفتت عايدة نحوها، وعيناها تتابعان ملامحها بصمت الأمهات حين يراقبن أول خطوة في طريق معتم، وقالت برقة: شايفاك مبسوطة يا لولو… عينيكي فيها حياة النهارده.

ابتسمت عليا بخجل وهمست:حسيت إن فيه حاجه بتتغير جوايا يا مرات عمي… حاسه إني برجع حاجه كانت مني واتسرقت.

ربتت عايدة على يدها، ثم نظرت من النافذة للحظات، قبل أن تقول بنبرةٍ دافئة تخفي وراءها حكمة سنين:
بصي، الراجل مش بيطلب حاجات معقدة… ولا بيبقى مستني مراته تبقى ملكة جمال، هو بس عايز يحس إنها لسه بتحبه، إنها مهتمة، لسه فيها شوق.

سكتت لحظة، ثم أكملت بهدوء أشبه بالاعتراف: احنا اتربينا غلط يا بنتي، علمونا إن الست المحترمة تلبس واسع، وتسكت، وتكتم، وتدفن نفسها… بس محدش قال إن الست اللي بتحب جوزها، واللي تبسطه، وتحافظ عليه، دي ست محترمة أوي كمان.

أطرقت عليا برأسها، كأنها تخبئ دمعة امتنان لا تجرؤ على الفرار، ثم تمتمت: كنت فاكره هيزعل لما أغير… يمكن ميحبش، يمكن يقول دي اتبدلت… بس لما شوفت نظرته لما سمع صوت الخلخال، قلبي دق.

ضحكت عايدة وقالت:وهي دي أول بشاير النور… بصيلي كده، كل حاجه هتتغير، بس بالتدريج… بصي لنفسك في المراية كل يوم، وافتكري دايمًا إنك ست تستاهل تتحب، وتتحضن، وتتشاف….وعايزاكي تتعلمي كلمة صغيرة… بس سحرها كبير.

رفعت عليا حاجبيها باستفهام، فقالت عايدة بنغمة محبة:
“أنا حلوة”… قوليها لنفسك كل يوم، بصوت عالي، غصب عن اللي جوه دماغك، وعن أي صوت قديم بيشكك فيكي.

ضحكت عليا بخفة وهمسة: أنا حلوة…

ضحكت عايدة وقالت: الله… كمان قولي “أنا ست تستحق الحب …

أغمضت عليا عينيها وتمتمت : أنا ست … تستحق الحب

ابتسمت عايدة، وقالت: بس كده يا ستي… أول الغيث قطرة، وقطرتك نزلت….

وعلى المقعد الخلفي، كانت جنات تُدير وجهها إلى النافذة، تتظاهر بالنظر إلى الخارج، لكنها كانت تسمع… تسمع كل كلمة، وكأنها نسجت لوجعها.
……………………………
في شقة جنات…

كانت الشقة غارقة في صمت ثقيل، لا يقطعه إلا صوت عقارب الساعة وهي تنخر في الزمن.
أغلقت الباب خلفها برفق، وكأنها تخشى أن توقظ شيئًا بداخلها كانت قد دفنته منذ زمن.

خلعت عبايتها ببطء، ألقتها على الكرسي، ثم جلست على طرف السرير، وراحت تحدق في الفراغ.

مرآة التسريحة أمامها، لكنها لم تجرؤ على النظر…

كأن وجهها بات غريبًا عنها… أو كأنها تخشى أن تلمح في عينيها ذاك الشيء الذي هزها من الداخل في المول….

ذلك الشعور المربك… الغريب… الذي لا تملك له اسمًا ولا تجرؤ على وصفه.

أغمضت عينيها بقوة… ثم فتحتها سريعًا كأنها تفر من حلم محظور.

وضعت يدها على قلبها كمن يسكته، وهمسة:أنا اتخضيت… بس اتخضيت ليه؟!هو عمل إيه؟!
بصلي؟! طب ما كل الناس بتبص…

سحبت نفسا عميقًا، وانكمشت على نفسها كمن يتقي بردًا داخليا:يمكن… لأ… أنا كنت متوترة أصلًا…وأكيد ده مش معنى… مش قصدي…

راحت كلماتها تتبعثر، كأنها تمشي في متاهة لا ترى فيها الخروج.

ثم هبت واقفة فجأة، بدأت تتجول في الغرفة بلا هدف، رفعت يدها تمسح جبينها من عرق لا وجود له، ووقفت أمام النافذة تنظر إلى الشارع من خلف الزجاج.
كل شيء ساكن… إلا قلبها.
همسة كأنها توبخ نفسها: انتي إيه يا جنات؟!
هتضعفي؟!دي نظرة والسلام…
ما تسيبيش الفراغ يلعب في دماغك… ما هو جوزك مشغول… ومضغوط…
بس بيحبك… أكيد بيحبك، صح؟!

لكنّ قلبها لم يجب.
والسكوت أوجع من ألف نفي.

عادت وجلست على طرف السرير، تنهدت ببطء، وغمرها شعور بالذنب… ممزوج بخوف خفي… خوف من أن تنهار تلك الصورة المثالية التي رسمتها عن نفسها.

خوف من أن تكتشف أن الحرمان… قد يزرع هشاشة حتى في أكثر القلوب وفاء..

غمغمت وهي تمسح على صدرها براحتيها المرتجفتين:
أنا محتاجة أفضفض…أنا محتاجة أسمع صوتي…
بس مش عايزة أقول…ولا حتى لنفسي.

انحنت برأسها بين كفيها…
وبدأت تبكي…
بكاء خافت، صامتا، يشبه غصة لا تجد لها مخرجا…
وكل ما كان يدور في رأسها، كهمس بعيد… صوت ذاك الغريب، وهو يقول: اللي زيك ميعيطش…
فارتجف قلبها مرة أخرى.

لكنها… ما زالت لا تعرف اسمه.
وما زالت… تخاف من أن تعترف أنها تمنت للحظة، أن يكون صادقا.
…………………………………..
في الحارة

خرجت حياة من بيتها تتأفف من الملل الذي ينهش أعصابها. الهواء يحمل رائحة الخبز الطازج، والحارة كما هي، مليئة بالحياة. ألقت السلام على كل من صادفها، من صغير يلعب بجوار أمه إلى عجوز يجلس أمام دكانه.

وصلت إلى محل نوسة بخطى ناعمة خفيفة، وابتسامة مرحة على وجهها.

قالت بدلع محبب: ياختي نفسي أشوفك بتعملي حاجه غير الشغل!

رفعت نوسة رأسها وابتسمت بود، ثم هبت واقفة بحماسة: حياة! يا خطوه عزيزة يا روحي! تعالي يا بت، وحشاني.

ضمتها حياة بحب صادق: والله لو كنتي وحشاني كنتي سألتي يا نوسة.

ربتت نوسة على ظهرها بمودة: يا قلبي، كنت بسأل عليكي، عز وسلطان قالولي إنك غرقانة في الامتحانات، فقلت ملهاش لازمة أزعجك.

تنهدت حياة وهي تزفر بحنق طفولي: ياااه يا نوسة، أنا اتشهدت. آخر يوم كنت هطق، ومكنتش مصدقة إني هخلص السنة دي.

ضحكت نوسة وقالت: هات يا سلامة عناب لست البنات!

رد صوت من الخلف، علي، بمرح: سلامة بعته الورشة.

نظرت حياة إليه بدهشة طفيفة: علي ابن الأكابر هنا! إزيك يا عيلو؟

لكزته نوسة بنزق وغمغمت حياه بالم : براحة يا أختي، إيدك تقيلة.

رفع علي حاجبه وقال بود: إزيك يا حياة؟ عاملة إيه؟ خلصتي امتحاناتك ولا لسه؟

اقتربت وجلست على المكتب وقالت بتعب مصطنع: أنا حلوة اه خلصت … بس عطشانة.

قال علي وهو ينهض: وست الحلوين كمان! أنا هروح أجبلك عناب بنفسي.

نظرت إليه نوسة بدهشة وهمسة: سبحان مغير الأحوال… لوح التلج اتحرك!

قالت حياة وهي تضحك: إيه ده؟! اللي بيحصل ده؟ شكله كده هيبقى فيه حوار ولا ايه ؟؟

هزت نوسة رأسها بحنق: ولا آه يا أختي !!، اسكتي بدل ما أفش غلي فيكي.

قالت حياة وهي تغمز: وعلى إيه اسكت احسن !! إنتي… هتيجي تحكيلي لوحدك اصلا !!

تمتمت نوسة وهي تغمض عينيها: يا بت بطلي لوع بقا! اسلكي.

دخل علي حاملاً كوبين من العناب ووضع واحدًا أمام كل واحدة منهن: اتفضلوا يا آنساتي.

أخذت حياة الكوب وارتشفت منه، ثم أغمضت عينيها بتلذذ: آه، تسلم يا عيلو… ساقع وجميل في الحر ده.

أشارت إلى نوسة: اشربي يا نوسة… طري على قلبك.

لكن نوسة شهقت بغضب حين قال علي: اشربي يا آنسة نوسة… الصاقع هيطفي الحريقة اللي عندك.

ضربت سطح المكتب وقالت: قصدك إيه يا جدع إنت؟»

ضحك وقال: ولا حاجة والله… أصلي الجو حر أوي.

قالت حياة: بمناسبة الحر، متيجي يا عيلو تكسب فينا ثواب؟ أنا ونوسة الغلبانة دي عايزين نخرج… وانت عارف مش هينفع لوحدنا.

قال علي وهو يهز كتفيه: أنا معنديش مانع طبعًا.

زمت نوسة شفتيها وقالت: أنا عندي مانع! يخرج معنا ليه؟ هو يبقى لينا إيه أصلاً؟

قالت حياة وهي تبتسم: عيلو أخو عمار، صاحب سلطان… وأكتر شاب مؤدب قابلته في حياتي.

شهقت نوسة بعدم تصديق وأشارت له:ده؟ يا حياة؟! إنتي هبلة يابت؟!

ضحك علي وقال: سيبك منها يا حياة… تعالي أفسحك إنتي، دي ناقصة تصدرلنا وشها الخشب طول الوقت!

قالت حياة:هقول لماما وهدر عليك!

ضربت نوسة المكتب بيدها وغمغمت: وأنا كمان هاجي معاكم! أنا مش هبلة أسيب بنت خالتي معك لوحدها!

رفع علي حاجبه: لا يا شيخة! اشتريت أنا كده…»

زاغت عينيها وجلست بغضب، على المكتب وهي تغلي… لكن نظرة خفية سرقت من عينيها تجاه علي، وقال قلبها ما لم تنطق به الشفاه.
……………………………………….

على متن الطائرة المتجهة إلى ألمانيا

جلست ضي في مقعدها، تسرح بنظرها في تفاصيل الرحلة، غير مصدقة ما فعله سلطان. كل شيء بدا فجائيا، مجنونا، عذبا في آن معا.

استدارت تنظر إليه بدهشة وقالت بضحكة مخنوقة:إنت مجنون يا سلطان!

ضحك بمرح وهو يميل برأسه نحوها: ده سؤال ولا جواب؟

ردت بضحكة خفيفة: الاتنين!

قبض على يدها وأحاط أصابعها بكفه وقال: آه… مجنون، بس بيكي.

سكتت لحظة ثم غمغمت وقد علت وجهها لمحة من الحيرة: ساعات بستغرب حبك لي… يعني، إنت حبتني إمتى الحب ده كله؟

رمقها بنظرة طويلة ثم قال بابتسامة تحمل عبث عاشق: من أول مرة شوفتك فيها.

رفعت حاجبها بدهشة: بالسرعة دي؟!

أطلق ضحكة خفيفة ثم غمزها: بالعكس! أنا خدت وقتي كويس أوي… المهم، أكيد سافرتي ألمانيا قبل كده؟

أومأت برأسها وقالت: آه طبعا، بس ليه؟

قال وهم يقترب منها: عشان بس أنا أول مرة أسافر ألمانيا.

ابتسمت بطمأنينة وهمسة بثقة: لا أنا أعرف برلين كويس… متقلقش خالص.

ضحك سلطان وقال بصوته الخفيض المليء بالشغف والعبث : أنا كنت قلقان أوي… لنتهو.

ضحكت وهي ترفعه حاجبيها: إيه؟

لكنه لم يجِب. فقط لف ذراعه حولها وسحبها إلى حضنه في حركة واثقة، وهمس عند أذنها: بحبك.

أغمضت ضي عينيها بوهن ودفنت وجهها في عنقه، كأنها تجد فيه كل الأمان الذي افتقدته عمرًا.

مر الوقت سريعًا، وهبطت الطائرة على أرض برلين. خرجا من بوابة المطار، وسلطان يحيط خصرها بذراعه كما لو أنها قطعة من قلبه لا يريد أن يفلتها أبدًا.

أشار إلى السيارة السوداء الفاخرة التي كانت بانتظارهما، فتح لها الباب بنفسه، فصعدت ضي برشاقة وجلست، ثم دار حول السيارة وصعد إلى جوارها.

اقترب منها وهمس بعبث: قولي للسواق يطلع على الفندق.

ابتسمت وهي تدير رأسها نحو السائق، وقالت بالألمانية الواثقة: Schauen Sie sich bitte das Hotel an.
انطلق الي الأوتيل لو سمحت.

أومأ السائق بدهشة خفيفة من تصرفات سيده ، لكن سلطان غمز له بمرح فابتسم السائق ورد وهو يقود: Wie Sie wünschen, Madam.
أوامرك سيدتي.

انطلقت السيارة تشق شوارع برلين النظيفة الوادعة، وضي تشير من خلف الزجاج إلى أماكن زارتها من قبل، تحكي عن رحلاتها مع والدها، أو مع إخوتها. وجهها مشرق، وعينيها تلمعان بسحر الذكريات، بينما سلطان ينظر إليها في صمت… كأنها وحدها في هذا العالم. وحدها… من تستحق النظر.

في فندق فخم في وسط برلين
وصلت السيارة إلى البوابة فتح سلطان الباب، وترجل أولاً، ثم مال بجسده وفتح لها الباب الآخر، مد يده إليها وهو يغمغم بفتور عاشق اشتاقت أصابعه للمسة يدها:
حمد لله على السلامة يا جناب الحلو.

أومأت برأسها وابتسامة خجولة تزين وجهها وقالت:
الله يسلمك يا سلطان.

دلفا إلى بهو الفندق، وكان سلطان قد أشار بإشارة خفيفة للسائق، الذي فهمها على الفور، وتوجه نحو مكتب الاستقبال.

سارت ضي إلى جانبه، تخطو برشاقة، فيما كانت أنامله تمسك بخصرها بثبات وتملك. التفتت إليه فجأة وسألته بفضول:انت حاجز؟

هز رأسه بخفة وهمس: لأ…

رفعت حاجبها بدهشة، لكنها لم تعلق، فقط تبعته بصمت حتى وقفا أمام مكتب الاستقبال. الموظف الذي وقف خلف المكتب كان شابًا ألمانيا، أنيقا، نظر إلى سلطان باحترام ثم خفض بصره عن وجه ضي، وانحنى قليلًا وهو يقول:
“Wie Sie wünschen, Madam, wie darf ich Ihnen dienen
أهلاً وسهلاً، كيف يمكنني مساعدتك يا سيدتي؟

نظرت ضي له بتعجب وهمسة لسلطان: هو باصص في الأرض ليه؟

كتم سلطان ضحكته بصعوبة وهمس بمكر: يمكن ضاع منه حاجة تحت المكتب… اخلصي بقا

نظرت للموظف مرة أخرى ثم قالت بثقة:
“Ich will einen Flügel im Namen von Sayeb Sultan und seiner Frau.”
أريد جناحًا باسم السيد سلطان وزوجته.

كادت تلتفت له لتضحك، لكنها فوجئت بتعبير وجه سلطان وقد تغير فجأة… انتفخ صدره بفخر واضح، وارتسمت على شفتيه ابتسامة تشبه ابتسامة فهد انتصر للتو.

أومأ الموظف برأسه، وسلمها مفتاح الغرفة قائلًا بابتسامة دبلوماسية:
“Willkommen in Berlin, schönen Aufenthalt!”
مرحبًا بكم في برلين، إقامة سعيدة!

أخذ سلطان المفتاح وسحبها من خصرها برقة حازمة، تحرك بها نحو المصعد دون أن يعلق على شيء.

حين دخلا الغرفة، أغلق الباب خلفه بهدوء… ثم استدار إليها ببطء، عيناه تتفحصان وجهها كما لو كان يراها للمرة الأولى. دنا منها حتى لامست أنفاسه عنقها، وهمس بصوت عميق: وحشتيني أوي…

ارتجف جسدها بين ذراعيه، وهمسة بنبرة ممزوجة بالشوق:وانت كمان.

دارها بين ذراعيه، يحيطها كما تحيط النار فتيلها، ودفن وجهه في عنقها، يشتم رائحة أنوثتها التي حفظها كتعويذة عشق: إنتي متعرفيش تأثيرك عليا… كل ما اشم ريحتك عقلي بيتخيلك… بيتخيلك وانتي تحتي… مش خايفة… بين دراعاتي، بتتنهدي، بتقاومي، وبتنهاري… وبتقوليها بصوت خافت: كفاية يا سلطان… بس أنا ما بعرفش أكفي.

همست ضي، بصوت مرتجف ووجه محمر:انت مش بتتخيل غير كده ولا ايه ؟؟

اقترب منها وقبل شفتيها بقبلة نارية، أفقدتها توازنها، بل أفقدتها ذاتها… دس لسانه داخل فمها، ولعق لسانها بنهم، وكأنه كان جائعًا للحظة مثلها تماما.

حررها من القبلة وهمس في أذنها: أنا عايزك ملكي… حتى بالحته اللي بتخافي فيها مني، بالحته اللي بتكسفي فيها من نفسك… عايز أعريك من كسوفك، من كل طبقة حاميكي… عايزك قدامي، من غير هدوم… ولا مقاومة.

أغمضت عينيها بوهن، وعضت شفتيها وهمسة:انت طماع… أنا مكنتش أعرف إنك هتعمل فيا كده.

اقترب منها، والتهم عنقها بقبلات حارقة، امتصها بجوع العاشق، فارتجفت بين ذراعيه، وقبضت على يده وهمسة:
آااه… براحه يا سلطان…

رفع رأسه، وهمس بنبرة مشتعلة:بلعتي الطعم؟ حبيتيني؟ خلاص… اتحرقتي بناري… بقيتي بتنهاري من كلمتي… أومال لو كملت؟ هتبكي؟ ولا هتنهاري تحت إيدي؟

همست ضي، بصوت متقطع: حرام عليك… مش قادرة… بتعرّيني… بكلامك.مش قولت هتصبر عليا !!

مرر يده على صدره ينزع أزرار قميصه ببطء مريب، وهمس وهو يرمقها بعين مفترسة:إنتي كده كده عريانة جوا دماغي… أنا حافظ كل خلية فيكي… وعهد عليا، كل نفس تاخديه وأنا مش جمبك، هيبقى عذاب… وكل ما أقربلك، هخلي دمك يغلي من لمستي… زي دلوقتي… من كلمتي… عايزك تقوليها بلسانك عايزاك يا سلطان… وأنا مش مستعجل، عشان لما أبدأ… مستحيل أوقف.

ارتعشت يداها وهي تمررهما فوق صدره، تهمس بنشوة مدهوشة: إنت إزاي كده…؟

رد وهو يحدق في ملامحها بنهم العاشق الأول:من أول ما حبيتك… لقيت نفسي كده. حبك هو اللي علمني أكون كده.

رمشت بعينيها وهي تشعر أن رأسها يدور، همسة بوهن:مش عارفة… عيوني تقلت كده ليه…

ربت على وجنتها بحنو بالغ، وكأنه يهدئ قلبها قبل جسدها، ثم مال نحوها وهمس، وابتسامة خبيثة تلون صوته العميق: طيب… قومي ناخد دش، نفوق من تعب السفر قبل ما تنامي.

أومأت برأسها في خضوع ناعم، ولم تنطق إلا بهمسة واهنة كندى الفجر: حاضر…”

وفي لحظة، احتواها بذراعيه، رفعها عن الفراش كمن يرفع كنزًا يخشى عليه من الانكسار.
نهض بها بخطوات متعبة… لكنها رصينة، وولج المرحاض بصمت ثقيل إلا من صوت أنفاسهما المتقاربة.
أنزلها برفق داخل الكابينة، ثم أدنى يده ليفتح الماء الساخن، بينما عيناه لا تفارقان وجهها المنهك.

راح ينزع عنها ملابسها بحنو بالغ، يعاملها كأنها طفلته الأولى… مدللته الصغيرة التي لا يرهقها بشيء،
تولى أمر استحمامها سريعًا، إذ رأى في ملامحها ما ينذر بالإجهاد، وعيناها المغلقتان تستغيثان بالراحة.

ما إن فرغ حتى جفف بشرتها بحرص، وألبسها أحد الأرواب القطنية الناعمة، ثم لف منشفة حول خصره،
وحملها مجددًا كمن يحمل السلام إلى صدره، وخرج بها إلى الفراش.

ضمها إليه، رفع جسدها قليلاً حتى استقرت تماما بين أحضانه،
وقبل جبهتها قبلة دافئة خافتة، وهمس بصوته الذي لا يشبه إلا الليل حين يحتضن الورد: تصبحي على خير… يا ضي السلطان.

تناهت منه بسمة مرهقة، وأجابت هامسة، كأن أنفاسها تتدلى من أطراف الحلم:وإنت بخير… يا سلطان.

أغلقت عينيها، وسقطت في نوم عميق، بين ذراعي رجل كان وحده قادراً أن يحيل جسدها إلى وطن، ونبضها إلى أمان.

تمدد بجانبها، سحبها إليه، وضع رأسها على صدره… وأغمض عينيه وهمس بحيره : خايف عليكي يا ضي عيني!! خايف عليكي حتي من نفسي.. خايف مقدرش اتحكم.. خايف اضيعك …

ضمها بقوه حتي سمع صوت طرقعت عظامها فحاول افلاتها قليلا واغمض عينيه بتعب وسقط سريعا في نوم عميق دافيء وبين دفء الجسدين، كان الليل في برلين أدفأ من المعتاد.

……………………………

ف اليوم التالي

مر ثلاثة أيام على غيابه، لكنها بدت كعمر بأكمله.
جلست آية على طرف سريرها، بين يديها الهاتف المحمول، وعيناها محتقنتان من السهر والبكاء. كل بضع دقائق، تنقر على اسمه في قائمة الاتصال، تضغط… تنتظر… فلا يجيب.

كانت ترتجف… ليس من البرد، بل من ذلك الخوف القاتل أن يكون قد ذهب حقًا، ولم يعد.

ضغطت على زر الاتصال مجددًا، ومرة أخرى، واجهها الصمت القاتل. ثم انقطعت المكالمة تلقائيًا، ليحل مكانها وجع مألوف في صدرها.

تنظر إلى شاشتها، تقرأ الرسائل التي أرسلتها له بصوت يهمس بالخذلان:

عمار… بالله عليك كلمني. أنا مش طايقة الدنيا من غيرك يا حبيبي …

عمار حتى لو هتزعل مني، بس متسبنيش كده. بلاش تعاقبني علي حاجه مليش ذنب فيها ..

رد عليا مرة واحدة بس يا حبيبي ، واسمعني…بلاش تظلمني أنا عارفه انك موجوع وعندك حق ف كل اللي انت حاسس بيه بس انا عايز اعيش معاك حتي ف وجعك يا عمار …

هطلت دموعها بصمت، تتسلل من مقلتيها لتغرق وسادة كانت تشهد صلواتها كل ليلة أن يعود، أن يسامح، أن يحتضن وجعها بكلمة واحدة منه.

همست بصوت متهدج: أنا آسفة… والله آسفة. بس ارجعلي…

احتضنت هاتفها كأنه آخر ما تبقى منها… ثم انخرطت في بكاء صامت، تنحب بحرقة أن يرد، أن يحن، أن يفتح لها طوق الرحمة.

في شقة عمار

جلس عمار على الأريكة، يغرق في صمت قاتل، شاربا فنجان قهوة لم يتذوق منه شيئًا.
في يده الهاتف، وشاشة الاتصال تضيء باسمها: آيه♥️
صورة قلب كانت لا تزال محفوظة بجانب اسمها، كأن هاتفه يذكره بمدى الحب… ومدى الوجع.

نظر إلى الاسم طويلًا، قلبه يخفق بشراسة، يكاد يصرخ ليرد… لكنه لم يفعل.
شد أصابعه على الهاتف بقوة، وعيناه تشتعلان بدموع لم تسقط.

همس بمرارة: ليه؟ ليه يبقى أبوها هو اللي طعن أبويا؟ ليه يطلع الحب ده كله حرام عليا؟

لا يتوقف الهاتف عن الرنين، وهي تواصل المحاولة، بإصرار من يحب رغم كل شيء.

أغلق عينيه، وأسند رأسه إلى الحائط… كان صوته الداخلي يتمزق بين قلب يريد أن يحتضنها، وعقل يصر أن يبتعد عنها.

وفجأة، صرخ بصوت ملدوغ بالغضب: كفاية بقى!!

ثم نهض، وفي لحظة فقد فيها السيطرة، ألقى بالهاتف بكل قوته على الحائط…
تحطم الجهاز إلى قطع صغيرة، تطايرت حوله، كأنما هوى معها شيء من قلبه.

ظل واقفا مكانه، يتنفس بثقل، ويمد كفيه المرتجفتين أمامه كأنه لا يصدق ما فعل.
عينيه تلمعان بالغضب… والحزن… والخذلان.

همس لنفسه، كأنها واقفة أمامه:أنا بموت من غيرك يا آية… بس مش قادر! والله ما قادر!

ثم سقط على الأريكة، دفن وجهه في كفيه… وانهمر الدمع.
……………….
ف برلين

بدأ سلطان وضي أن يتجولا بين المحالات الفاخرة في قلب برلين القديمة، حيث الماركات تلمع تحت أضواء ساحرة، وتتشابك الأقمشة الناعمة بألوان تسكر العين من شدة فخامتها.
مر الوقت سريعًا، كأن عقارب الساعة خجلت من نظرته لها، فأسرعت تحاول الهرب…

كانت ضي في البداية خجولة، تمسك بيده كأنها تستمد منه الشجاعة لتواجه المرايا… لكن سلطان؟
سلطان كان كالمعتاد… رجلا يعرف ما يريد، ويأخذه دون تردد.

أول فستان جربته… كان أحمر داكن كدم الغواية، يلتصق بالجسد التصاق لا يترك مجال للخيال…

ظهره عاري بالكامل، وخط الصدر يكاد يلامس حدود الجنون. خرجت به بخطوات مترددة، تحاول أن تخفي ارتباكها.

لكن سلطان لم يخف عنه شيئًا.
نظر إليها ببطء… من الكعب وحتى رقبتها، ثم همس: تعرفي إنك شبه الفتنة وانتي لابساه؟
رفت رمشيها، واحمر وجهها حتى كاد يتوهج.
همس مرة تانية، وهو يقترب منها ويعدل طرف الفستان عند كتفها:ده مينفعش غير لليلة واحدة… وميبقاش عليكي أكتر من كده.
نظرت له بدهشة وابتسمت بخفوت رفع أمامها الفستان الثاني وأشار لها برأسه بخفه تأملت الفستان وغمغمت: حلو اوي
دلفت الي غرفه تبديل الملابس وخرجت بعد مرور وقت قصير
أما الفستان الثاني، فكان عاجي ناعم، أشبه بروح أنثى خجولة، مزين بالدانتيل عند الخصر، وشفافًا بخفة عند الذراعين.
خرجت به تنظر في الأرض، كأنها خائفة من عينيه.

اقترب سلطان، ببطء، ووضع يده علي خصرها وهمس عند أذنها:ده فستان عرايس… بس لو شيلنا منه حتتين صغيرين… هيبقى أحلى.

شهقت، وضربته على صدره بخفة، فقهقه وقال:
ما انتي اللي قولتي اختار… وأنا قلبي ضعيف قدام الأبيض!

ضحكت بمرح وقالت : احسن
ودفعته ودلفت الي الغرفه من جديد ولحظات وخرجت

كان الفستان الثالث، أسودا طويلًا، بشق جانبي يكشف عن ساقها حتى أعلى الفخذ، وصدر عار برقة، لا يحمل سوى شريطين من قماش يلمع تحت الضوء.
خرجت به كأنها على وشك الانهيار من الخجل.

نظر سلطان، ثم جلس، وأسند ذقنه على يده، وقال ببطء:
مش هكدب… ده ممكن يخليني أرتكب جنايه يا بت !!

اقترب منها، ولمس طرف الشق عند ساقها، وهمس:
كل ده… ومستنيه أقول رأيي؟ طب ده مش رأيي، ده … انذار نار جوا قلبي.

لكن المفاجأة لم تنتهي عند ذلك.

دلف بها إلى قسم الملابس الداخلية، وهو لا يمهلها فرصة للاعتراض.
بدأ يختار قطعة بعد الأخرى… دانتيل بلون العنب الداكن، حرير بلون الزمرد، قطعتين ورديتين، واحدة منهن لا تكاد تستر شيئًا.

كان يمرر أصابعه على كل قطعة، كأنه يختبر ملمسها على جلده، لا على جسدها.
وهمس لها وهو يريها حمالة صدر دقيقة للغاية:
دي هتبقى اووف… لو لبستيها قدامي وشلتها أنا!

شهقت، وغامت عيناها، وهمست بخجل: سلطان… عيب كده يخربيتك !!

ابتسم بجنون وقال: عيب؟ انتي مراتي… يعني ملكي… يعني كل ده من حقي.

وحين أعطته البائعة العلبة المزيّنة بالأشرطة، أخذها بيد، وأمسك يد ضي باليد الأخرى، وسحبها نحوه، ثم همس عند أذنها: الليلة؟ هفتش فيهم كلهم… واحدة واحدة… وأنا اللي هلبسك، وأنا اللي هشيل!
عضت شفتها بخجل لكنها هزت راسها بالايجاب وهمسة بصوت خافت: ماشي ..

تنهد تنهيده حارقه وغمغم : اخيرا يابت !!

مر الوقت وانهارت ضي من التعب والخجل.
وتوقفت فجأة، تمسك بخصرها، وقالت بنزق طفولي:
كفاية بقى! أنا لبست وقلعت هدوم الدنيا كلها… وكنت هقع من كتر ما شوفت نفسي في المرايا!

ضحك سلطان، وحاصر خصرها بذراعيه، وأمسك ذقنها بلطف، وهمس:أنا اللي كنت هقع… بس من جمالك.

قالت بتعب:أنا جعانة.

فرد بجدية وهمس:وأنا جعان… بس مش للأكل.”

نظرت له بدهشة فضحك وهو يقبل جبينها وقال: تعالي نأكلك، قبل ما أكلك أنا عشان متفرهديش يا بت !!

خرج بها من المول، وركبا السيارة.
جلست ضي على المقعد، تنظر من النافذة، والشوارع تمر كسيل ذكريات، وقلبها ينبض، وجسدها يرتجف من أثر كل لمسة، وكل نظرة، وكل قطعة… وكل كلمة!

……………….

في احد المطاعم الفاخره بقلب برلين
جلست ضي على المقعد المواجه للزجاج، حيث يتسلل الضوء الخافت من الثريات النحاسية ويتراقص على سطح الطاولة.

عينها كانت شاردة، تتنقل بين الزوايا، تبحث في اللاشيء عن شيء يشبه الماضي…
ثم همسة، كمن يمسح الغبار عن ذاكرة قديمة:
أنا وبابا أكلنا هنا السنة اللي فاتت… الدنيا غريبة، كأنها عمر بيعيد نفسه!

اقترب سلطان منها في بطء مدروس، وسحب يدها من فوق المنديل القطني الأبيض، ورفعها إلى فمه وقبل باطن كفها قبلة طويلة، مبللة بالشوق والصوت الأجش:
عارفة البوسة اللي جوه الإيد دي معناها إيه، يا حبيبي؟

هزت رأسها برقة وقالت بخجل متسائل:
لأ… معرفش.

قبّلها من جديد، أعمق هذه المرة، كأنه يطبع ختمًا على نذر لا ينكث، ثم همس بصوت أشبه بزئير مكتوم:
يعني الخضوع… حبي ليكي طاغي… كإني بقولك أنا ملكك. وراضي بيكي… ومش بس بحبك، ده انا شايفك دنيتي كلها… اعتبريني جوزك، وأبوك، وأخوك، ولو عايزه أمك كمان… أنا راضي!

قهقهت ضي بخفة، لكن قلبها كان في حالة استنفار… النبض يرتجف، والدم يصعد حتى صدغيها من وطأة تلك الكلمات التي تقال كقسم.

وقطع اللحظة نادل ألماني، تقدم باحترام وقال بلغة ناعمة
“Was ist Ihr Anliegen, Sir?
ما هو طلبكم، سيدي؟

رمق سلطان النادل بنظرة غير مفهومة، ثم التفت إلى ضي وهمس بمكر:ماله ده يا حبيبي؟ عايز ايه ؟!

كتمت ضحكتها وقالت ببساطة: بيسأل هناكل إيه!

ابتسم لها وأشار لقائمة الطعام، فأخذتها ضي وقالت بتهذيب:”Gebratener Lachs mit Zitronenbutter…

أومأ النادل موافقًا، فنظرت ضي لسلطان وهمسة له بالعربية:يعني سلمون مشوي بصوص الزبدة والليمون.”

تنهّد سلطان بحركة مسرحية، وقال بضحكة رخيمة:
يبقى استبينا… المهم ما يكونش نيّ تاني، بطني ما تستحملش التجارب دي!

ضحكت ضي من قلبها، حتى دمعت عيناها:
بجد، أنا عمري ما ضحكت كده قبل ما أعرفك!

مال على وجنتها، وطبع قبلة دافئة كأنها مكافأة، ثم همس: ومعايا هتعيشي اللي عمرك ما عشتيه.

وضعت كفها على وجنته، وقبلته بهدوء وقالت: ربنا يخليك ليا يا سلطان.

أغمض عينيه وهمس بخشوع: يخرب بيتك… هموت منك.

توقفت ضحكتها حين ظهر النادل من جديد يحمل الطعام.
وبينما كان يوزع الأطباق، قال سلطان وهو ينهض:
هروح الحمّام وارجع… مش هتاخر يا حبيبي.

أومأت برأسها وهمسة: ماشي… هستناك.

ابتعد سلطان، لكن عيناه مرت سريعا على الرجال الجالسين في الزوايا… رجال لا يرتدون زياً موحداً، لكنهم ينتمون إليه.
أشار بإشارة واحدة، ففهموا.
ثم اختفى داخل الممر المؤدي للمرحاض …

جلست ضي وحدها، تسترجع ما قاله، وتلمح انعكاس وجهها المرتبك على سطح الشباك الزجاجي… حتى قطع شرودها صوت تنبيه الهاتف.
هاتف سلطان، الذي تركه على الطاولة.

نظرت إليه بعفوية… فالشاشة أضاءت برسالة قصيرة واحدة: “الشحنة وصلت.”

قطبت حاجبيها، وهمسة بقلق: شحنة؟ شحنة إيه؟ وصلت فين؟!

ثوانٍ… ودلف سلطان من جديد، يجفف يديه بمنديل ورقي. جلس وأمسك بالشوكة وبدأ في التهام الطعام بنهم، وقال : مش بتاكلي ليه ؟! كلي عشان نروح يا حبيبي!!
فبادرته ضي بتردد:جالك رسالة وانت في الحمام… بتقول الشحنة وصلت.

توقف لحظة، لم تتجاوز الثواني، لكنه لم يندهش… فقط هز رأسه وقال ببرود غريب: آه… وبعدين؟

اتسعت عيناها وهي تقول بتردد: يعني… شحنة إيه، يا سلطان؟

رفع عينيه ببطء، ونظر إليها نظرة حيادية… كأنها مجرد سؤال روتيني، لا أكثر.
ثم قال بصوت منخفض، كلماته تقطع كالسكاكين:
شحنة أسلحة.

تجمدت الدماء في عروقها كأن شيئًا باردا مر في أوردة قلبها لا في جسدها فقط…
وووووووووووووووووووووو.

متنسوش التفاعل ياحلوين بفوت والكومنتات رايكوا يهمني ❤️🫶🏻
سط
ساحره القلم ساره احمد 🖋️

5 2 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments