نار وهدنه

نااار وهدنه(الفصل الثالث عشر)

نااار وهدنه(الفصل الثالث عشر)

الفصل الثالث عشر
من لم يعرف قدر الأنثى، فقد عبر الحياة جاهلًا، ومضى إلى موته ناقصًا…
المرأة ليست كائنًا عابرًا في الوجود… بل هي الوجود حين يكتمل، هي الحياة حين تُزهر، وهي النبض الذي يُقيم في القلب، فيحييه.

هي الحُبُّ إن خمد في صدور الناس،
هي الحضنُ الذي لا يشيخ، وإن شاخت الأيام.
هي نصف الرجل حين يُولد، وكلّه حين يُحب، ومآله حين يشيخ.

المرأة ليست نصف المجتمع كما زعموا…
بل هي روحه حين يختنق، هي بصيرته حين تعمى، هي توازنه إن مال،
هي عنفوان إذا هادن، وشموخ إن انحنى،
هي الأخلاق حين تبهت القيم، والعقل إن خانته الحماقات.

وإن امتلكت قلب الرجل، لا تضيء حياته فحسب… بل تُنير الكون في عينيه.
فأيها المتمرد…
أسدل ستار العناد عن قلبك،
دع تمردك جانبًا، واطلب في حضنها ملاذك،
اجعل عيونها وطنًا، وبريقها سكنًا، فحنينها لا يعرف الغدر، ولا يُتقن الرحيل.

المرأة… هي الحياة،
والحياة… لا تُروى إلا بها.

ترددت، ثم استجمعت شجاعتها، وبدأت تخلع ثيابها بهدوء، ثم ارتدت قطع السباحة السوداء. جسدها الناعم انكشف تحت الضوء، فتلفتت حولها، وسحبت روب قطني أبيض ناعم من الشماعة، ارتدته بسرعة، ثم خرجت بخطوات خفيفة، متعثرة، كأن الأرض لم تعد صلبة تحت قدميها.

وصلت إلى باب الحديقة الداخلية.

ووقفت…تجمدت أنفاسها، كأنها رأت أحد أحلامها الممنوعة يتحقق أمامها.

كان سلطان واقفًا عند طرف المسبح البيضاوي، الذي صمم ببراعة وسط مساحة خضراء ناعمة تلامس حوافه، الزرع ينسدل حوله مثل جدائل مبلل بالندى.

الشمس تلمع فوق سطح الماء كأنها تنثر فيه ذهبًا. كان سلطان  قد ارتدى شورت أسود قصير، وكان جسده الأسمر المفخخ بالعضلات يقف، كتمثال مهيب تم نحته بإتقان حاد.

اتسعت عيناها، وانفتح فمها بدهشة، ثم ارتبكت سريعًا عندما رآها.

اقترب منها وابتسم بخبث وهو يضع سبابته أسفل ذقنها ويغلق فمها برفق وهمس بعبث : عجبتك؟

لم ترد، بل تنفست بصعوبة وهمسة: أمممم…”

اقترب أكثر، ومرر أنامله على عنقها، ثم سحبها إليه بلحظة، وقبلها…قبلة لم تكن مجرد اقتراب، بل غرق.

نهش شفتيها كمن ينتقم من اشتياقه، وضمها إلى صدره كأن جسده يشتعل نار حارقه ..

أنزل يده إلى منكبيها، وسحب الروب بهدوء، فسقط على الأرض مثل وشاح استسلم للريح.

نظر إلى جسدها، وعيناه تحدقان بشراهة لا تعرف الحياء ارتجف جسدها من حدة نظرته. لعق شفتيه وتنفس بعمق وهمس: أوووف… على ده جسم… أووف.

حاولت أن تبتعد، لكنّه لم يسمح.

ضمها بذراعيه القويان، ورفعها بين يديه وقفز بها إلى قلب المسبح….

شهقت وتمسكت بعنقه كطفلة في حضن العاصفة، لكنه دار بها في الماء، ضاحكًا،
يعوم وهى معلقة فيه، ساقاها تلتفان حول خصره، وجسدها يلامسه من كل زاوية.

تمت وهي تضحك وسط شهقة فرح : سلطان… أنا بعرف أعوم!!

مرر يده علي فخذها بخفه تذوب الامان وغمغم بصوت أجش مشتعل: بس أنا اللي غرقان فيكي… يا بت!!

اقترب وقبلها مرة أخرى، بحرارة أشد، وجنون أكبر. انسلت يده على خصرها تحت الماء، ثم على ظهرها، ثم جذبها إليه بقوة حتى شعرت أن أنفاسها ستتوقف. همسة بأنفاس متقطعة: سلطان استنا أنا… عايزة أعوم.

ابتعد قليلًا، وهمس أمام شفتيها بصوته الأجش: عومي يا قلبي…

غطست في الماء، وجسدها يتلوى بمهارة، وشعرها الطويل ينسدل خلفها مثل ذيل حورية بحر هاربة من قصص الأساطير.

كان سلطان يقف في منتصف المسبح يتأملها، وشيء ما داخله على وشك الانفجار… لم تعد مجرد أنثى يعشقها، بل صارت فتنة كاملة تتحرك في الماء.
اقترب منها سلطان كمن تخلى عن كل سترٍ، وتجاوز خطوط الرجوع. قبض على خصرها بيد مشتعلة، وسحبها إلى صدره، حتى التصقت ضلوعها بضلوعه، وهمس بصوت مبحوح تشتعل فيه الرغبة:ضي… علي الحرام النار اللي جوايا بتنهش في جتتي، مش قادر أستحمل!

لم تجبه، بل شهقت برعشة خفية… كانت ترى في عينيه شيئا جديدا، شيئا يتجاوز المزاح واللعب الخفيف، شيئًا يشبه العاصفة.

ضمها بعنف، كمن يبحث عن مرفأ في ذروة الغرق، ثم التهم شفتيها بقبلة أقرب إلى الافتراس… شهقة منها، يتبعها تنهيدة منه، دار به في الماء، يحتضنها كمن يحتضن الحياة ذاتها، حتى اصطدم ظهرها بجدار حمام السباحة… فانحبست أنفاسها.

لم يمهلها لتستوعب، أمال رأسه إلى عنقها، وبدأ يمتصه بجنون ، شفتاه تتلوه كما لو أنه تعويذة خفية، ويده تنزلق على جسدها المرتعش، تكتشفه وكأنها تسير في أرض ممنوعة.

ثم… ببطء، مد أصابعه إلى الاسفل، نحو شريط القطعة السفلية من ملابس السباحة، وسحبه بخفة، فانزلقت القطعة وسقطت في الماء.

جحظت عيناها، شهقت، وتجمدت لوهلة كمن لدغ من التيار. تراجعت قليلاً وهي تحاول دفعه، وهمسة بصوت مرتعش، يكاد لا يسمع:لأ… لأ، سلطان… بلاش…

لم يتوقف، وكأنه يعبرها بعينيه، وبجسده، التهم شفتيها من جديد، ثم مرر يده في منطقة حرجة بجسدها، وهمس في أذنها بحرارة تقطر شهوة: ناعم أوي يا بت…

رفعت يدها بارتباك، ولكزته بخفة مرتبكة وهمسة بصوت مكسور بين الرجاء والمواجهة: بتعمل إيه… يا قليل الأدب؟”

لم تصرخ، ولم تهرب. كانت معلقة بين الرغبة والرعب، بين النشوة والارتباك، جسدها يتجاوب، وقلبها يتراجع، ودمها كله كان هاربًا إلى أطرافها المرتعشة.

حاوط خصرها بحميميه وفي جزء من الثانيه رفعها خارج المسبح واجلسها على طرف الحافة، وجسدها المبلل يرتجف بخليط مربك من الخجل واللهفة،

حين اقترب منها فجأة، بلا مقدمات ولا استئذان، ودفن وجهه في منطقه حساس من جسدها، منطقه لم تظن يوما أنه سيكون مكشوف لأحد، أو قريب إلى هذا الحد من أنفاس رجل.

شهقت شهقة مكتومة، وارتعشت أطرافها كأنما لسعتها نار. أنفاسه الساخنة لامست بشرتها، بل اخترقتها، تسربت إلى أعماقها، إلى تلك المناطق التي لم تعرف لها اسماً سوى أنها تخصها وحدها. ولكن الآن… الآن هذا الرجل، بجرأته ووقاحته، يعبث بجسدها، يقبلها  ويلعقها كما لو أنه حقه المشروع، كأنها خلقت له، وكأن خجلها لا يعني له شيئًا.

رفعت رأسها بعنف، وشهقتها لا تزال عالقة في حلقها، وراحت تحاول دفعه براحتيها المرتجفتين، وفي عينيها انكسار وخجل، كأنها انكشفت أمامه بالكامل. عضت شفتها السفلى في توتر، وهمسة بصوت مرتجف تكاد لا تسمعه إلا أنفاسها : ااااااه سـ… سلطان… بتعمل إيه؟ يا نهار اسود!

قبض على ساقها ورفعه علي منكبه حتي يتمكن اكثر ويلتهم أنوثتها بعنف وغمغم بصوت متحشرج: حتي كـ** فرواله يابت
عضت شفتها بقوه تمنع شهقتها ..ودموعها تنهمر على وجنتيها… وتصلب جسدها المرتجف وأتت بماءه ..

الذي ارتشفه سلطان بجنون ..ولسانه يمر علي تفاصيل أنوثتها بتأني مهلك …حتي شعر بارتخاء جسدها بنعومه…

وسحبها للماء مره اخري وضمها بحضنه ودار بها وهو يلتهم شفتيها وغمغم : دوقي طعم فرواله كـ** معايه يا بت !!

هزت رأسها بالنفي وغمغمت بدموع: سلطان كفاية.. ايه ده ؟!
ضحك بمرح وغمغم: ده متعه يابت ده نـ**!!

جحظت عينيها وشهقت بذهول ..وتجمد جسدها بين أحضانه ..نظر لها وضحك بصخب وضمها بقوه وغمغم: انتي لسه هتتصدمي لما تشبعي!!

ضمها لحضنه.. ولف ساقيها حول خصره.. وخرج بها من الماء كمن ظفر بـ غنيمة حرب …

صرخت بخجل وصاحت بدموع: سلطان أنا مش لابسه باقي المايوه ؟!

مرر يده علي مؤخرتها وضغط عليها وهمس بأنفاس لاهثة: دي احلي حاجه.. دي مطيره النوم من عيني حتة القشطه دي!!

عضت شفتها بخجل ودفنت وجهها في عنقه …
دلف بها الي الداخل ..وهو يلتهم عنقها بشغف ..وصوت أنفاسهم هو المسموع حولهم …

دلف اول غرفه واقترب من الفراش ..وسقط عليه وهو يعتليها حاولت دفعه بيده ..وهمسة بصوت مرتعد : سلطان استني لالاا

ثبت يدها فوق راسها.. ومرر يده على جسدها ..والتهم شفتيها بجوع مرعب ..وسحب لسانها وامتصه بعنف..

ويده تعبث بانوثتها بتمهل قطع أنفاسها ..
هزت راسها بالنفي ..وهي تشعر أنها أوشكت علي فقد الوعي ..وهمسة بصوت مرتعد : قليل الادب يا سلطان اوي… اااااه لالا… كفايه ابوس ايدك !!

مرر شفتيه علي عنقها حتي نهديها وهمس بأنفاس ساخنه تحرق بشرتها: أنا هخليكي تعشقي قلة الأدب!!

التهم حلمتها الورديه بجنون وإصبعه يدور بداخل أنوثتها بعنف جعل جسدها يرتجف بقوه وتقوس ظهرها وأتت بماءه مره اخري….

سحب يده …وهبط فوقها ..صرخت برعب عندما شعرت برجولته المتصلب تحتك بها ..جحظت عينيها برعب ودموعها تنهمر على وجنتيها وغمغمت: لالا كده هموت مش هقدر كفاية عشانـ!!

قطع جملتها وهبط على شفتيها بقبله أشبه بنار تسري بجسده …زمجرا بعنف وهو يضغط عليها ورجولته تتصلب وعروق تبرز بشكل مخيف…

وهي تنهار كغصن هش بين أحضانه زاد تشنجها وشهقتها الممزقه السكون ملأت الغرفه ..شعر بتصلب جسدها المرتجف وغمغم بصوت متحشرج: ضي تاني برضو انتي هتتعودي امتي ؟؟

مرر يده على شعرها وهتف بصوت حاد: اتحملي بس شويا أنا تعبان ولو مرتحتش هطق !!

نظرت له بدهشة وجسدها يرتجف بقوه …لكنها تأن بضعف اشعل النيران بجسده المتصلب أكثر ….

وهبط على عنقها ينهش بشرتها بجنون.. ويضغط عليها ويحتك بها بسرعه.. حتي وصلوا الي ذروت شهوته وقفز نار مشتعله علي أنوثتها وبين ساقيها ..نظر لها بحنان وهمس: كنت هتجنن لو منزلوش وغرقوكي يابت ..يلا عقبال ما تشربي لبني يا قطه !!

فتحت عينيها ببطيء بأنفاس متقطعة.. ونظرت له وانفجرت ببكاء حاد ..نظر لها بدهشة وقال: في ايه طيب ؟!
غمغمت بدموع : أنت قليل الادب.. وانا كمان !!

ضحك بصخب وضمها بحضنه وشدد عليها وهمس: اكيد عجبك.. عشان كده حاسه نفسك قليلة الادب !!

هزت راسها بالنفي وغمغمت بجسد يأن بخفوت: لا عشان مش قادره اسيطر علي نفسي معك وبتعمل فيا كده؟!

ضحك بمرح وقال: ما ده الطبيعي يا حبيبي.. انا جوزك.. أنا الوحيد اللي له الحق يعمل اللي هو عايزو فيكي ..

لكزته بضعف وهمسة بخفوت: انت عنيف اوي وهمجي اووي!!

ضحك بمرح وحملها بين ذراعيه وتحرك بها الي المرحاض وغمغم: ياقلبي انا لسه بسخن.. لسه ما جبتش ولا جون ..
وانا طول عمري هداف !

لكزته علي منكبه وصاحت بدموع: قليل الادب..
ضحك بمرح.. ودلف المرحاض واغلق الباب خلفه بعنف ..
……………………………….
صباحا في الحاره

وقفت نوسة ترتب قطع الذهب بيدين متوترة، وعينين لا تكفان عن التطلع نحو الباب.

دفع علي الباب بخفة، ودخل كما لو كان يعود من استراحة قصيرة، لا من غياب أثار الزوابع.

رفعت نوسة عينيها نحوه فورًا، كأنها كانت تحفظ توقيت دخوله في صدرها. حدقت فيه لحظة، ثم ابتسمت بسخرية وهي تلقي قطعة القماش من يدها على الطاولة وهتفت :إزيك يا باشا؟ يا ريتك طمنتا عليك قبل ما تمشي… أصل قلبي كان هيوقف عليك!

ألقى سترته على المشجب بهدوء، ثم نظر إليها ببرود وقال:مكنتش في حالة تسمح بالكلام.

اقتربت منه بخطوات سريعة، ووقفت أمامه مباشرة، وقالت وهي تشبك ذراعيها: آه؟ وحالتك دلوقتي بقت تسمح؟

ابتسم بسخرية باهتة، ورد وهو يتجاوزها:رجعت عشان أشتغل… لو ده مضايقك، ممكن أرجع تاني.

لفت نوسة حوله ووقفت في طريقه، وصاحت: مضايقني؟! لا يابا أنا محدش يعرف يضيقني اصلا !!

تنهد وهو يحاول الابتعاد، لكنها أغلقت المسافة مجددًا:
رد عليا، كنت فين؟ سافرت؟ اتخنقت؟ ميت؟ حي؟ احنا بنشتغل سوا مش ارطاس أنا هنا ؟!

رفع عينيه إليها بهدوء قاسي، وقال بنبرة منخفضه :
وإنتي مالك؟ احنا بشتغل سوا أنا مش جوزك ؟

شهقت بغضب وهتف : نعم؟! وانت تطول اصلا تبقي جوزي ده غيرك الف يتمنوا .. بس انا مش بحب التنفيض بتاعك ده  ؟!

اقترب منها وتمتم وهو يدنوا منها : أنا مش بنفض… أنا خدت وقتي… عشان مش عايز اتعصب اصل وشي التاني انتي متتحملهوش !

ضحكت بمرح مصطنع وهتفت : طب خلي حد غيرك يقول الكلام ده دانا صوتي اخشن من صوتك يا نحنوح!!

ضحك ضحكة خفيفة، وقال:معلش اصلي بتكلم زي البني ادمين الطبيعيين ..

اقتربت منه، وعيناها تقدحان شررًا:انت قصدك ايه يا جدع انت؟! ولو اللي في بالي صح أنا هفرمك يا علي…

رفع حاجبه، وقال بهدوء مستفز: هتفرميني؟ ليه؟ عشان اختفيت شوية؟ ولا عشان لما رجعت، لقيتك بتفكري فيا أكتر من اللازم؟

اتسعت عيناها، وارتبكت لوهلة، ثم ردت وهي تلوح بإصبعها:ولا في دماغي، ولا حاجة! أنا بس مش بحب الرجاله الممحونه اصلا يكفيك شر المحن الرجالي !!

غمزها بعبث وهمس :  وأنا مش بحب البنات اللي لسانها أسرع من عقلها…

لكزته بقوه وصاحت: يعني بتقصدني؟!

قبض ع يدها وغمغم : لا مقصدش بس اللي علي رأسه بطحه يا نونو

حاولت دفعه وسحب يدها وصاحت : مين دي اللي نونو انت معتوه ؟!

رفع حاجبه وتمتم بخبث: انتي نونو ..اوعي تكوني فاكره اني مصدق وش الشبح اللي انتي لابسها علي الكل ده؟؟

تراجعت وهي تبلع لعابها بصعوبه وهمسة: أنا مش فاهمه حاجه!! وش ايه؟ ايه الهبل ده ؟؟

اقترب منها ورفع يدها الي أنفه واستنشق عطرها وهمس : برفيوم Swiss يعني همسه !! يعني الانوثه بس مستخبيه ..

حاولت سحب يدها وغمغمت : سيب ايدي أنا ماشيه!!
ضحك بمرح وقال: والشغل؟؟

سحبت حقيبته ولكزتها وهي تخرج وصاحت : اشتغل انت !

سكت لحظة، ثم نظر لها بنظرة طويلة، كأن فيها شيء ما لا يقال. تمتم بعدها:اهربي! اهربي.. بس بعد كده متعمليش سبع رجاله في بعض!!

شهقت، لكنها خبأت توترها بسخرية، واقتربت منه وقالت: بقولك ايه ما تقفل الحوار ونرتاح!
أقترب منها وهز رأسه بيأس وغمغم:  ما انتي مش عايزة الحوار يقفل… انتي كل يوم تفتحيه بشكل جديد. وكل مرة تدوسي على أعصابي… وانتي مش واخدة بالك انك بتقربي.

ربعت ذراعيها وهتفت بحنق : بقرب؟! يا سلام!

اقترب منها حتى لم تعد بينهما أنفاس، فقط الصمت. ثم قال بهمس: جواكي حاجة مش قادرة تخبيها… وأنا سايبك تقوليها بطريقتك.

تراجعت فورًا، وقلبها يدق بعنف وهي تقول بغيظ: لا انسى أنا جوايا نار… لو قربت مني هتحرقك !!

اقترب منها وهمس :أنا عارف أننا هنتحرق بس سوا

لكزته بقوه وصاحت : لا يا علي يا البدري… أنا نوسة… واللي يبدأ اللعبة، لازم يستحمل نارها.

هز رأسه وتمتم: احب اشوف يا نونو
دفعته بقوه وخرجت والغضب يشتعل بعروقها كنار في الهشيم
…………………………….
فيلا ثروت البدري

في الحديقة التي لطالما احتضنت أسرارًا صامتة، راح عمار يذرع الأرض ذهابًا وإيابًا، والهاتف بين أصابعه يرتجف من فرط الترقب. زفر بضيق وغمغم بنبرة مجروحة: في إيه؟ يومين وتليفونك مقفول؟ مش عوايدك يا آية… أبداً مش كده!

أعاد الهاتف إلى جيبه بأنفاس ضيقة، وارتقى درجات المدخل بخطوات متوترة، دق الجرس مرة واحدة، فتح الباب لتطل عليه حسنة، خادمة الفيلا، بابتسامة باهتة:
أهلاً وسهلاً يا عمار بيه… خطوة عزيزة.

خلع نظارته السوداء بنفاد صبر وقال بلهجة قلق:
ازيك يا حسنة؟ آية موجودة؟

خفضت حسنة عينيها، وتنهدت بأسى:موجودة يا حبة عيني… فوق. بس تعبانة، الخبطة كانت جامدة عليها.

تجمدت ملامحه، واتسعت عيناه في ذهول مفاجئ، وكأن الكلمات قد صفعت قلبه قبل أذنه : خـ… خبطة؟ خبطة إيه؟ تعبانة إزاي؟

فتحت حسنة فمها لتُكمل، لكن عمار لم يمنحها وقتًا… ركض كسهم مذعور، يطير على الدرجات درجتين درجتين، حتى وصل إلى باب غرفة آية، وطرق مرة واحدة، قبل أن يفتح باندفاع عارم: آية! يا قلبي انتي!

شهقت آية من وقع المفاجأة، وحاولت النهوض بصعوبة، وهي تهمس بدموع متشابكة: عمار…

اندفع نحوها، طوقها بذراعيه، وضغط عليها بحضن يرتعش فيه الخوف، والحنين، والذنب، فيما كانت أصابعه تتحسس الشاش الطبي الملفوف حول رأسها. همس بانكسار: اهدي يا روحي… مالك؟ مين عمل فيكي كده؟ إيه اللي حصل؟

قبضت على سترته كما لو كانت تتشبث بطوق النجاة، وقالت بصوت مبحوح: أقولك إيه يا عمار؟ أقولك إيه بس؟ قلتلك خدني من هنا وانت مسمعتنيش !!

حملها في حضنه بحنان خائف، ووضعها على الفراش برفق بالغ، جلس إلى جوارها، ومسح دموعها بأنامل مرتعشة: قولي… قولي أي حاجة. من إمتى بينا الخوف ده؟ أو التردد ده؟

غرقت عيناها بالدموع، وهمسة بصوت اختنق بين الندم والرعب:خايفة تضيع مني يا عمار… خايفة تكرهني…

قطب حاجبيه، وارتسمت على وجهه ملامح قلق تصاعد تدريجيا إلى التوجس: آية، أنا أعصابي مش مستحملة… اتكلمي. في إيه؟ ومين اللي عمل فيكي كده؟ حد اتعرضلك؟ حد آذاكي؟ قولي يا حبيبتي، وأنا هتقبل أي حاجة… بس طمنيني إنك بخير.

ارتعشت شفتاها، كأنها تقف على الحافة بين الخوف والواجب. والضمير لكنها تماسكت، وتكلمت أخيرًا، فكانت كلماتها كقنبلة تمزق الصمت: أنا .. أأنا سمعت بابا بيتكلم مع الراجل اللي اسمه خلف… واكتشفت إنه شريكه في مصنع الحديد… بس مش عارفة ده نفس المصنع اللي كان بتاع انكل عثمان، ولا حاجة تانية…

تبدلت ملامح عمار في لحظات، من دهشة مشوبة بالخوف… إلى غضب عارم، إلى اشمئزاز خالص، ثم نفور جارح. نهض كمن صفع، وصاح بنبرة تشبه الزئير: إيه اللي بتقوليه ده؟ يعني إيه؟ أبوكي ليه يد في اللي حصل لأبويا؟!

مدت يدها تمسكه في ذعر، ودموعها تنحدر بلا انقطاع:
عمار، أنا…

قبض على ذراعها بعنف وهزها: إنتي فاهمة بتقولي إيه؟ أبوكي ممكن يكون ليه يد في موت أبويا؟… ساعتها قسما بالله… لهقتله بإيدي!

شهقت، واهتز جسدها من فرط الفزع: لأ… لأاااااا… متوديش نفسك في داهيه يا عمار …

أفلتها من قبضته بحدة، وصاح بعينين متسعتين بالدم:
مفيش لا… من النهاردة، ولحد ما أعرف الحقيقة، خليكي بعيد عني! مش عايز أذيكي… خليكي بعيد عني يا آية!

تجمد الهواء في رئتيها، كأن روحها قد سقطت في بئر بلا قاع… لم تشعر سوى بصوت الباب يغلق بعنف،وانصراف عمار.. كأنما أُغلق عالمها كله

ارتمت على الفراش، تنهار منتحبة، شهقاتها الموجعة كانت كخناجر في صدرها، وصوتها المتقطع لم يقل سوى:
ليه؟ يا رب… ليه؟
وكان قلبها يتشقق على أطراف الغياب.

………………………………….

في شقة عز الهواري

وقفت عليا أمام المرآة، كأنها تري نفسها  للمرة الأولى. كانت كلمات عايدة لا تزال تطن في أذنها، تطرق على جدران قلبها برفق حازم:الست لازم تشوف نفسها حلوة عشان جوزها يشوفها حلوة… ثقتك في نفسك هي اللي هتوصله، من كل حاجة فيكي، حتى نظرات عنيكي.

تأملت انعكاسها في المرآة، ثم رفعت يدها ببطء، ومررت أطراف أصابعها فوق وجهها الناصع كصفحة بيضاء، كأنها تكتشف ملامحها من جديد…

مرت على شفتيها الورديتين، وعينيها البنيتين اللتين تشبهان نهر قهوة دافئ. رفعت يدها الي شعرها، ثم أطلقته، فانحدر كسيل سرق من البندق لونه  فوق ظهرها بانسياب رقيق.

تحركت إلى الخزانة، وأخرجت قميصا بيتي بسيط يصل إلى ركبتيها، وارتدته بهدوء. عادت أمام المرآة تنظر لنفسها نظرة جديدة؛ نظرة فيها بعض الرضا، بعض التصالح، بعض السلام.

حين سقطت عيناها على ساقيها، تذكرت الخلخال… ذاك الذي أهداه لها عز منذ زمن، ورفضت ارتداءه آنذاك، حين صاحت فيه بحدة غاضبة:أنا مش رقاصة عشان ألبس خلخال! إنت فاكر نفسك جايبني من كباريه؟ عيب كده!

انزلقت دمعة من عينها وهي تتذكر نظراته في تلك اللحظة… تلك النظرة التي لا تنسى، نظرة قهر وخذلان، ثم غادر على إثرها المنزل في صمت موجع.

مسحت دموعها بظهر كفها، وهمسة بصوت مختنق: بالعكس… كان هيبقى حلو عليا.

فتحت الدرج وأخرجت الخلخال، ولفته حول كاحلها برفق. نظرت إليه بانبهار وهمسة: والنبي… عز ذوقه حلو أوي.

جلست أمام المرآة، وسحبت فرشاة شعرها، وأخذت تمشطه برقة، وكأنها تواسي تلك الطفلة الصغيرة في داخلها….

ثم التقطت زجاجة عطر الياسمين، ونثرتها عند مواطن النبض، كما أوصتها عايدة ..

وضعت أحمر شفاه وردي، لكنها نظرت إليه في المرآة بعدم رضا. سحبته بمنديل ومسحته ، ثم التقطت لون آخر، جريئ احمر قاني يشبه دم القلب، وضعته برعشة خفيفة، ثم تأملت نفسها بدهشة…

ورمشت بعينيها، كأنها لا تصدق، ثم تمتمت بصوت مبحوح: حلو اوي اهو … أمال ماما كانت دايما تقولي إنه بشع ومقرف ليه؟

ابتسمت… وابتسمت انعكاستها لها، ابتسامة صدق لم تعهدها من قبل.
همسة بدهشة كمن يكتشف سر دفين:  أنا حلوة… أنا جميلة… وناعمة… ومش ناقصة حاجة…أنا ست مميزة.
يمكن لسه معرفش مميزه في ايه؟ وايه اللي بيخليني مختلفة؟! … بس متأكدة إن جوايا حاجة مش عند حد !!

وقفت، ورفعت هاتفها، والتقطت صورة وهي تضحك لأول مرة بصدق، ثم تمتمت بنعومة: أنا عليا … ست حلوة. وجوزي بيحبني، وأنا بحبه… وعلاقتنا هتتعدل وهتبقى زي الفل !!

وضعت الهاتف جانبًا، ورفعت راسها للسماء هامسة بدعاء يخرج من أعماق قلبها: يا رب… ساعدني… خد بإيدي… واصلح حالي.

فاقت من شرودها على صوت مفتاح الباب، وصوت عز المتعب يدوي: عليااااااااا…

مسحت دموعها سريعًا، وأزالت أحمر الشفاه على عجل، وبدلت ملابسها وخرجت إليه.
كان جالسا في الصالة، يبدو عليه الإنهاك والتعب. تقدمت منه، وابتسمت بحنو:حمد لله على السلامة يا عز.

رفع عينيه إليها، وهز رأسه قائلاً بنبرة مرهقة: الله يسلمك يا حبيبتي… حضريلي لقمة كده بالله عليكي، جعان موت.

أومأت برأسها، واتجهت إلى المطبخ، وهمسة بخفوت حنون: من عيني… حالاً.

لكن وقع خلخالها على الأرض لفت انتباهه، فرفع حاجبه بدهشة، وغمغم بصوت نصف ساخر، نصف مندهش:
فرسة… بس يا خسارة، الحلو ما بيكملش.

……………………………………..
صباحا في الحارة

كان صباح الحارة يمضي على مهل، شمس خفيفة تداعب وجوه المارة، وأبواب المحلات تفتح كسبات يتثاءب….

خرج راجح من بيته يسير بخطى حذرة، يتحامل على وجعه وكأنه يجره معه في كل خطوة، لكنه رغم الألم، كان يحمل إصرارًا على ألا يبقى حبيس الفراش.

اقترب من والده الجالس أمام محله، وقال بصوت واهن فيه ابتسامة: صباح الفل يا حج.

نهض العتال من مقعده فجأة، وارتسم القلق في عينيه وهو يهتف:  إيه اللي نزلك يا ابني وانت لسه تعبان؟!

أومأ راجح برأسه وهو يزفر بضيق: زهقت يا با… إنت عارف ابنك، موته وسمه الرقده في السرير. وأنا قاعد لوحدي… اتخنقت.

ربت العتال على منكبه بحنو لا يخلو من شدة الأُباء وقال:  انت لو تسمع كلامي وتشوفلك كتكوته كده، تاخد بحسك… بدل ما انت عايش بطولك كده زي قرد قطع.

ضحك راجح، ووضع يده على موضع جرحه كأن الضحكة نخزته، وقال ممازحًا:  قرد يا با ؟! تشكر يا سيدي… أنا مش عايز أتجوز، مليش في الكار ده. وجع دماغ علي الفاضي!

صفق العتال بكف على الآخر، وهتف متحديًا: — هتستنى إيه يعني؟! حتى سلطان، اللي كان بيقول زيك كده، اتجوز… إنت عايز إيه بقى؟!

وفي تلك اللحظة، مر خليفة الهواري ومعه تقى. توقفت عينا خليفة على راجح، فاقترب منه بخطوات واسعة، وهتف بصوت أجش : حمد لله ع السلامة يا راجح… ألف سلامة يا عتال يا خويا، أنا لسه راجع من السفر وسمعت اللي حصل.

تبادل راجح معه نظرة دهشة، ثم رد بأدب: الله يسلمك يا يابا، حمد لله علي السلامة.

لكن العتال لم يتحمل وقع الكلمة، فزمجر غاضبًا: يابا  إيه ياض ؟! أنا بس اللي أبوك!

رفع راجح كفه مهدئًا وهو يبتسم بمرارة: اهدي يا حج، احنا طالعين على كده من زمان، وحد الله كده.

غمغم العتال بغضب: لا اله إلا الله..
ربت خليفة على كتف راجح وقال:  أصيل يا راجح… وربنا يصلح حال أبوك.

رد عليه العتال بغيظ محتقن: سيبك من الحنية دي! ابعد عني يا خليفة… أنا أطيق العمى ولا أطيقك!

حاول راجح تهدئة الموقف، فأمسك بكف والده وهمس برجاء:  ميصحش كده يابا… احنا طول عمرنا أهل حتة واحدة…

لكن كلماته انقطعت حين سمع صوتها الخافت يتردد خلفه:  حمد لله ع السلامة يا راجح… جاه قطع إيده اللي اتمدت عليك يا خويا.

استدار ببطء ليرى تقى، نظرت إليه بخجل، وصوتها مهزوز كأنها تنزع من قلبها عذرا لا يقال. رفع راجح حاجبه باستنكار، لكنه تماسك، وضبط ملامحه، ثم تمتم بلا مبالاة مقصودة:  تشكري يا أختي.

ثم التفت إلى والده وسحبه برفق:  تعال بس يا حج… فطرت ولا لسه؟

هز العتال رأسه وقال بنبرة متذمرة:  آه فطرت.

ضحك راجح وغمغم وهو يدخل المحل:  نفطر تاني بقا… شوية فول من اللي وصي عليهم الحكيم ..
………..
صباحا في فيلا سلطان الهواري
تكاسل سلطان في فراشه، يتقلب ببطء كمن يحاول التمسك ببقايا النوم، بينما الهاتف يهتز فوق المنضدة بإصرار لا يلين. مد يده إليه دون أن يفتح عينيه، وغمغم بنبرة خشنة : عايز إيه على الصبح؟

صمت برهة ليستمع، ثم قال وهو يزفر بثقل: فاق؟ طيب، أنا جيلك… افتح عينيك، ومحدش يشم خبر.

أغلق الهاتف وسحب ذراعه من تحت ضي النائمة إلى جواره،وسحب الغطاء عليها وقبل جبينها بحب
…كانت ساكنة كنسمة، غارقة في سبات هادئ. نهض عنها برفق، كأنما يخشى أن يوقظ طفلة،

ثم توجه إلى المرحاض.

بعد دقائق قليلة، خرج سلطان، ارتدى ملابسه بسرعة واتجه نحو الباب بخطى واثقة، وصعد السياره وانطلق كأنه سهم مشتعل بالغضب متجه إلى المستشفى.

في المستشفى

ترجل سلطان من السيارة بخطوات صلبة وهادئة، رجل من رجاله كان في انتظاره عند المدخل، اقترب منه وانحنى قليلًا احترامًا وهو يقول:أوامرك يا جنرال.

لم يرد سلطان، فقط واصل السير وهو يتمتم بصوت منخفض: إيه الأخبار؟

تحرك الرجل خلفه على الفور، وهمس: كله تحت السيطرة.

وصل سلطان إلى باب الغرفة، أمسك بالمقبض، فتحه بعنف ودلف..

شهق عرفة بذعر، وتراجع في فراشه كمن رأى الموت، ثم همهم بصوت مرتجف موجوع: أبوس إيدك يا جنرال… والله ما كان قصدي. على الطلاق كنت واقف في حالي، وسي راجح هو اللي اتخانق معايا!

ارتسمت على فم سلطان ابتسامة ساخرة باردة، نصف شفتاه فقط تحركتا، ثم قال بنبرة حادة يخالطها الاستخفاف: كنت واقف وهو اتخانق معاك؟! طيب هعمل مصدق، وهعمل مش واخد بالي إنك صبي عند الرشاش.أخرج سلطان سيجارة، أشعلها ببطء، وأخذ منها نفسًا عميقًا، ثم تمتم بصوت غليظ: ماشي… أنا ناوي أعديلك، عندك حاجة تشتري بيها عمرك؟

بلع عرفة ريقه بصعوبة، ودموع الرعب تتلألأ في عينيه، همس بصوت مخنوق: عندي… والله عندي، بس إديني الأمان يا جنرال… إديني الأمان بس.

أومأ سلطان برأسه، وقال ببرود: عليك الأمان. انطق.

تنفس عرفة ببطء، وكأن الأكسجين عاد لرئتيه، ثم قال والعرق ينساب من جبينه: الرشاش… الرشاش هيستلم شحنة كبيرة أوي بعد يومين. في عربيات مرشقه بودره جاية من بره. الشحنة دي… تعدي الخمسة مليون دولار.

ارتسمت لمحة تفكير عميق على ملامح سلطان، مرر يده على ذقنه النامية وقال: الرشاش؟ عمره ما لعب بالحجم ده… إيه اللي جد؟

رد عرفة بخوف: في راجل اسمه خلف الحناوي… بقى شريكه، وبيتقابلوا في فيلا بالمقطم، هناك فيها كل البلاوي.

نهض سلطان فجأة من مكانه، وعيناه تومضان بالغضب، اقترب منه حتى كاد يلتصق به، وقال بنبرة تقطر تهديدًا: عشان خدت الأمان من سلطان الهواري… مش هعمل فيك حاجة… بس تمشي من المنطقة كلها. على أد ما تقدر… متخلنيش أشوف خلقتك تاني.

هز عرفة رأسه بعنف، وقبض على يد سلطان وقبلها وهو يتمتم: تسلم يا رجولة… مش هتشوف وشي تاني، ولا حتى صدفة.

سحب سلطان يده ببرود، ألقى عليه نظرة أخيرة، ثم خرج من الغرفة، وخلفه بقي عرفة يلهث، كأنه للتو نجا من حافة المقصلة.
………………………………………..

في شقة ياسر الهواري

كان الصباح قد تسلّل إلى النوافذ، حين اقتربت جنا بخطوات صغيرة من سرير والدها.
تسلقت الفراش بصعوبة، واقتربت منه، وفي يدها حبة عنب صغيرة، تمسكها بأصابعها الدقيقة كأنها كنز.
مدت يدها بتأني وضعتها بين شفتيه، فبدأ ياسر يمضغها وهو لا يزال نائمًا.

ضحكت جنا ضحكة طفولية صافية، كأن الفرح انسكب من قلبها دون استئذان.
فتح ياسر عينيه على صوتها، وابتسم ابتسامة ناعسة وهمس: حبيبة أبوكي…

أطلقت ضحكة أخرى، وألقت بنفسها في أحضانه قائلة:
ـوحشتني أوي… أنا زعلانة منك.

رفع حاجبه بدهشة وسألها: ليه يا جنا؟

أشارت بيدها الصغيرة وقالت بعفوية:عشان طول الوقت بره… وبنام وأصحى مش بلاقيك.

ضحك بخفة وربت على شعرها:يا قلبي، ده الشغل… لازم أشتغل عشان أجيبلك لعب كتير.

هزت رأسها بنفي، وقالت بصوت منخفض:أنا مش عايزة لعب… أنا عايزة ألعب معاك انت ..

ضمها إليه وقبل وجنتها برفق، ثم نهض وحملها على كتفيه كأنها أميرة، وقال:خلاص يا أميرة ياسر الهواري، النهارده مفيش شغل… النهارده للعب وبس.

ضحكت جنا بسعادة، وضحكتها ترددت في أنحاء الشقة، حتى وصلت إلى مسامع جنات في المطبخ.
رفعت حاجبها بدهشة وهمسة: بركاتك يا أم هاشم… ياسر بيضحك؟!

خرجت من المطبخ، واقتربت منهما قائلة: صباح الخير.

نظر إليها ياسر وابتسم قائلاً:صباح الفل… بقلك إيه؟ عايزك تعملي أكلة حلوة كده… الواد راجح لسه قايم من الموت، وشكله مش عاجبني.

أومأت برأسها وقالت:من عيني يا أخويا… كله من خيرك.

رد بود: ده خير ربنا يا أم البنات.

ثم نظر حوله بتعجب وسأل: أمال فين جودي؟

أشارت جنات نحو الغرفة قائلة: في أوضتها…

جلس ياسر أمام التلفاز وقال: جنا، روحي صحي أختك.

هزت جنا رأسها بالموافقة وركضت نحو الغرفة، وبعد لحظات، خرجت جودي بخطى متثاقلة، اقتربت من والدها ونظرت إليه بنظرة طفولية مشحونة بالزعل: نعم؟

قال بدهشة وقال : تعالي يا جودي.

جلست بجانبه، وهي تحدق في الأرض بصمت، ودموعها تغلي خلف الجفون..

رفع وجهها بكفه برفق وهمس: مالك يا بابا؟ مين زعلك؟

نظرت إليه بعينين مبللتين، وقالت بصوت حزين:
زعلانة منك.

قطّب حاجبيه وسأل: أنا؟ ليه يا حبيبتي؟

تلفتت حولها بتوتر، وقد رأت أمها تعد الإفطار في المطبخ، ثم همسة بخوف : عشان على طول بشوف ماما بتعيط…ولما أسألها مالك، بتقول تعبانة شوية…
ومكنتش أعرف إنها تعبانة عشانك يا بابا…
إنت اللي بتتعبها!

شعر ياسر بطعنة في صدره، وتلعثم حين قال:  أنا؟ أنا اللي بتعبها؟… ليه بتقولي كده؟

شهقت الطفلة، ودموعها انهمرت: أنا كنت صاحية يوم ما هدومك كانت فيها دم…وسمعتك وإنت بتزعق لماما…
كنت بتزعقلها جامد أوي.

صعق ياسر، واقترب منها بسرعة وقال محاولًا أن يحتوي الموقف:لأ يا قلب بابا، احنا كنا بنتكلم عادي…
لما تكبري هتفهمي.

قالت جودي  ببراءة حزينة: يعني لما أكبر، أزعق وأنا بتكلم؟

أخذ نفسا عميقًا، وربت على يدها وقال:لا طبعا… مش كده…أنا بس كنت زعلان… ومكنتش واخد بالي،
وإنتي عندك حق، لازم الواحد يتحكم في نفسه.

أومأت برأسها وقالت: طب ممكن حضرتك متزعقش لماما تاني؟عشان بتقعد تعيط… وبتصعب عليا…
وأنا بزعل منك أوي.

نظر لها بدهشة ممزوجة بوجع، وقال:انتي كبرتي كده إمتى يا جودي؟

ضحكت وقالت بعفوية: أنا عندي سبع سنين يا بابا.

ضحك وضمها بقوة وهمس:ده إنتي بسبعين سنة يا حتة من قلبي.

ضحكت جودي وقالت: أنا بحبك أوي يا بابا.

رد عليها بصوت دافئ: وأنا بحبكم أوي يا روح قلبي…
إنتو دنيتي كلها.

خرجت جنات من المطبخ وهي تحمل الأطباق، وقالت بنبرة تمزج بين السخرية والحنين:يبختك يا جودي… إيه الحنية والحب ده كله؟!

ضحكت جودي وقالت بفخر طفولي: بابا بيحبنا يا ماما.

ابتسم ياسر وقال:طبعا يا حبيبتي…
وأوعي تحطي في دماغك الجامدة اللي زي دماغ أمك غير كده.

قهقهت جنات وقالت بخفة:إيه الرضا اللي نزل عليك ده؟

هز رأسه وهو يقول:بنتي كانت زعلانة… وقلبي وجعني لما شفتها زعلانة.

نظرت له جنات نظرة طويلة، ثم قالت بهدوء ممزوج بمرارة والدموع :وأنا…أنا كمان ليا اب ممكن قلبه يوجعه لما يشوفني زعلانة؟

تجمد ياسر مكانه، وكأن كلماتها اخترقت صدره.
نظر إليها بشحوب، وشعر كأنه على وشك الانفجار من وجع لم يعرف له اسما إلا الآن.

………………………………………
في فيلا سلطان الهواري

استيقظت ضي ببطء، رمشت بعينيها تحاول أن تستوعب أين هي، وراحت تنظر حولها بتوجس. حاولت تحريك أي عضو في جسدها، لكنّ آهة مكتومة خرجت من بين شفتيها وهي تشعر بألم حاد ينهش عضلاتها المتشنجة، وكأنها لم تنم، بل خاضت حربا طويلة ضد جسدها.

كانت كل خلية فيها تصرخ تعب، فنهضت بصعوبة، تتهادى بخطى واهنة حتى وصلت إلى المرحاض…. وما إن لامس جسدها الماء الدافئ، حتى شعرت بأن بعض الألم قد تسرب بعيدًا… كأن الماء يعقد هدنة مؤقتة مع وجعها.

خرجت بعد وقت قصير، وقد بلل البخار خصلات شعرها، واتجهت إلى غرفة الملابس. نزعت المنشفة عن جسدها، وما إن وقعت عيناها على جسدها العاري، حتى شهقت بفزع.

كانت هناك بقع حمراء، وأخرى قرمزية، وآخري علي شكل كدمة زرقاء تركهم سلطان على بشرتها كأنها توقيعات من جنونه… آثار قبله وعضاته ويديه… كل جزء فيها يشهد على ما فعله بها….

هزت رأسها بيأس وهمست لنفسهامن عنفه وجنونه: همجي ،ومتوحش، ومفيش فايده !!

ارتدت ملابسها وخرجت تبحث عنه في أنحاء الفيلا، تدور بخطى حائرة بين الغرف، حتى وصلت إلى المطبخ. راحت تعد كوبًا من القهوة، لعل حرارتها تهدئ من صداعها المتربص خلف جبهتها.

انتهت الماكينة من إعداد القهوة، فمدت يدها تسحب الفنجان، ووقفت تتذوقه باستمتاع صامت، قبل أن تشهق برعب مفاجئ حين أحاط خصرها بذراعيه من الخلف، وسحبها إليه بقوة، يحتضنها من صدره الدافئ، ويطبق شفتيه على عنقها بشغف، هامسا: وحشتيني أوي يا ضيو السلطان…

ارتفع صدرها بانفعال، وهمسة بصوت مرتجف: سلطان! ليه كده؟ خضتني!

أخذ الفنجان من يدها ووضعه على الطاولة، ثم همس بخبث وهو يلامس شفتيها بأنفاسه: لو كل مره هخضك هتشهقي كده… والله ما هبطل أخضك يا بت.

هزت رأسها نافية، ثم تمتمت بعتاب ناعم: كنت فين؟ صحيت ملقتكش جنبي.

لفها بذراعيه بقوة، ثم همس: كان في حوار كده تبع الشغل… خلصته عشان ناخد اليوم سوا. تعالي… جبتلك حاجه انتي بتحبيها.

أمسك يدها وسحبها من المطبخ إلى طاولة الطعام، فتح الأكياس أمامها، وأخرج صندوق صغير، وما إن فتحته حتى صرخت بسعادة طفولية : الله! دونتس!

ضحك بمرح، وغمزها قائلاً: فرحتك، صح؟

أسرعت إليه، وألقت نفسها بين أحضانه، وهتفت : أوي يا سلطان… أوي… بابا كان بيجيبها لي على طول.

ضمها بقوة، ورفعها بخفة فوق الطاولة، ثم التقط شفتيها بقبلة عميقة، طويلة، وكأنه يتذوقها شفتيها  تذوقًا. وحين حرر شفتيها، همس:وكنتي بترمي نفسك في حضنه كده؟

هزت رأسها وقالت: آه…

ضحك بنفي عابث، ثم قال: لا… أنا مينفعش معايا النظام ده، أنا غير يا بت.

رفعت كتفيها بجهل وهمسة: طيب… عايز إيه؟

اقترب منها وهمس عند شفتيها، بصوت أجش شهواني: انتي اللي تبوسيني.

رفعت حاجبها، وقالت بخجل دافئ: أبوسك؟

أومأ برأسه، وكان يلتهم وجهها بعينيه. بللت شفتيها بارتباك، فاشتعلت نظراته أكثر. اقتربت ببطء وطبعت قبلة ناعمة على شفتيه الغليظتين.

قطب حاجبيه بدهشة وقال بنبرة ساخرة: دي بوسة يا بت؟!

أومأت برأسها وقالت: أمم…

أمسك بعنقها من الخلف، ثم هبط بشفتيه على شفتيها، يقطفها قطفا، وهمس بينها: كده البوسة يا بت.

تنفست بصعوبة، وقالت: دي بوسة؟! ده انتقام! إنت بتاكل شفايفي وبتوجعني!

ضحك بهمهمة خافتة، وهمس: أصلهم طعمين أوي… يا قلبي.

لكزته بخفة، وانزلقت من فوق الطاولة، تهتف: اوعى يا قليل الأدب! عايزة أفطر!

ضحك بمرح، وجلس على الكرسي، ثم سحبها لتجلس على ساقه، وأخذ قطعة من الدونات وقربها من فمها، وهمس: يلا يا جناب الحلو… قطمة حلوة عشاني.

قطمت قطعة وهمهمت باستمتاع: حلوة…

لعق آثار الشوكولاتة من شفتيها وهمس: أوي…

ضحكت، ولفت ذراعيها حول عنقه، وهمست بخفوت خجول: سلطان… الله بقى!

ضحك بعبث، وضمها أكثر، وهمس بصوت دافئ: روح قلب سلطان… وضي عينه… يا فروالة. يلا نفطر بسرعه عشان نخرج.

مر الوقت سريعا، وضي بين أحضان سلطان، يتناولان الإفطار ويشربان القهوة، بين كلماته الوقحة، ولمساته الجريئة، وضحكاتها التي تحمل خجلًا طريًا… فيما إحساس الأمان والعشق يرفرف حول قلبيهما، مثل وشوشة نسيم دافئ لا يقاوم.
…………………………
في أحد دور السينما الراقية

دلف سلطان الهواري إلى القاعة وهو يقبض على يد ضي بتملك عاشق، كأنه ذاك الشاب المراهق الذي يتنزه مع فتاته للمرة الأولى… عيناه لا تفارقها، وجسده لا يبتعد عنها، وكأنها وطن صغير لا يريد الفكاك منه.

تلفتت ضي حولها بدهشة، وحدقت في القاعة الفارغة إلا منهما، وهمسة: إيه ده؟ ليه قاعة VIP؟ كنا وسط الناس أحسن!

اقترب منها فجأة، وسحبها من خصرها حتى التصقت بجسده، ثم همس بصوت متحشرج، أقرب لزفرة شوق: أصلي عايز أستفرد بيكي…

عضت شفتها بخجل، ولكزته بخفة وهمسة بصوت ناعم يشوبه الدلال: سلطااان بقا …

ضحك بمرح، وسحبها إلى داخل القاعة، وهمس: تعالي… أنا محضرلِك فيلم هيعجبك أوي.

جلست ضي على الكرسي، وهي تضحك بسعادة، فمال سلطان وسحب الكرسي للخلف قليلا، جعلها تتمدد براحة وقال مبتسما: خليكي مرتاحة كده…

نظرت له بعينين تلتمعان بالسعادة والحب ، فاقترب منها وتمدد بجوارها على الكرسي الكبير، ومرر يده على شعرها بحنان كأنه يهدئ بحرا هائج، ثم همس بصوت أجش: شكلك مغري اوي في الضلمة…

كتمت ضحكتها وغمغمت بتحذير خجول: سلطان!

ابتسم وهو يغوص أكثر في الظلام .. بدأ الفيلم واندمجت ضي مع الأحداث، تتفاعل بانفعال طفولي وصخب بريء. وما هي إلا لحظات، حتى نهض سلطان وجلب صندوق صغير فتحه أمامها، فظهر ممتلئا بحبات الفراولة الطازجة، لونها أحمر يشتعل في العتمة كالشغف.

اقترب منها وهمس قرب أذنها: كلي يا حبيبي …

رفعت حاجبها بدهشة وقالت: فراولة؟ هو الفشار قصر معاك في حاجة؟

ضحك، وهو يقرب الحبة لفمها: لا يا بت… أنا بحب الفراولة.

أكلتها منه، فضحك بدهشة وقال: أول مرة أشوف فراولة بتاكل فراولة!

ضحكت هي أيضا، وردت: أهو شفت!

اقترب منها أكثر، ووضع حبة فراولة بين شفتيها، وهم أن يلتهم الفراوله مع شفتيها ، لكنها كانت أسرع، فأكلتها بمرح، وضحكت وهي تراه يتنهد بغيظ مصطنع.

أخذ حبه أخرى، وكرر الأمر، لكنها كررت اللعب، وابتلعت الحبة قبل أن يلمسها….

نظر لها برفع حاجب وملامح مصدومة، ثم هز رأسه بيأس وهب منتصب وصاح كمن فجع في فراولته: في  إيه يا بت! متصبري على رزقك… هبوسك، هبوسك اصلا!

عضت شفتها بخجل، ورفعت راسها تنظر إليه ثم نظرت حولها بخوف وهمسة: ياااااا مجنون!

في لمح البصر، هبط فوقها، وقبض على وجنتيها بقسوة يشوبها الحنان، ثم همس بشغف جامح: مجنون بالفراولة!

والتهم شفتيها بعنف العاشق الذي طال به الحرمان… دخل فمه إلى فمها كمن يبحث عن الأمان داخله، بينما كانت هي تحاول دفعه بوهن يملأه الارتجافة.

مر الوقت سريعًا… والفيلم الذي يعرض على الشاشة لم يكن سوى ستار باهت لعرض آخر، أعنف، أعمق، وأشد اشتعالًا.

لم تشاهد ضي من المشاهد شيئًا، لأنها كانت هي المشهد.
وكان سلطان هو البطل الذي كتب السيناريو بشفتيه، وأخرجه بأنفاسه، وأداه بجنون الرغبة وسطوة التملك.

في الظلام، لم تكن هناك كلمات… فقط أصابع تتسلل الي جسدها كأنها تعرف كل طريق، وشفاه تبحث عن الأمان بين ارتجافة وأخرى….كان كل شيء فيهما يشتعل.
حتى الصمت، صار له طعم الفراولة، ورائحة الجوع.

لم يكن في القاعة سوى صوت أنفاسهم…
تتصاعد… ثم تهدأ… ثم تعود للاشتعال.

وحين انطفأت أنوار السينما، كأنهما خرجا من فيلم آخر، لا يشبه شيئًا مما يعرض

خرج بها سلطان من القاعة، وما زال جسده يفيض بحرارة من لم يشبع بعد.

يده تطوق خصرها كمن يخشى أن تضيع، أو تهرب، أو تذوب منه كما تذوب قطعة سكر في شاي مشتعل.
كان يجرها خلفه بخفة العاشق،
بجوع الرجل الذي ذاق… ولم يكتف.

وفي عينيه، لم تكن القاهرة كلها تساوي ضحكتها،
ولا الليل يساوي شهقة من شهقاتها الخافتة…

قادها إلى أحد أفخم المطاعم وكأنه يقول للعالم:
هذه لي… وحدي.
دلف سلطان ويده تطوق خصرها كأنها ملكه المعلن، وكأن في حضنه صك حياة…

كانت خطواته لا تعرف التردد، ونظراته لا تعرف الحياء، وعينيه… لا ترى سواها…

تململت ضي بخجل وهمسة وهي تحاول التملص برقة:سلطان… أنا مش جعانة، إحنا أكلنا كتير في السينما.

توقف، وأدار وجهه نحوها ببطء، وقطب حاجبيه كأنه سمع جنونًا: أكلنا إيه؟ فراولة وشفايفك؟! ده اسمه أكل؟!

انفجرت ضي في ضحكة مكتومة، وغمغمت بخجلها الدافئ: قليل الأدب أووي…

سحب الكرسي لها برشاقة، وقال مبتسمًا بمكر: اقعدي يا فروالة…

جلست على الكرسي وهي تبتسم وتتمتم بسخرية خفيفة: جنتل مان أوي بجد…

جلس أمامها، وأسند ذراعيه على الطاولة، ثم غمز لها بخفة وقال: لا… دانا أعجبك أوي!

مررت يدها بخجل على شعرها وهمسة كأنها تبوح بسر:انت عاجبني بصراحة…

شهق سلطان بتصنع وأدار وجهه كأنها صدمته وهتف :الصلي عالنبي ايوه كده يا شيخة… الفراولة جابت مفعول ولا ايه ؟!

ضحكت بدلعها المعهود، فعض شفته السفلية بعبث وقال:عليا الحرام، الضحكة دي لوحدها جابتني الأرض!

ثم قبض على يدها، رفعها إلى فمه، وطبع عليها قبلة دافئة، همس بعدها قرب شفتيها: بحبك أوي يا بت…

لكن صوته انقطع فجأة حين ظهر النادل أمامهما بصوته الأجش: أوامر حضرتك يا فندم؟

نظر له سلطان، ثم عاد بعينيه إلى ضي  كأنه يستشير قلبه، وقال: جناب الحلو… تحبي تاكلي إيه؟

رفعت منكبيها وقالت بخفة: ممم… ممكن سلطة نيو جرين.

أومأ النادل، وبدأ في تدوين الطلب… لكن القلم قفز من يده تزامننا مع قفزة ضي المذعورة حين انفجر سلطان: اخخخ سلطة إيه يا ضي؟!

نظرت له بدهشة وردت بتلعثم: في إيه يا سلطان؟! دي سلطة خفيفة… خس وجرجير وأفوكادو ونعناع وشرائح خيار! طعمها حلو، وأنا كلت فراولة كتير!

هز رأسه نافيا، وأشار إلى النادل بنزق: لأ، الكلام ده ما ميكلش معايا!
اسمع يابا … عايز غدا يفرح كده مشويات، ومحشي، وحمام، وريش، وفخدة ضاني… على ذوقك بس بسرعه، الله يكرمك!

أومأ النادل ودون وهو يتلو الشهادة سرا، ثم انصرف.

نظرت له ضي بدهشة وقالت: كل الأكل ده لمين يا سلطان؟!

ارتشف من كوب الماء، وقال ببساطة لا تخلو من الحسم:
لينا يا قلبي…

رفعت حاجبها باستنكار لطيف: ده أكل يكفي عشرة مش اتنين!

مرر يده على ظهرها بنعومة وهمس: لازم تاكلي كويس… ولا عاجبك بتفرهدي من بوسة؟ إحنا عايزين نجهز لبنوته… فروالة زي أمها.

احمر وجهها وغمغمت بخجل: لسه بدري يا سلطان… بعد الجامعة إن شاء الله!

اقترب منها، وتمتم بصوت أجش قرب أذنها: أحسن برضو… أكون أكلت فروالة على مهلي قبل ما يجوا ياخدوكي مني!

لحظات ووضع الطعام على الطاولة، حتى بدأ سلطان في ملء طبق ضي بكميات مهولة من الأكل.

همست وهي تنظر للطبق بصدمة: كفاية كده يا سلطان… أنا كده هفطس!

ضحك بمرح، ثم التقط قطعة لحم شهية من قلب الفخدة، ووضعها في فمها حتى كادت تختنق وهو يضحك، بينما تحاول أن تكتم ضحكتها بصعوبة.وغمغم : كلي يا بت وتقلي قلبك عايزك تدوسي في الاكل عشان تملي حضني يا جناب الحلو!!

هزت رأسها وجحظت عينيها وهي تراه يقترب منها بقطعة لحم أكبر، لكن يده توقفت فجأة، حين دوى صوت مألوف من خلفهما، ينضح بالسخرية : هو الجواز بيحلي كده يا عرسان ؟!
ووووووووو

متنسووووش الفوت والكومنتات يا سكاكر ❤️
بحبكوووووووو اووووي
ساحرة القلم ساره احمد 🖋️

5 3 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Salma Mohamed
Salma Mohamed
10 أيام

❤️❤️🥰❤️🥰