نار وهدنه(الفصل الثامن)

الفصل التامن
لم تكن الغيرة يومًا مرضًا كما يظن البعض، بل كانت دومًا دلالة… لا يُخطئها قلبٌ عرف الحب حق المعرفة.
إنها لا تُصيب إلا من أحبّ بصدق، ومن تملّك العشق عليه كل كيانه.
فالغيرة، وإن بدت للعيون شكًّا، فهي في جوهرها أصدقُ من الشكّ، وأطهر من الظنون.
هي صرخة صامتة، يطلقها القلب حين يشعر بأن شيئًا عزيزًا عليه على وشك أن يُنتَزع منه.
فطوبى لمن كان له قلبٌ يَغار… وطوبى أكثر لمن نال حبيبًا يَغار عليه.
لا تغضب من غيرة من تحب…
فغيرته ليست إلا دفاعًا عن ممتلكات قلبه،
هي رسالة لا تقال بالكلمات:
“أنتَ أغلى ما في حياتي… فلا تقترب.”
ركض… لا، بل انفجر نحوها كقذيفة…انطلق جسده كالسهم،
سبقته قدمها في لحظة خاطفة، وجذبها لصدره ،وطوقها بذراعيه ، والتف جسده حول جسدها كدرع من فولاذ، وعيناه تحدقان في السيارات المسرعة نحوهما، بكل جنونها المدروس.
لكن السيارتين…
لم تدهس، لم تخطف، فقط مرتا بجانبهما ببطء قاتل، كانت على بعد شبر واحد لكنها لم تمسهم فقط مرت… ببطء وكأن أنفاس الموت لامست عنقهما.كأن الموت
مر بهم لكن لم يمسهم تلك المره
وأثناء مروره، خفض أحد السائقين نافذته، ورفع يده بإشارةٍ لم تكن سوى سكين غرست في صدر سلطان..
نظرة ساخرة، ثم إصبع ممدود مشيرًا إليه مباشرة، كأنما يقول له: كن حذرًا… في المرة القادمة لن نتردد.
وفي تلك اللحظة، سال الدم من عيني سلطان غضبًا، لا دمعًا.
انفجر داخله غضب بدائي، بدائي وعارم، غضب الراجل الذي رأى الخطر يحوم حول أنثاه، فاشتعلت فيه نار لا تخمد، وعهد لا ينكث.
زمجر صدره بأنفاس متلاحقة، وكأن الهواء نفسه صار خانقا.
يداه ترتجفان ليس من الخوف، بل من الغليان…
من الوعد بالثأر.
ضم ضي إلى صدره أكثر، وهمس داخله لا لها : اللي عايز يمسك… لسه ما اتولدش…
وقسم داخلي انعقد في روحه، أن من فعل هذا… سيدفن تحت قدميه وانتهي الأمر
ومن فكر فقط في إيذائها… لن تقوم له قائمة بعد اليوم.
نظرت له ضي بدهشة وربتت علي صدره وقالت : ف ايه يا سلطان انا بعرف اعدي الشارع لوحدي ..
نظر لها والنار تشتعل بحدقته بجنون وهدر من بين فكيه : لا ما اهو واضح ادخلي يا ضي الله لا يسيأك !
هزت راسها بالنفي وغمغمت: مانا كنت داخله وانت اللي وقفتني؟!
تحركت الي داخل المدرسه ووقف ينظر لها حتي اختفت ورفع هاتفه وغمغم : خليك جاهز ف اي وقت !!
اغلق الهاتف وعاد الي سيارته وهو يلتفت حوله بخفه وحذر ذئب أوشك علي الانقضاض علي فريسته وتمزيقها بين فكيه بشراسه …
…………………………………………
في قلب الحارة
حيث الأصوات تتشابك مع رائحة الخبز الطازج وضجيج الصباح، خرج علي من بيت العائلة بخطوات مترددة، كأن قدميه تتحسس الطريق نحو قرار لم يعتده قلبه من قبل. ما لبث أن وقف أمام محل الصاغة، ثم دفع الباب بهدوء ودلف إلى الداخل.
قال بصوت خافت: صباح الخير.
رفع عز رأسه من خلف مكتبه ونظر إليه بنصف ابتسامة وقال:صباح الفل، اتفضل يا متر.
جلس علي على الكرسي المقابل، طيف من الحيرة يمر بعينيه، ثم قال بتأن: أنا معنديش مانع يا معلم عز أشتغل مؤقتًا… طالما باب رزق.
تهلل وجه عز كمن جاءه خبر سار، وهتف بحماس: يبقى استبينا يا متر… وبإذن الله تكون وش الخير علينا كلنا.
أومأ علي برأسه شاكرًا، وقال بصوت خافت فيه امتنان دفين: أنا متشكر أوي يا معلم عز.
أغلق عز الحاسوب ونهض من مكانه، وقال وهو يشير بيده: تعالي، أعرفك على الشغل.
نهض علي على الفور، وقد بدأ القلق في الانسحاب من قسمات وجهه… سارا معًا بخطوات ثابتة حتى وصلا إلى محل نوسة، حيث الألوان الزاهية تملأ المكان بعطر أنثوي خاص.
دلف عز إلى الداخل وهتف بصوته الأليف: اتفضل يا متر… المحل محلك.
دلف علي وعيناه تمسحان المكان دون إدراك منه، إلى أن استقرتا على نوسة التي لمعت ملامحها أمام ناظريه كوميض مفاجئ. اقترب منها عز وهتف بلطافة: صباحك ورد يا نوسة.
نهضت نوسة برشاقة، وردت بسعادة لا تخفى: يسعد صباحك يا قلب نوسة.
قطع علي الموقف بتحية خفيفة وقال: صباح الخير يا آنسة نوسة.
نظرت له نوسة بدهشة سريعة، رفعت حاجبها بسخرية خفيفة وردت: يسعد صباحك يا سي الأستاذ.
أشار عز إلي علي وقال بنبرة تحمل تحذيرًا مازحًا:
ده المتر علي… هيشتغل معاكي هنا، ومش عايز قلة أدب ولا لسان طويل.
ضحكت نوسة وأشارت إلى عينيها وهي تقول: من عنيا يا خويا… المتر علي على راسي من فوق…
ربت عز على رأسها بلطف، وقال بحنان أخوي: تسلمي يا قلب أخوكي.
وما إن خرج عز، حتى التفتت نوسة إلى أحد العمال وهتفت: هات شاي يا سلامة للمتر.
جلست خلف مكتبها بأريحية، واقترب منها علي وجلس أمامها، ثم قال بفضول مغطى بحذر: والشغل هنا بنظام حديث؟ على الـApp ولا على النظام القديم؟
هزت رأسها نفيًا وقالت بثقة ولامبالاة: الشغل هنا… على مزاجي يا متر.
رفع حاجبه بدهشة وقال: ومزاجك ده نظامه إيه بقا؟
نظرت له بحنق، وأخرجت الحاسوب من أحد الأدراج، ثم قالت بنبرة شبه لاذعة:الشغل كله هنا راجع، وانت بقا افهم .. شغل عقل المحامي… ولا شهادتك على ما تفرج؟
رفع حاجبه مرة أخرى، وتمتم بسخرية: على ما تفرج؟!
ثم حدق فيها قليلًا وقال بفضول عفوي: هو انتي برج الجوزاء ولا إيه؟
لوت فمها بحنق وهي تقول:اشمعنا يا خفيف؟!
ضحك بخفة، ثم فتح الحاسوب وقال وهو يبدأ العمل:
لا… متخديش في بالك، بس باين عليكي مزاجك متقلب أكتر من الطقس!
………………………………………
أمام المدرسة، كانت الشمس قد بدأت تميل نحو المغيب، وبدأت أصوات الطلبة تتعالى، يخرجون جماعات وفرادى، كل يحمل يومه الدراسي على كتفيه.
وقف سلطان بجوار سيارته، يراقب تدفق التلاميذ بأنظار حادة، ثم ألقى نظرة ضيقة على ساعته، وزفر بضيق كأن أنفاسه تضج بالغليان.
غمغم بغيظ مكبوت: اتأخرت ليه البت دي؟!
لم يطل انتظاره، إذ اغلق باب السيارة بعنف خافت، وتحرك لخطواته كانت واثقة، ثابتة، يسير بها كمن يعرف طريقه جيدًا… طريقًا يقوده إلى الانفجار.
ولج إلى ساحة المدرسة، بين موجات الطلبة المتدفقة، وعيناه تفتشان كأنهما سيفان مسلولان يبحثان عن المعركة.
ثم… توقفت قدماه فجأة. تجمد الدم في عروقه، ثم اشتعل كالجمر في لحظة خاطفة.
كانت ضي تقف هناك، تبتسم ببراءة وصفاء لرجل غريب لا يعرفه، يربت على وجنتها بجرأة، فيما هي تنظر إليه بتلك الابتسامة… تلك التي لم يسبق أن نالها منها قط.
وفي لحظة، اندفع كالمارد الهائج، كأن الشياطين نفسها تطارده. سحب ضي من ذراعها بعنف صادم، وقبض على ذراع ذلك الغريب، ثم دار به دورة مفاجئة حتى انكسر العظم بصوت مرعب، صاح على إثره صراخ سامر بصرخة حادة مزقت الصمت ومزقت معها حباله الصوتية.
صرخت ضي بفزع، وسقطت حقيبتها على الأرض من شدة الارتجاف. تراجعت خطوة وراء أخرى وهي ترتعد،
أما سلطان فقبض على عنق سامر كأنه ينتزع منه الهواء، وهدر بصوت كالسكين: لو شفت طيفك جنبها تاني… المرة الجاية هتكون رقبتك، مش دراعك!!
جحظت عينا سامر في ذهول وألم، ثم صاح بصوت متحشرج: إنت مين يا مجرم؟! ودخلت هنا إزاي؟!
دفعه سلطان بقوة فارتطم بالأرض، ثم هدر بصوته الذي ألهب المكان: أنا سلطان الهواري… اسأل عني، عشان تبعد عني.
ثم التفت إلى ضي، ونظر إليها بنظرة نارية مشتعلة، قبل أن يقبض على ذراعها ويجرها خلفه بقوة،
وهي تصرخ وتقاوم: سيبني يا سلطان!… انت مفيش فايدة فيك! عمرك ما هتبطل الهمجية دي! أوع بقى!
فتح باب السيارة ودفعها للداخل بعنف فيه قسوة المحب المجروح، ثم أغلق الباب خلفها بقوة جعلت السيارة ترتج.
قبضت ضي على ذراعها، تحاول تدليكه عسى أن يعود الدم المحبوس إلى شرايينها من جديد. الدموع تهطل من عينيها كالمطر، ثم صاحت بتمرد وحرقة: Barbaric and backward!
ضرب سلطان باب السيارة بقبضته وصرخ: بتبرطمي؟! بتقولي إيه يا بت؟!
قفزت برعب، وصاحت بهستيريا: مبقولش… مالكش دعوة بيا!
هز رأسه بحنق، ثم دار حول السيارة، وصعد بجوارها، وانطلق كالسهم، كأن السيارة نفسها تتحمل جنونه، تاركًا خلفه سحابة من الغبار… تشهد أن عاصفة غضب مرت من هنا، واسمها سلطان الهواري..
في الطريق، ساد الصمت إلا من شهقات ضي المتقطعة، ونحيبها المختنق، بينما سلطان يقبض على المقود كمن يحاول خنق غضبه بين كفيه.
وما إن وصلا إلى المنزل، حتى فتحت ضي الباب، وركضت إلى الطابق الاول ، وطرقت على باب شقة عايده بجنون، وسلطان خلفها بخطوات مشتعلة.
فتحت عايدة الباب بفزع، وما إن رأت وجه ضي حتى صاحت:ـ في إيه يا نهار إسود! ضي مالك يا بنتي؟!
ارتمت ضي في حضنها، وصاحت بنحيب متقطع : الحقيني يا طنط!
لكن سلطان لم يمهلها كثيرًا، بل جذبها من بين ذراعي والدته كمن ينتزعها من العالم، وهدر بوجه عابس:
تعالي معايا… لينا شقة أربيكي فيها!
حاولت ضي أن تفلت منه، تضربه، تصرخ:أوع! سيبني بقا!
تشبثت بها عايدة وهي تصيح برجاء: في إيه يا سلطان؟! براحة يا ابني مش كده!
أشار لها سلطان بحدة، وصوته ينطق بالحسم: عايدة… مش عايز حد يدخل ما بيني وبين مراتي… هنحل مشاكلنا لوحدنا.
سحب ضي نحو المصعد، ودلف بهما إلى الداخل، بينما تقاوم وتنتحب، ويداها تضربان على صدره دون فائدة.
وقفت عايدة مذهولة، تضرب كف بكف، حين خرجت بطه من شقتها وقد بدا على ملامحها أثر النوم، وهتفت بفزع:
يا فتاح يا عليم! يا رزاق يا كريم!… على الصبح؟! في إيه يا أختي؟!
أشارت لها عايدة إلى الأعلى وقالت:هيكون إيه غير سلطان وضي؟… مش عارفة عملت له إيه، جاي من بره شايط، والعفاريت راكباه!
تنهدت بطه وقالت بصوت منخفض: يا خوفي نكون ظلمنا البت دي بجوازها من سلطان… ونشيل ذنبها يا أختي… دي احنا معانا ولايه يا عايدة؟
هزت عايدة” رأسها، وقالت بحنان: متقوليش كده يا بطه… الشر بره وبعيد. سلطان طيب، بس هي تفهمه وتحبه، وهيبقى زي السمن على العسل.
دلفت حياة في تلك اللحظة، عائده من الخارج، وسمعت آخر جملة من عايدة فضحكت وقالت بخفة ظل:
أو زي النار على بنزين!
ردت بطه بغيظ وغمغمت: تف من بقك يا اللي تنشكي!
ضحكت حياة ثم بصقت تمثيليًا على الأرض وقالت: أهو يا بطوط!
قهقهت عايدة، ثم سألتها برقة:ها يا غلابوية… عملتي إيه في الامتحان؟
رفعت حياة رأسها بابتسامة وأجابت:هندسة… إن شاء الله.
هتفت بطه بدعوة صادقة: ربنا ينجحكم يا حبايبي… ويلا اتغدي عشان تذاكري المادة اللي بعدها.
أومأت حياة برأسها، ودلفت إلى الداخل، تتبعها بطه وعايدة، بينما خلف الأبواب… كانت نار الحب والغضب تشتعل بلا هوادة.
في الطابق العلوي…
انفتح باب الشقة بعنف، ودفعت ضي إلى الداخل كأنها أسيرة تقاد إلى مصيرها، ثم دخل سلطان خلفها وأغلق الباب بقوة جعلت الجدران نفسها ترتعد من شدته….
تراجعت ضي بخوف، ظهرها يكاد يلتصق بالجدار، وعيناها تتسعان كأنها لا تعرف هذا الرجل الذي يقف أمامها.
صرخت بتوتر وارتجاف: إنت أكيد مش طبيعي… إنت محتاج تتعالج!
اقترب منها بخطوات مشتعلة، وصوته يهدر في أرجاء الشقه كالرعد: محتاج أتعالج؟! عشان بغير على مراتي؟! عشان مش قادر أستحمل حد يلمسها وأنا واقف زي الخـ… كده عادي؟!
قبض على ذراعها بعنف جعلها تئن من شدته، وصاح بعينين تقدحان نارًا: لو أنا كده، يبقى طبيعي وعاجبك وعلى كيفك يا بت البدري… صح؟!
دفعها دفعة أفقدتها توازنها، ثم أكمل بصوت يغلي بغضب أعمى: لازم أسيبك تمشي على حل شعرك، وتلبسي المحزق والملزق، وكل عـ**… يقرب ويضحك، وده صاحبي وده زميلي، وده يحسس وده يطبطب، وأنا أسكت؟! عشان أعجب؟!
شهقت ضي، وتجمعت الدموع في عينيها المرتجفتين، وهمسة بصوت ممزق من الخذلان والذهول: إنت شايف إني كده؟… وإني عايزة ده؟!
في تلك اللحظة، كأن السكين التي أطلقها لسانه قد ارتدت إلى صدره.
نظر إليها، ولم ير أمامه إلا طفلة جرحت من أقرب الناس. صوتها المهتز تسلل إلى قلبه كطعنة بطيئة. رأى وجهها الشاحب ، ودموعها العالقة، وتلك النظرة التي تشبه من رأت شبحا. كأن ما قاله قد انقض على روحه هو الآخر.
تنفس بصعوبة، كأن أنفاسه ثقيلة لا تخرج إلا بانتزاع، ثم تراجع بخطوات ثقيلة كأن كل خطوة تنزع من قلبه. لم ينطق بحرف. فقط… فتح الباب، وخرج. أغلقه خلفه بعنف، لكنه بدا في تلك اللحظة أضعف من أن يغلق شيئًا… حتى على نفسه.
تجمدت ضي في مكانها، كأن برد كلماته ضرب أطرافها فشلها. عيناها تحدقان إلى الفراغ، وقلبها يرتجف. كل حرف نطقه كان كالرصاص… أصابها في قلبها، وامتد أثره حتى أطراف روحها.
تراجعت ببطء، ثم سقطت على الأريكة، لا تدري أكان ذلك سقوط جسد، أم سقوط كل يقينها به. حتى دموعها… تجمدت في عينيها، لا تجد طريقًا تنساب فيه.
في الشقة التي خلت إلا من صمت ثقيل… كانت خيبة ضي تبكي وحدها.
…………………………………….
ف احد الكافيهات
حيث يختلط صوت الموسيقى الخافتة بهمهمات الزبائن، دلف عمار بخطوات مسرعة، وعيناه تبحثان في أرجاء المكان بتوتر ظاهر….
وما إن وقعت عيناه عليها، جالسة إلى إحدى الطاولات الجانبية، حتى تسارعت أنفاسه، واتجه نحوها.
اقترب منها وربت على كتفها برفق، وصوته يفيض قلقًا:
آية… في إيه يا حبيبتي؟
فزت كأنها كانت تسبح في دوامة، ثم ما لبثت أن ألقت بنفسها في حضنه، وكأنها وجدت أخيرًا الشاطئ الذي يأويها….
ضمها عمار إلى صدره بقوة، كأنما يحميها من العالم، وهمسة بنشيج مختنق:عمار… وحشتني أوي.
مرر يده على شعرها بحنان، وقبل جبينها بهمسة تحمل كل شوقه: وانتي وحشتيني يا قلبي… كنتي فين؟ وليه تليفونك مقفول اليومين اللي فاتوا؟
تراجعت قليلًا، ومسحت دموعها بظهر كفها المرتجف، وهمسة بصوت مكسور:اقعد… اقعد وانا هاحكيلك.
جلس قبالتها، وقبض على يدها، وكأنما يستمد منها الطمأنينة، وهتف بقلق: قولي يا آية، ف إيه؟ انتي كويسة؟… عمي كويس؟
هزت رأسها نافية، ثم مررت يدها في شعرها المبعثر وأعادته خلف أذنها، قبل أن تهمس بنبرة مخنوقة:
لأ… يا عمار، من آخر مرة شفتك فيها، ولما دخلت … لقيت بابا وماما قاعدين مستنيني، ووشهم كان كله غضب، قعدو يتخانقوا معايا، و… وبيطلبوا مني أقطع علاقتي بيك.
تجمد وجه عمار، وقطب حاجبيه بدهشة مشوبة بمرارة:
عمي؟ عايز كده؟… ده كان فرحان بخطوبتنا… و…
سكت، ثم كأن الحقيقة لدغته في قلبه، تمتم بصوت خافت خال من الحياة:ولا… عشان كل حاجة راحت… مبقتش قد المقام؟
أومأت برأسها، ودموعها تسابق كلماتها:حبسوني… ف أوضتي، ماكنوش بيسيبوني أخرج… غير امبارح بس، لما أوهمتهم إني اقتنعت بكلامهم.
ثم أمسكت بيده بكل ما بقي من رجاء بداخلها، وهتفت بانكسار:عمار… عشان خاطري، ما تسيبنيش أرجع ليهم تاني. يلا نتجوز… أنا مقدرش أعيش من غيرك.
نظر إليها، وكل الحب الذي في قلبه يظهر في عينيه، ثم مسح دموعها بأنامله، وهمس بصوت يتهدج: وأنا بحبك… أوي… ومقدرش أعيش من غيرك. بس دلوقتي… صعب يا حبيبتي. أنا أصلاً قاعد عند سلطان..
وإبراهيم وعلي معايا في شقة واحدة، ومفيش شقة أقدر أجيبها دلوقتي، وكمان… الهم اللي شايله فوق راسي. وانتي… انتي مش هتقدري تتحملي العيشة دي..
هزت رأسها بهستيرية، وصاحت بحرقة:هتحمل… والله هتحمل. دي ضي العيلة اتحملت، أنا مش هتحمل؟!
أغمض عينيه بيأس، وكأن الهم أثقل جفونه، ثم قال بصوت خافت:ضي… غصب عنها، أمر واقع، واتفرض عليها. لكن انتي… دي حياتك، وده اختيارك. وأنا مش عايزك تيجي يوم وتندمي.
اقتربت منه أكثر، ووضعت يدها على وجنته، وبنشيج خافت تمتمت: عمري ما هندم… أنا هندم لو بعدت عنك. صدقني، يا عمار… أنا هموت من غيرك.
ربت على وجنتها برقة، ومسح دموعها بنعومة رجل لا يعرف إلا الحنان معها، ثم قال: خلاص… اهدي، وعايزك تتحملي. إديني فرصة أرجع حقي، وحق إخواتي، وأقف على رجلي…
وإذا كان على عمي، خليه يفتكر إنك بعدتي عني… لحد ما الدنيا تظبط. ووعد… وعد يا قلبي، عمري ما هتخلى عنك.
أومأت برأسها، ودموعها لا تزال تنحدر بصمت، ثم همسة:
بس ما تبعدش أوي… لازم أشوفك.
ابتسم بهدوء، وقال: هشوفك… أنا بمعرفتي.
ردت بصوت خافت: المهم… أشوفك.
…………………………………………..
مساءا في شقه سلطان الهواري
كان المساء قد أرخى سدوله حين دلف سلطان إلى شقته بخطوات متراخية، والملل يرسم تجاعيده على ملامحه. أدار عينيه في أرجاء المكان بحث عن أثر،
وقد توقع أن يجد الشقة خاوية من حضورها، أن تكون قد عادت إلى إخوتها بعد ما دار بينهما… لكنه توقف فجأة، وقد تحول الملل إلى ذهول، والضيق إلى دهشة.
كانت ضي جالسة على الأريكة، منكبة على كتبها، تقلب الصفحات بتركيز واجتهاد يشبه التحدي الصامت. ملامحها توحي بعزيمة لا تشترى، وكأنها تنتقم من شيء ما بدروسها.
اقترب منها ببطء، وجلس إلى جوارها، ثم مد يده ومسح على ظهرها بخفة هامسة : ضي…
لكنها انتفضت كمن لسعت، ودفعته بعنف غاضب، وصاحت محتدة:ابعد إيدك دي… أوعى تلمسني!
اتسعت عيناه في صدمة، وتجمدت كلماته عند حافة حلقه، قبل أن يهمس بصوت ممزق بين الندم والارتباك:
ضي… انتي عارفة إني مكنش قصدي… وأنا ببقى أعمى وقت الغضب…
ومع ذلك، مد يده وقبض على ذراعها، ثم جذبها نحوه بعنف لا يخلو من رجاء، وقال بنبرة حادة تتكسر فيها الغيرة والضعف: بقولك إيه يا بت البدري… لازم تفهمي إنك ليا… ملكي، بتاعتي… بتاعت سلطان الهواري. يعني مش هسمح لجنس ذكر حتى يلمح طرفك، مش يلمسك ويحط إيده عليكي… فاهمة؟
انتزعت ذراعها من قبضته بقسوة، ونظرت إليه بعينين تشتعلان غيظًا، قبل أن تعود إلى مكانها، تبعد جسدها إلى الطرف الآخر من الأريكة، وتسحب كتابها كأنها تحتمي به منه. قلبت الصفحة بعنف، دون أن تنطق بحرف.
جلس سلطان للحظات يحدق فيها، وصدره يعلو ويهبط بصمت يحرق صدره، ثم تمتم بصوت أقرب إلى اللوم لنفسه: انتي اللي غلطتي من الأول…
لكنها لم ترفع عينيها نحوه. ظلت كما هي، صامتة، عازفة عن أي رد.
تنهد بغيظ، ونهض بخطوات مثقلة، كأنما يحمل العالم على كتفيه. دلف إلى غرفة النوم، نزع قميصه بعنف، ثم ألقى بجسده على الفراش كمن يلقي بنفسه في لب الجحيم.
مر الوقت ثقيلاً، كأنه يسير على الجمر. كل دقيقة تمر، تفتت أعصابه ببطء قاتل. وبعد منتصف الليل، نهض من فراشه وهو يغلي، وخرج إلى الصالة.
رآها هناك، غافية فوق كتبها، رأسها يميل على صفحة مفتوحة، وملامحها مرهقة كأنها خاضت معركة… لكنها رغم كل شيء، ما زالت تشبه السلام حين يغفو
اقترب منها، وحملها بين ذراعيه برفق، وكأنها آخر ما تبقى له من الصبر، وهمس بصوت يكاد يبكي الحنين:
تعالي… يا آخرة صبري.
ضمها إلى صدره، وسندها على جانب قلبه، وسار بها إلى غرفة النوم كأنما يحمل أمنية.
وضعها على الفراش بكل رقة، لكنه لم يكمل طقوس الهدوء، إذ فتحت عينيها فجأة، وتجمدت لبرهة، ثم هبت كأنها فرت من كابوس. دفعته بقوة، وسحبت وسادة وشرشف السرير، وخرجت بهما إلى الصالة دون أن تنطق.
وقف سلطان للحظة مذهولًا، قبل أن يرفع حاجبه بغضب مكبوت، ويفجر مرارته بتهكم قاس: تصدقي؟… أنا اللي غلطان… عشان صعبتي عليا… وكنت عايزك تنامي مرتاحة… نسوان! وش فقر.
ثم عاد إلى سريره الذي ما عاد يشبه فراشا، بل فوهة بركان لا ينفك يشتعل في قلبه، ينتظر لحظة الانفجار.
………………………….
في مكان مرتفع يلفه الظلام كأنما ابتلعته الأرض،
وقف خلف يطالع المدينة من بعيد ، والأضواء المتناثرة في الأفق تتلألأ كالنجوم المكسورة…
بدا جسده هناك، لكن عقله كان يسبح في عوالم أبعد من تلك النجوم بكثير… عوالم يختلط فيها الماضي بالحساب، والغدر بالانتقام.
توقفت سيارة سوداء بجانبه، ترجل منها حنفي الرشاش يده ملفوفة بشاش طبي، وعيناه تشعان بغضبٍ دفين. اقترب بخطى مترددة ممزوجة بالانكسار، لكنه حاول أن يخفيها بهالة من الترحيب المصطنع: يا مرحب يا خلف باشا… أنا والله ما مصدق عنيا.
التفت إليه خلف ببطء، وغمغم بابتسامة لا دفء فيها، فقط نفس خبيث يترقرق في نبرته: أهلا يا رشاش…
نظر إلى يده المصابة، وأشار نحوها بسخرية لاذعة:
سلامتك يا رشاش… سلطان الهواري طلع جاحد، وأنت اللي رماك الهوا ونزلت الجمالية.
زفر حنفي بحنق، وغمغم كأنما يتجرع السم: قالوا إنه مسافر… بس كان هناك. ابن الكلب ده خسرني رجالة مربيهم على إيدي سنين! وحرم عليا الجمالية كلها… وانت عارف المنطقة دي يعني إيه… كبيرة وخسارتها أكبر من اللي يتقال.
أومأ خلف ببرود كأن الأمر لا يعنيه، وقال وهو ينظر بعيدًا:وانت عايز مني إيه؟ أجبلك رجالة بدل اللي علم عليهم سلطان؟
هز حنفي رأسه نفيًا، وابتسم بخبث متواطئ:الشوكة اللي وقفت في زوري… هي نفس الشوكة اللي واقفة في زورك… يعني مصلحتي مصلحتك يا باشا.
ضحك خلف ضحكة خافتة كأنها تخرج من بئر ممتلئ بالشر، ثم قال بتهكم ثقيل: أنا قادر على الشوكة دي… أطلعها من زوري وأرميها في أقرب مزبلة… انت اللي عويل.
نفث حنفي دخان سيجارته، وحدق فيه بنظرة تحد مغموسة بالتحريض:أنا عارف… بس انت كمان لا عرفت مكان الورق اللي روحك فيه… ولا قدرت تاخد بت البدري اللي عينك كانت بتاكلها أكل كل ما تشوفها…
في لحظة، تغيرت ملامح خلف..
قبض على ياقة سترته بقوة، واندفعت الكلمات من فمه كحمم الغضب:الورق ده… ما تجيبش سيرته تاني! بدل ما تختفي من الوجود من غير ما نلاقيلك عضم! اللي أرواحهم معلقة في الورق ده… لو حتى في احلامك، مش هتتخيل ممكن يكونوا مين ووصلين فين … خلي لسانك جوا بوك، أحسن ليك… وليا!
صمت لحظة، ثم أردف بصوت خافت كالسم: وبت البدري… هاخدها، وهركعها تحت جزمتي، هي واخواتها… بس بعد ما أشرب من دم سلطان الهواري… لآخر نقطة في جتته.
رفع حنفي يديه كمن يعلن الولاء، وهتف: حقك علي يا باشا… وعداك العيب! خدني في ضهرك… واعتبرني عكاز تتسند عليه… وعمري ما هميل. أنا هبقى سندال في ضهرك.
أومأ خلف برأسه ببطء، عيناه لا تزالان مشتعلتين بشيء أكبر من الغضب، شيء يشبه الهاوية، وقال ببرود قاتل: لما نشوف… خليك جاهز.
ثم استدار، وصعد إلى سيارته، وانطلقت به كطلقة حارقة تمزق سكون الليل.
أما حنفي، فظل واقفًا للحظة، يراقب الأضواء تبتعد، ثم مسح على فمه وهمس لنفسه: أخلص بس من سلطان الهواري… وانت… ديتك رصاصة بجنيه يا باشا.
……………………………………
عوده شقة سلطان الهواري
مر الليل ثقيلا كالرصاص، وسلطان يتقلب في فراشه كمن يلهث داخل زنزانة بلا جدران. الزفرات تتصاعد من صدره، والنوم يجافيه كأنه لعنة. غابت عن عيناه، لكنها تجسدت في رأسه ألف مرة… تنام على الأريكة، غاضبة، جريحة، بعيدة كأنها ليست في الشقة ذاتها.
وحين تسلل الصباح أخيرًا من بين ستائر الليل، استسلم سلطان لنوم مفاجئ، كأن جسده قرر الهروب وحده، بعدما عجز العقل والقلب عن النجاة.
في الخارج، استيقظت ضي على ألم مزدوج. ألم الجسد من وضعية النوم غير المريحة على الأريكة، وألم أعمق… يئن في صدرها ولا يهدأ.
نهضت كأنها تحمل الجبال على كتفيها، أنهت روتينها الصباحي في صمت، وخرجت إلى شقة إخوتها. طرقت الباب برقة، ففتحه علي، وهو يبتسم قائلاً بود: ضي… صباح الخير يا قلبي.
أومأت برأسها، وهمسة بصوت خافت: صباح الخير يا علي… ممكن توصلني المدرسة؟
أومأ سريعًا، ثم أمسك يدها وسحبها إلى الداخل بحنو أخوي واضح: طبعًا، يا ضي عين أبوكي… تعالي بس على ما ألبس. انتي فطرتي ؟
هزت رأسها نفيا، وهمسة:مليش نفس.
أطرق علي بعناد لطيف، وقال وهو يتجه نحو المطبخ:
لا، مفيش الكلام ده… لازم تفطري.
وبدأ يعد وجبة بسيطة، ووضع الطبق أمامها بحنو:افطري على ما ألبس.
لكنها كانت تشعر بشيء غريب. ألم شديد يمزق معدتها من الداخل، وغثيان يشتد كلما نظرت إلى الطعام. نهضت بهدوء، حملت الطبق، ووضعته في البراد دون أن تنبس بكلمة. وما إن خرجت من المطبخ، حتى وجدته يخرج من الغرفة في الوقت ذاته.
قال وهو يلتقط مفاتيحه: يلا يا قلبي.
أومأت بصمت، وخرجا معًا. أوصلها إلى المدرسة، ثم انطلق إلى عمله.
عوده الي شقة سلطان الهواري
استيقظ فجأة كمن أفزعه حلم. مد يده بجواره، فلم يجدها. رمش بعينيه ببطء، وتذكر… لقد تركته. خرجت من فراشه، من صمته، من جنونه.
اعتدل وجلس علي طرف الفراش واشعل سيجاره وهتف بصوت متحشرج: ضي؟ ضي!!
تردد صوته في الشقة، فلم يجيبه سوى الصمت.
سحب قميصه وهرع إلى الخارج، وفتح الباب بجنون، نزل درجات السلم ركضا، ثم قفز إلى سيارته كمن يهرب من حريق. عينيه تهدران بنيران الندم، وقلبه يركض أسرع من السيارة نفسها.
أوقف سيارته أمام بوابة المدرسة، جلس ينتظر… عيناه لا تفارقان
الباب، ويداه تتشابكان كأنهما يحاولان حبس انهيار وشيك.
وأخيرًا… خرجت.
رآها. فتنهد، كأن قلبه تذكر كيف ينبض.
ترجل من السيارة بخطى سريعة، واقترب منها وهتف بانفعال ممزوج بالقلق والغضب: انتي أكيد دماغك طقت! تخرجي كده من غير ما تقولي لوحدك؟!
توقفت فجأة، نظرت له بدهشة وغضب، ثم تحركت بسرعة لتتجاوزه، لكن يده امتدت تقبض على ذراعها بقوة، وجذبها إليه وصاح : أنا بكلمك… تكلميني زي الناس! هو أنا طرطور قدامك؟!
تململت بألم، ولكزته بقوة، وحاولت سحب ذراعها وهي تهتف:أوعى! انت عايز مني إيه؟! ملكش دعوة بيا!
لكنه لم يستجب، سحبها بخطى ثابتة نحو السيارة، فتح الباب، ودفعها إلى الداخل برفق متوتر، ثم أغلق الباب، واستدار وصعد بجانبها، وانطلقت السيارة كالسهم.
صرخت وهي تلكزه في ذراعه: نزلني يا رخم! بطل الهمجية دي! نزلني بقولك!
لكنه كان كالصخر. ملامحه تعصف بها رياح الجنون. عينيه ثابتتان أمامه، لكن قلبه… يعوي في صدره.
انطلق بالسياره دون مبالاه وعينيه تعصف بالجنون
مر الوقت كانت السيارة تنساب وسط طرق جانبية متعرجة، لا يمر بها سائق عابر، ولا تضيئها مصابيح عامة، فقط ظلال أشجار يحركها الهواء الطلق، وصوت محرك سلطان يكاد يكون الشيء الوحيد الذي يشهد على وجودهما.
كانت ضي جالسة جواره، مربعه ذراعيها حول صدرها بحنق وقد انهكها الغضب كانت عيناها مثبتتان في اللا شيء خلف الزجاج، لكن قلبها… كان صاخبًا…
ما زالت الكلمة التي قالها تدوي في أذنيها، ثقيلة، جارحة، تجردها من كل ما شعرت به معه.
ومع كل نبضة تسللت إلي قلبها، كانت تسأل نفسها:
هل هذا هو سلطان الذي احتوائها ف الايام القليله الماضيه ؟ أم أن الغيرة فضحت قلب لا يثق به ؟
فجأة، توقفت السيارة أمام مبنى ضخم معدني، بلا لافتة ولا ملامح، تآكل طلاء بوابته الحديدية من الصدأ، لكن سلطان خرج كأنه يعرف كل شبر في المكان عن ظهر قلب.
فتح الباب لها ولم ينظر إليها، واكتفى بجملة مقتضبة:
تعالي.
ترجلت بتردد وسارت خلفه وهي تنظر حولها بدهشه بخطواتها خفيفة، مترددة، كأنها تمشي في عالم لا تعرفه، في جزء من سلطان لم تلمسه من قبل.
فتح بابا جانبيا صغيرا، فانكشف أمامها عالم آخر تمامًا.
كانت الورشة علي مساحة واسعة تعج بالحركة المنظمة. رجال بملابس داكنة، يتحركون بتركيز، يتفقدون سيارات فارهة وسريعة، يتحدثون بأصوات خافتة، وأضواء بيضاء معلقة تتأرجح فوق الرؤوس، تلقي بظلال طويلة على الأرض الخرسانية..
رائحة البنزين والزيت المحروق والحديد الساخن ملأت المكان، لكنها لم تكن منفرة… كانت تعبق برجولة واضحة، كأنها العلامة المسجلة لهذا المكان.
اقترب سلطان ومسك يدها وقال بصوت خافت، لكنه محمل بالمعنى: هنا… ده مكاني يا ضي محدش غيري بيخش، ولا حد يعرف أنا بعمل إيه هنا. بس إنتي… دخلتي… عشان انتي غير الدنيا كلها عندي
نظرت له ضي بدهشة لم تخفها. شيء ما فيها انكسر، نعم، لكن عيناها لم تتوقفا عن سبر هذا الوجه المزدحم بالتناقضات: القسوة والحنية، الغضب والخوف، الرجولة والضعف.
وقبل أن تتكلم، قادها إلى باب خلفي ضخم، وفتح لها الممر المؤدي إلى مضمار مغلق.
مكان واسع، رملي، مفتوح على السماء، تصطف على أطرافه خمس سيارات داكنة اللون، كل واحدة منهم كأنها وحش معدني ينتظر الإفلات.
نظر إليها سلطان وقال بهدوء: اللي هتشوفيه دلوقتي… هو أنا سلطان الهواري اللي محدش يعرفه ..
خلع سترته الجلدية، ومدها لها، ثم مشى نحو إحدى السيارات وأمر رجاله بحركة واحدة أن يبدأوا.
اشتعلت المحركات.هدير. أضواء.
صوت العجلات يخدش الأرض كأنه غضب صامت.
ثم انطلقت السيارات دفعة واحدة.
كان سلطان في المقدمة، يقود وكأن العدم خلفه، وكأن السباق ليس مجرد تسلية… بل إعلان وجود، إعلان تحد إثبات أنه هنا… رجل لا يسقط، وإن سقط، عاد أكثر ضراوة.
وقفت ضي تشاهده، لأول مرة… تشاهده من الخارج، ترى فيه ما لم تكن تراه وهي قريبة جدا
قلب مقاتل. عقل متمرد. يد تمسك بالمقود وكأنها ترفض الانكسار.
شقت ابتسامه وجهها وهي تشاهد السباق الذي كان حلم من أحلامها أن تشاهده ..
وحين انتهى السباق، وعاد سلطان، وجهه مغبر، يداه متسختان بالزيت والغبار، لكنه حين وقف أمامها، كان وسيما كما لم يكن من قبل.
اقترب منها… رفع يده، وأزاح شعرة كانت معلقة على جبينها وقال بصوت خافت، أعمق من أي اعتذار:أنا آسف… الكلام اللي قلته، جرحتك؟
نظرت له بدموع متحجره والتزمت الصمت
اقترب أكثر، وأردف: بس قتلني انا أكتر… انتي مش أي واحدة… إنتي مراتي، وكل ما أقربلك… بخاف عليك أكتر. غيرتي… مش ضعف، غيرتي خوف يا ضي انتي بقيتي اغلي حاجه عندي !!
وقفت ضي أمامه، والدموع تغلف عينيها، لكن قلبها بدأ يلين.
ثم أمسك كفها، ورفعها إلى شفتيه، وقبلها بتنهيدة مكسورة وقال: أنا غلطت… بس عليا النعمه مفيش حد بيخاف عليكي ادي.. وساعات لما الواحد بيخاف زيادة… بيخرب كل حاجة وهو بيحاول يحافظ عليها…
حاولت سحب يدها واعطته ظهرها وغمغمت بدموع: تحافظ عليا!! وتتهمني ف أخلاقي ؟!
دارت له ودموعها تنهمر وهتفت : ولا عشان سبتك تقرب مني يبقي هسمح لاي حد ؟!
سحبها من خصرها وغمغم بصوت أجش: يابت أنا اقرب براحتي.. أنا جوزك!! هو اي واحده تسيب جوزها يقرب منها هيفكر فيها كده.. انتي هبله ؟!
لكزته بقوه ف صدره وهتفت: هبله !! كفايه بقا انت ايه مفيش فايده فيك.. اوع !
حاولت دفعه لكنه تمسك بها بقوه ورفعها بين أحضانه وهتف: ماهي الدماغ دي!! والعند ده اللي بيجبلك الكلام
تحرك بها وهي تركل بساقيها وهتفت : نزلني وبطل الهمجيه دي .. أنا عايزه اروح اذاكر !!
ابتسم بجانب فمه بعبث وقال: احنا هنذاكر سوا هلخصلك المنهج كله.. اصبري علي رزقك !!
سار بها إلى ممر ضيق خلف الورشة
كان الليل قد أرخى ستائره، والهدوء يكسو المكان، سوى من حفيف الأشجار العالية، ومواء قطة عابرة، كأن الطبيعة كلها تنحني لصالح لحظة واحدة… لحظة الصفح.
وصلوا أمام بيت صغير مبني بالحجر الريفي، خشبي السقف، محاط بسور منخفض من الزرع البري، ينبعث من نوافذ نور خافت بلون العنبر، دافئ، حي، كأنه يحتضنهم قبل أن يفتحوا الباب.
فتح سلطان الباب ودلف بها وهتف : هنا بنسى الدنيا كلها…
نظرت حولها وقد توقعت أن يكون البيت قاسيا مثل الورشة، أو مظلما مثل غضبه… لكن الدفء باغتها.
غرفة معيشة بسيطة، وسائد من الكتان على أريكة من الجلد البني، مدفأة قديمة يتراقص فيها اللهب، ورائحة خشب الصندل تملأ الجو…
صور عتيقة لسيارات قديمة معلقة على الحائط، بجوار أخرى لعائلته… ثم صورة له، طفلًا، يجلس فوق كتف والده.
تحرك الي الاريكه وضعها برفق وجلس بجانبها ومسح دموعها برفق وقال: هنا كل حاجة ف حياتي بتروح وترجع تاني… بس انتي الحاجه الوحيده اللي مستحيل اتحمل تروح مني !!
قالها وهو يحاول نزع سترته منها وسحب بلطف،
نظرت له ضي وعيناها تلمعان بالدموع، لكنها لا تفرط فيها بعد.
كأن بداخلها ميزان لا يزال يحسب: الكلمة… والاعتذار. الجرح… والحضن.
وقالت : بامارة ايه انت لما بتتعصب وتغضب مش بتشوف قدامك.. وكلامك عامل زي الرصاص !!
اقترب منها ونظر الي عينيها ومد يده لها بصمت
ترددت قليلا … ونظرت الي يده المفتوحة، الساكنة، فوضعت كفها ببطء فوق كفه، فشدها إليه، ورفعها فوق ساقيه
أجلسها برفق وحاوط خصرها ليشعر بأنفاسها الناعمه وتشعر هي بانفاسه الساخنه تلفح وجهها ..
مسح علي شعرها وقال بهدوء :عمري ما اقدر اشوفك غير ست البنات … بس غيرتي خلتني أعمى. لما شوفت العـ** ده بيلمس خدك حسيت النار بتاكلني، حسيت إني ضعيف…وانا عمري ما كنت ضعيف .. وإني ممكن أخسرك في لحظة…
نظرت له، دون أن تقاطعه، فتابع: أنا معرفتش أفرق بين خوفي عليكي… وبين غيرتي اللي غصب عني واللي قلته… أنا ندمان عليه لدرجة إني لو فضلت أعتذر سنين، مش هيكفيني… والاحساس ده عمري ما حسيت بيه مع اي حد ..
امتدت يده بخفة، ورفع يدها لشفتيه …
وطبع قبلة طويلة على ظاهر يدها، كأنها قسم وقال : أنا آسف يا ضي… سامحيني.
ارتعشت شفتاها، كأن دموعها على وشك الانفجار، لكنها تمسكت بالحرف، بالحضور، بالكف بين الكف
وهمسة أخيرًا، بصوت مكسور لكنه واضح: أنا مش زعلانة عشان غيرتك أنا زعلانه عشان الغيره بتحولك لشخص مرعب … وكمان أنا زعلانة إنك شفتني بالشكل ده. إنك فكرت حتى ولو لحظة… إني ممكن أكون أي حاجة غير ضي البدري
انكسر قلبه أكثر، فاقترب منها، وضمها إليه ببطء، كأنها شيء مكسور يخاف أن يزيد شرخه….وضربات قلبه سريعة، متوترة، لكنها دافئة…وهمس في شعرها:
أنا غلطت… بس أنتي كمان غلطانه يقرب منك ويلمسك ليه ؟! بصي من وقت ما اتكتبتي علي اسمي وأنا مش بشوف غيرك… ولا بصدق غيرك… ولا بحس بأمان غير ف حضنك… وعايزك انتي كده برضو !!
شدت على قميصه بيديها المرتجفتين، وهمسة:سلطان بطل تخوفني عشان خاطري ؟!
ضمها إليه أكثر، كأنها كل ما تبقى له في هذا العالم.
ثم رفع وجهها، ومسح دموعها بأنامله، وهمس:لازم تفهمي انك دلوقتي مراتي يعني اقرب من روحي ليا وانا مش بكون عايز اخوفك يا ضي أنا بس بتهب مني من غير ما اقصد !!
ربعت ذراعيها حول صدرها بحنق وغمغمت: امال لو قاصد يا سلطان؟! كنت هتعمل ايه؟ ولا هتقول ايه ؟؟
عض شفته بعبث وقال: أنا عايز اقول واعمل حاجات كتير اوي بس خايف عليكي …
نظرت له بدهشة وردت: أنا مش فاهمه حاجه ؟!
سحبها إليه ودار بها وهبط فوقها والتهم شفتيها بجوع ولهفه ..
لكزته بقوه وهزت راسها ونزعت شفتيها من بين شفتيه وهتفت : لالا !!
قبض على شعرها والتهم شفتيها بعنف ساحق.. مرر يده علي خصرها وقرصها جعلها تفتح فمها وشهقت بالم… استغل الفرصة وولج لسانه بعنف داخل فمها وارتشف من عسل فمها بذهول وهمس : ريقك عسل يابت !
فتحت عينيها بأنفاس لاهثة وهمسة بصوت خافت: سـ سلط
قطع جملتها وابتلع شفتيها داخل فمه ويده تعبث بملابسها شهقت برعب وحاولت التملص منه والتمسك بيده وتمتمت بصوت مكتوم : امممم
ابتسم بعبث وجذب شفتها بين أسنانه وغمغم : فراوله بالقشطه يا بت ..
عضت شفتها بخجل وهمسة: بتحب الفراوله ؟!
مسح علي شفتيها بشفتيه وهمس بعبث : بحب شفايفك !!
انزلق الي عنقها وامتصه بشغف وهمس: ورقبتك دي كل ما عيني تقع عليها بحس جويا ديب عايز ينهشها بسنانه!!
شهقت وحاولت التملص منه وهمسة بتلعثم : اااه براحه يا متوحش !!
ابتسم بعبث وفتح ازار قميصها ونظر الي بروز نهديها وصفر بإعجاب وغمغم : بس اللبن علي فرواله دول عايزين يتعضوا ويـ
وضعت يده على فمه وشهقت بفزع وغمغمت بدموع: بس ايه اللي بتقول ده يا سافل!!
ضحك بصخب وهتف: هي دي السفاله عندك ؟!
انزلقت يده تحت ملابسها وضغط علي أنوثتها وهمس : طب وكده !!
جحظت عيناها بذهول ونقطعت أنفاسها ..وتجمد جسدها..
نظر لها بدهشة وقال: ضي !!
تجمدت بصدمه ولم يصدر منها أي رد فعل أخرج يده وقطب حاجبه بدهشه وغمغم: ضي مالك ؟؟
اعتدل وسحبها اجلسها وهزها برفق وقال: يابت انتي اتسمرتي كده ليه؟! مالك ضي!!
اخيرا رمشت بعينيها ونظرت له وارتجف جسدها وصرخت برعب .. انحني عليها وكتم صرختها بشفتيه وقبلها بعنف…
ودنا منها وهبط فوقها وهو يمتص شفتيها …
لكزته بقوه وحاولت التملص منه.. لكن لحظات بسيطه كانت كافيه لإخماد المقاومه لديها واستسلمت دون اراده منها …
نزع قميصها وسحبها اليه وهمس: متخفيش!!
شهقت وحاولت ستر جسدها وهمسة بصوت مرتعد : لا يا سلطان!!
هز رأسه وتمتم وعيناه تطوف علي جسدها بلهفه وهو يشعر بنيران تبتلع جسده المتصلب بعنف وغمغم بصوت متحشرج: متخفيش انتي ف حضن جوزك!!
ارتفع صدرها وتنفست بصعوبه وهمسة بتوتر: معدتي بتوجعني اوي ..
اوما برأسه واقترب منها ووضع يده على معدتها وقال : خايفه مني ؟!
اومات برأسها وبلعت لعابها بصعوبه …
ابتسم لها واردف: ضي انتي جبانه!!
هزت راسها بالنفي وغمغمت بدموع: لا مش جبانه.. انت مرعب!
ضحك بصخب وهبط فوق عنقها وامتصه بشغف وهمس: انتي الي جمالك مرعب !!
رمشت بعيناها وهي تشعر أنها تنهار من الخوف وهمسة برجاء : عشان خاطري بلاش دلوقتي !!
حدق الي خوفها وتوترها وقال : متخفيش أنا بس عايز اكسر الحاجز الي بنا شويا شويا مش هضايقك ..سبيلي نفسك وانا هدلعك هعيشك احساس عمرك ما كنتي تتخيله !!
ربعت ذراعيها حول صدرها وكأنها تحتمي به وهمسة : اصلا !!
اقترب منها فتراجعت ع الفور دنا منها وهمس : هنلعب كتير كده !!
وضعت يدها تحاول منعه فقبض ع يدها وقبلها وتمتم: مش هاكلك يا ضي !!
قرب يدها من فمه ولعق أصابعها وامتصهم بجنون
شهقت وسحبت يدها وحاولت دفعه …
ابتسم بجانب فمه بعبث وهمس: مش عايزه ابوس وامص ايدك دانا نفسي امصك كلك!!
هزت راسها بالنفي بصمت وكأنه فقدت القدره على الكلام مد يده ورفع وجهها واردف: خلاص امص شفايفك الحلوه دي !!
جحظت عينيها وهزت راسها بالنفي حدق بعمق عينيها وهمس : هي عنيكي دي ليها اخر؟!
رمشت بعيناها وهمسة : مش فاهمه !!
مرر يده علي فخذها بعبث وقال: اصلي بحس انهم ملهمش اخر !!
حاولت التملص ودفع يده ولكنه ثبتها ودنا منها وطل عليها ..كان صدرها يعلو ويهبط برعب حقيقي اقترب منها وقبل جبينها بقبله عميقه…
أغمضت عيناها وعلت أنفاسها حدق بها بذهول وهمس : متخفيش لم تتعبي هوقف!!
عضت شفتها وهي تحاول ضم أقدامها بصعوبه…
مسح ع شعرها واقترب منها.. وقبل وجنتها برفق ومرر شفتيه ع كامل وجهها حتي وصل إلي شفتيها والتهم شفتيها بجوع واشتياق كان يجهل مقداره لم يدركه اللي عندنا لامس شفتيها..
لكزته بخفه ع صدره وشعرت بصاعقه إصابة جسدها قبض ع يده وسحبها إليه ورفع ذراعها حول عنقه وهمس : احضنيني بابت متخفيش!!
مررت يدها ع منكبيه بخفه وارتجاف لا تستطيع السيطره عليه ابتسم ونظر لها وهمس : رعشت جسمك لوحده حوار.. مش عايز اقولك اهدي عشان رعشتك دي بتجنن بصراحه ..ولا شهقتك بين شفايفي شبه القنبله !!
اغمضت عينيها ودارت برأسها للجهة الآخر..
هبط ع عنقها وامتصه بشوق يفتك بها..
شهقت بخجل وحاولت النهوض فوضع يده ع بطنها وضغط وثبتها وهو يفقد القدرة على الصبر…
هبط بجسده فوقها وهو يمتص عنقها بعنف ويده تعبث بملابسها يحاول نزعها ..وهي تحاول التملص والقبض على يده التي شتت أعصابها …
نزعه اخر قطعه ف ملابسها والق به وهي تحاول تمسك بيده قبض ع يده وهمس : اهدي !!
قبلها بعمق متملك قبله سحبت كل طاقتها ف التحمل انزلق الي عنقها وامتصه ..وقبض علي نهدها وابتلع شهقتها ..وهو يبتسم بعبث …
لحظات ولم تعد تستطيع السيطره على أعصابها ولا ردود افعل جسدها.. كل ما تشعر به ارتجاف جسدها وهو يعبث بها …
انزلقت يده الي أنوثتها فصرخت برعب كتم صرختها بشفتيه ..وقبلها بلهفه وهو يداعبها وهي تنحب وتشهق بصوت مكتوم..
كانت يداه تتحدث لغة لا تعرفها، تخترق أسوار الحياء والخوف في آن واحد.
استمر بمداعبتها حتي شعر بتصلب جسدها بين أحضانه اسرع من حركت يده وهمسه: أول رعشه بايدي يا ضي !!
هزت راسها وهمسة: سـ سلـ طان
همس أمام شفتيها: اوقف
هزت راسها بالنفي واغمضت عينيها بخجل شديد ضغط علي أنوثتها ولحس بين نهديها برقه تململت وهمسة : اااه براحه ..
ابتلع شفتيها بداخل فمه بجموح مرعب وهو يحتك بها بعنف ويلتهم كل ما تطوله شفتاه شعرت برجولته المتصلبه بقوه وشهقت برعب ..وهي تنهار بين أحضانه..
حاول السيطره على أعصابه وهمس : اهدي خلاص!!
سحبت الغطاء وهي تنحب ورفعته ع راسها وهمسة :كفاية مش قادره
تنفس بصوت مسموع وقال : ماشي بس اهدي !!
عض شفته بغيظ حارق ونهض ودلف الي المرحاض وهو يشعر بنار تسري بجسده تفتك به فتح الماء البارد ووقف وهو يحاول السيطره على نفسه ولا يخرج يفتك بها ف الحال …
………………………………….
ف الحاره
حيث يعرف الناس بعضهم بالاسم والنفس، خرج راجح من أحد المحلات وهو يعبث بهاتفه بكسل. تحرك بخطواته الواثقة المعتادة، حتى وصل إلى بيت خليفة الهواري…
وقف أمام المنزل ورفع رأسه، فإذا بـ تقى تقف في الشرفة، تسقي الزرع وتبدو غارقة في تفاصيلها البسيطه ترتدي منامة قطنية مكونة من بنطال منزلي وتيشرت بنصف كم…
قطب جبينه بضيق، وصفر بصوت مرتفع لجذب انتباهها.
رفعت عينيها إليه، وقد ارتسمت على وجهها علامات الضيق والتبرم.
أشار لها بأصابعه وغمغم بنبرة حادة: ادخلي يا بِت، بدل ما أطلع أرميكي من عندك!
وضعت كوب الماء على السور، وقالت من بين أسنانها، والغضب يتصاعد منها: أنا أعمل إيه تاني عشان أخلص منك يا لزقة؟!
ابتسم بسخرية، وهز رأسه ببرود قاتل: مش هتخلصي، يا بنت عم خليفة… أو هنخلص سوا.
لكن كلماته انقطعت فجأة.
عندما شد انتباهه هذا الرجل الواقف على ناصية الشارع، يحدق ناحيتهم بطريقة لم تعجبه.
جفل راجح، وضع هاتفه في جيبه، واقترب من الرجل بخطى ثقيلة ونظرات فاحصة، ثم قال بنبرة مريبة: إنت مين يالا؟ وبتعمل إيه هنا؟ بتبص على إيه؟!
تراجع الرجل قليلًا، ونبرته حاولت أن تتماسك: وانت مالك يا شبح؟ أنا واقف في ملك الحكومة!
لكن راجح لم يكن ممن يتسامحون مع الفضول.
اقترب أكثر، وقبض على ياقة قميصه وهدر بصوت خافت لكنه يحمل التهديد كله:طيب تعال اوديك على حكومتنا ونشوف… حكومتنا ولا حكومتك، يا ابن ميتين الكلب!
ابتسم الذعر على وجه الغريب، وصاح مستسلمًا: لا لا لا، خلاص… أنا همشي، سيبني!
لكن راجح لم يتراجع، سحبه بقوة أكبر وهو يهتف: إحا! هو أنا هلعب معاك؟!
وفي لحظة خاطفة… استل الرجل سلاحًا أبيض من جيبه، وطعنه في جانبه الأيمن!
صرخة راجح اخترقت السكون، ومعها صرخة تقى من الشرفة، حادة مرتعبة، شقت قلب السماء.
انهار راجح أرضا، والدماء تتدفق من جانبه بغزارة، وعيناه تتسعان بدهشة ممزوجة بالألم، فيما أفلت الرجل نفسه وهرب بأقصى ما يملك من سرعة.
تجمد الزمن في الحارة… والصوت الوحيد الذي بقي، كان أنين راجح، وصرخات تقى المذعورة، وهي تصرخ باسمه كأنها تحاول إعادته من براثن الموت : راجح يا نهار اسود الحقونا يا ناس ياهووووو
ووووووووووووووو
❤️🥰❤️🥰❤️🥰
ضي وجناب الحلو 🥰❤️❤️