بين احضان قسوته (الفصل الثالث والثلاثون)

في غياب من نحب نفقد شيئا من أرواحنا…
تماما ك غياب اللون عن الصورة
هو لايفقدنا الحياة إنما يفقدنا طعم الحياة…
كل اللحظات وإن بدت جميلة….تبقى ناقصة….
ستبقى يتيما في غياب من تحب
حتى لو عانقت العالم بأسره….
ثم …
الذي اختارك بين الزحام يختلف كثيراً عن الذي وجدك في طريقه ♥️
حينما دلفت ونس مع جبران، توقف الزمن لحظة…
كانت ونس تجاهد لتحبس دموعها، وجهها الشاحب يحمل قصة الألم التي تمر بها،
بينما كان جبران بجانبها يحاوط خصرها بذراعه وكأن كل خطوة على الأرض تضغط على قلبه أكثر…
نظرات الجميع التقت في اللحظة نفسها، كانت الملامح مشوشة، مليئة بالحزن والندم…
كانت نظلي تراقبهم عن كثب، عينيها تبحث عن شيء، عن بارقة أمل في عيونهم…
وهتف حتي تكسر الصمت وتلك النظرات المشحونه بالحزن : أهلا يا حبيبي، تعالوا، تعالوا اتفضلوا… هنتغدا كعيله واحده الاكل هيبرد !!
ربت جبران ع خصرها وكأنه يشجعها علي السير.. تحركت ونس معه الي الطاوله ..وسحب الكرسي وجلست وقبلها اعلي راسها بحنان …وجلس هو علي رأس الطاوله…
والجو مشحونا بالصمت الثقيل. كانت دمع تراقب ونس بتوتر، وعينها مليئة بالدموع التي تحاول جاهدة كبتها….
ونس كانت جالسة على طرف الكرسي، تنظر إلى الطاولة وكأنها لا ترى شيئًا، كانت عيونها مغلقة، وكأنها تغلق قلبها عن العالم كله…
بلعت دمع لعابها بصعوبه وهمسة بتردد : ونس أنا… أنا آسفة يا ونس. أنا كنت غلطانة، جرحتك، وحملتك فوق طاقتك حقك عليا يا حبيبتي !!
نظرت ونس لها بعينين تملاها الدموع، وخرجت كلماتها كانت أكثر قسوة من أي وقت مضى : بجد تكسري فيا وتقتليني .. وبعدها أنا اسفه !! انتي مكنتيش أختي… كنتي كل حاجة ليا… مش عارفه ازاي هان عليكي تجرحي قلبي كده؟ كنتي دائما عندي اغلي من نفسي !!
وأنا اللي ربيتك، وكل حاجة كانت ليكي ، وكل حاجة عملتها عشانك، عشانك أنتي…وبعد ده كله طلعت ف نظرك خاينه وانانيه وطماعه!! عشان اول مره افكر ف نفسي واختار حياتي ؟ تفتكري لو أنا كنت مكانك كنت هجرحك واقطع فيكي كده يا دمع ؟!
شعرت دمع بكلمات ونس كأنها سكاكين ا تقطع قلبها تزاحمت عينيها بالدموع وهزت راسها بالنفي وغمغمت بختناق : لا يا ونس !! لو انتي مكاني كنت هتختاري اللي ف مصلحتي ولو ع حساب مصلحتك !
صاحت ونس بنهيار وصوتها يرتجف: لما عارفه كده! عملتي معايا كده ليه يا دمع؟ كنتي دايما عندي اهم من كل حاجه، أنا كنت متأملة فيكي، لكن دلوقتي… أنا مش قادرة أسامحك… مش قادرة! إزاي؟ ازاي اسامحك بعد كل ده؟
نهضت ونس واشتعلت عينيها بدموع حارقه وصوتها اختنق بالدموع : لو لسه باقي ف قلبك اي حاجه ليا متخلنيش اشوفك تاني يادمع فاهمه !!
كانت دمع تجلس، محطمة، والشعور بالعجز يغمرها. كانت تشعر أن كل ما حاولت بناءه انهدم في لحظة. تمالكت نفسها بصعوبة، وحاولت النهوض ، لكنها كانت على وشك الانهيار… تمسك بها سليم قبل سقوطها ..
هنا نهض جبران واقترب من ونس وضمها بحضنه وهتف بحزم : كفايه كده يا دمع انتي كده هتتعبها وتوجعيها اكتر سبيها كام يوم !!
ربت سليم علي راس دمع بندم يفتك به .. وهو يشعر بخنجر مسموم مغروس ف قلبه …
نظرت له دمع بحزن وقهر وسحبت نفسها منه وهزت رأسها بالنفي وغمغمت بدموع: حاضر أنا هستني لحد ما تهدي ..ولو عمري كله !! المهم تسامحني سامعاني يا ونس المهم تسامحيني !!
دفنت ونس وجهها ف صدر جبران وهي تنحب وتشهق وجسدها يرتجف بقوه.. ضمها بذراعه السليم وغمغم: تعالي معايا يا قلبي نروح بيت المزرعه ونغير جو لحد ما تهدي !!
هزت ونس راسها وهي تتنفس بصعوبة، والدموع تغرق وجهها. كانت تحاول أن تتحمل، ولكن الكلمات التي خرجت منها كانت تحطمها أكثر. لم تجد نفسها إلا في حضن جبران، الذي أخذها بحزم.
وتحرك بها الي الخارج تحت أنظارهم المندهشه من طريقه جبران وحنوه مع ونس …
بلعت دمع لعابها بصعوبه وهي تحمد الله علي وجود جبران بجانب شقيقتها .. وهي تنوي فعل أي شيء حتي تحظ بغفران ونس من جديد !
………………
مساء ف فيلا المزرعه ..
كان المساء هادئا في فيلا المزرعة، لا صوت يسمع سوى خرير المياه بالمسبح… ونسيم خفيف يداعب أطراف الأشجار ..
جلست ونس على حافة المسبح، تغمس قدميها في الماء البارد بشرود حزين… عيناها تسبحان في الفراغ، غائمة بالقهر، وقلبها لا زال مثقل بالألم !
شهقت بخفة حين امتدت يد جبران أمامها حاملاً طبقا من المكرونة بالدجاج، وهتف بمرح يحاول كسر الصمت:
أحلى طبق باستا لأحلى كوين فاليروز فالدنيا!!!
نظرت له بدهشة، ثم إلى الطبق، وغمغمت باستغراب:
باستا؟
هز رأسه وجلس إلى جوارها، ونزع حذاءه الرياضي وأنزل قدميه في الماء مثلها، ثم قال:آه باستا… أنا عارف إنك بتحبيها…
قطبت حاجبيها بتعجب وردت:بحبها آه، بس انت عرفت منين؟ وكمان مين عملها؟
ابتسم بجانب فمه، وتذكر كيف كان يراقبها خفية وقت الغداء، تفتش بين الأصناف عن المكرونة دائما، وتبتسم في رضا كلما وجدتها وتمتم بنبرة حنونة:إحساسي يا قلبي !
نظرت له بدهشة أكبر، وهي تحاول استيعاب كلماته وقالت:طيب… مين عملها؟
رفع منكبيه ببساطة ورد: أنا!!!
رمشت بعينيها غير مصدقة وهمسة:إنت يا جبران؟ وقفت في المطبخ… وإيدك في الجبيرة؟ وعملت مكرونة بالفراخ؟!
ضحك والتقط الشوكة وغرف قليلا من الطبق، ورفعه إلى فمها وهتف:آه… ودوقي كده، وكفاية رغي !!
فتحت فمها وتناولت على استحياء، وضعت يدها على فمها تحاول مضغها، ثم هزت رأسها في إعجاب وقالت: الله… دي حلوة أوي!!
ضحك بعبث واقترب منها أكثر، والتهم شفتيها بقبلة ناعمة وهمس وهو لا يتنفس أنفاسها: تجنن… أحلى من العسل.
أغمضت عينيها بتوهان وهمسة ببطء: المكرونة؟
هز رأسه بالنفي وهمس :لا… شفايفك!!
ضحكت بخفة، لكن الضحكة ما لبثت أن انطفأت سريعا . وبهتت ملامحها وعاد الشرود يكسو وجهها من جديد،
مد يده ورفع وجهها واردف بحنو : بلاش تحرميني من الضحكه اللي بتنور حياتي يا ونس !!
قالت بصوت مكسور بالكاد يسمع: غصب عني يا حبيبي .. كل حاجه بتفكرني بحاجات كانت ف يوم احلي حاجه في الدنيا .. دمع كمان بتحب المكرونه اوي !!
شردت ف سطح الماء وغمغمت بحنين : بتحبها بالوايت صوص وتكون غرقانه فيه.. وكنت لما تكون زعلانه وعايز افرحها ..اعملها مكرونه كانت تفرح اوي وتضحك وتاكل بسرعه بشكل يضحكني اوي !!
صمتت لحظات وهمسه بصوت مرتجف : أنا حاسه اني مش كويسة يا جبران!!
نظر لها ولمعت عينيه بقلق صادق، واقترب أكثر وحاوطها بذراعه السليم وهمس: عارف… وشايف، وقلبي بيتقطع عليكي مش قادر اتحمل اشوفك كده يا قلبي ..
دفنت وجهها ف صدره وتمتمت بصوت مليء بالوجع:
بحاول اكون كويسه عشانك! بس مش عارفه أنا نسيت الكلام ولا بحاول أنساه، بس واجعني، وكل كلمة قالتها بتلف جوا دماغي وتزن كأنها لسه بتتقال دلوقتي….
مرر جبران كفه السليم على ظهرها في حنو بالغ، كأن لمسته قد تطفئ نارا تستعر داخلها، ثم قال بنبرة دافئة حانية:دمع لسه صغيرة يا ونس… سليم ضغط عليها البنت تايهة، واترمت في نص دوامة أكبر من سنها…
لما الناس بتخاف وبتتلخبط… ساعات بيقولوا كلام هما نفسهم مش فاهمينه !!
همست بصوت يتهدج من الألم: بس أنا أختها… كان لازم تحس بيا، وتفهمني… مش تفجر كل اللي جواها في وشي…
شدها إليه بلطف وقرب جبينه منها كأن قربه وحده كافي ليوقف عاصفتها، ثم قال:هي ما نفجرتش في وشك… هي انفجرت من جوه، وانتي كنتي أقرب حد ليها. عارفه ليه؟
علشان حاسة إنك الحضن اللي مش هيبعد… فطلعت اللي جواها فيكي، زي الأطفال لما يخافوا ويضربوا اللي بيحبوه…
نظرت له بعينين تترقرق فيهما الدموع، وهمسة ببسمة باهتة: أنا كنت دايما أضرب ماما لما أخاف!!
ضحك بخفة وقال: وهي كانت بتزعل؟ لأ… عشان كانت شايفة وجعك، مش ضربة إيدك !!
سكتت، وقلبها بدأ يلين، لكن جرحها لم يندمل بعد
وحاولت أن ترسم ابتسامة، تغير بها مسار الحديث ، أردفت وهي تشير إلى طبقه: احكيلي انت… عملت المكرونة إزاي وإنت كده؟ طيب كنت نادي عليا اساعدك واعملك اللي انت عايزه حبيبي!!
فهم جبران أنها تهرب من الألم، لكنها تحتاج ذلك الهروب. ابتسم لها وهمس:قولت لنفسي… لو هتكسر إيدي التانيه علشان ونس تضحك… فداكي يا عمري !
ضحكت بخفه وضمته بقوه ودمعة صغيرة انزلقت على وجنتيها لكن هذه المرة… لم تكن مره.. لكنها بطعم العشق وهمسة بحنان : بعد الشر عليك يا قلبي.. أن شاء الله اللي يكرهك !
مسح علي شعرها وظهرها بحنان وهمس: ميفرقش معايا اللي بيكرهني!! طلما انتي بتحبيني يا ونس دنيتي ..
مرمغت وجهها ف عنقه وهمسه: أنا بموت فيك !
تنفس بعمق وتمتم: وانا بعيش فيكي يا فاليروز ..
……………
ف اليوم التالي مساء
كانت الليلة ساكنة… لكن الهدوء الذي يغلف المكان لم يكن سوى ستار يخفي خلفه ما هو أدهى وأمر…
أمام البنايه، وقف صبحي ينتظر، وعيناه تراقبان الطريق بتوتر ظاهر ..رغم محاولات التماسك…
وصل كمال بسيارته السوداء، ترجل منها بخطوات واثقة، وسأله بصوت خفيض: إيه الأخبار؟ فين ونس؟ عرفت تجيبها !!
أومأ له صبحي برأسه قائلا: عيب عليك يا كبير!!
فوق في الشقة زي ما اتفقنا …
بلع لعابه بتوتر وهو يضيف: بس خلي بالك… الأمور محتاجة سرعة….
لم يتردد كمال، اندفع نحو المدخل وصعد السلم بخطوات متعجلة، كأن شيطانه يجره من عنقه لمصيره المحتوم !!
فتح باب الشقة بحذر ، وأنفاسه متسارعة، وعيونه تلهث بحثا عن ونس… نظر ف الإرجاء وتردد صوته ف الشقه الخاليه من كل شيء صامت، كأن الشقة تحبس أنفاسها
دار حول نفسه وغمغم : هي فين دي؟ اه لو كنت بتلعب عليا يا صبحي الكلب حياتك هتكون التمن !!
رن هاتفه فجأة، واضاءت شاشة المكالمة تظهر اسم واحدا فقط: جبران الباشا…
فتح الخط، وظهر وجه جبران في مكالمة فيديو، جالسا علي مكتبه، بسيجارته بين أصابعه، وابتسامة باردة تزين شفتيه ..وقال ببرود قاتل: كنت فاكر هتلاقي ونس لا يا كمال!! انت هتلاقي موتك ف الشقه دي …
انت لسه مش قادر تفهم أنها دلوقتي مراتي وعلي اسمي ونس الباشا؟!
تجمد كمال بأرضه وتلعثم:إيه؟… يعني إيه؟!
ضحك جبران بدون مرح ضحكه بثت الرعب ف قلب كمال وغمغم بهدوء مميت: هتلاقي حاجه تانيه…الشقه فيها كميه مخدرات وسلاح و دولارات توديك ورا الشمس!!
صرخ كمال وهو يركض بتجاه الباب بزعر : انت بلغت عني بعد ما وقعتني ف فخك يا جبران!!
ضحك جبران ورد ببرود : أنا ما بلغتش، أنا سلمتك بإيديك الحاجات اللي إنت واقف وسطها دلوقتي اللي هتجيبلك إعدام!!
والأحلى؟ إنهم جايينلك دلوقتي
عارف ليه؟ عشان انت جبان… ووسخ… ونس مراتي، ودي كانت غلطتك اللي عمرك ما هتقوم منها!!
صرخ كمال بفزع وهو يحاول فتح الباب بعنف وعينيه تدور في الشقة كالمذعور: إنت بتفكر تعمل إيه؟ انت حبستني هنا !!
غمغم جبران بسخريه بارده مشبعه بالسم:أنا ما بفكرش… أنا بنفذ !! خنتني؟ وكنت عايز تلمس اللي ليا؟ دلوقتي كل حاجه ليها تمن… وانت خلاص جيت برجليك…
ثم قطع جبران المكالمة، في نفس اللحظة التي دوى فيها صوت اقتحام الباب .. صوت تحطيم الباب اخترق الصمت كالصاعقة…
جحظت عيون كمال وقلبه خفق بقوه كأنه يتخبط على ضلوعه يستنجد وصرخ : لأ… لأ مستحيل! انا مليش دعوه ده فخ.. والله فخ !!الحاجات دي مش بتاعتي ..
بدأ يتراجع بخطوات متخبطة، وساقيه ترتجف برعب
حاوطه العساكر.. ورفعت الاسلحه ف وجهه.. وانهالت الصرخات عليه : إيدك فوق! إيدك فوق ! ارمي اللي في إيدك!
اتلفت كمال حواليه كالمسعور… وصرخ برعب : مش بتوعي الحاجات ده مش بتاعتي ! ده فخ!
صرخ وهو يترنح للخلف، واصطدم ظهره بالحائط :
ده جبران… جبران الباشا هو اللي عملها فيا! انا مليش دعوه !!
حاول الضابط الاقتراب منه لكنه ركض ناحية الشرفه وصاح الضابط بحزم : اقف مكانك هضرب ف المليان !!
لكنه رفع ساقه علي الشرفه ثم لحظه ودوي طلق النار ثم آخر وآخر تشنج جسده وانهارت ساقيه وسقط أرضا من اعلي الشرفه وهو يصرخ حتي اصطدم بالأرض !!
سال الدم من جسده ببطء…وانسحبت الحرارة من جلده، ونفسه الأخير خرج كأن قلبه ينتحب.
وعاد الصمت … لكنه صمت من نوع اخر لا يشبهه صمت …
علي الجهه الاخر ف احد السيارات المصطفاء رفع علاء الهاتف وغمغم بجديه : وقع يا باشا ومات زي الكلب !!
صمت جبران لحظه وغمغم بهدوء مخيف:ده جزاء اللي يوزه عقله يقرب لحاجه تخص جبران الباشا !!
لازم يعرف اني بحبش أسيب حقي.. واللي يحاول يلمس اللي ليا…هيكون ده مصيره!!
خلي أي حد بيفكر يلعب في أرضي… يتعلم الدرس ده بالدم.
اوما علاء برأسه وقال: أوامرك يا باشا ..
………..
ف المصنع..
دخلت أمل إلى المصنع صباحا بخفة معتادة، ترتدي معطف العمل وتربط شعرها بعفوية مرحة. خطواتها تحمل شيئا من الحماسة، كأنها على موعد مع نهار مبهج… لا تشوبه شائبة…
كانت ابتسامتها تسبقها، تلوح لبعض الزملاء هنا وهناك، ترد على تحياتهم بنشاط، وتحمل في يدها فنجان قهوتها المعتادة… لكن كل شيء تبدد في لحظة.
وقفت خطواتها فجأة، حين وقعت عيناها عليه.
وهو يقف بالقرب من قسم التعبئة، مندمجا في حديث مع فتاة لم ترها من قبل….
شعرها منسدل، وضحكتها واضحة… لكن الأوضح كان هو، بنظرته المائلة للمرح، وضحكته الخفيفة، ويده التي أشار بها مرتين كأنه يشرح شيئًا، أو يلقي دعابة.
اللحظة لم تدم سوى ثوان، لكنها كانت كافية لتبدل كل مزاجها…شهقة خفية اختنقت في صدرها، وابتسامتها ذابت على أطراف شفتيها. نظرت إليهما دون أن تقترب… ثم عدلت وضع الكوفية حول عنقها وسارت بخطى ثابتة، كأنها لم تر شيئا… أو أحدا.
مرت بجوارهما تماما… لحظها وائل، وجهر مناديا وهو يلتفت سريعا: أمل!
ردت دون أن تتوقف أو تلتفت، وبنبرة باردة كأنها تنفض الغبار عن منكبها : صباح الخير يا شيف.
ثم أكملت طريقها، تاركة وراءها رائحة قهوة… وغيظا بدأ يتسلل إلى قلبه دون تفسير واضح.
لم تمضي سوى دقائق، حتى قرر وائل أن يقطع حيرته، فقد كان قلبه أسبق من عقله دائما حين يتعلق الأمر بها….وهذا ما كان يثير حنقه!!
اقترب من الطاولة التي جلست عندها، وقد أسندت أوراق التعبئة إلى فتاة أخرى وجلست شاردة، تمسح على كوب القهوه التي لم تتذوقه…
وقف أمامها، وغمغم بصوت منخفض لكن يحمل شيئًا من التوتر: أمل؟ إيه مالك؟ متغيرة كده ليه؟
رفعت عينيها إليه ببطء، وكأنها لم تتوقع المواجهة بتلك السرعة. نظرة محايدة، بلا دفء، بلا انفعال. فقط برود يغلف صوتها: أنا؟ عادي… مفيش.
أعاد سؤاله، بنبرة أكثر قلقا: لأ، مش عادي… بتردي عليا ببرود ، وسايبة شغلك، وباصة في الأرض كأنك مش طايقة حتى تبصيلي في ايه؟! قوليلي!!
مالت برأسها قليلاً، وضغطت شفتيها معا، ثم قالت بتهكم ناعم:ماهو طبيعي… ما بحبش أزعج الشيف، خصوصا وهو مندمج في كلامه مع مدام تعبئة…
تجمد وائل للحظة، لم يعرف أيتكلم أم يضحك من غيظها؟ لكنه شعر بأن شيئا انكسر في المسافة بينهما، شيء يستحق أن يرمم…اقترب خطوة وقال: هو دا السبب؟ إنك شفتي بنت بتتكلم معايا؟
نظرت له نظرة سريعة وقالت بسخرية أكثر حدة:لا طبعا، هو أنا ليا في الكلام دا؟ كل واحد حر.
زفر وائل بضيق، ونظر حوله، ثم مال ناحيتها وهمس بنبرة ممتزجة بين الحنق والحنان: أمل… بلاش غلاسة، لو عندك حاجة قوليها… لكن متزعليش وتسيبيني أدور ف دماغي ميت احتمال.
همسة بنبرة مخنوقة:طب إنت حسيت بيا؟ ولا كل اهتمامك كان باللي بتضحك على كل كلمتين بتقولهم؟
صمته هذه المرة كان اعترافا، أكثر من كونه ارتباك
واقترب منها، وقال بصوت هادئ: أنا ضحكت مجاملة… لكن وجودك، حتى وانتي ساكتة، بيشغلني أكتر من أي كلام.
رمقته بعينين دامعتين، وحاولت أن تخفيهما بابتسامة باهتة، وهمسة:كنت فاكرة إنك واخد بالك مني بس ، طلعت واخد بالك من كله
زفر بحنق وهو يضع كفه على الطاولة قريبا من يدها وغمغم :خدي بالك من كلامك يا امل … انتي شايفاني كده بلعب علي كل واحده شويا ؟!
نظرت له بصمت وهي تأنب نفسها علي اندفاعها ولكنه فهم صمتها بطريقه خطاء.. وهز رأسه بيأس وغمغم: كده تمام يا امل.. تمام اوي !!
جحظت عينيها وشهقت وهي تحاول فتح فمها… ولكنها انصرف من أمامها ف الحال بصمت مطبق علي قلبها وكأن العالم أطبق عليها …
………
بعد مرور أسبوع في فيلا سليم…
جلس سليم وسط صالة تعج بالصمت، وروحه تنتزع ببطء، كأنها تسحب من جسده خيطا خيطا على مهل…
قاتل.
الوحدة كانت تنهشه بلا رحمة، تقضمه من الداخل، ودموعه تتسلل على وجنتيه بضعف منهك، كأنها تنهار من قمة العجز…
عيناه معلقة على باب الغرفة المغلق… الحاجز الصامت بينه وبينها. مرت أيّام وهي حبيسة الداخل، ترفض رؤيته، ترفض حتى سماع صوته. يعرف أنها تعاقبه، ويعرف أيضا أنها تعاقب نفسها، لكن العقاب هذه المرة كان قاسيا حد الإنصاف.
كما حرمها من شقيقتها بلحظة تهور، حرمت نفسها منه بنفس القصاص.
رن هاتفه… باسم جيلان يتوهج على الشاشة، تنهد بثقل، ولم يجيب. لكن الهاتف عاد يرن من جديد… هذه المرة كان المتصل ..آدم !
مسح دموعه بكف يائس، ثم رفع الهاتف ليغمغم بصوت مبحوح: ألو…
صاح آدم بجدية حادة: إنت فين يا سليم؟ مش ناوي ترد ولا إيه؟ هو احنا هنفضل نسيب شغلنا والبلاوي اللي ورانا ونقعد نلطم زي النسوان ولا ايه ؟ فوق بقى، كفاية ضعف !
بلع سليم الغصة العالقة في حلقه، وتمتم بصوت متهدج:
محروق الشغل يا آدم… علي اللي عايز يشتغل أنا اللي فيا مكفيني، حياتي خربانه
زفر آدم بنفاد صبر وهتف: غبائك يا صاحبي اللي خرب حياتك، ولسه مصر تكمل وتغرق أكتر! بدل ما تتحرك وتصلح اللي انت كسرته وهببتوه ، قاعد تولول؟ برافو يا سليم، بجد برافو!
مرر سليم يده بعصبية على شعره، غاضبا من نفسه، عاجزه ، وتمتم: أعمل إيه طيب؟!
صرخ آدم بغضب : احا يا ابن الباشا، مفيش منك أمل… أنا جيلك دلوقتي، خلينا نخلص!
نظر سليم إلى الهاتف بعدما أغلقه آدم في وجهه، وهز رأسه بمرارة وهمس : والله عنده حق…
بعد دقائق، كان آدم يقتحم الفيلا وخلفه جيلان وهتف بسخرية: أنا جبت جاز منك يا سليم!! عشان كده أنا جبت معايا جاز .. ناوي أولع فيك!
غمغم سليم بتنهيدة: ادخل يا آدم، أنا مش ناقص جنانك…
غمغمت جيلان بصوت يفيض بالغضب : بقالي أسبوع برن عليك، طلعت روحي… إنت ودمع ناويين تفضلوا في النكد ده لحد إمتى؟
رفع لها سليم نظره بعجز واضح وقال: غصب عني يا جيلان… أنا فعلاً مش قادر أتعامل، مفيش طاقة.
هزت جيلان رأسها بيأس، وقالت بصوت مكسور من الداخل: ودمع؟ فين هي؟
أشار بيده تجاه الدرج وهمس بحرقة: فوق… حابسة نفسها في أوضتها.
تحركت جيلان، ولكن قبل أن تصعد، هتف آدم بحسم:
ـ چيچي، انزلي بيها… إحنا هنخرج، كفاية غم بقا يا عيله اوفر
هزت راسها بالايجاب وصعدت دون رد، فيما نظر آدم لسليم المبعثر وهتف: وانت اعدل خلقتك… بدل ما أعدلهالك أنا بطريقتي والله ..
أومأ سليم برأسه بشرود، وقال بصوت مكسور : دمع مش هتوافق تخرج معايا يا آدم…
رفع آدم حاجبه بتهكم، وقال: فالح تزعلها، خايب تراضيها! تخونك ايطاليا ولياليها يا سولي والبنات اللي كنت مدوخهم !!
نظر له سليم بعينين دامعتين، وتمتم: يحرقها دي ايام يا جدع!! بنات ايه؟! دول هواء جنب دمع!! .
دمع اللي زعلتها، وجرحتها… ومش عارف أرجعها زي الأول…. قولي أعمل إيه؟ ولا تسكت أحسن!
قال آدم بثقة:لأ، هقولك… اخطفها!
ثم ابتسم بمكر وأضاف: مش قصدي تخطفها حرفي، أنا قصدي تخطف عقلها… قلبها. اشغلها بيك، جننها، العب بعقلها… أنت اللي محتاج تكسبها من تاني. سيب العياط والولوله للنسوان، وخلي دماغك تشتغل، وأنا هساعدك…
هتف سليم بيأس: حاولت كتير، بس مفيش فايدة…
فكر آدم لثوان وقال بثقة: تمام… أنا هوديكوا مكان هتنسوا فيه الدنيا، يلا البس…
اوما برأسه وصعد سليم بخطوات مثقلة، وقلبه ما زال ينزف ألما…
في غرفة دمع…
فتحت جيلان الستارة فجأة وهتفت بمرح مصطنع:
ـ دمع! قومي، ولا أرشك بالماية!
وضعت دمع يدها على وجهها، وهي تشعر بحريق ف عينيها وكأنه عينيها جمرتين ملتهبه من كثرة البكاء وصوتها خرج مبحوح :اقفلي الستارة يا جيلان، عيوني بتحرقني اوي …
جلست جيلان بجانبها وسحبتها لتجلس وقالت بجدية:
ـ علشان ليكي أيام قاعدة في الضلمة، والعياط مش حل… مش كده؟!
همسة بصوت متكسر : طيب اعمل ايه وحشتني… ونس. أول مرة تبعد عني بالشكل ده… حاسة إني يتيمة، الاحساس اللي محستهوش لما ماما ماتت، حسيتها دلوقتي، لما ونس بعدت عني !!
ترقرقت عينين جيلان بالدموع لكنها تماسكت، وقالت بحنان: لأ يا دمع… أنا جاية أخرجك من ده، مش أغرق معاكي فيه…
نظرت له ودموعها تنهمر على وجنتيها وغمغمت: أنا آسفة…
سحبتها جيلان من يدها كأنها تسحب شبحا، جسد بلا روح وقالت : قومي، خدي شور، وأنا هجهزلك لبسك… هنغير جو، كفاية سجن…
همت دمع بالرفض، لكن جيلان سبقتها بوعدها:
ـ أوعدك… بكرة نروح لونس، سوا، ونصالحها.
لمعت عينا دمع بأمل خافت، وهزت رأسها موافقة وتحركت الي المرحاض وتمتمت : حاضر… طالما هتساعديني أرجعها…
في مدينة الألعاب…
دخل الأربعة المكان، تلفت سليم حوله بدهشة وقال : إحنا جينا نلعب؟ رجعنا أطفال يعني يا آدم ؟!
سحب آدم جيلان من يدها وقال بسخرية: آه، وانت بقى الكبير العاقل! أنا هاخد چيچي، وانت عيش مع دمع وادعيلي!
شهقت جيلان، وهو يركض بها : استنى! هتوقعني كده؟
ضحك آدم وهتف بمرح : كفايه كسل!! يلا يا عيلة كتعة، متكسليش!
ابتسم سليم رغماً عنه، ونظر لدمع… لكنها كانت واقفة كأنها ظل نفسها، لا تبتسم، لا تنظر، لا تتفاعل. روحها غائبة، وضحكتها ميتة على شفتيها …
اقترب منها بحذر، وهمس بصوت مهزوز، مشحون بندم:
دمع… المكان مش عاجبك؟
رفعت عينيها إليه، نظرة مشوشة مثقلة بالحزن وغمغمت : مكان إيه؟ أنا شايفة الدنيا كلها سودة… وانت السبب يا سليم.
اقترب أكثر، أمسك بذراعيها، وهمس:وأنا اللي هرجعها تنور تاني اوعدك … هعمل أي حاجة عشان ترجعي لونس، وهفضل أحاول علشانك، بس سامحيني… اديني فرصة أخيرة.
بدأ الأمل يتسلل لقلبها، ودموعها تهطل بصمت، قبل أن تهمس برجاء: ياريت يا سليم نفسي… نفسي تسامحني اوي ، تعبت.
قبل جبينها بشفاه مرتجفة، وقال: بعد الشر عليكي… إن شاء الله كل حاجه ترجع زي الاول واحسن!!
ضمها لصدره، وهمس في أذنها: أول ما يطلع النهار… نروح نصلحها سوا وعد يا قلبي !!
هزت رأسها بسرعة، وقالت بتوق ولهفة:نفسي… وحشتني أوي يا سليم…
أبعدها قليلا ، ومسح دموعها برقة، ثم ابتسم وقال :
ـ يلا، نلعب كفاية كآبة… بدل ما نبقي عيلة كتعة بجد!
ضحكت بوهن، وتحركت معه، والألعاب تحيط بهما، يلعبان… يضحكان، يهربان من الحزن للحظات، وكأنهما يرقصان فوق نار تحت الرماد، ما زالت مشتعلة، لكنها تهدأ… ببعض الحب.
وسط زحام المكان وضجيج الأطفال وصخب الألوان، كانت خطواتها إلى جانبه بطيئة، مترددة، كأنها تخشى أن يخذلها الطريق مرة أخرى. يدها الصغيرة في يده، مترددة في التمسك، لكنه كان ممسكا بها بقوة تعلن أنها لن تترك، مهما حدث…
أمام لعبة بسيطة، تدور بالناس في دوائر، يعلو معها الضحك ويهبط نبض القلوب، توقف سليم ونظر لها بعينيه وكأنه يضمها بحضن عينيه وهمس :نجرب ؟!
رفعت دمع عينيها بتوجس، وغمغمت بحذر : خايفه ادوخ بتلف اوي !!
ضحك بصدق، وسحبها بخفة وقال:لا… دي هتلفك على بداية جديدة.
جلسا جنبا إلى جنب، والدنيا بدأت تدور، والهواء نفض الغبار عن قلبها، ولف بشعرها مع أولى ضحكاتها المرتبكة. لم تكن ضحكة مكتملة، لكنها كانت أول صوت حي ينبض منها منذ زمن.
وفي تلك اللحظة، وهو يراها تضحك من قلبٍ أنهكته الخيبات، أدرك سليم أنه لا يزال يمتلك فرصة.
فرصة ليرمم ما تهدم، ليعيد لضحكتها الحياة، ولروحه السلام.
فرصة… ليحيا من خلالها ولكنه كان يعلم جيدا… أن رحلة استعادة ونس لم تبدأ بعد، لكنها تستحق كل المعارك.
……………..
ف فيلا المزرعه …
بدأ الصباح بهدوء.. والشمس تداعب الستائر بلطف، تنسل أشعتها إلى الداخل كأنها تهمس ليوم جديد…
كانت ونس مستغرقة في نومٍ عميق، وجهها هادئ رغم الهالات التي لم تختفي تماما، لكنها بدت أقل حده…
كأن جبران نجح في سحب بعض الحزن من عينيها بصمته، واحتوائه، وصبره وحنانه ..
فجاءه فتح باب الغرفه بسرعه ودلف وهو يرتدي بنطلون بيتي وعاري الصدري ويرتدي مريلة المطبخ عليها رسمه بطريق يرقص وهتف بصخب : يا صباح الكسل يا ونس دنيتي!!
فتحت ونس عينيها بفزع، لتجده أمامها بهذا الشكل الغريب وهتفت بنعاس ودهشه : جبران… إيه ده؟ في إيه؟
اقترب منها بخفة وجلس على طرف الفراش، مال عليها وهمس عند أذنها:فيه جريمة هتحصل حالا…
فيكي إنتي !
هزت راسها وحاولت أن تتجاهله، أغمضت عينيها من جديد، لكن يده السليمة امتدت لتعبث بخصلات شعرها المفروش علي الوساده وقال بمرح لا يخلو من العشق:
قومي يا ونس وكفايه نوم … الفطار مستني، وأنا جعان، أنا عملت بيض عشانك بس انا مش عايز بيض ولا جبنة
فتحت عينيها واتكأت على مرفقها ..نظرت له بنظرة نصف ناعسة نصف ساخطة، وردت: امال عايز ايه يا قلبي ؟!
مال أكثر وقبل وجنتها قبلة طويلة، وقال بنبرة عبثية:
خدودك وشفايفك !!
نظر الي نهديها بعبث ولعق شفتيه وهمس: هكلهم اكل وأبلع بـ
شهقت ووضعت يدها على فمه وهتف: ايه قلة الأدب اللي ع الصبح دي يا قلبي !!
قبض علي يدها وسحبها وهمس : اصلهم حلوين اوي يا ونس طريه اوي و..
كتمت شفتيه بشفتيها وقبلته بسرعه …ابتسم بجانب فمه بعبث ..ومال عليها والتهم شفتيها بعنف حتي انقطعت أنفاسها…
اخيرا حرر شفتيها وهمس: لو كل مره اتكلم توقفيني كده أنا مش هبطل كلام !!
نظرت إلي العبث الذي ينطلق من عينيه ثم رفعت الغطاء على وجهها محاولة كتم ضحكتها، لكنها لم تستطع.
تمتمت من تحت الغطاء: إنت فيك حاجة مش طبيعية النهارده !!
هتف وهو ينهض فجأة ويسحبها معه : هي دي الحاجة اللي خلتك تحبيني يابت !!
نظرت له وهي تضحك وهتفت : جبران؟!
- نعمين؟
- لبست مريلة البطريق ليه؟
- علشان أطبخلك بستايل يليق بكوين فاليروز عارفك بتحبيها ..
دفعها الي المرحاض وغمغم: يلا خدي شور بسرعه وحصليني علي المطبخ !!
مر وقت قصير ..ودلفت المطبخ بشعر مبلل ..وقميص نوم فضفاض.. وجدته بالفعل يحاول تحضير البيض وهو يغني بصوت نشاز أغنية قديمة، ويتحرك بحماس شديد ..
رفعت حاجبها وهي تنظر إلي الكارثة التي حلت بالمطبخ وهتفت : جبران كل ده عشان تحضر فطار انت دمرت المطبخ !!
استدار نحوها، وفتح ذراعيه وهتف ببرود :بستقبلك يا قلبي!
اقترب منها وأمسك يدها، وسحبها للداخل،تحت ذهولها وهمس وهو يطبع قبلة على جبينها : عايز أبدأ يومي ببوسه منك… ونظرة، ولمسة… وبعد كده نشوف البيض !!
ابتسمت رغم إرادتها، وجلست على الطاولة تراقبه وهو يتحرك في المطبخ برشاقة مفاجئة، رغم جبيرته. مرة يحرق التوست، ومره يترك النار مشتعله ، لكنها لم تكن تهتم… كان حضوره فقط كافيا ليجعل الحياة تدب فيها من جديد…
نظر الي طبق البيض بدهشه وغمغم: أنا مش عارف هو طلع كده ليه ؟!
نظر لها وغمغم : نطلب اكل وخلاص؟
نظرت له، وشعرت أن شيئا في داخلها بدأ يرمم، شيئا صغيرا، لكنه حقيقي ونهضت واقتربت منه ونظرت الي الطبق بدهشه وغمغمت : يانهار ابيض ايه ده ؟!
مط شفتيه وقال: مش عارف يا ونس تقريبا البيض ده ف حاجه غلط!!
ضحكت بمرح وردت: البيض ف حاجه غلط لا يا راجل !!
نظر لها والي ضحكتها وابتسم بحب وهمس لنفسه : المهم تضحكي يا قلبي ..
سحبت الطبق وقالت : اتفضل يا باشا وانا هحضر الفطار كفايه اوي خساير لحد كده ..
هز رأسه بالنفي وقال: طيب اساعدك؟!
هزت راسها بالنفي وغمغمت: شكرا اوي! هيحصل ايه اكتر من كده المطبخ أدمر؟؟
ضحك بعبث وجلس علي الطاوله ..وتحركت ونس إلي البراد.. واخرجت الجبن والخضار والبيض..
وبدأت باعداد الفطار بخفه وسرعه وهو ينظر لها بعشق مغلف بالعبث وغمغم : هو القميص ده انا اللي جيبته ؟!
هزت راسها وهي تصب البيض ف الطاسه وقالت : اه يا حبيبي ف حاجه؟؟
مط شفتيه بدهشه وغمغم: وانا اجيب ليه قميص محترم وواسع كده؟ عقلي كان فين ؟!
نظرت له بدهشة وقالت: نعم !!
اقتربت منه ووضعت الطاسه أمامه وقالت : اتفضل يا باشا فطار ملوكي !!
اقترب منها وسحبها من حماله القميص بعبث مغلفة بالعشق: أنا ملك عشان انتي جمبي …
حاولت ضم القميص وهتف : يا مجنون القميص هيتقطع !!
هز رأسه ببرود وسحب حماله القميص مذقها بين أصابعه وغمغم : انتي المفروض تشكرني وتبوسيني عشان تجددي يا قلبي ..
الشكر مرة واحدة كفاية… بس البوسة لازم تتكرر!!
وقبل أن ترد، التهم شفتيها في قبلة دافئة طويلة، كأنها وجبته الأهم… وكأنها الحياة.
اخيرا حرر شفتيها وقال فجأة بنبرة جادة جدا: أنا عندي اعتراف خطير !!
بلعت لعابها بصعوبه وهمسة بتهكم ناعم : هتقوللي إنك اللي حرقت التوست؟!
هز رأسه وقال بثقة: أنا أحرق التوست؟ أنا بحرق قلوب، مش بحرق عيش!
ضحكت ضحكة خافتة، فمال عليها فجأة وهمس عند أذنها: بس قلبي أنا اتحرق فيكي انتي…
نظرت له بدهشة.. ولكنه نهض بسرعة وهو يمد يده لها: يلا!!!
نظرت له باستغراب وهتفت: على فين؟
ابتسم بجانب فمه بعبث وقال: هنلعب، أو هنغرق… الاتنين واردين…
سحبت يدها وهزت راسها بالنفي وهتفت : انت هتغرقني لا مش لاعبه !!
وضحكت بمرح وهرولت للخارج وهو يضحك بمرح وخرج خلفها بخطوات واسعه …
وقبض عليها أمام المسبح وهي تضحك وتحاول التملص منه وصاحت : لالاا مبعرفش أعوم يا جبري !!
ضحك بعبث وقبض علي خصرها وسحبها اليه وهتف : طيب ما أنا غرقان فيكي!! تعالي هنا ..
وفجأة، أمسكها من خصرها ورفعها كأنها ريشة، والقي بها ف الماء وسط صراخها وضحكها المختلط ..
خرجت تلهث من الضحك، تمسح وجهها وصاحت:
انت اتجننت امتي؟! ايه اليوم ده !!
قبض علي قميصها وسحبها اليه وهمس أمام شفتيها بصوت أجش مشتعل وعينيه تشتعلان عشقا : أنا عايزك تغرقي… فيا..
تمسكت بيد وهتفت : طلعني أنا مش بعرف اعوم !!
قربها إليه وهمس : ادفعي عشان تطلعي ..
ضحكت وهزت راسها بالايجاب.. واقتربت من شفتيه وقبلته برقه دبت قشعريرة بجسده المشتعل ..ونظرت له وهمسه: اهو دفعت!
هز رأسه وتمتم: لا مش كفايه يا ونس دنيتي.. كمان بوسه !
اقتربت منه وحاوطت وجنته والتهمت شفته بقبله عميقه ساحر ..
نظر لها واردف: انتي ساحره مليانه سحر !!
سحبها من تحت ذراعها من الماء وضمها بحضنه تمسكت به وهمسة : جبري الجبيره هتتبل يا قلبي !!
ضغط ع خصرها بحميميه ومرر يده يحاول نزع قميصها وهمس في أذنها بعبث: خلاص اخلعي القميص يا قلبي !!
شهقت بفزع وتمسكت بيده وهتفت : يا مجنون احنا ف الجنينه حد يشوفنا!!
مال بها وسحب قميصها وهمس ف عنقها وانفاسه تحرق بشرتها بجنون وهو يمرر إصبعه فوق ذراعها براحه: السور عالي اوي ..ومفيش حد حوالينا ..والبسين متقفل يا ونس.. سيبي نفسك ليا ومتخفيش !!
مررت يدها على ظهره العضلي وهمسة بصوت مثير ناعم: طب دراعك والجبيره يا قلب ونس !!
التهم عنقها وضغط عليها وتعمق فيها وهمس : وانتي زي العصفوره ف حضني.. دراع واحد كفايه عليكي يا بابا !!
ضحكت بصوت مثير وهمسة ودفنت أصابعها برقه بين خصلات شعره: اموت فيك يا بابا ..
سحبته إليها بلهفه وقبلته بعمق قبله ناريه دبت قشعريرة بجسده المشتعل ..
فصل شفتيه وهمس بوقاحه : خلاص انا اللي هسبلك نفسي ودلعيني يا قلب البابا ..
دار بها وأجلسها علي خصره شهقت واقتربت منه وحاوطت عنقه وهمسه: اااه يا جبري بشويش عليا !!
مرر يده علي فخذها بعبث واخترقها بعنف وهمس : مينفعش معاكي يا بت !
تلوت علي خصره وصرخت بالم وهمسة: اه براحه انت ..
ضحك بصوت مثير ودفع بداخلها بقوه وهمس : فاجر يا قلبي عارف !!
عضت شفتها بقوه ..وضمها بحضنه وشدد عليها وهي تتلوي بين أحضانه.. وهو يدفع بداخلها بعنف وغمغم بصوت متحشرج بشهوه : اموت فيكي بتتعلمي بسرعه !
عالت صرخات ونس وهي تشعر بجسدها يقفز بعنف.. وغطت زمجرات جبران العنيفه علي صوتها وهي يضمها بتملك مجنون ..وعشق بلغ عنان السماء ..وكأنه لم يعد يشعر بأي شيء سوء جسد ونس الذي يرتجف بقوه.. ويتلوي بين أحضانه بنشوه ومتعه ليس لها حدود ..
اخيرا حرر حمم بركانية بداخلها بقوه وهمس: أنا اللي فاجر يا ونس
لكزته بخفه وهمسة بصوت ضعيف : امال أنا كل مره اقولك براحه وكل مره توجعني
نهض وسحبها ورفعها علي منكبه وقال ببرود : سيبك بقا من الكلام الخايب ده
مسح على مؤخرتها بوقاحه ورفع حاجبه وغمغم بصوت أجش مثير: عايزه تتاكل يا ونس دنيتي
وهي تهز قدميها وتهمس بخفة وغنج: جبري…
لم يتردد، لف ذراعه حول خصرها ودلف بها إلى الفيلا بخطوات واثقة…. صعد الدرجات واحدًا تلو الآخر، بينما قلبه يتسارع كأنما يعرف ما ينتظره.
وما إن دخل غرفة النوم حتى ألقاها فوق الفراش برقة مموهة بالقوة، وهبط فوقها، عيناه تتفحصان ملامحها بعشق جائع، وتمتم بصوت أجش: يعني أنا بكدب؟… جسمك ده كله يتاكل على عضة واحدة.
حاولت التملص منه، ودفعته بكفيها الصغيرين وهي تضحك بخفة وقالت: طيب اوعى تاكلني بجد يا جبري!
قبض على معصميها، رفعهما فوق رأسها وثبتهما بكفه، بينما شفتيه تنحدران نحو عنقها، التهمه بنهم، وامتزجت لمسته بين الحب والعطش، وهمس بخشونة حانية:هاكلك… بس على أقل من مهلي، يا قلبي.
تلوت أسفل جسده بانفعال، وصوتها يخرج مرتعشا: لأ… كفاية بقى، انت مبتشبعش أبدًا…
لم يجب، بل هز رأسه ببطء، وضم شفتيها بشغف يشوبه شيء من العنف. ومع مرور اللحظات، بدأ جسدها يستجيب له، وتصاعدت أنفاسهما،
تتخللها آهات خافتة، حتى ملأ الصمت بأنين مرتفع حين اخترقها مجددا بقوة، فتلألأت الدموع في عينيها من الألم، وارتجف صوتها وهي تهمس بانكسار: براحه… بجد، بتوجعني… عندي ألم…
تجمدت ملامحه بدهشة، حدق في عينيها، ثم مد يده ليمسح دموعها برقة، وهمس بندم: إيه يا ونس؟… انتي بجد موجوعة؟ أنا اتغبيت كده؟!
هزت رأسها بالايجاب، وأنفاسها متقطعة، وهمسة بأنين خافت مزق قلبه.
اعتدل سريعا وساعدها على الجلوس، وذراعه تطوق خصرها بحنان، نظر إليها بعينين يملؤهما القلق والذعر:في إيه؟… انتي حاسة بإيه؟ طيب يلا نروح للدكتور حالا…
نهض مسرعا، يرتدي ملابسه على عجل، ثم التفت نحوها:
ولا بلاش… البسي، وأنا هطلب الدكتور ييجي هنا.
تعلقت به، تمنعه من الحركة، وهزت رأسها نفيا: لا… مش مستاهلة، هي البريود لما بتقرب، بحس بتعب.
توقف مكانه، ونظر لها بدهشة وصوت مرتعش: بس برضو لازم الدكتور يشوفك.
حاولت النهوض، فأمسك بها بسرعة، وأعادها إلى الفراش برفق مشوب بحدة: رايحة فين يا بت؟ اقعدي، لما أجيب الدكتور… ولا تحبي دكتورة عشان نساء وكده؟
نظرت له بدهشة ممزوجة باليأس، وهمسة باستنكار: وليه لأ؟ ماله الدكتور يعني؟
زفر وهو يمسح على شعره بغضب مكبوت، وقال: راجل يا قلبي!
ضحكت برقة وهمسة: مفيش فايدة فيك…
ثم نظرت إليه وقالت بنبرة مطمئنة: خلاص، أنا هسأل أبله علي على دكتورة كويسة، ونروح نكشف.
جلس بجوارها، وعقد حاجبيه ونبرة ضيقه لم تخفي قلقه :يعني لسه هنستنى؟ يا ونس!
مدت يدها وربتت على وجنته بحب، وقالت بابتسامة:هسألها النهاردة، ونروح على طول… اهدى، يا حبيبي، الموضوع بسيط بجد، أنا متعودة على كده.
أخذ يدها بين يديه، وقبلها بحنو بالغ، وهمس قربها:
طيب يا عمري… هنزل أعملك حاجة سخنة تهديكي.
أومأت برأسها، فنهض بخطوات سريعة وقلبه يخفق كأنما على شفا السقوط. حضر لها كوبا من مشروب دافئ، وعاد بسرعة إلى الأعلى، ودخل الغرفة وهو يبتسم رغم قلقه:
يلا يا بابا… اشربي حاجة سخنة، عشان تخفي.
تناولت الكوب منه بامتنان، وبدأت تحتسيه ببطء، بينما هو يراقبها بعينين لا تفترقان عنها، يجمع فيهما خوف عاشق لا يتحمل رؤيتها تتألم، ودفء رجل لا يعرف كيف يحب إلا بكله…
……………..
في الصباح…
تململت ونس بتأوه ثقيل تحت وطأة صوت الهاتف الذي شق سكون الغرفة….
مدت يدها بتثاقل، التقطت الهاتف ونظرت إليه بدهشة، ثم نهضت على الفور وقد ارتسمت علامات الذعر على وجهها….
ده
خرجت من الغرفة مسرعة، وضغطت على زر الرد وهمسة بصوت مخنوق: ألو!!
لم تجِب، بل ظلت صامتة تستمع، صدرها يعلو ويهبط بانفعال متزايد، ثم هتفت من بين أسنانها، بعنف قاطع:
أنا جاية حالا ووووووو
…………………………
ساحره القلم ساره احمد