بين احضان قسوته (الفصل السابع وعشرون)

هناك قلوب في عز جرحها تداويك٠٠
في عز ضعفها تقويك وفي٠٠
عز حاجتها تعطيك٠٠
وفي عز ألمها تبتسم لك٠٠
وفي عز شتاتها تلملمك٠٠
هنيئا لمن عثر عليها. 🫶❤️
نظرت له جيلان بدهشه، وأغلقت الهاتف ،وغمغمت بوجس ورعب : لالا.. اصل اه! يوم فرحك حصلت مشكله بين ونس وباباها .. وبابي خدها هي ومي في شقه لوحدهم بعيد عن باباها ..ومحبناش نقلك عشان متزعلش انت ولا دمع في يوم فرحكم !!
اوما برأسه بشك ورفع منكبه وقال: عملتوا طيب ..وكويس أن بابا اتصرف ..صبحي ده عايز الحرق !
اومات جيلان بصمت وهي تشعر بدقات قلبها يقفز بجانب صدرها بفزع وغمغمت بتلعثم: أأنت مـ مسفرتش شهر العسل ليه !!
اقترب منها وضمها بحضنه وقال : لا مسافر دلوقتي… وكنت جاي اسلم عليكم !!
ربتت علي ظهره وردت : الله يسلمك يا قلبي! ترحوا وترجعوا بالسلامه يا سليم.. خلي بالك من نفسك ومن دمع !!
اوما بشرود وهتف : تمام وانتي كمان خلي بالك من نفسك! ولو احتاجتي حاجه والباشا مشغول اطلبي من ادم !!
خفق قلبها بجنون علي ذكر اسمه.. وحاولت تملك نفسها وهمسة : حاضر يا سليم !
نظر لها بحيره.. وتحرك للخارج وعقله لا يتوقف عن العمل بما سمعه.. واضطراب جيلان وخوفها عندما دلف عليها فجاء…
……………
صباحا في شقه جبران الباشا …
كان صباحا دافئا من صباحات الشتاء النادرة التي لا تحمل قسوة، بل تهمس بالحنان. أشعة الشمس انسابت بخفة من شرفة الشقة، لامست أركان المكان كما لو أنها تحتضنه ..
وقفت ونس في المطبخ، تعد الفطور بخطوات هادئة ووجهها مطمئن هادئ ، بينما مي تجلس على الأريكة تشاهد التلفاز ضاحكة من قلبها، كأنها نسيت كل ما مرت به…
دق جرس الباب، فمسحت ونس يدها بسرعة، واتجهت بخطوات متسارعة، نظرة خاطفة للساعة أكدت لها أن التوقيت مطابق لما توقعته. فتحت الباب… وظهرت أميرة تقف أمامها بتعب واجهاد السهر في عينيها، وقلق الأم في قلبها…
ابتسمت ونس بخفه وهتفت : تعالي يا ابله… كنت مستنياكي !!
دلفت أميرة بخطوات متوترة، وعينيها تمشط المكان بعجلة، حتى وقعت على مي التي ما إن رأتها حتى هرولت لها وقفزت في حضنها وضمتها اميره بلهفه
وهتفت مي بسعاده : ماما! ونس جابتني هنا وقالتلي مش هسيبك أبدا!!
ضمتها اميره بقلب مرتعش وغمغمت بدموع: يا ضنايا الحمد لله كنت هموت عليكم يا بنتي ..
ربت ونس علي منكبها وقالت: يعني خايفه عليها وهي معايه يا ابله؟!
نظرت لها اميره بلهفه وضمتها بحنان وهمسة: خايفه عليكم انتو الاتنين يا بت!! وانا لي غيركم انتو التالته في الدنيا دي؟
تنهدت ونس براحه وتمتمت : ربنا يخليكي ليا يا ابله!!
جلست الثلاثة حول السفره، وتناولوا وجبه الفطور بسعاده وفرحه قليلا ما تزور قلوبهم ..كان المكان يغمره الدافئ، كأن روح المكان التي بدت وكأنها تنبض بالحياة، ليس بفعل الأثاث، بل بما زرعته ونس من أمان وحنان داخل الشقه…
بعد لحظات من الهدوء، وأكواب الشاي الدافئة بين الأيادي، جالت اميره بعينيها في أرجاء الشقة مرة أخرى
وغمغمت بفضول ودهشه : بس يا ونس… الشقة دي إيه حكايتها؟ أنتي جيباها منين؟ شكلها مش إيجار خالص… والمنطقة دي اصلا مفيش فيها إيجار اكيد طمنيني يا بنتي؟!
تجمدت ملامح ونس للحظة، وتنفست ببطء. ونظرت لها بتوتر جلي وهمسه بصعوبه : أنا… أنا متجوزة يا ابله !!
نظرت لها اميره بذهول وصكت صدرها ..ونهضت بسرعه وهتفت: انتي بتقولي ايه يا ونس؟ متجوزه ازاي ؟ومين ده ؟! ومن ورايا يا ونس ليه يا بنتي ؟!
حاولت ونس تهدئتها والتحكم بها وتمسكت بها وهتفت: اهدي يا ابله!! اهدي انا مكنش قدامي حل تاني.. لو مكنتش اتجوزتوا مكنتش دمع هتتجوز سليم ابدا !!
نظرت لها بذهول مخلوط بالحيره وقالت : أنا مش فاهمه! مين ده ؟!وايه دخل جواز دمـ ..
قطعت جملتها وشهقت بعنف ولطمت وجنتيها وهتفت : اتجوزتي جبران الباشا حما اختك يا ونس؟؟
بلعت غصتها بصعوبه وهزت راسها بالايجاب وهمسة: ايوه انا متجوزه جبران من فتره يا ابله ..
هزت راسها بالنفي وجلست بتوهان وقالت : ليه يا ونس؟! ليه تعملي كده في نفسك وفي اختك؟!
نظرت لها بذهول مخلوط بالغضب وهتفت : يعني هو غصبك علي الجواز عشان يوافق علي جواز ابنه من دمع
طيب ليه؟! وانتي وفقتي ليه يا ونس ؟!
جلست ونس وربتت علي يدها وغمغمت بدموع : أنا هحكيلك يا ابله!!
بدات ونس تروي لها ما حدث حتي انتهاء حديثها.. وأطبق الصمت لحظات ..وهتفت اميره بدهشه : كنت حاسة… من أول مرة شفته بيبصلك وهياكلك بعنيه … وانا قلت في حاجة مش عادية. كنت شايفة في عنيكي حاجه … وفي عنيه هو أكتر…
همسة ونس برجفها تجتاح كيانها: كنت خايفة أقولك… وخايفة أكتر من دمع. دي أختي يا ابله … واتجوزت ابن جبران… أنا كده بقيت مرات حماها. خدت مكان أم سليم… وأنا مش قادرة أتخيل هي هتحس بإيه ولا سليم هيكون رد فعله ايه؟!
تنفست امير بهدوء وربتت اميره علي يدها وهمسة بحنان : يا بنتي… أنتي ضحيتي بحياتك كلها علشان أختك. أنتي شلتيها فوق كتفك سنين عمرها كله ، حميتيها من كل حاجة. لو زعلت تبقى ناكرة الجميل، وأنا مربيتش بناتي ع كده!!
انزلقت دموعها بطرف عينبها وقال : كنت مستنية بس أسمع منك إنك مش زعلانة… ولا مكسوفة مني…
مسحت دموعها وتمتمت بفرحه : ازعل منك ليه يا ونس؟! دانتي بنت قلبي .. وقلبي بيدعيلك ليل ونهار. ربنا عوضك براجل زي جبران، بيحبك وبيحميكي… ده أقل من حقك…
لم تتمالك ونس نفسها، فاندفعت تحضن اميره، حضن طويلا صادقا، وكأنها تحتضن أمان الطفولة الضائع… ذلك الحضن الذي يعيد ترتيب قلبها المبعثر…
ظلت أميرة تضم ونس بصدر الأم الذي ضمها دائما وهمسة بصوت حنون دافيء: تعرفي؟ كان نفسي أشوفك عروسة اوي يا ونس … واشوفك كده في بيتك، وسط أمانك ومسنوده علي رجلك … واحس كده إن ربنا عوض صبرك خير..
همسة ونس بابتسامة مشرقة: أنا عمري ما حلمت بحاجة غير إن دمع و مي يكون بخير… والباقي جالي فجأة… جبران دخل حياتي زي العاصفة… قلب لي كل حاجة، بس من وقتها وهو سندي وأماني … حتى لو كنت بخاف أقول في الاول ..
ضحكت اميره بخفه وقالت: واضح إنه مش بيخاف يقول… نظراته كانت بتفضحه… بس أنا ساعتها قلت يمكن دي نظرة شفقة أو حنية… ما كنتش أعرف إن الموضوع كبير كده!!
ابتسمت ونس بخفه وخجل وهزت رأسها وهمسة: الله يا ابله بقا .. بس انا هقوم اعمل شاي تاني!!
تحركت ونس بسرعه ووجنتيها تضخ الدم من الخجل واميره تنظر في آثارها بفرحه عارمه وتدعلوا الله أن تمر الايام القادمة بسلام ..
…………………………….
في شرم الشيخ ..
كانت الشمس توشك على المغيب، تنثر خيوطها الذهبية على سطح البحر فتلونه بلون العسل السائل. الموج كان يهمس في هدوء، وكأن العالم كله يوشك أن يتنفس عشقا.
كانت دمع تسير حافية القدمين فوق الرمال، وفستانها الأبيض الخفيف يتراقص مع النسيم، وشعرها المنسدل يتهادى على كتفيها في هدوء. خلفها بخطوات قليلة، كان سليم يراقبها بعينين امتلأت بالانبهار، كأنما يراها للمرة الأولى اقترب منها ببطء وغمغم بدافيء: كل مرة بقول خلاص شوفتك كلك… تقومى تفاجئينى بجمال أكتر يا ديمو !
نظرت له بابتسامه خجوله وهمسه: وانت زي ابطال الروايات اللي كنت بحب اقراها كأنك طلعت من مشهد في روايه ..
اقترب أكثر حتى صارت أنفاسه تتشابك مع أنفاسها، وقبل غمزاتها وضمها إليه برفق، كأنما يخشى أن تنكسر.
وهمس بخفوت ممزوج بالعشق : بس إنتي فعلا مشهد… مشهد مايتنسيش ولا هيتكرر!!
تلمست صدره بأنامل مرتعشه وهمسة: أنا مش بحلم يا سليم مش كده؟! أنا مش قادره اصدق اننا هنا سوا واتجوزني ..والمشاكل كلها خلصت واتجمعنا مع بعض !
رفع يده ورفع وجهها وهمس أمام شفتيها بصوت أجش:
وانك بقيتي مراتي وكل اللي جاي كله بتاعي أنا وانتي وبس ومش عايزين نضيع وقت تعالي !!
جذبها برفق من يدها وسار بها نحو البحر، وهي تضحك وتحاول مقاومته، وعيناها تلمعان كطفلة ترى البحر لأول مرة ..
عالت ضحكاتهم وهتفت بسعاده : هتغرق هدومي يا مجنون!
غمزها بعبث وهتف : هو أنا كنت متجوزك ليه عشان اغرقك فيا يا قمر المجنون!!
دخل إلى المياه حتى غمرتهم حتى الركبتين، ثم استدار نحوها ومد ذراعيه وضمها بحضنه وغمغم : تعاليلي عايزك جنبي… حتى وأنا مبلول ميه!!
هتفت وهي تضحك بمرح: أنا أصلا مبلولة بيك من أول نظرة يا سليم…
ضحك بصخب ورفعها علي ذراعيه وهمس : اتبلي اكتر يا قلبي اغرقي فيا !!
فردت ذراعها في الماء وكأنها قرارت تسلم روحها بالكامل لمن تعشق وهي تضحك بمرح بلغ عنان السماء..
اقترب منها وهمس أمام شفتيها بين قبلاته الملتهبه:
وانا كمان عايز اغرق في حضنك… ولما أغرق، أبقى غرقت جواكي.
نزل بها إلى الماء، وغطسا معا، وكأن البحر احتضنهما كما احتضنا بعضهما البعض…
تلك اللحظة لم تكن مجرد نزهة، بل وعد مكتوب بأمواج.. البحر، أن لا فراق بعد اليوم…
كان البحر دافئا كحضن أم، والموج يحتضنهما في رفق كما لو كان يعرف أن ما بينهما ليس مجرد حب، بل وجع سابق، وخلاص جديد…
كانت دمع بين ذراعيه، وشعرها يلتصق بوجهها ووجنتاها متوردتان، وعيونها الواسعة تلمع من قطرات المياه… أو من العشق.لفت ذراعيها حول عنقه وهمسه بأنفاس لاهثة:
حاسة كإني باتولد من جديد معاك يا حبيبي!!
مرر يده علي جسدها بنعومه وهمس: اصلا لم اتولدتي، اتولدتي عشاني… وعمري ما هسمح لأي حاجة تكسرك تاني… ولا تبعدك عني حتى لحظة…
التهم شفتيها بجوع وامتصها وكان حياته كلها في تلك الشفاه الورديه وهمس : كل حتة فيكي فيها حياة… حتى رمشك لما بيرمش، بيقولي إني مش هبقي لوحدي تاني…
قبلته علي وجنتها ومسح على علي صدره وهمسة: بعشقك يا روح دمع وفرحتي !!
مرر يده ورفعها بين ذراعيه وخرج بها من الماء وهمس بإصرار عاشق أضناه عشقه : وإنتي تفتكري أنا لقيتك ليه؟ربنا بعتك ليا عشان تعوضيني كل اللي فات…
عايز أحبك اوي… بكل تفصيلة فيكي…
وأعلق نفسي بيكي لدرجة تخوف. تخوفني وتخوفك من البعد ويبقي مستحيل نبعد عن بعض !!
دلف بها الي الخيمه وانزلها علي الأرض ضحكت وقالت : عارف اول مره اعرف ان السفاري حلوه كده؟!
لو الزمن وقف دلوقتي… مش هطلب حاجة تاني…
همس أمام شفتيها بصوت أجش مشحون بالعاطفه : بس أنا هطلب…هطلب تبقي ليا…وتباتي الليلة دي فحضني…
مش مراتي وبس، كروحي اللي رجعتلي بعد ما كنت ميت بالحياة.
سحبت رابطة فستانها بنعومه وهمسه بغنج : أنا ليك… دايما كنت ليك… حتى وأنا بخاف… كنت بخاف عشانك!!
سقط الفستان عند أقدامها بنعومه حدق بها بذهول مخلوط بالعشق.. وبلع لعابه بصعوبه ..وحاوط خصرها وقربها إليه وهمس: انتي اد الحركه دي؟!
خفق قلبها بجنون ليس خوفا ولكن عشقا وهمسة بتحدي : لو مش ادها مكنتش عاملتها يا باشا!
ضمها بقوه والتهم شفتيها بعنف.. وانحني بها علي الفراش مرر يده علي جسدها وكأنها يتلمس روحها وليس جسدها..
الروح التي وقع في غرامها قبل أن يلمسها فصل قبلته وهمس: أنا مش هلمسك علشان إنتي مراتي…تؤتؤتؤ هلمسك علشان إنتي دنيتي…
انزلق بيده الي أنوثتها وداعبها برقه عضت شفتها وهمسة: ااااه
حدق بها بعشق والتهم شفتيها بقبله بطيء ببطء قاتل يغلفه الرغبه ممزوج بالتملك وكأنه يقول : انتي ليا ..
انزلق الي عنقها ومرر شفتيه عليه وهمس بخشونه وعالت اهاتها وانينها الخافت اخترقها ببطء شديد وهمس : هدوبك فيا عشان لما تقومي من حضني… تلاقي نفسك بقيتي أنا…
تاوهت وضمته إليها بكل قوتها وهمسة بصوت متهدج :
أنا خلاص… بقيت سليم!
……………………………….
في شقه جبران الباشا ..
خرجت ونس من المطبخ علي صوت دق عنيف علي الباب ..خفق قلبها بشده وهرولت وفتحت الباب، وشهقت عندما وجدت صبحي أمامها ، بابتسامه لزجه مشبعة بالسم…
دلف بدون استئذان ، وهو يتفحص الشقة بنظرات يملؤه الازدراء وقال بنبرة باردة: والله ولعبت معاكي ، يا مرات جبران باشا…
نظرت له بحنق ، وقالت بنبرة حازمة:إنت عايز إيه تاني؟ أنا مابقاش عندي ليك حاجه ومش خايفه منك!!
نظر لها بدهشة مصطنعه وردت ببرود قاتل: لأ عندك… عندك سر لو طلع، هيفجر عيلة كاملة! قوليلي…هي دمع تعرف؟ تعرفي إنك بقيتي مرات حماها؟ إنك اختها وحماتها في نفس الوقت !! وجوزها عارف انك خدتي مكان أمه! وانتي حماته دلوقتي!!
ضحك بمرح مصطنع وهتف : انتوا لغبطوا الدنيا كده ليه؟!
بلعت لعابها بصعوبه وشحب وجهها كأن الدم فار منها، لكنه أكمل بقسوة:تخيلي كده لما يعرفوا .. وشكل دمع ادام سليم هيبقي ايه؟؟ وسليم هيفكر فيكي ولا في ابوها الراجل المحترم القدوه!! اتجوز عيله اصغر من ابنه!! لا وكمان في السر زي المراهقين!!
همسة وهي تحاول السيطرة على رعشة صوتها:
احنا مغلطناش! وانت بتلعب بنار ممكن تحرق الكل.
ضحك بخبث ومد إيده كأنه يطلب وقال : أنا؟ لأ أنا بس عايز حقي ٢٠ ألف كده حلوين، وأوعدك أخرس لحد ما يخلصوا !!
امتلأت عينيها بالدموع وهتفت : أنا معيش المبلغ ده، وأنا مش حرامية عشان أسرق من جوزي…
اتكأ على الحيطة وقال: خلاص هو تليفون واحد وارجعهم من شهر العسل.. كفايه عسل لحد كده … يا تدفعي، يا تجهزي نفسك ليوم القيامة اللي هقومها عليكي!!
تجمدت مكانها وهي لا تصدق حقارة واستغلال والدها أو ما يسمي والدها ..اخيرا استطاعت تحريك لسانها وهتفت بغضب : هديك الفلوس… بس دي آخر مرة، فاهم؟ آخر مرة!
ضحك بخفة ساخرة وهو يتجول بأنحاء الشقة، وعينيه تلف حوالين المكان اللي فيه روحها، كأنه بيتسلى على حساب وجعها وقال : كل مرة تقولي كده… وبترجعي تدفعي، عارفة ليه؟ عشان عندك كتير تخسريه، وأنا عارف ده كويس!!
اختفت لحظات في الغرفه وعادت ومدت إيدها بالظرف وقالت بصوت مبحوح من القهر: عمري ما هسامحك … ومهما خدت مني، عمرك ما هتبقى بني آدم…
خطف الظرف منها، فتحه بسرعة، تغير وجهه وهلل عندما راي المبلغوغنغم : عقلك بدأ يوزن، يا ونس… عجبتيني يا بت صبحي !
نظرت له بدموع متحجرة واشمئزاز وهتفت : اطلع برا… وسيبني فحالي بقا …
تحرك ناحيتها خطوة، وقال بصوت أقرب للهمس:
هخرج… بس لو فكرتي في يوم ترفضي لي طلب، هاجي مش بإيديا فاضية… هاجي ومعايا السلاح الوحيد اللي هيكسرك الفضيحة يا ونس!!
نظرت له بنفور والتزمت الصمت وتحرك الي الباب وخرج واغلق الباب بعنف..
وقفت ونس خلف الباب وسندت بيدها علي الباب وهي تتنفس بصعوبة، ودموعها تنهمر بصوت مقهور موجوع وكأن الدنيا استكترت عليها الراحه والسعاده…
………………………..
امام مدرسة جيلان…
خرجت جيلان من بوابة المدرسة، وشعرها مرفوع بعشوائية ساحرة، وملامحها مرهقة لكن محتفظة ببريقها المعتاد. خطواتها كانت سريعة، كأنها تهرب من شيء ما… أو ربما كانت تركض نحوه وكانها تشعر به حولها توقفت علي نداء زميلها : جيلان! جيلان استني !!
توقفت ونظرت له ببرود وقالت : نعم! في ايه ؟!
اقترب منها وتمتم بدهشه: أنا ضيقتك ولا ايه؟!
ليه بتعمليني كده؟ أنا زعلتك في حاجه يا جيلان؟ أنا بجد معجب بيكي و..
قطعت جملته ورفعت يدها بتحذير وقالت : أنا مش بحب الكلام ده… خليك في حالك وسيبني في حالي أنا مرتبطه يا زياد!!
ثم استدارت وتحركت دون أن تلتفت أو تعير صدمته أدني اهتمام ..
علي جانب الشارع ، كان آدم يراقب ما يحدث كالعاده . ونظراته تقدح نارا، لكن تلك النار انطفأت لحظة رأى كيف صدته… كيف حفظت كرامته واسمها في غيابه ..كيف تركته وانصرفت دون تردد ولو لحظه ..
ابتسم بعبث وهمس: اموت فيك يا شرس!! البت دي هتبقي موت في السرير !
ترجل من السياره في لحظة سحبها من ذراعها اصطدمت بصدره شهقت بفزع وهتفت : ادم خضتني!!
اقترب منها وهمس بشتياق : وحشتيني اوي يا چيچي!
نظرت له وتبدلت ملامحها وابتسمت بخفوت وهمسة : ادم احنا في الشارع عيب كده يا أبيه!!
عضت شفته بحنق وغمغم بخبث غاضب : هو انتي مستغني عن لسانك وشفايفك الحلوه دي يا جيلان؟!
تراجعت للخلف.. وقبضت علي حقيبتها.. وتوترت من نظرته الخبيثة لشفتيها.. وهزت راسها بالنفي
وغمغمت: لا.. لا مش مستغني.. انت عايز ايه؟!
قبض على ذراعها وغمغم بصوت حارق : لو سمعتك بتقولي أبيه دي تاني.. هكلهم يا جيلان هقطعهم بسناني.. هخليكي!! واوعدك بعد البوسه دي مش هتقولي غير حبيبي ادم وبس…
تراجعت برعب ولكزته بقوه وغمغمت بدموع: ايه اللي بتقوله ده عيب كده!!
ضحك بمرح.. وسحبها الي السياره وفتح الباب ودفعها برفق.. واغلق السياره وصعد وانطلق بالسياره بسرعه وهتف: العيب يا قلبي انك تقولي لحبيبك اللي هيبقي جوزك أبيه دي… أبيه ازاي مش فاهم! اتعامل معاكي ازاي وانتي بتقولي أبيه يعني؟!
نظرت له بدهشة وهمسة: جوزي ازاي يعني؟!
قبض على يدها وقبلها عدت قبل دافئ ونظر لها واردف بعبث : اقلك ازاي ومتزعليش!!
شهقت بفزع وسحبت يدها بسرعه وهتفت : نزلني انت بتخوفني نزلني بسرعه!!
ضحك بمرح وصف السياره علي كورنيش النيل ،في مكان معزول على النيل،نظرت حولها بدهشه وغمغمت : وقفت ليه هنا يا آدم؟!
نظر لها بعشق وغمغم: بحبك اوي يا اميره ادم ..
نكست وجهها بخجل وهمسة: ادم بقا ..
اقترب منها.. ولمعت عينيه بلهفة عاشق صبر طويلا ونار الشوق تكوي قلبه ..ورفع وجهها بيده وهمس بصوت اهدا من النسيم لكنه محمل بنيران حارقه : وحشتيني… أكتر مما تتخيلي يا روحي!!
وضعت جيلان يدها على صدره تحاول دفعه، لكنها شعرت بنبضه المجنون وقالت بنعومة خجلة:وإنت كمان…
نظرت له وهمسة بتوتر : أنا اصلا حلمت بيك..
رفع حاجبه واقترب منها حتي لفحت أنفاسه شفتيها وهمس: بجد يا قلبي! حلمتي ايه؟!
اومات بصعوبه وعينيها معلقه بعينيه وهمس: شفتك ادامي كده زي ما تكون خيال بيزورني في نومي !!
مرر إصبعه فوق ذراعها براحه دبت قشعريرة بجسدها جعلها تتململ بتوتر وهمس: اصلي بحب اشوفك وانتي نايمه ..واتخيلك نايمه في حضني ودايبه فيا ودايب فيكي… ولما بنام بنادي عليكي بقلبي،
يا جيلان أنا قلبي ما بينطقش غير باسمك ياروحي ..
رمشت بعينيها تحاول استيعاب كلماته وبلعت لعابه بصعوبه وهي تشعر بشتعال وجنتيها بخجل حارق
اقترب منها أكتر… لدرجة إن أنفاسهم تداخلت. وعينيه تتعمق بعينيها وهمس : بتحبيني؟
لامست ازرار قميصه وهزت راسها وهمسة: اه !! وانت
قبل جبهتها بعشق وهمس : أكتر ما بتنفس ..
سند جبهته على جبهتها وهمس: طب إنتي ليا؟
هزت راسها بالايجاب بصمت وهي لا تستطيع فتح جفونها وارتجفت شفتيها بعنف ..
حاوط وجهها بين يديه وتنهد وكأن كل نفس اعتراف صامت بالعشق وهمس : أنا مش هسيبك… لا بكرة ولا بعده… أنتي حياتي..
قبض علي يدها وقبلها عده قبل رطبه وهمس :
إيدك دي… ملكي؟
تنهدت براحه وتراجعت للخلف وهزت راسها وهمسة : ملكك!
لمس موضع قلبها وهمس بعشق : وقلبك؟
وضعت يدها على يده وهمسة : وقلبي..
بلل شفتيه واقترب منها وهمس: وجسمك!!
همسة بصوت خافت وخجول، وهي ترتجف :كلي… ليك!
طبعه قبله علي جبهتها وكأنه يزرعها علي بشرتها قبله طويله.. وكأنه يضع ختم امتلاك على روحها. ثم انسابت شفتاه إلى وجنتها، وعنقها… بخطى بطيئة، واثقة، وكأنه يحفظ تضاريسها عن ظهر قلب…
ارتجف جسدها بشده ،وشهقت برعب وانحدرت دموعها بطرف عينيها ..وهي لا تستطيع تحمل جموح إحساسه وعنفوان مشاعره ، وطريقته التي لا تشبه أحدا… رجل يعشق بجنون، يلمسها كأنه يعزف، ويهمس كأنه يقسم.
ضمها بقوه ومسح ظهرها وهمس بجانب أذنها: جيلان… أنا مش راجل بيفكر فيك لحظة… أنا راجل بيعشق تراب رجليكي!!
شهقت من صدقه… من حبه… من اندفاعه اللي هز كيانها وهمسة بصعوبه :آدم…
نظر لها ولمس شفتيها بإبهامه وهمس : عيني.
وضعت يدها على صدرها وهمسة : كفايه كده!! روحني مش قادره اتنفس يا آدم ..
اقترب منها وأنفاسه تلفح عنقها، ونبضه يدق على جلدها كمطرقه حرب وهمس : أنا هواكي… تعالي اتنفسي في حضني متخفيش!!
دفعته بقوه وهمسة بصعوبه : ادم مش قادره بجد حاسه اني دايخه!
نظر لها وخفق قلبه برعب وحاوط وجهها وهمس: مالك يا جيلان! مالك يا روحي انتي وشك اصفر كده ليه؟ مالك!!
تململت بتوتر وهمسة: روحني …
هز رأسه وهتف برعب يفتك به: طيب اخدك لدكتور الاول اطمن عليكي انتي مش طبيعيه يا قلبي..
هزت راسها بالنفي وغمغمت بدموع: لالالا.. روحني!
اوما برأسه وسحب زجاجه ماء وفتحها بسرعه وهتف : طيب اشربي يا قلبي اشرب!!
مسكت الزجاجه وارتشفت منها وهي ترجف .. وهو ينظر لها بذهول مخلوط بالرعب.. وغضب عارم من نفسه..
كيف تماد معها هكذا؟! ولما يشعر بنفسه !! ولا برجفت جسدها بين يديه.. انتهت من ارتشاف الماء وأخذ منها الزجاجه وهمس : احسن يا قلبي!
هزت راسها وهمسة بنحيب : اه.. بس روحني عشان خاطري!
مسك يدها وقبلها وتمتم بندم من اندفاع مشاعره وأفكاره بيها : حاضر !!حاضر ..حقك عليا يا روحي.. والله بحبك اووي ومحستش بنفسي اني بخوفك !
نظرت له ودموعها تنزل ببطئ اقترب منها ومسح دموعها بطرف يده وقال: بلاش عياط ابوس رجلك ..عشان خاطري بلاش كده.. أنا اسف مش هعمل كده تاني! سامحيني يا چيچي!!
نظرت له وكلماته الحنونه ونظراته الدافئة تخترق اعمق نقطه في قلبها وغمغمت: اخر مره!!
هز رأسه وتمتم بحنان : اه اخر مره !
ابتسمت برقه وهمسة: طب روحني؛
ضحك بمرح وقال: عيني حاضر!
وتحرك بالسياره بسرعه وهو ينظر لها بعشق ووله وشوق وحنين لا ينتهي ولا يقل وهي تحاول اخفاء عينيها بخجل منه …
…………………….
في المصنع
في قلب المصنع، وسط صخب الأجهزة وهمسات العمال وهم يجهزون الطلبية الأهم، تسللت أمل بخطوات حذرة، تسبقها عينيها المتسعه كطفلة تدخل مدينة ألعاب لأول مرة الألوان، الروائح، التفاصيل الصغيرة التي تنبض بالحياة… سحرتها.
وقفت أمام طاوله ممتدة، تعج بأصناف الحلويات المصطفة بعناية، وردات الشوكولاتة، خطوط الكريمة، قطع الفواكه اللامعة. مدت يدها برهبة… لم تكد تلمس شيئا حتى ارتجت الصينية واهتز توازنها، فارتطمت بطرف الترابيزة، لتنقلب فجأة!
جحظت عينيها وشهقت: يا نهار مش فايت! أنا كده همشي قبل ما أشتغل
تطايرت وردات الشوكولاتة كطلقات عشوائية، إحداها ارتطمت بجبينها، بينما سقطت أخرى داخل كيس مفتوح من الكريمة. أصابها الذهول، ثم الرعب، ثم بدأت محاولة استعادة النظام… محاولة عبثية تماما.
وفي أثناء انحنائها لتلملم الكارثة، اصطدم كتفها بزجاجة صوص فراولة، فاندفعت ترسم خطا دامع فوق قطعة جاتوه مزخرفة، ليكتمل المشهد وكأن عاصفة صغيرة ضربت المكان ثم سقطت الزجاجه وانفجرت الكريمه في وجهها
شهقت برعب علي صوته الجهوري : إنتي بتعملي إيه هنا؟!
تجمدت أمل في مكانها، وانطبع الذعر على وجهها الملطخ بالكريمه ثم التفتت ببطء لتجد وائل واقف على الباب، يربع ذراعيه ، ونظراته تحمل بين طياتها ما يكفي لإذابة أي محاولة تبرير…
نهضت ببطئ وهمسة بارتباك : أنا… يعني… كنت بتفرج بس، و الحاجات وقعت لوحدها، والله!
واقترب منها وائل بهدوء قاتل، نظرة جامدة، سبقته رائحة قهوة مركزة وشجن قديم.مسح المكان بعينيه رفع حاجبه بدهشه من فوضى المكان وكأنها ارتكبت جريمة قتل وغمغم : دي طلبية لفندق جبران الباشا… فاهمة يعني إيه؟ يعني غلطتك دي ممكن تطيرنا كلنا!
مسحت وجهه بارتباك وغمغمت : أنا ما كنتش أقصد، والله! أنا كنت بس… يعني… كنت بتفرج، فجأة الصينية قالتلي هقع…وبس وقعت !!
نظر لها كأنها مختله وهتف : قلتلك هقع ووقعت؟!
جحظت عينيها عندما أدركت الهراء الذي تفوهت به وغمغمت بدموع: لالاا أنا هصلح! والله! بس اديني فرصة، دي وردة لسه كويسه هلمها، وهمسح الكريمة اهو وكل حاجة هيبقا زي الفل!
نظر لها بحده ممزوجه بالدهشه.. بلعت لعابها بصعوبه وهمسة بتلعثم: طب هعدلها! أنا شاطرة في التركيب… يعني مش تركيب تركيب، بس بحب أفك وأركب… مش بني آدمين طبعا! لالالا الحاجات…
لطمت وجنتها وهمسه : ايه اللي بقوله ده ؟!
جحظت عينيها وهي تحاول وضع الوردة ولكنها سقطت وسقط خلفها ثلاث وردات أخريات
مسح علي وجهه بحنق وغمغم: وبعدين يا فرقع لوز انتي
شعرت بعينيها تحرقه بسبب الكريمه حاولت تمسح وجهها بيدها، وهي تبحث بجنون عن منديل، لم تجد، رفعت عينيها المبلله بالكريمة .. فرأت قميصا معلقا على شماعة بجواره. بلا أي تفكير منطقي، مدت يدها وسحبت القميص، وبدأت تمسح به وجهها بتلقائية طفولية.
اقترب منها بدهشه من تصرفاتها الساذج وهتف بحنق : ده قميصي يا بت!! إنتي طبيعيه؟ كل ما تيجي تصلحي حاجة… تخربيها اكتر ..
غمغمت بدموع: طب أعمل إيه؟! الكريمة بتحرق في عيني، وأنا كنت خلاص هاعمى!
هرولت حتي تضع القميص مكانه لكنها أسقطته أرضا عن غير قصد، فانحنت ترفعه، فخبطت رأسها في ذراع الكرسي وتمتمت : آااه! دماغي!
رغم انزعاجه الظاهري منها ، لم يستطع منع ضحكة خفيفة تسربت من فمه، متسللة من ثقب صغير في جدار الحزن داخله،
ثقب أحدثته هذه الفوضى العفوية، والبريئة.
رفعت أمل رأسها، عيناها تلمع من شدة الإحراج، وشفتها ترتجف وهمسة : إنت بتضحك عليا؟ مش كفايه البهدله دي ؟!
هز رأسه، وشعر بالشفقه عليها راقت ملامحه قليلا ولانت ونبرة صوته وقال : أنا… لا، أنا مش قادر أستوعب إزاي حد ممكن يبقى كده. إنتي عاملة زي قنبلة سكر… بتنفجري في أي حاجة بس برضه تضحكي.
صمت لحظة ونظر لها بتمعن قال: بس خلي بالك… القنبلة دي لو فضلت تنفجر، هاتجيبنا كلنا الأرض.
نهضت وجلست علي الكرسي وانهمرت دموعها ببطيء وهي بتمسح الكريمه من وجنتيها بطريقه طفوليه وهمسة : انت بتضحك عليا ربنا يسامحك !!
اقترب منها وجثي أمامها وقال بهدوء : لا لا… أنا مش بضحك عليكي، والله… أنا… نسيت يعني إن في ناس ممكن تكون كده… عفويه اوي
نظرت له بدموع تلمع بعينيها وهمسة : أنا ما بوظتش الحاجات دي مكنش قصدي والله … أنا بس كنت بحاول أحس بالدنيا الحلوة دي… مشفتش حاجات زي دي قبل كده…
ابتسم بخفوت وأخرج منديل واعطه لها وقال : خلاص، خلاص… بصي اهي وردة واحدة سليمة… نبدأ بيها من أول وجديد، ماشي؟
هزت راسها وهي تنظر له بدهشة وهمسة : انت اسمك ايه؟!
نهضت واقترب من الطاوله وبدأ بتجنب الاشياء التالفه وقال : وائل.. اسمي وائل يا فرقع لوز!!
ضحكت وهي تقترب من الطاوله وتقوم بمساعدته وقالت : لا أمل.. مش فرقع لوز ..
ضحك بمرح وهز رأسه بيأس من هذا الكائن قنبله السكر !!
…………………………….
في مكتب جبران الباشا..
دلفت مها ..ونظرت الي ونس المنهكه في ترتيب بعض الأوراق، وقلمها يتحرك بخفة بين أصابعها، بينما عيناها تتابعان شاشة الحاسوب أمامها ..عضت شفتها بحنق وسهام نظراتها تخترق ونس بحقد دفين وهمسة : نفسي اعرف عجبه ايه فيكي يا بتاعه انتي؟!
رفعت ونس رأسها بسرعة، وقطبت حاجبه بدهشه وغمغمت : نعم ! عايزه ايه؟ وقفه كده ليه يا انسه ؟!
غمغمت مها بهدوء مستفز: عايزه اقابل جبران ..
ضيقت ونس عينيها ونظرت له بازدراء ونهضت بعنف وهتفت : نعم! جبران ازاي يعني يا بت انتي؟!
وضعت يدها على فمها وشهقت وغمغمت بنبره هادئه مستفز: اسفه نسيت!! قصدي جبران باشا يا حبيبتي ..
ضربت ونس سطح المكتب بقوه وهتفت : عايزه تقابليه ليه بقا !!
تمتمت مها بنظره بارده بحقد : عايزة أقابل الباشا… عندي حاجة مهمة أدهاله… كان هو طلبها مني شغل يعني !!
نظرت لها ونس بغضب حارق وتحركت الي باب المكتب وفتحت الباب وهتفت: الانسه عايزه تقابلك!!
نظر لها جبران وغمغم بصوت رخيم وحاد في آن:دخليها يا ونس.. وعايز قهوه! ومدخليش حد …
تجمدت ونس مكانها، وقلبها اتعصر بصدمه ، ونظرت له بغضب .. نظر لها جبران وأشار برأسه وتمتم بصوت حاسم : ونس في ايه يلا…
انسحبت ونس بخطوات بطيئة، وهي تشعر بدمائها يغلي كبركان اوشك علي الانفجار ،تحركت مها وهي تنظر لها بخبث واغلقت الباب خلفها … ضربة ونس الأرض بغضب وهي تشعر كان قلبه يشتعل وتجوف بنار الغيره ،
وقفت عند مكتبها من جديد، لكن عنيها متسمرة على الباب المغلق ،
استمر الجدال بين عقلها الذي يحثها علي الثقه بزوجها وقلبها المشتعل ويصرخ بأنها يجب اقتلاع اي عين تنظر لزوجها وحبيبها ..
في الداخل …
وقفت مها أمام المكتب بتوتر ورعب جلي.. بلعت لعابها بصعوبه.. وهمسة بتوتر عندما طال صمته وهو يتفحص الاوراق التي أمامه ببرود وهمسة: يا باشا أنا جـ ..
قطعت جملتها عندما رفع رأسه ونظر لها بنظره جليديه بها صقيع أصابها برجفه حاده وهدر : جبتي الورق؟!
اومات لها وفتحت حقيبتها واخرجت ملف ووضعته أمامها وغمغم بصعوبه : أايوه ..انااا جـ جبت الملف كله زي ماهو مـ من مكتب حاززم صفوان ..
مد جبران يده للملف بهدوء قاتل، وفتح الورق بسرعة لكن عينيه بترصد كل تفصيلة.اتنقل بين الصفحات، بملامحه ثابته … وعينيه تلمع بميض خطر…
نظر لها وغمغم بصوت حاد : لو الورق ده طلع ناقص صفحة…او فيه حاجة مش مظبوطة…هتبقي وقعتي نفسك في حفرة محدش هيعرف يطلعك منها!!
هزت راسها بالنفي وردت بسرعه : أنا عارفة إني بلعب بالنار،بس نار حازم صفوان اهون يا باشا..
ارجوك اديني الفيديو وسيبني اروح لحالي وأنا واثقة إنك مش هتندم…
الق جبران الملف علي المكتب وغمغم بتأكيد بارد : أنا مش بندم يا مها…بس اللي يضحك عليا مرة، عمره ما بيشوف النور تاني!!
نهض بقامته الفارهه غطي بظله عليها ونظر لها بصقيع مميت جعلها تتململ بتوتر وهدر بفحيح:
دبت النملة عند حازم صفوان توصلني.ولو فـ أي حركة من ناحيتك…هتعرفي يعني إيه كتبتي لنفسك كلمه النهاية!!
تراجعت للخلف برعب وهزت رأسها وهمسة بخفوت : حاضر حـ حاضر اللي تقول عليه يا باشا..
أشار لها بيده بصمت قاسي تراجعت بسرعه حتي اصطدمت بالباب.. وفتحت الباب وخرجت وهي تشعر برجفه حاده أصابت جسدها ..وعرق بارد سال علي عنقها ..
نظرت ونس إلي باب المكتب وهي بالكاد تخفي النار المتأججة داخلها، ولكن عينيها لم تخطئ بنظرات مها، تلك النظرات التي تحمل الغرور والاستفزاز… وكأنها تقصد إشعال فتيل الحرب.
اقتربت مها من مكتب ونس ببطء، وبخطوات مدروسة، وابتسمت بثقة لئيمة، وعينيها تلمع بالانتصار.وغمغمت بنظره لزجه : انتي إتاخرتي علي الباشا بالقهوه وهو كان مستني !!
نهضت ونس واشتعلت عينيها بغضب شديد وهدرت : وانتي مال اهلك بقا ..
ابتسمت برقه مصطنعه وغمغمت : أنا بتكلم عشانك الباشا مش بيحب الاهمال!! وكده ممكن تخسري شغلك لو كل شويا يشتكي منك!! يعني الحق عليا بنبهك ..
ضحكت ونس بدون ذرة مرح وغمغمت : بصي يا ماما … أنا ساكتة لك من أول ما دخلتي، بس واضح إنك فاهمة غلط! الباشا عمره ما هيشتكي مني لاي حد …بذات لواحده زيك فاهمة؟
نظرت لها بحقد وغمغمت : واحده زي! ولا زيك!!
ولا عشان انتي مش حرمها من حاجه ومروقه عليه مش هيشتكي منك ..
في لحظة… وبدون تفكير…رفعت ونس يدها الي الاعلي وهوت بها علي وجهه مها بصفعه مدويه جعلتها تترنح في وقفتها وصاحت : يا حقيره يا زباله ايه فاكره كل الناس زباله زيك أنا اشرف منك ومن اهلك يا بت الكلب..
صرخت مها ورفعت يدها تحاول رد الصفعه.. ولكنها تمسكت بها ونس بقوه.. ودفعته الي الحائط صرخت مها بالم ووقبضت ونس علي عنقها وصاحت بغضب : أنا هربيكي يا بت الكلب.. وضح كده محدش عرف يربيكي عشان تبصي لراجل مش ليكي يا حربؤه !!
عالت صراخت مها بشكل مرعب وصاحت : اوعي يا بيئه يا حوراتجي يا زباله !
رفعت ونس فتاحة الاظرف علي عنقها وهدرت : اللي بتقولي عليه مروقه عليه يبقي جوزي وانا مراته!!
نظرت لها بحقد وغمغمت: يعني أنا مرات جبران الباشا يعني هفعصك تحت رجلي.. ولا هحس بيكي اصلا!!
صاحت مها بالم وحاولت دفعها بعنف وهتفت : انتي مراته دي اكيد تهيؤات مش كده !!ولا بتكدبي علي نفسك !!
رفعت ونس الفتاحه لاعلي ..وشهقت مها برعب ولكنها توقفت يدها عندما قبض جبران علي يدها وهدر بصوت زئيره جمد الهوا : ونس!! بتعملي ايه يا مجنونه؟!
سحبها وقبض علي خصرها ورفعها الي الخلف وهتف : ليه كده؟! عايزه تموتيها ليه ؟!
صرخت ونس وهي تترنح بين أحضانه: سيبني! سيبني أخلص عليها! دي عينها منك اللي تدب فيها رصاصه دي
أنا هادفنها هنا دلوقتي!
أشار إلي مها بالانصراف وهدر : امشي انتي دلوقتي يلا ..
صاحت ونس بغضب وعصبيه: لا متسبهاش تمشي هكلها بسناني الاول !!
هز جبران برفق بين أحضانه وهتف : ونس! كفاية! فوقي!
إيه اللي حصل لك؟!
لكزته بقوه وصاحت بغضب مكبوت ودموعها تنهمر أمامه : أنا مراتك لوحدي.. أنا بس.. وانت تقولي دخليها ومدخليش حد ليه في ايه بينك وبينه ؟
بتخليني أخرج من المكتب عشانها… ليه؟!
جحظت عينيه بصدمه من حجم غيرتها وحجم وجعها أكثر من تصرفاتها وتلجم لسانه بداخل فمه ..
نظرت له بدهشة عندما طال صمته.. ودفعته بقوه علي صدره، وخرجت من حضنه، وصاحت بغضب وصوت مكسور : إنت اخترت تجرحني قدام الحيه دي … تمام.
أنا كمان اعرف أمشي من غير ما أبص ورايا.ومتشوفش وشي تاني !!
قبل أن يستوعب كلماتها ركضت من أمامه بخطوات سريعه وانفاس متقطعه.. تجمد جبران مكانه، يحاول يستوعب الكارثة التي حلت به ..بذهول تام وبدون تفكير ركض خلفها ..وقلبه يعتصر بالم حاد !!
خرجت ونس من المكتب كأنها تطارده أشباح خيبتها… ومشاعرها متداخلة بين الغيرة والخذلان، والخوف من أن يكون لغيرها نصيب من جبران…
تحجرت عينيها بدموع حاولت إخفاءها، لكن الغصة كانت أقوى من كبريائها.وستقلت اول سياره اجره وانصرفت
خرج جبران من الفندق والسياره تتحرك وهتف بصوت جهوري : ونس! ارجعي هنا! إنتي فاهمة غلط! وووونس !!
ركض الي سيارته دون اهتمام بنظرات العاملين وامن الفندق الذين حدقوا ببعضهم بذهول تام..
وصعد سيارته وانطلق بسرعه خلفها كالمجنون، لم ينظر للزحام، لم ينتبه للمارة…
كل ما كان يهمه هو أن يرى ونس، أن يضمها… أن يطفئ النار التي أشعلها في عينيها دون قصد …
…………………………….
في مكتب حازم صفوان…
كان المكتب الفخم يضج باصوات تكسر وتحطيم كل شىء فى المكتب .. انقلب المكتب رأسا على عقب بعنف، وتناثرت بعض الأوراق حوله، وصرخ بأعلى صوته: يعني ايه يا كمال الورق اختفى … الصفقة كلها راحت كده ، واللي حصل ده خيانة يا كمال! خيااانة!!
هتف كمال بارتباك وحاول تهدئته :اهدى بس يا حازم ، يمكن الورق اتنقل غلط، يمكن حد بالغلط ..
قطع حازم جملته واقترب منه والنار تشع من عينيه وهدر : بالغلط إيه!! أنا حافظ كل ورقة في الملف ده… الورق اتسرق، ومن فين؟! من مكتبي!! هو فيه غيرك بيدخل المكتب ده يا كمال؟!
هز كمال رأسه وبلع لعابه بارتباك وهتف بصدق : أنا.. أنا ياحازم ، انت عارف اني مستحيل أكون أنا.. أنا وأنت مصلحتنا واحده وانت عارف ..
غمغم بحنق ونبره مشحونه بالحقد : جبران… هو اللي ورا اللي حصل… بس المرة دي مش هتعدي… المرة دي فيها موته ، وهكسر غروره اللي يغرق بلد !!
تحرك الي المكتب وكمال ينظر له بدهشة ورفع الهاتف وهدر : عسوي جبران الباشا زودها اوي!!
هتف عسوي من السماعة: أوامرك يا باشا…
هدر حازم بحزم شيطاني: نفذ يا عسوي جبران الباشا اللي فاكر نفسه فوق الكل ..عايز موته تبقي عبره ..
هتف عسوي بنبرة فيها رغبة للدم: اعتبره مات خلاص.
هدر وعينيه تلمع بانتقام وشراسه: عايز دمه يغسل اسمي من الوساخة اللي كان السبب فيها … والنار اللي جوايا تطفيها جنازته وووو
يتبع
…………………
ساحرة القلم ساره احمد