بين أحضان قسوته

بين احضان قسوته (الفصل السادس وعشرون)

بين احضان قسوته (الفصل السادس وعشرون)

العشق بينهم كان نارا لا تهدأ، يحترق بينهما ويشعل كل لحظة تجمعهما، وكأن العالم كله يذوب حولهم ولا يبقى إلا صوتهما وأنفاسهما المتشابكة في ظلام العشق. كان جنونهما ينسج بينهما خيوط من العذاب اللذيذ، حيث لا يقدر أي منهم على الفكاك من الآخر، وكأنهما خلقا لبعضهما في هذا الكون، مجنونين، عاشقين، ضائعين في حب لا ينتهي.

غمغم جبران ببطء وحده تخترق العظم : ونس!!
تجمد علاء بأرضه وحدق في ملامح جبران التي توحشت فجأة… والجو في الغرفة أصبح ثقيلا ، مشحون بالكهرباء، وكأنه علي وشك الانفجار.. ظل الصمت ثقيلا .. كأن المكان بأكمله محتجز تحت وطأة العاصفة القادمة….

لم يستوعب علاء بعد، بينما ظل جبران محدق في الشاشة للحظات، وكأن عقله يركض بين آلاف الاحتمالات. لكن مستحيل… مستحيل تكون ونس!!

هدر بصوت خافت لكنه مشحون بالغضب والثقة القاتلة:
ونس؟! مستحيل… مستحيل تعمل كده.. لو ونس اخر واحده في الدنيا مش هتكون هي ..مستحيل!!

نظر إلى علاء وأشاره له وعينيه تومضان بلهيب قاتل واكمل بحدة:في حد تاني بيلعب من ورانا!!
لم يمنح علاء فرصة للرد، وتحرك فورا نحو الشاشة، وضغط بأصابعه علي الأزرار بخبرة، وأعاد تشغيل تسجيلات الكاميرات…

كان قلبه يدق بجنون، ليس خوفا، بل غضبا محضا… من تجرأ؟ من امتدت يده إلى أوراقه، إلى ملفاته؟من تجرأ وعبث مع جبران الباشا …

غمغم علاء بحذر وهو يراقب الشاشة: لو مش ونس يبقى لازم نعرف مين؟ وبسرعة ..قبل ما كل حاجة تخرج عن سيطرتنا…

ضرب علي سطح المكتب بقوه وهدر بتأكيد قاتل : مش ونس يا علاء .. شيل الفكره دي من دماغك! ونس مراتي عارف يعني ايه مراتي!! أنا عارف مراتي كويس اوي !!

اوما برأسه وقال: عارف يا باشا أنا آسف بس هنعرف اكيد!!
لم يردجبران وهو يصب كامل تركيزه على الشاشة.. والمشاهد تمر أمام عينيه كخيوط متشابكة، يبحث بينها عن الخيط الذي يكشف الحقيقة. لحظة… هناك شيء ما…
ضغط زر التقديم البطيء، وضيق عينيه والغضب يتصاعد أكثر… وها هي الحقيقة تظهر أمامه بكل وضوح!

رفع عينيه من الشاشة ببطء، أنفاسه كانت أثقل، نظرة واحدة لعلاء كانت كفيلة بإشعال النيران في المكان.
هدر جبران بصوت خافت لكن كل حرف فيه ينذر بالجحيم: لقيته !!
………………
في الفندق في جناح سليم

طل الصباح بخجل من خلف الستائر، يلقي خيوط الشمس الأولى على ملامحها النائمة، تلك التي حفرت في قلبه كقسم أبدي لا يتغير…

تمدد إلى جانبها بهدوء، وهو يتأملها كما لو أنها معجزة، وكأنها وجدت لتكون خلاصه من كل ما كسره العمر ذات يوم…

اقترب بأنفاس متقطعة منها ، وكأن قربها يربكه حتى الآن، رغم أنها باتت زوجته، وملكه، ونصفه الحي.
مر بأنامل الدافئة،  على كتفها العاري، وحاول إيقظها بلطف لا يخلو من التملك، فتحت عينيها ببطء، لتجده يبتسم… تلك الابتسامة التي تسبق العاصفة.

همس بصوت خافت مبحوح  :صباح الجمال… يا عروسة قلبي.
ابتسمت بخجل ودفنت وجهها في صدره، وضمها بقوة وهمس بحنان ودفء  : عارفه يا دمع  كنتي نايمه جنبى، وقلبي صاحي طول الليل… كل ثانية ابصلك وانا مش مصدق إنك بقيتي ليا، اوعدك عمري ما هسيبك تروحي مني مهما حصل….

رفعت رأسها ونظرت له ، بعيون لا تزال تسبح في نعاس ناعم، وهمسة: حاسه إني بعيط من غير دموع من الفرحه… عمري ما حسيت بالأمان كده، ولا حد حضني بالشكل ده…

شدد ذراعيه حولها وكأنه يحميها من كل العالم، وغمغم  بنبرة متوعدة، شهوانية وعاشقة في آن واحد:
وأنا عمري ما كنت عايش غير لما حضنتك بين أحضاني … انتي مش بس مراتي، إنتي كل الدنيا يا دمع ..

طبع قبلة طويلة على جبينها، ثم انزلق الي عنقها، تنهدت بصوت مرتجف، وارتجف جسدها باستجابه بين يديه.
اقترب منها والتهم شفتيها بجوع ولهفه مفرطه ..

اقترب منها أكثر، واعتلاها وقبض على يدها وثبتها بجانب راسها ..وهمس بصوت أصبح أكثر خشونة، أكثر عطشا: عارفه أنا عايزك… تفضلي في حضني كده، لحد ما اليوم كله يخلص، ولحد ما الدنيا كلها تسكت… وميفضلش غيرنا…

ضحكت بخجل وحاولت النهوض وهمسة : طب اهدي بس.. إيه رأيك نطلب فطار؟ أنا جعانة اوي حرام عليك يا سليم !!

ابتسم خبث، وهبط على نهديها وغمغم :وإنتي فاكرة نفسك هتفطري غير حضني؟ ده أنا جعانك إنتي من قبل ما الليلة تخلص.. أنا هفطر اهو ؟!

ضحكت وأغمضت عينيها …وهي تشعر ان الوقت يتوقف، وكأن النهار لا يجرؤ أن يفسد جنون عاشقين، بدآ حياتهما بخطيئة حلال، وعشق لن ينتهي ..

لم يكن الصباح عاديا، بل صباحا ولد من رحم ليلة خلقت ليحفرها الزمن بين تفاصيلهما…

التهم نهديها ومرر شفتيه والتهم عنقها وعضمة الترقوه وكل ما طالته شفتيه بعشق وواله وجنون مرر يده علي جسدها بنعومه وهمس: بعشقك !!

نظرت له بنظرات ناعسه مملوء بالشهوه التي أشعلها بجسدها وهي تحاول التقاط انفاسها بصعوبه.. قبض على خصرها وقربها إليه واخترقها بتملك.. صرخت بالم وهزت راسها بالنفي وغمغمت بدموع: بتوجعني اوي لالا!!

ضمها بقوه وضغط عليها ..ومرر يده على شفتيها ..وهبط على شفتيها بقبله كعاصفه دمرت كل اعتراض منها ..
عالت أنفاسهم وصرخت بالم عندما ضغط علي ساقها.. واستمر في اختراقها بقوه وامتلكها بوله لا ينتهي..
حتي قفز حمم ملتهبه بداخلها بعشق وهمسة : احلي صباحيه يا عروسه!

نظر لها وغمزها بعبث وقال: صباحيه مبارك يا قلبي !!
لكزته بقوه وغمغمت بدموع: أنا بكرهك..
ضحك بمرح وغمغم: واخد بالي! وانا بموت في كرهك لي!!
قبلها بعمق وهمس: يلا بلاش دلع ..ورانا طياره يا قلبي!

نهض وحملها بين ذراعيه ودلف الي المرحاض مر وقت قصير وفتحت دمع حقيبتها حتي تخرج ملابسها.. مر سليم بجانبها ونظر الي الملابس التي في الحقيبه

وغمغم بغضب : اللبس ده اللي هتسافري بيه ؟!
هزت راسها وقالت : اه مش حلو؟!
قطب حاجبه بغضب وهدر: زفت طبعا !!

رمشت بعينيها تحاول استيعاب كلماته وهمسة: ززفت!!
اوما برأسه ببساطه وقال : اللبس ده يتغير كله
اقترب من الحقيبه وقلب بها بذهول مخلوط بالغضب وهدر: يا نهارك اسود ايه اللبس ده؟!  يلا هنروح تغيري كل اللبس ده!! انا مش ناقص جنان ؟

نظرت له بدهشة وردت بغضب : ده لبس اي عروسه يا سليم !!
هز رأسه بالنفي وهدر وعينيه تشتعل بجنون الغيره : مليش دعوه بحد.. أنا مراتي محدش يشوف جسمها!! جسمك، وكلك لي لوحدي مفهوم؟!

نفخت بغضب وغمغمت : حاضر الله ..بطل تزعق فيا !!
اغمض عينيه وضغطه على فكيه.. واقترب منها وضمها بحضنه وشدد عليها وهمس: بغير يا قلبي عشان بموت فيكي.. اعمل ايه يعني بتجنن عليكي ؟!

اومات برأسها وهمسة: وانا كمان بحب غيرتك بس متزعقش!!
ضحك بمرح وقال: حاضر!! يلا طيب كده هنتاخر والطياره كمان اربع ساعات !!
اومات بصمت وبدأت بتبديل ملابسها وخرجت معه الي الفيلا حتي تقوم بتبديل ملابسها ..
…….
في شقة جبران ..
دلفت ونس ومعها مي.. تحت دهشة مي بكل ما يجري حولها.. لا تعلم اين هي؟ ولا لماذا هي هنا؟ نظرت في أرجاء الشقه بدهشة وقالت: احنا فين هنا يا ابله؟!
وشقة مين الحلوه دي؟!

اومات ونس وتحركت بها الي احد الغرف دلف وأشار بيده واردفت : دي شقتي يا حبيبتي!!
جحظت عينيها بصدمه وهتفت: شقتك ازاي؟؟

اجلستها علي الفراش.. وجلست بجانبها وقالت بصوت هادئ: مي… في حاجة مهمة عايزة أقولك عليها… بس لازم تفهمي إن ده سر بيننا وبين جبران، ومحدش يعرف غيرنا، حتى ماما ولا دمع، ولا أي حد.!!

نظرت لها بفضول ورفعت يدها وقالت : أنا مش فاهمه حاجه يا ابله!! عمو جبران ابو انكل سليم ؟؟
ابتسمت ونس  وأخذت نفس عميق وقالت بحنان :
أنتي عارفة عمو جبران صح؟ ده جوزي، وعايش معايا هنا!! وأنتي لازم تحافظي على السر ده… إحنا متجوزين من فترة، بس لو حد سألك، ما تقوليش لأحد. ده حاجتنا، وانتي لازم تكوني فاهمة بس… علشان مش عايزة حد يزعل أو يتوجع…

نظرت لها مي في محاوله لفهم ما تسمعه وقالت : يعني… عمو جبران جوزك؟!
ابتسمت ونس بحنان شديد وقالت :أيوة، جبران جوزي، بس ده سر… ومحدش يعرفه غيرنا… عايزاكي تفهمي وتكتمي اللي سمعتيه… علشان أنا مش عايزة حد يتأذي أو يزعل… حتى لو ماما أو دمع.

ردت مي ببراءة :موافقة… مش هقول لحد… بس هم ليه هيزعلوا؟! مش هما كانوا مبسوطين لما دمع اتجوزت انكل سليم!! انتي ليه ياابله مش مبسوطه كمان عشان متجوزه عمو جبران؟

ردت ونس  بابتسامة صغيرة:أنا مبسوطه طبعا جبران احسن راجل في الدنيا !!وعمري ما هلاقي زيه.. المهم زي ما اتفقنا يا مي ده سر واوعي يطلع بره ولا اي حد فاهمه ؟!

اومات مي ببراءة : حاضر ده سر بتاعنا ومش هقول لحد!!
ضمتها ونس بحنان، وربتت علي شعرها وقالت : أنا هكلم ابله اميره عشان متقلقش.. وانتي العبي يا قلبي!!
اومات مي وتحركت ونس إلي الخارج حتي تهاتف اميره وتخبرها أن مي معها ولا تقلق ..
…………
كان الليل كثيف، يتدلى على البيوت كستار ثقيل يخفي خلفه العواصف القادمة…

كان هذا البيت غارقا في الامان ، والاستقرار حتي فجأة…
ارتج الباب الرئيسي كما لو أن زلزال طرقه، ثم تحطم تحت أقدام رجال لا يعرفون الرحمة…

اقتحموا البيت كالسيل الجارف، مسلحين بالغضب والعيون الحادة…
صرخات الأطفال ارتفعت، واندفعت الأم تهرول تحاول حماية أطفالها، بينما مها ارتجفت واقفة مكانها، لا تدري من أين جاء هذا العنف؟؟ ولا إلى أين سيأخذها؟!

الرجال لم يتحدثوا… لم يناقشوا… فقط نثروا الأوامر:
كله على الصالة… دلوقتي حالا!!
في لحظات، كانت مها، وأمها، وإخوتها، يقفون كالأسرى في منتصف الصالة، وجوههم شاحبه، وأجسادهم ترتجف.
حتي دلف هو لم يكن دخوله عاديا…كان كالعاصفة.
ظهر أمامهم جبران بخطوات بطيئة، واثقة، كمن لا يشك لحظة أنه يملك الأرض ومن عليها….

قامته منصوبه، وصدره مشدود، وعيناه كأنهما سكاكين باردة تقطيع من يحدق فيهما…وقفته أمامهم كانت كفيلة بإسكات الهواء نفسه من حولهم.. عم السكون التام…

رهبة مطلقة اجتاحتهم… حتي خرج صوته غليظا، حادا، كاقطع:انتي بقا … مها؟!
تراجعت خطوة… وهي على وشك الانهيار..

لكن جبران لم يتح لها الفرصة، رفع يده، وأحد رجاله فتح اللابتوب… والفيديو بدأ والصورة واضحة…
مها وهي تتسلل لمكتب ونس… وتفتح الدرج… وتسرق الملف…وتغلقه…كل شيء موثق بدقة بزاوية خفية لا ترحم…

غمغم جبران بسخريه بارده مشبعه بالسم: كنتي فاكره إنك تعرفي تلعبيني؟ولا إيه؟
سحبها من ملابسها بشكل مهين وهدر بفحيح بارد : كان غيرك اشطر يا بابا !!

حاولت التراجع بصعوبه وهي تنحب وتشهق وجسدها يرتجف بقوه وهزت راسها بالنفي ..
نظر لها وشبح ابتسامه بارده مشبعه بسخريه مميته، وكأنه بيدوس على كل ملامح الندم اللي على وشها
وغمغم بحده تشبه حد السكين :انتي غبيه اوي مجاش في بالك إن الفندق اللي انتي بتحاولي توقعيني فيه… أنا اللي بنيته؟كل ركن فيه بيتنفس بأمري… وكل كاميرا شغالة ٢٤ ساعة. بأذني كنتي فاكرة نفسك شاطرة؟
وشطارتك اللي هتوديكي في داهية !!

صرخت مها باكية: أنا غلطانة!والله العظيم غصب عني…
أنا… أنا بحبك!
ضحك جبران ضحكة باردة، سمها يشل الاطرافها، وقال ببطء:بتحبيني؟ ده حب ايه ده ؟ تصوريني مع مراتي اللي ضفرها ببلد من عينتك.. وتساومي علي فضحتنا!!  وتسرقي وتلبسي غيرك وتبيعيني لعدوي؟يبقى ده مش حب…ده غدر، وأوسخ من الخيانة.

حاولت والدتها التكلم، لكن جبران رمقها بنظرة واحدة ساحقه … فسكتت.وابتلعت كلماتها ..
عاد بعينيه التي تلمع بالغضب…الي مها وقال بصوت حاد بدأ يعلو:اللي زيك لازم يتحرق! كنت فاكر قرصة الودن اللي حصلتك لما علاء خد منك الموبايل هتعدلك بس شكلك كده ناويه علي موتك !! عارفة أنا سايبك ليه دلوقتي؟عشان أنا اللي هحدد نهايتك… مش إنتي حتي السجن مش كفايه!!

سقطت مها علي ركبتيها.. وانهمرت دموعها وهتفت بترجي : ابوس رجلك يا جبران باشا بلاش السجن… أنا هعمل أي حاجة… أي حاجة تقولها!

اقترب منها، وسحبها من ذراعها بعنف وهدر بصوت خافت… يقفز منه الجحيم:هتسمعي كلامي بالحرف.
من هنا ورايح، كل خطوة في حياتك بإذني…
وإلا …ولا هتشوفي نور الشمس تاني، ولا حد هيعرفلك طريق. مفهوم !!

هزت راسها بسرعه بالايجاب وحاله من الهستريه تجتاح كيانها وهمسة: حاضررر حاضر!!
دفعها بعنف سقطت على الأرض وجسده يرتجف وضمتها والدتها وصاحت برعب : حرام عليكم دي عيله معملتش حاجه !!

أشار جبران إلي علاء برأسه الذي أشار إلي الرجال وانسحبوا واحد تلو الآخر ..
نظر لها جبران وغمغم ببرود : عشان لسه عيله أنا هكتفي أنها تنفذ كل أمر مني وبس!! غير كده كنت دفنتها بالحيه !!

بصق كلماته كالسكاكين واستدار وخرج…
وترك خلفه عائله مشلولة بصدمه ، وبيت منهار، واسم جبران الباشا صار لعنة في صدورهم ..
……..
في شقة جبران ..
دلف جبران شقته بعد يوم طويل مليء بالضغوط والأحداث التي أفقدته قدرته على التركيز… كانت صورة الورق المسرب التي تسربت من الصفقة تشغل ذهنه بشكل كبير، وكان قلقا على تداعيات ذلك، خاصة بعد تهديداته لمها. لكنه لم يكن يعلم أن ما ينتظره في شقته سيغير كل شئ…

دفع الباب ودخل، وعيناه تبحثان عن تفاصيل الشقة التي يعرفها جيدا، ولكن…
فوجئ بوجود الضوء الساطع في كل مكان… المكان كان مختلف، كل شيء حوله ينبض بالحياة، وكأن الشقة نفسها أصبحت مليئة بالروح والبهجة… كانت الرائحة الطعام الشهي تختلط مع رائحه معطر جو منعشة،

كأن الاضاءه جعلت الألوان التي تزين الجدران تبدو اكتر  حيوية، وكأنها كانت تود أن تخبره أن كل شيء قد تغير.
توقف في مكانه، وقلبه ينبض بسرعة، وشعر بشيء غريب، وكأن ثقل الأيام التي مر بها قد تلاشت في لحظة…

خطواته كانت بطيئة، وعينيه تتابع كل التفاصيل وهو يقترب أكثر من الصالون…
هلل وجه بفرحه وسعاده عندما وجدها أمامه كانت  جالسة على الأريكة، تبدو مسترخية ومبتهجة. ومن حولها، كانت الأجواء مليئة بالحياة، وفيما كانت مي، تجلس إلى جانبها، كانت الشقة تبدو وكأنها مكان جديد مليء بالدفيء..

تنهد بفرحه وهتف : انتي هنا يا قلبي؟! اول مره تيجي من غير ما اجيبك بنفسي !!
ابتسمت برقه ونهضت واقبلت عليه بسرعه وقالت : ايوه يا حبيبي هنا!! وكمان مي هنا ..

نظر الي مي بحنان وهتف : مي الجميله عامله ايه يا بابا؟!
اومات مي ببراءة وقالت : الحمد الله يا عمو حضرتك كويس؟؟
ابتسم بتعاطف وهز رأسه وهمس : كويس يا بابا!!

نظر الي ونس وهمس بدهشه : انتو ازاي بنات صبحي بجد !!
نظرت له ونس وتبدلت معالم وجهها وهمسة: تعال جوه عايزك في موضوع مهم!!

نظر له بقلق بالغ ومسح على شعرها بحنان وسحبها اليه وقال: تعالي يا فاليروز تعالي!
اشاره الي مي وهتفت : مي يا قلبي اقعدي قدام الفيلم ومتتحركيش!!
اومات الصغيره وجلست مكانها وهي تشاهد احدث الفيلم بسعاده طفوليه لم تحظي بلحظه هدوء وسلم نفسي الا الان ..

دلفت ونس وخلفها جبران ..واغلق الباب خلفه وهتف وهو يتفحص وجهها بين يديه: مالك يا قلبي حد زعلك حاجه ضيقتك ؟!
هزت راسها وهمسة بنبره هادئه : صبحي عرف بجوازنا! وانا مش هرجع هناك تاني! هفضل هنا في بيتي وبيتك يا قلبي.. أنا أطمنت علي دمع خلاص بس مقدرتش اسيب مي ..هو ملهوش أمان !!

تمسك بها وهو يتفحص وجهها وجسدها بيده وهتف بحده : وعمل ايه يعني لما عرف؟!
مد أيده عليكي! قلك كلمه تزعلك ولا تجرحك يا ونس؟!

هزت راسها بالنفي وغمغمت بدموع: لالا متخفش.. محصلش حاجه.. هو دلوقتي هيفكر الف مره قبل ما يزعلني عشان هيخاف منك !!

شعر وكأن الجبال التي كانت على قلبه قد زالت معظمها وتنفس بعمق وقال : كويس أنه عرف.. عقبال الباقي عشان نرتاح بقا.. بس المهم دلوقتي انك هتقعدي في بيتي اللي نورتيه ودبت الحياه فيه بوجودك يا دنيتي!!

نظرت له بحب وقالت : يعني مش زعلان من وجود مي يا حبيبي؟!
قطب حاجبه بدهشه وغمغم: انتي مجنونه عيلتك دلوقتي عيلتي.. وانتي مكانك في حضني ..ده اللي كان المفروض يحصل من زمان… ده المكان اللي المفروض تكون فيه…

اقتربت منه ووضعت يدها علي صدره وابتسمت باشراق وقالت : وانا هنا معاك، مش هسيبك، ده وعد يا جبري أنا عملتك اكله هتعجبك اوي ..بس يارب اكلي يعجبك!!

ضحك بمرح وقال: اكيد طلما ايدك لمسته!! عملتي ايه بقا يا فاليروز ؟!
نظرت له وردت بعبث : عملت حمام بالفريك !

اقترب منها وحاوطها بينه وبين الحائط وهمس بصوت أجش مثير: شكلك كده ناويه تجنني جبرك الليله!!
رفعت يدها وهمسة ببراءة مصطنعه : أنا ليه! أنا عملت ايه؟! أنا عملت اكل بس..

التهم شفتيها بعمق وارتشف شهدها وامتصه بشغف وهمس: خليكي كده طيب للآخر عشان ليلتنا تبقي فل وصباحي!!!
اقتربت منه وقبلته على شفتيه وهمس بغنج : معنديش مانع يا جبري!!

رمش بعينيه يحاول السيطره على حريق اندلع بجسده وغمغم : امشي من قدامي بدل ما هنتقم منك علي مياعتك دي وهربطك في السرير ده شهر!!

دفعته وهرولت الي الباب وخرجت وأغلقت الباب بسرعه.. وهو ينظر في آثارها وغمغم: البت اتحولت اللي كانت بتتكسف من خيالها!!

فتحت الباب وطلت برأسها وهمسة بدلع : جبري أنا برضو معنديش مانع تربطني في السرير شهر !!
ضحك بعبث وتحرك بتجاه الباب فاغلقت الباب بسرعه وهي تضحك بمرح ..
وفتح الباب وخرج خلفها وهو يتوعد لها بليله شرسه تحت رعايه جبران الباشا…
………………..
في مكتب حازم صفوان…

ساد الصمت لثوان قبل أن يفتح الباب بعجلة، ويدلف كمال والابتسامة تعلو وجهه، وهتف بحماسة لم يخفها:
شوفت الورق اللي جبته مها؟! لو مكناش اتصرفنا معاها، الصفقه كانت هتروح مننا، وكان ميه ميه… الصفقه هترسى على جبران الباشا!

رمقه حازم بنظرة غيظ حاد، وزمجر بعنف:إنت فرحان ليه كده ؟ فرحان عشان هنكسبها بالطريقه دي؟ حتى لو كسبناها، هو ياما كسب مننا صفقات قبل كده! إحنا وصلنا لمرحلة إننا مدينين للبنوك!

جلس كمال على المقعد المقابل له، وغمغم بصوت أجش:
المهم نكسب… الطريقه مش فارقة دلوقتي. جبران مش سهل، والورق يتسرق من مكتبه؟ دي حاجه مش هتعدي بالساهل خالص…

شرد حازم للحظة، وضرب المكتب، وهتف بحرقة وقهر:
إيه جبران جبران! هو جبران ده قباض أرواح؟! أنا عايز أفهم!
اقترب كمال وقال بنبرة أكثر حذرا: أيوه… ولو عرف إننا اللي سرقنا الورق، مش صعب يقتلنا بدم بارد. إنت متعرفوش… هو كان السبب ف موت أبوك بحسرته لما خسر قدامه وأعلن إفلاسه…فاكر ولا لا …
وإنت!! لو خسرت الصفقه دي، مش بس هتعلن إفلاسك… ده هتتسجن كمان!

غمر الغضب ملامح حازم، ومرر يده على شعره بعصبية، وانطلقت من بين شفتيه كلمات تنضح بالحقد: على جثتي… أنا هاقتله قبلها!
هز كمال رأسه بيأس وغمغم : حاولت… ومعرفتش. هتعمل إيه تاني؟ الورق خلاص في إيدينا…

لوح حازم بيده كمن يطرد فكرة بعيدة، ثم همس بغيظ: انت عارف العيب جبران… مش بعيد يكون دلوقتي بيجهز لمصيبة جديدة. لحد إمتى أفضل تحت رحمته؟! جبران… لازم يموت…

رفع كمال حاجبه بدهشة: طيب… إزاي؟
ساد الصمت لوهلة، و ثبت حازم نظراته على نقطة وهمية أمامه، كأنه يرى مشهدا لم يتكون بعد… وتمتم ببشاعة تتقطر من فمه : أنا هقولك إزاي؟!
……………
عوده الي شقه جبران الباشا
خرجت ونس من المطبخ بعد اعداد طعام العشاء وهزت راسها بيأس وغمغمت : ياخبر يا مي نمتي يا قلبي؟!
اقتربت منها وسحبت جهاز التحكم ..وأغلقت التلفاز وحملتها وتحركت الي أحد الغرفه.. ووضعتها في الفراش ورفعت الغطاء عليها ..وقبلتها بحنان علي راسها وهمسة ؛ تصبحي علي خير الدنيا كله يا مي؟!

تحركت الي الخارج ..وأغلقت الباب وسارت الي غرفه النوم.. ثم غرفه الملابس.. وسحبت أحدي قمصان النوم
باللون الاسود طويل بلمعة حرير خفيفة،

تحركت الي المرحاض الآخر.. لوجود جبران في مرحاض غرفتهم.. وأخذت حمامها وارتدت القميص وصففت شعرها ..واضافت القليل من الزينه والعنايه بالبشره ذات الروائح العطرية المفضله لها..

نظرت إلي نفسها بذهول ..كان القميص ينسدل على جسدها بانسيابية مغرية، لكنه لم يخف من جسدها شئ بل كان علي جانبيه مفتوحان حتى أعلى الفخذ، تكشف كل حركة عن جزء جديد من بشرتها الناعمة… كان القماش مخرم كالشبكة، شفاف يغوي العين، يترك الخيال يتخبط بين حدود الواقع والفتنة…

أما الظهر، فكان عاريا تماما، لا يغطيه سوى خيوط رفيعة متشابكة، تتقاطع كخيوط العنكبوت، تزيده إثارة وغموض، وكأنها حبكت الفتنة بخيوط لا تفك…

وقفت ونس أمام المرآة، تتأمل انعكاسها بصمت ثقيل، كأنها تنظر إلى امرأة أخرى لا تعرفها..

تنفست ببطء، وكأنها تتعلم كيف تتنفس كأنثى للمرة الأولى… لا كجسد، بل ككيان يشعر، يراوده الأمان في صورته، لأول مرة منذ زمن طويل…

ابتسمت لنفسها، ابتسامة صغيرة، لكنها حقيقية…
كأنها تخبر صورتها المنعكسة: أيوه… أنا دي وأنا حلوة كده…

عضت شفتها وتنهدت ببطء شديد.. وخرجت من المرحاض ..

دلفت المطبخ واعدت الاطباق وعندما انتهت، حملت الأطباق بعناية، ووضعتهما على صينية خشبية، وابتسمت لنفسها. كانت رائحة الأكل ممتزجة برائحة عطرها الخفيف.

لم تكن مجرد لحظة عابرة، كانت لحظة ترتبها برغبة أن تشاركه تفاصيل ومشاعر وذكريات لا حصر لها ..

دلفت غرفة النوم ووضعت ما في يدها علي الطاوله ووقفت تشعل الشموع المعطرة.. وهي تشعر بالتوتر يزداد بعد كل لحظه.. وقفت تنتظر خروجه..

لحظات وخرج وهو يقطر ماء من جسده.. ويلف المنشفه علي خصره ..واخر يجفف بها شعره.. لم تكن تسمع خطواته، لكنها شعرت به… حضوره يسبق صوته دوما…

وحين استدار لها ببطء، والتقت عيناها بعينيه، لم تهرب، لم تختبئ…
وقفت كما هي، بكل ما فيها من ارتباك وثقة، من خجل وتمرد…

تجمد للحظة ، وعينيه التهمت جسدها  ببطء قاتل.
تامل قميص النوم الأسود الطويل كان أشبه بتميمة سحرية… مخرم كشبكة ناعمة، يظهر أكثر مما يخفي، ينزلق على جلدها كالهمس، ويفتح من الجانبين حتى أعلى الفخذين كأنّه يغازل الهواء من حولها…

ثم همس، وصوته مبحوح كأنه خرج من أعماق صدره:
هو انتي ناوية تحرقيني ولا تحرقي روحك يا فاليروز؟!
ضحكت بخجل وهي تلمس طرف القميص وهمسة:
إنت اللي اختارته وجبته …ولا نسيت؟

اقترب منها ببطء، وكأنه يقدس اللحظة، ثم وقف خلفها، يراقبها في المرآة، وعيناه لم تغادرا ظهرها المكشوف:
أنا اللي جبته … بس ماكنتش أعرف إنه هيبقى قاتل كده عليكي!! جسمك قتلني ..

همست وهي تنظر لنفسها وعينيه تلتهماها :حاسة إني غريبة… بس مرتاحة!!
اقترب أكثر، ومال برأسه وهمس في أذنها:مش غريبة… إنتي ونس دنيتي … وأنا كنت تايه، لحد ما شوفتك كده.
شعرت بقشعريرة دافئة تسري في عمودها الفقري مع لمس أنفاسه لجلدها، فأغمضت عينيها، وكأنها تستسلم لعناق لم يبدأ بعد..

أدارها بين يديه وحدق الي وجهها وملامحها الساحره والناعمه واقترب منها حتى صار النفس بالنفس، وعينيه مثبته على شفتيها، وكأن العالم كله اختزل في تلك اللحظة… في تلك الشفاه المرتعشة، في عينيها المتوسلتين بلا كلمة…

رفع يده ببطء، ومرر أصابعه على خصرها المكشوف من جانب القميص، لمسة خفيفة، لكنها كفيلة بأن تجعل أنفاسها تتعثر…

همس في أذنها بصوت مبحوح، كأن الرغبة تخنقه:
ـ عارفة إنك أول مرة تلبسيلي حاجة زي دي… بس أنا حاسس إني هقطعه بأسناني، مش بإيدي.

شهقت خافتة فلتت منها ، ويداها تمسح علي صدره كأنها تطلب الثبات… أو تطلبه هو.
انحنى عليها، قبل شفتيها قبلة ناعمة أولاً، كأنها تمهيد لما هو آت، ثم تعمق فيها كأنه يغوص داخلها، يسرق أنفاسها، يزرع كل الشوق اللي خبأه داخله امتدت يده من خصرها الي ظهرها، وتحسس الخيوط المتشابكة، وضغط بأصابعه عليها، كأنه يهدد بتمزيقها.وهمس بصوت أجش : دي الخيوط الوحيدة اللي فاضلة بيني وبينك… اقطعها؟

همست، بصوت مرتعش من الشوق:قطعها… خليني أدوب في حضنك يا جبري!!
رفعها بين ذراعيه، كأنها أغلى كنز امتلكه، وتحرك بها نحو الفراش وعيناه لم تفلتها لحظة: الليلة دي… مش بس هدوبك، أنا هدوب معاك…

التهم عنقها بعنف ويده تمر على جسدها بنعومه قاسيه
لحظات وشهقت علي صوت شق قميصها.. والقي به خلفه وهبط فوقها يلتهم كل ما تطوله شفتيه القاسيه.. تترك علامتها علي جسدها المرتجف.. وانينها الناعم يملأ الغرفه يشعل النار في جسده بشده..

وكأنه داخله مراجل مشتعله علي وشك الانفجار لفت ذراعيها حول عنقه وهمسه: اااه يا جبري تجنن!!
اختراقها بقوه جعلها تتململ بالم وصرخت صرخة ابتلعها بجوفه ..وضغط عليها وتعمق فيها لآخر نقطه بداخلها بقوه وعنفوان قطع أنفاسها وجعلها تتأوه بشده وهمسة : بحبك بحبك بحبك اوي بشويش شويا !!

التهم شفتيها بجوع وولج لسانه داخل فمها وكأنه يريد ابتلاعها بجوفه وهمس : بشويش شويا طيب ازاي يا ونس دنيتي انا هفرقع !!

ضغط بقوه والتهم عنقها بعنف وزمجرا بشده وهو ينظر لها بعشق وجسدها يرتجف بقوه
بقوه وقفز بداخلها بقوه تضاعف قوته معها من البدايه ..
وهبط فوقها وهو يضمها لحضنه بقوه وهي تلتقط أنفاسها بصعوبه وهمسة: الاكل برد!!
ضحك بمرح وقال: هو ينفع ناكل بعد الحلو !!

………
في فيلا سليم
ترجل من السياره وخلفه دمع ودلف الفيلا وقال : يلا يا حبيبتي عشان معاد الطياره؟!

اومات بحنق وهتفت: لو اتاخرنا مليش دعوه انت السبب مالها الهدوم يعني مش عروسه !!
عض على شفته بقوه وهتف بنزق وحنق : يلا يا بت بلا عروسه ..عشان عروسه تفرجي جسمك للناس ؟!

أشار إلي رأسه وهتف : معنديش والله يادمع !!
نظرت له بدهشة وقالت: معندكش ايه أنا مش فاهمه ؟!
سحبها للدرج وهتف : معنديش اريل يختي.. أنا مش منهم !!

دلفت الي غرفه الملابس وسحبت يدها منه وهتفت: خلاص سيب بقا!!
اشاره بيده واردف بحسم  : استني أنا اللي هختار انتي اختياراتك مش مضمونه ..

اقترب من الأرف وبدأ يختار لها ملابسها بحذر شديد وعنايه وضع الملابس علي الطاوله وهتف : يلا حطيهم في الشنطه وانا هروح اسلم علي عمتو وجيلان تكوني خلصتي تمام !!
اومات بحنق وغمغمت : ماشي ..

قرص وجنتها برفق وهمس: حبيب قلبي اللي بيسمع الكلام ده!!
لكزته بخفه وردت :اوع بقا ..

ضحك بمرح وتحرك الي الاسفل وخرج من الفيلا الي قصر الباشا ودلف وجد نظلي تجلس في البهو نهضت بفرحه وهتف : حبيبي يا سليم !!
اقترب منها وضمها بحضنه وقبل راسها وهتف : ازيك يا عمتو !!

ربتت علي صدره وقالت : كويس يا حبيبي انت كويس مسافرتش ليه؟!
نظر الي الساعه وغمغم:  الطياره كمان ساعتين وقلت أجاب تسلم عليكم قبل ما اسافر!!

ربتت علي وجنته وقالت : تروح وترجع بالسلامه يا حبيبي وتتهنا بعروستك!!
قبل علي راسها وقال: حبيبتي يا عمتو ..هي جيلان فين ؟!

اشاره بيده واردفت : فوق يا حبيبي في اوضتها ..
هز رأسه وتمتم وهو يتحرك الي الدرج بسرعه: هروح اسلم عليها …
………………………
في غرفه جيلان ..
صاحت بفرحه وهتفت عبر الهاتف : يااه بجد ومي كمان؟! طيب والنبي قولي لبابي يبعتلي السواق عايزه اجي ابات عندك يا ونس!! واقعد معكي انتي ومي …

دلف سليم وغمغم بذهول : يعني ايه تبتي مع ونس ومي؟! وبابا يبعتلك السواق! هم فين اصلا ؟!
وووووو
……………….
ساحرة القلم ساره احمد

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments