نار وهدنه

نار وهدنه (الفصل الأول)

نار وهدنه (الفصل الأول)

عائله عاشور الهوارى
الجد غانم الهواري يبلغ من العمر ٨٠ عاما لكنه برغم عمره شخص صارم وحاد وجاد لابعد الحدود لا يرد له أمر ويعشق حفيده سلطان أكثر من جميع أحفاده ويعتمد عليه اعتماد كلي
………
الاب عاشور الهواري يبلغ من العمر ٥٧ سنه ورث تجارت السلاح اب عن جد لكنه امام الجميع كبير منطقه الجماليه ومن اكبر تجار الذهب فيها يمتلك أكثر المحلات ف المنطقه شخص حنون لكن صارم جداا ولا يقبل بالاخطاء أو يتهون فيها متزوج اتنين
الأولي فاطمه الهوارى (بطه ) ٥٠ عاما ابنه عمه وتزوجها ليرضي والده فقط ولكنه لم يظلمها يوما وانجب منها الابن الأكبر سلطان وابنته جنات واخر العنقود حياه
والزوجه الثانيه عايده الهوارى 51 سنه حب الشباب وتزوجها وانجب منها ابنه عز الهواري
………….
الابن الأكبر
سلطان الهواري يبلغ من العمر ٣٠ عام خريجه جامعه اداره اعمال
رجل لا يشبه سواه، إذا حضر خمدت الأصوات، وإذا غضب ارتجفت القلوب.
تاجر سلاح نافذ، ورثها اب عن جد ..لا يهوى الحديث كثيرًا، لكنه إذا نطق سمع له، وإذا نظر ارتجف من أمامه.
تقدّم هيبته على خطاه، يحمل بين جنباته صلابة الجبال، وفي عينيه سواد يحكي عن ليالي طويلة لم تعرف النوم ولا الأمان.
حاد الطباع، عنيد، لا يهاب أحدًا، ولا يلين إلا حين يشاء.
يمشي في طريقه بثقة من اعتاد الانكسار وتجاوزه، ومن ذاق الخذلان واختار أن يصبح هو السور العالي لا من يقف خلفه.
رجل إذا أحب، عشق بجنون، وإن كره، صب الغضب كالسم في العروق.
يخفي خلف قسوته قلبا قادرًا على أن يمنح الأمان لمن يستحق، لكن الوصول إليه… ليس بالأمر الهين.
وسلطانه، لا ينتزع… بل يسلمه هو لمن يأسر قلبه.

…………..
الابن الأوسط
عز الهواري يبلغ من العمر ٢٨عاما متزوج من فتاه تدعي عليا زواج تقليد لكنه احبها بعد الزواج وانجب منها تؤام مالك ..مازن
شخص حاد وعصبي جدا وذراعه يسبق عقله في كثير من الأحيان وهذا سبب قرار والده ف أبعاده عن تجارتهم للسلاح وان يكتفي بإدارت محلات الصاغه

………….

الاخت الوسط
جنات الهواري تبلغ من العمر ٢٥ عاما متزوجه ابن عمها ياسر خليفه وانجبت منه جنا وجودي شخصية حنونه وطيبه لابعد الحدود وتعشق زوجها بجنون

…….
اخر العنقود
حياه الهواري تبلغ من العمر ١٨ سنه ثانويه عامه شخصيه مرحه جدا فاكهة بيت الهواري ودلوعة ابيها واخيها ولكنها تخشاهم وتحسب لهم الف حساب لكنها عفويه جداا وبريئه لحد السذاجة
…………..
العم خليفه الهواري يبلغ من العمر ٥٥ عاما ارمل من خمس سنوات شخص طيب حنون جدا خفيف الظل جداا علي عكس أخيه عاشور الهواري
انجب من زوجته الراحله
الابن الأكبر ياسر خليفه الهوارى وابنته تقي الهواري
……
الابن الأكبر ياسر الهواري يبلغ من العمر ٢٩ عاما متزوج من ابنه عمه جنات شخص عصبي لكن بعقل حنون دافيء ويعشق جنات منذ نعومه أظافرها صديق سلطان ويفديه بروحه ويعمل معه ف تجاره السلاح وايضا يمتلك ثلاثه محلات ذهب ف الصاغه

………..
الابنه تقي الهواري تبلغ من العمر ٢٢ عاما خريجه كليه تربيه لكنها لا تعمل فتاه تبلغ من الجمال قدر عالي بريئه وحنونه وشقيه جدااا

…………..
نوسه سعيد
ابنه خالة سلطان يتيمه الام وتعيش مع والدها تبلغ من العمر ٢٢ عاما ورثة عن أمها محل ذهب ف الصاغه شخصية قويه جدا تقف أمام أي أحد دون أن يرف لها جفن مسترجله جدا بحكم عملها ف السوق وسط الحتان لكن بداخلها انثي رقيقه خجوله بكل ما تحمل الكلمه من معني لكنها تخفيها باعماق قلبها

………..
جمال العتال يبلغ ٥٨ سنه يملك محل ذهب من أكبر المحلات ف الصاغه الصديق المقرب الي عاشور الهواري
شخص عصبي المزاج احيانا هادي احيانا ارمل من ١٥ سنه وتركت له راجح ابن ١٧ عام
……………
راجح العتال يبلغ من العمر ٣٢عاما شخص حاد الطبع جرئ جدا بشكل وقح ومستفز لكنه طيب القلب صديق سلطان ونشاء معا ف قلب الحاره ويعملا معا

……………………
عائله البدرى

الاب عثمان البدرى البالغ من العمر ٦٢ عاما
شخص حنون بشكل غير طبيعي رجل اعمال من اغني أغنياء البلد يعمل ف مجال الحديد والصلب يمتلك ثلاثه مصانع وشركات استراد وتصدير يعشق أولاده حد الموت وخصوصا ابنته الصغيره ضي ويلقبها بضي عيني
تزوج من أمراه امريكايه الجنسيه وانجب منه عمار وعلي وإبراهيم وضي ولكنها تركته وعادت الي امريكا وقام بتربيه أولاده بمفرده
……….
زوجته كارمن تبلغ من العمر ٥٥ عاما امريكايه الجنسيه شخصيه متملكه تعشق فرض السيطره متسلطه بعد الشيء مغرمه بالمستوي الاجتماعي مريضه نظافه بشكل مبالغ فيه
………….
الابن الأكبر عمار البدري يبلغ من العمر ٣٠ سنه خاريج جامعه اداره اعمال والمدير التنفيذي لشركات والده
شخص حاد وعصبي جدا لكنه حنون علي إخوته ويعشقهم بجنون لكن بداخل عينيه حزن وقهر من فراق والدته لهم يكسي قلبه حزنا عميق يحب ابنه عمه كثيرا ويتمني الزواج منها الضلع الثالث في مثلت الاصدقاء عمار وياسر وسلطان من أيام الجامعه والدراسه

………

الابن الأوسط
علي البدري يبلغ من العمر ٢٨ خريج كليه حقوق ويعمل المستشار القانون لشركات والده شخص مسالم جدا وهادي لابعد الحنون وملتزم بطبعه ويعشق عمله جدا ولا يتهون فيه ابدا

…….
ابراهيم البدري يبلغ من العمر ٢٥ عاما شخص مرح وضحوك لابعد الحدود يعشق سباق السيارات مجنون متهور لا يهدي ابدا يعشق المقالب ولا احد يسلم منه ومن جنونه

ضي البدري ، آخر عنقود العائلة، والابنة المدللة لوالدها، حتى غدت تعرف بين الجميع بلقب “ضي عين أبيها”. تبلغ من العمر ١٨ عاما، طالبة في المرحلة الثانوية، تحمل بين طيات ملامحها الهادئة بركانا من التناقضات.
خلف ذلك السكون الجميل تختبئ روح قوية، واثقة بنفسها حد التحدي، بل ربما حد الغرور أحيانًا. تعرف ما تريد وتسعى إليه بعناد طفولي أحيانًا، وجنون لذيذ في أحيان أخرى. مجنونة بطريقة محببة، تعشق إثارة فوضى صغيرة في حياة من حولها، وخاصة شقيقها إبراهيم الذي لا يكاد ينجو أحد من مقالبهم ومشاكساتهم اليومية.
لم تكن ضي جميلة فحسب، بل كانت تحمل من اسمها نصيبا، كأنها خلقت من شعاع فجر هادئ.
بشرتها بيضاء كأنها صفحة لم يمسسها حبر، بعينين واسعتين بلون البندق المائل للعسل، تلمعان ببريق لا يشترى ولا يصطنع، كأن فيهما ألف حكاية لم تروى بعد.
كانت كل تفاصيلها تشبه قصائد الربيع، تجمع بين البراءة والدهاء، الهدوء والعناد، الطهر والإغواء، تجبر من يراها أن يتوقف، لا ليتأمل جمالها فقط، بل ليحاول فهم السر الكامن في نظراتها… ذلك السر الذي لا يفصح عن نفسه بسهولة.
شعرها الكستنائي الطويل ينسدل بنعومة على كتفيها، يتموج عند أطرافه كأن الريح تتهادى فيه وتقبله. ملامح وجهها دقيقة، أنف صغير مستقيم، وشفاه وردية مرسومة كأن رساما وضع فيها كل إتقانه.
عاشقة للقراءة حد التقديس؛ تلمس الكتب كما لو كانت قطعا نادرة من الروح، وتتعامل مع الصفحات كأنها أوطان بديلة تهرب إليها كلما ضاقت بها الدنيا.

أما والدها، فليس مجرد أب في حياتها، بل هو وطنها وسندها ومصدر سعادتها الوحيد. تعشقه حد التعلق، تفتخر به أمام الجميع، وتكاد لا ترى العالم إلا من خلال ابتسامته

………………….
العم ثروت البدري يبلغ من العمر ٥٨ عاما متزوج شخص حاقد بقلب اسود بشده ليس لديه ذرة رحمه أو ضمير يفعل اي شي حتي يحظي بما يريد لا يعرف العدل ولا القانون يعمل مع أخيه مدير عام أحد المصانع ويملك أسهم فيه
………
زوجته تهاني البدري تبلغ من العمر ٥٠ عام لا تختلف كثيرا عن زوجها أو أشد سم منه كالحيه تبخ سمها أو كالحرباه تتلون كما تريد
……..
الابنه ايه ثروت تبلغ من العمر ٢٥ عاما محاميه وتعمل ف مكتبها الخاص عكس والدها ووالدتها ف كل شيء لكنها قويه الشخصيه جداا وحنونه تعشق ابن عمها عمار منذ الدراسه

………….

لم تكن بينهما قصة حب… بل معركة بقاء، كل منهما يحارب ليبقي الآخر حيا فيه.
هي هدنة مؤقتة في حربه… وهو نارها الأبدية التي لا تملك منها خلاصا…

في قصر فخم، يحمل بين جدرانه رقي العصور القديمة، وتفاصيله تهمس بأنامل فنان عشق الجمال، كانت هناك غرفة أنثوية الطابع، ناعمة الملامح، صاخبة الروح… كصاحبتها.

في تلك الغرفة، كانت ضي البدري تتقلب على فراشها المضطرب، يتصبب جبينها رغم دفء الغطاء، وأنفاسها تتسارع كمن يركض في حلم ثقيل. وسط نومها العميق، زارها والدها… كما اعتاد أن يفعل دائمًا، بصوته الحنون الذي لا ينسى.

قال عثمان البدري، وهو يبتسم من خلف شاشة الحلم: هااا يا ضي عين أبوكي… أنا لسه طالع من المطار وجاي على البيت، وجبتلك كل اللي طلبتيه يا حبيبتي.

ضحكت ضي، ضحكة تشبه اسمها، خافتة كضوء القمر، وقالت بمرح طفولي: يا روح قلبي يا بابي، أنا مش عايزة حاجة غيرك إنت… وحشتني أوي.

هز رأسه بسعادة، وهتف: مافيش حد وحشني أدك يا ضي… كلها ربع ساعة وهبقى عندك.

أومأت برأسها، ثم تساءلت بحنان خافت: بس حضرتك ماقولتش لعمار إنك راجع امتى؟ كان جالك المطار يا بابي!

نظر أمامه، عبست ملامحه فجأة، وغمر صوته القلق وهو يجيب: عمار مشغول ف الشغل يا حبيبتي، مش حابب أزعجه… معايا السواق والدنيا تمام.

لكن ما هي إلا لحظات… حتى اقتربت سيارة سوداء، تسير بمحاذاة سيارته. نظر إليها عثمان نظرة عابرة، ثم عاد يحادث ابنته: المهم يا ضي، أنا عايزك تشدي حيلك… وبلاش لعب مع المجنون إبراهيم، إنتي ف ثانوية عامة، وعايزك تدخلي كلية العلوم زي ما حلمنا.

ضحكت وقالت بحب: عيوني ليك يا عيون ضي… إنت تأمر وضي تنفذ!

لكن كلماتها لم تكتمل… إذ دوى صوت الرصاص، عنيف مفاجئ، يشق سكون الحلم ككابوس.

شهقت ضي برعب، وهتفت باكية: إيه ده! إيه اللي بيحصل؟ بابااااا! بابااااا رد عليا!

إلا أن الرصاص قد غدر، واغتال كل شيء…
وانهار جسد عثمان البدري داخل السيارة، والسائق سقط بجواره بلا حراك.
صوت ضي المرتعش تصاعد بنحيب، وعيونها تطوف في الحلم تبحث عن مأمن… لكن الموت لا يترك مكان للنور.

فزعت من نومها تصرخ كمن سحب قلبه عنوة: بااااابااااا! لااااااااا!

هرع شقيقها عمار إلى غرفتها، وجثا بجوارها وضمها إليه بشدة، وربت على ظهرها بأنامل وجعه: اهدي يا حبيبتي… اهدي يا ضي.

تشبثت به كالغريق، ودموعها تنهمر بلا توقف، نحيبها يمزق سكون الغرفة، وكأن القصر بأكمله دخل في حداد ثقيل وصاحت بدموع ورعب: أنا عايزة بابي يا عمار… مش قادرة أعيش من غيره، مش قادرة!

شد على وجنتها بحنوٍ أثقلته الصدمة، وهمس بصوت مخنوق: بابا عند اللي أرحم من الكل يا قلبي… ادعيله يا حبيبتي، ده محتاج دعانا دلوقتي.

هزت رأسها بجنون، تبكي كطفلة انتزع منها الأمان: لأ! مش قادرة… مش قادرة يا عمار، بالله عليك، رجعهولي!

ضمها إليه أقوى، وهمس من بين دموعه التي لم يرد لها أن تنزل: لو بتحبيه بجد… لازم تقومي. لازم تفرحيه وهو في حتة أحسن. لازم ناخد عزاه زي ما يليق بيه، ونكمل الطريق اللي كان عايزه لينا.

نظر في عينيها المحمرتين من البكاء، وأكمل بإصرار موجوع: فهماني؟ لو بتحبيه، لازم تسمعي كلامه… وتنجحي… وتعيشي زي ما هو كان بيتمنى.

هزت رأسها، ودموعها تسيل بلا مقاومة، وهمسة بنحيب: عندك حق… لازم أفرحه.

أخذ يدها، قبلها برقة، وقال بثقة: أنا عارفك قوية… وهتقفي على رجلك عشان بابا… وإحنا كلنا معاكي.

ثم وقف، وسحبها بلطف لتقف، رغم رجفة جسدها.
قال وهو يتنهد: يلا… في ناس كتير تحت جايين يعزوا، ولازم تبقي واقفة قدهم يا قلبي.

بلعت الغصة التي تخنق حلقها، وهمسة بصوت مرتجف: حاضر… هنزل، وراك على طول.

قبل جبهتها، وقال: ما تتأخريش.

خرج عمار، وبقيت ضي على طرف الفراش، تحمل صورتها مع والدها، وتضمها إلى صدرها كأنها آخر ما تبقى لها منه.

همسة والدموع تتساقط من عينيها: هعمل كل حاجة تخليك فخور بيا يا حبيبي… أنا ضي عينك… وهتفضل في قلبي طول العمر.
……

في بهو القصر الكبير، لفه السواد ولفحته رائحة البخور، اختلطت همسات المعزين بنشيج مكتوم كأن الجدران تبكي على من غادر، وكان الحزن يسير فيه بثقل الظل.
نزلت ضي على الدرج بخطى بطيئة لكنها ثابتة، تحمل فوق أكتافها ألماً أثقل من جسدها الرقيق، وعينيها المحمرتين توزع نظرات شاحبة على الوجوه الكثيرة، التي بدت غريبة عليها فجأة.

وقفت في منتصف البهو ، تحاول أن تزرع صلابتها في الأرض كي لا تسقط، ورغم أن جسدها كان يرتجف من الداخل، إلا أن ظهرها كان منتصبًا كأنها تستمد قوتها من طيف والدها.

اقتربت منها تهاني.. وعيونها مزينة بحزن مزيف، وابتسامة باهتة زاحفة على شفتيها، اقتربت منها بخطى محسوبة وكأنها تراقب كل نفس تتنفسه ضي، ثم قالت بنبرة لا تخلو من خبث مغلف بالعزاء: قلبك حديد يا ضي… نازلة بسرعة كده! كنت فاكراك هتفضلي فوق كتير… بس شكلك قوية زي ما هو كان دايما شايفك.

نظرت لها ضي بنظرة جامدة، تخبئ خلفها ألف شعور، ثم ردت بهدوء ممزوج بوجع مكبوت : أنا نازلة آخد عزاه… وأوفيه حقه… هو علمني أقف وقت ما الكل يقع.

ابتسمت تهاني بسمة سريعة، ثم تنحت جانبًا، لكنها في داخلها تغلي… لا لشيء، سوى لأن ضي لم تنكسر كما كانت تأمل.

في تلك اللحظة، دخل عمها، مرتديًا بذله سوداء وقناع من الحزن المعتق، يجر قدميه جراً كأن الصدمة أكلته، اقترب منها واحتضنها بقوة مدروسة، وهمس بصوت متهدج : خسارتنا كبيرة يا ضي… أخويا كان سندي وسندكم، ربنا يصبركم، ويصبرنا كلنا ..

ردت ضي بهمس مهتز، وهي تكاد تختنق: كان قلبي يا عمي… ربنا يرحمه ويغفرله.

نظر لها واردف بحزن جاهد ف اخراج كلماته : كان معوضني عنا ابويا الله يرحمهم الاتنين يا بنتي ..

ابتعد عنها وهو يتنهد بكآبة مصطنعة، ليترك الساحة فجأة على وقع خطوات سريعة دافئة، وذراعين فتحتا لها بلا حساب.

اندفعت ايه نحوها واحتضنتها كأنها تعيدها إلى الحياة، بلا كلمات، فقط عناق صادق خرج من قلب منكسر، باحث عن نفس الدفء الذي فقدته.

ربتت إيه على منكبها وهي تنحب : كان بالنسبالي أب يا ضي… أكتر من أبويا… مش قادرة أصدق إنه راح.

انهارت ضي بين ذراعيها، دفنت وجهها في عنقها، وبدأت نحيب لا يشبه بكاء البكائين ، بل هو بكاء من شق قلبه نصفين. وهمسة وهي تشهق: أنا ضايعة من غيره يا إيه… الدنيا كلها سودة… سودة أوي.

ربتت إيه على ظهرها برفق، دموعها تتساقط فوق شعر ضي، وغمغمت بحرقة: بس أنا جنبك… وهفضل جنبك طول العمر، وهو فوق شايفك، وفخور بيك يا ضي.

وظل بهو القصر صامتا، كأنه يحترم ذلك العناق النقي وسط الزيف…
صامتا، إلا من صوت قلبين بيبكوا أب، كل واحد بطريقته… وكل واحد بيخبي وجعه في الثاني…

جلست ضي وسط عتمت السواء الذي أحاط بالقصر الذي طلما كانت تضج جدرانه بالفرحه والسعاده والضحكات والان كل شيء انتهاء ومات كل شيء مع موت الأب الحنون
…………………………….
ف اليوم التالي

في قلب القاهرة القديمة، حيث تختلط رائحة الزمن بعطر التوابل ورنين الذهب، كانت حارة الصاغة في الجمالية تنبض بالحياة كما لو أنها كائن حي يتنفس من أنفاس ناسها، ويحكي تاريخهم على جدرانه المتهالكة بعزة وكبرياء.

تتمايل الأزقة الضيقة كضفائر فتاة شعبية، مفروشة ببلاط غير متناسق، محفور بخطوات من مروا ذات يوم، وتركوا فوقه الظلال حكايات لا تموت. من فوق، تتشابك أسلاك الكهرباء كأنها عروق الحارة، تمد بيوتها بالحياة، وتطفئ أنوارها في صمت إذا غابت شموس الرجالة الكبار.

على جانبي الطريق، تتراص المحلات كالعسس، كل منها يحرس ذاكرة مهنته. واجهات نحاسية لامعة، وعناقيد من الذهب تتدلى خلف الزجاج، تعكس وجه القاهرة الحقيقي مزيج من الفخامة والبساطة، الثراء والتعب.

وفي عمق الحارة، يفوح عبير القهوة الطازجة الممزوجة بدخان المعسل من المقاهي القديمة، حيث يجلس الرجال على مقاعد خشبية مهترئة، يتبادلون السيرة، ويتناقلون الأخبار، وكأن الزمن عندهم لا يقاس بساعات، بل بفناجين الشاي، ونبضات القلوب.

الأطفال يركضون حفاة بين الحواري، ضحكاتهم تطعن سكون العصر، والعجائز يجلسون عند الأبواب، عيونهم غائرة تحرس الذاكرة، وتحدث السماء عن أبناء غابوا في طرقات الحياة.

الجمالية ليست حيا… بل قصيدة مكتوبة بالحجر، ونوتة موسيقية تعزفها أصوات الباعة، ونبضات أهلها، وزخات الحياة اليومية التي لا تهدأ

والحارة، رغم صغرها، كانت تبدو مملكة… لها سلطان، وكبير، وشهامة تسكن في الهواء. يوقر أهلها القيم، ويمشون على سنة الرجولة، ويكفون عن الكلام إذا ذكر اسم سلطان الهواري .. كأن ذكره يوجب الهيبة.
هو الكريم وقت الشدة، والشحيح حين الرخاء.
تراه يبتسم وفي عينيه حزن أعوام، ويغضب بضحكة تخدع من لا يعرفه.
عنيد إذا طلب منه اللين، ولين إذا رجو فيه القوة.
صادق إلى حد الوقاحة، وماكر إذا لزم الأمر.
يعشق الوحدة، لكنه لا يحتمل البعد.
سلطان الهواري يحمل قلب طفل، وروح شيخ حكيم.
يثور كالبركان، ثم يسكن كنسمة في آخر الليل.
تحاول فهمه، فتضيع في متاهة لا أول لها ولا آخر.
هو كل شيء… ونقيضه.
يعرف كيف يكون سيفا ومتي يكون درعا…

أمام أحد محلات الذهب العريقة التابعة لعائلة الهواري، وتحديدًا محل عاشور الهواري، كانت الشمس تميل نحو الغروب، تصب ذهبها فوق الذهب، فترتجف لمعة المصوغات خلف الزجاج وكأنها تخجل من بهاء الضوء.

وقف عز وياسر أمام محل عاشور الهواري، أحد أكبر المحلات في قلب الحارة، سند عز على باب المحل، يمسك بكوب شاي زجاجي تغشاه آثار السكر المذاب، وإلى جواره وقف ياسر ينفض الرماد عن سيجارته بكسل متأمل.

كانت حرارة الجو لا ترحم، حين اقتربت منهما امرأة مسنة، ملامحها كأنها خارطة من الألم، وظهرها المحني يشهد على عمر لم يرحم.

اقتربت بخطى مترددة، تسبقها نظرات تائهة، وقالت بصوت مجروح: قولي يا ابني الله لا يسيأك… هو المعلم سلطان رجع؟

تبادل عز وياسر النظرات، ثم رد عز بهدوء، مع نبرة حذر لا تخلو من أسى: لأ يا حاجة… لسه مسافر، ومحدش عارف يرجع إمتى.

اهتز جفنها، ونزلت دمعة ثقيلة من زاوية عينها، وقالت بخنقة: يعني مش هنا يا ابني ؟ أنا جاية له مخصوص… كان لازم أشوفه. أنا ليا اسبوع بجيله كل يوم ..

اقترب منها ياسر وهتف بهدوء : والله يا حجة، سلطان ساعات بيغيب بالشهور… بس بيرجع ف اي وقت !

وضعت المرأة يدها المرتجفة على صدرها، وانطلقت شهقتها كأنها طلقة في صدر السكون: أنا مستنيه يا ضنايا من اسبوع .. كنت فاكره هيكون رجع كنت فاكره هشوفه ويفهمني من غير ما أتكلم…

ارتبك عز، ونظر لياسر بسرعة، ثم قال بنبرة حانية:
تعالي اقعدي يا أمي… تعالي ارتاحي، باين عليكي همك تقيل !!

أسرع ياسر وأخرج كرسيًا خشبيًا قديمًا من جوف المحل، وضعه خلفها، وقال: اقعدي يا حاجة، ولو ليكي طلب أو محتاجة حاجة، إحنا ولادك، قولي واحنا نشوف لك طلبك.

لكنها هزت رأسها بشدة، ودموعها تنهمر على وجنتبها المتيبسة:محدش يقدر يساعدني غيره… أنا عايزة سلطان… هو اللي يعرف يساعدني … هو اللي يقدر يشيل عني الحمل.

وقفت ببطء، وكأن كل سنة من عمرها كانت حجرًا على ظهرها، ثم مشت وهي تهمس بكلمات لا يسمعها إلا الله، تكلم نفسها، تكلم الغائب، أو تكلم وجعها القابع في قلبها:
ليه يا ابني؟ ليه سايبني لوحدي؟ كنت مستنياك… مستنياك ترجعلها حقها..

سارت مبتعدة بين الزحام، وظل عز وياسر ينظران إليها في صمت ثقيل، لا يحمله إلا قلب يعرف سلطان، ويعرف جيدًا أن غيابه لا يمر دون وجع.

قال ياسر وهو بيشعل سيجارة جديدة: دي شكلها شايلة كتير… وملهاش حد ف الدنيا ..

رد عز وهو ينظر على طرف الشارع الذي اختفت فيه : في ناس بتفضل مستنية طول العمر… وسلطان؟… دا اللي بيرجع له الناس لما تقل حيلتهم!!

ثم لم تلبث خطوات ثقيلة أن اقتربت، وصوت جهوري مهيب اخترق السكون.

وهتف عاشور الهواري وهو ينظر لابنه بتجاعيد تخفي خلفها دهاء السنين: في ايه يا عز، الست دي كانت عايزة إيه؟

اعتدل عز في وقفته ومسح جبينه، ثم قال بهدوء: كانت عايزه سلطان يا حاج، بس مردتش تقول محتاجاه ف إيه، وفضلت تعيط وتندب وتكلم روحها ومشيت.

زم عاشور شفتيه بنظرة حادة وقال بسخرية مشوبة بالريبة: يا ابني كنت اديها فلوس، يعني هتكون عايزة سلطان في إيه غير محتاجه؟ انت عارف اخوك بيراعي الناس الغلابه.

هز ياسر رأسه وقال بجدية: لا يا عمي… لا، دي مش طالبة منه مساعدة، شكلها وراها حكاية تقيلة… شكلها عايزة سلطان ف حوار على كبير مش حوار فلوس خالص.

رمقهم عاشور بنظرة متفحصة، ثم سحب نفس ثقيل من الارجيله وغمغم وهو يلتفت لصاحبه جمال العتال الذي كان يراقبهم بصمت: لله يجيبك يا سلطان يا ابني بالسلامة… دا في رقبته هم ما يتلم يا جمال يا اخويا ايوه الله

أومأ جمال برأسه، ثم تمتم وهو يعقد ذراعيه: ربنا يكتبله السلامة يا خويا… الواد دا وراه حكايات ما بتخلصش.

وسكن المشهد لحظة، كأن الحارة تحبس أنفاسها في انتظار الغائب الذي يحمل على عاتقه ما لا يعرفه إلا الله.

………………………..
ف الحاره

في قلب حي الجمالية حيث يختلط عبق التاريخ برائحة الذهب والمسك والعنبر، كان بيت الهواري يعلو شامخا كقصور الزمن الجميل، تعرفه من بابه الفخم، ونقوش حديده المشغول بعناية كأنها تروي تاريخًا من العز والسطوة.

واجهته الحجرية النظيفة، وسقفه العالي المزخرف، لا يشبه سائر البيوت، بل يشبه أهله… تجار ذهب وسلاح، أهل شأن وهيبة، يحكى عنهم في الحارة كما يحكى عن الأساطير.

في صالونه الواسع، المغطى بسجاد فارسي، وأثاث ثقيل يوحي بالفخامة، كانت بطه تقف غاضبة، عيناها تقدحان شررًا وهي تصرخ في وجه ابنتها حياة .. التي خرجت تتهادى ببنطال جينز ضيق لا يتماشى مع أصول البيت ولا سلطانه…: إيه اللي انتي لابساه دا يا بت؟! انجري استري نفسك

رمقتها حياة بلامبالاة، كأنها تتمرد على إرث ثقيل من الضوابط: ايه يا ماما استر نفسي يعني ايه هو انتي شايفاني عريانه وبعدين سلطان مسافر… مش هيشوفني يعني.

ارتفعت طبقة صوت بطه، وهي تلوح بكفها المحملة بخواتم الذهب: ما انتي عارفه أخوكي يا ضنايا دا بييجي زي النسمة، يهب فجأة من السفر كده! لو شافك كده… هيقطعك! وانا مليش دعوه تيجي تعيطي هديكي بالجزمه يا حياه !!

تبدل وجه حياة فجأة، وظهر القلق في عينيها، فهي تعرف من هو سلطان… ليس أخا فقط، بل ظل والدها وأمن الحارة، غيور شديد لا يرحم الخطأ. تمتمت:خلاص، هدخل أغير.

ثم انصرفت مسرعة، بينما جلست بطه على طرف الأريكه تنفخ من غيظها، والتفتت إلى عايدة، الشارده بعالم اخري أوله سلطان وآخره الاقرب لقلبها من كل شيء في الدنيا، تحبه كما لو أنه قطعة من جسدها .. وقالت : شوفي البت وعمايلها! عايزه تطلع تتنطط قدام خلق الله بالبناطيل ده !!

هزت عايدة رأسها بشرود، تنظر للفراغ كأنها ترى وجه سلطان:سيبيني يا بطه… سيبني يا أختي… بلا بنطلون بلا هم.

ربتت بطه علي ساقها وهتفت : مالك يا اختي ؟

تنهدت عايده بضيق وقالت : بقاله شهر غايب ومفيش حس، ولا خبر، ولا حتى كلمة تطمنا عليه. أنا قلبي واجعني عليه وجع مش عادي.

اقتربت منها بطه، وضعت يدها على منكبها بقوة، وقالت بصوت فيه خليط من الحنان والصلابة: ده سلطان الهواري يا عايدة! دا ما يتخافش عليه راجل ميتخفش عليه، ابن موت، وبيعرف يدبر نفسه في أي بلد.

هزت عايدة رأسها ببطء، ودموع خفيفة تجمعت في عينيها: عارفة يا بطه… بس قلبي مش مطمن. مش عارفة ليه حاسه إنه موجوع، وبيمر بحاجة تقطع القلب.

سكتت بطه قليلًا، ثم همسة بصوت فيه من الدعاء أكثر مما فيه من الكلمات : ربنا يردك يا سلطان يا بن بطني سالم غانم يا ضنايا . يارب رجع لنا ضهر بيتنا قادر يا كريم !!

لكن عايدة كانت تشعر بشيءٍ أعمق من الغياب… شيء يشبه الغصة في الحلق، والسكين في القلب، لا يقال، فقط تخاف منه.

……………………………….
ف اليوم التالي صباحا

كانت شمس الصباح قد بدأت تطرق نوافذ القصر الكبير، تغسل جدرانه الفخمة بوهج ذهبي لا يخفي الشحوب الذي حل بأركانه. الباب الحديدي الثقيل انفتح ببطء، لتدخل منه السيارة السوداء التي أقلت ضي وإبراهيم من المقابر، حيث تركا تراب والدهم لا يزال رطبا على القبر، وذكراه لم تجف بعد من صدريهما.

توقفت السيارة أمام المدخل الرخامي، ترجل إبراهيم أولاً، ثم فتح الباب لضي التي نزلت بملامح شاحبة، عيناها محمرتان من البكاء، وصوتها صامت كأن الحزن أفرغ منها كل حرف.

لكن الصمت ما دام طويلًا.

عند مدخل القصر، كان عمار يقف، وإلى جواره رجل يرتدي بدلة رسمية، يحمل أوراق بختم بارز، وصوت حاد كأنما جاء ليقص شريط الخراب.

اقترب إبراهيم بخطوات ثقيلة، وقال بصوت متوجس:
إيه اللي بيحصل هنا؟ مين ده؟

ابتسم عمار في وجه ضي، مجاهدًا كي لا ينهار أمام عينيها، وقال بصوت متماسك زائف:مفيش حاجه يا ضي… روحي انتي فوق وارتاحي، الجو حر وانتي تعبانه يا حبيبتي!!

رفعت ضي حاجبها، ونظرت لأخيها نظرة تعرفه جيدًا… نظرة من تربى معها في حضن أم غائبة وأب غارق في الحروب، لكنها لم تعلق، فقط اكتفت بإيماءة صغيرة، ودخلت بخطوات مترددة.

وما إن غابت عن أعينهم، حتى انقلبت ملامح عمار، ونفخ في صدره وقال من بين أسنانه: الراجل ده… جايب إخلا من المحكمة بيقول فيه إن أبوك باع القصر، والشركات والمصانع والأرض اللي حوالينا دي كلها…لي خلف الحناوي اللي كان شريك ابوك ف مصنع الحديد..

شهق إبراهيم كأن صدره انشق وهدر: إنت بتقول إيه؟!

خطف الورق من يد عمار بعنف، وقلب الصفحات بعينين لا تصدقان: بابا ؟! يبيع؟! يبيع كل ده؟! ويخلي عياله ف الشارع؟!

التفت بعنف للمحضر وقبض على سترته وهدر بصوت حاد: إنت بتهرج؟ ده ورق مزور اكيد ؟!أنا هوديك ف ستين داهيه تاخدك.. إحنا مش هنخلي بيتنا… البيت ده بيتنا يا بني ادم !!

رد المحضر بهدوء اعتاد عليه في مثل تلك المواقف:
أنا بنفذ قرار من المحكمة يا بيه… مش شغلتي أفهم ليه أبوك باع ولا باع لمين، أنا معايا مستند رسمي، وانتو قدامكم يومين بس تخلوا المكان.

صرخ إبراهيم بنفعال : يومين ؟! يومين ايه يا جدع انت ؟! تخلونا من بيتنا وإحنا لسه دفنين أبويا امبارح؟!”

جذبه عمار من ذراعه بقوه وهتف : إهدا يا ابراهيم بقولك! إهدا ، الكلام ده مش وقتها احنا لازم نتصرف بسرعه!

صاح إبراهيم بغضب : اهدي إزاي ويعني ايه مش وقتها؟! إحنا بنترمي في الشارع ؟! إزاي يبقى مش وقته ؟!

لكن عمار سحبه بعيدًا عن المحضر بصعوبة، وهو يقول بوجه محتقن: أنا مش مصدق اللي في الورق ده، مستحيل أبويا يعمل كده! مستحيل!

اغلق المحضر حقيبته ببرود، وانسحب دون كلمة، تاركا خلفه صقيعا غريبًا زحف في صدر كل منهما.

ظل إبراهيم يلهث، ويده ترتعش وهي لا تزال تمسك الورق، بينما عمار انكمش قليلًا، كأنه يحتمي بصدره من هجوم الحقيقة.

أخرج هاتفه من جيبه، وفتحه بسرعة، ضغط رقم مألوفًا له، وانتظر…لكن كان الرد صوت آلة باردة أجابه:
الهاتف الذي طلبته غير متاح الآن.

تجمد عمار للحظة، ثم أنزل الهاتف ببطء، وعيناه تنطفئان تدريجيًا. وضع الهاتف ف جيبه وظل يحدق في اللاشيء، في أرضية القصر التي كانت تشبه العرش، وستتحول قريبًا إلى ساحة طرد.

لم يتكلم… لم يسب أو يلعن … فقط، احترق بصمت.
………………………………
ف حاره الصاغه

خرجت تقى من بيتها تسرع الخطا نحو محل والدها. في يدها زجاجة دواء، تنهر قلبها ألا ينسى والدها دواءه مجددًا كما فعل صباحا.

على ناصية القهوة، جلس راجح، متكئا على الكرسي الخشبي، يتأمل شاشة هاتفه بملل. رفع عينيه بكسل، لكن ملامحه تبدلت على الفور حين وقعت عيناه عليها. ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، ماكرة، وهو يراها تسير أمامه بغنج أنثوي لا تقصده، لكنه يأسره.

وضع كوب الشاي على الطاولة، ونهض بخطى سريعة خلفها.
وقبل أن تنتبه، قبض على ذراعها بلطف مشاغب، وسحبها إلى أول شارع جانبي، بعيدًا عن أعين الحارة. وقف أمامها، بعينين تتطاير منهما الهيمنة والعناد، ثم غمغم بصوته الأجش: براحة ع الأرض يا غزال الصاغة…

شهقت تقى، وسحبت ذراعها بعنف، تمتمت من بين أسنانها بحدة : اوعى يا جدع! انت مش هتبطل جنانك دي؟ هتفضل اطرني في الروحة والجاية كده يا راجح؟!

هز رأسه بالنفي، ابتسم بثقة ورد: أعملك إيه يا بت؟ ما انتي اللي مصدرة لي الوِش الجبس ده… وأنا شاري، وربنا شاري… تحبي اعمل ايه عشان تصدقي يا تقي ؟!

ربعت ذراعيها حول صدرها، ونظرت له بغيظ وهي تهمس بامتعاض: يالهووي ع تلقيح الجتت ع الصبح! يا خي حل عن سمايا بقى، فاضلي كتير ع الغلب ده؟ أنا مش عايزك تعمل حاجه يا راجح !!

مرر نظراته المتفحصة على ملامح وجهها الناعمة، نظرها العاتب، انفاسها المتسارعة، وقال بصوت خفيض فيه من التهديد ما يكفي لارتجاف الهواء بينهما: أحل عن سما مين يا بت عم خليفة؟ متخلينيش أعملها معاكي … بلاش تلعبي معايا اللعبة دي… وتكملي عليا وتقولي يا راجح انتي عايزه ايه تهبي مني ولا ايه

ضحكت بنفاذ صبر، هتفت بسخرية: يا عيني هي لسه هتهب … دي رايحة منك اصلا؟

اقترب منها خطوة، عيناه لا تفارق وجهها، وتمتم بعبث أكثر: لا يا بت… دي أنا اللي رايح لها! وساعات بجيبها لحد عندي!!

رفعت حاجبها بدهشة مصطنعة، وردت بامتعاض: طيب لم نفسك وما تبقاش تزعل بقى لما أهزئك! يخرب بيتك… وانت شبه النيش كده!

ثم استدارت بخفة، غادرت المكان بخطى سريعة، بينما هو ظل واقفا في مكانه، يراقبها تبتعد، وغمغم بصوت تغلفه ابتسامة: يخربيت دماغك… قد المج، ومطلع عين أمي!

…………………………. .
ف قصر البدري

غلب الصمت على أركان قصر البدري، كأن الحزن نفسه نزل كسقف ثقيل يطبق على القلوب قبل الجدران. الرياح تتسلل من بين نوافذ الطابق العلوي، تحرك الستائر المخملية بأناة، كأنها تهمس بما لا يقال.

في الطابق الثاني، خلف باب غرفته الضخمة، كان علي البدري جالساً على طرف الفراش، وجهه مائل نحو الأرض. ملامحه فقدت صلابتها المعتادة، وصوته الذي كان يومًا واثقًا، صار مجرد تنهيدة طويلة لا تنتهي. موت أبيه لم يكن مجرد فقدان… بل سقوط عمود الدار.

طرق عمار الباب بهدوء، ثم فتحه دون انتظار إذن. خطا إلى الداخل بخطوات مثقلة، وبيده ملف أوراقه تلوح من الجوانب كأنها تستغيث.
غمغم عمار بصوت أجش : قوم يا علي، شوف المصيبة اللي نزلت علي دماغنا زي القضاء المستعجل … الورق ده ممكن يطيرنا من القصر ومن كل حاجه حرفيا !

رفع علي عينيه إليه ببطء، كأن جسده يأبى الانصياع، ثم مد يده وأخذ الملف. تصفحه بعينين دامعتين، ثم تجمدت ملامحه.
وغمغم بصدمه : دي… دي عقود بيع؟ وبابا اللي ماضي؟
هز عمار رأسه بيأس وغمغم: :آه، باسمه وبختم المحكمة كمان… كل حاجة رسمية، باسم خلف الحناوي… معرفش طلع من اي داهيه ده كمان ؟؟

قلب علي الصفحة التانية، وعينه اتعلقت بالختم الأحمر.
وتمتم بصوت متحشرج: الختم سليم… والتوقيع كمان. لا حول ولا قوة إلا بالله. ده كده بيع نهائي… كل حاجة راحت؟
تمام عمار بمرارة: كل حاجة. القصر، الأرض، المصانع والشركات حتى العربيات يا علي !! أنا دماغي هتتفرتك!!

سكت علي لحظة، ثم نهض وقال بنبرة جادة:تعالى ننزل تحت، أوضتي جنب أوضة ضي… مش عايزها تصحى على صوتنا وتتفزع لحد ما نشوف حل للمصيبه دي يا عمار !!

هبط الأخوان إلى الطابق السفلي، حيث المكتب الكبير الذي كان ملاذ والدهم وحصنه. جلسا هناك، ولحق بهما بعد دقائق إبراهيم، الذي سمع أصواتهما ونزل.

دلف ابراهيم وهتف بقلق : هاا هنعمل ايه ف حال ولا كده طبلت علي دماغنا ؟!

جلس عمار ومسح على شعره بغضب وغمغم: أبوك باع كل حاجة… رسمي… والورق صحيح ومختوم !!
صاح إبراهيم بعصبية: مستحيل… بابا يعمل كده؟! ده كان بيخاف علينا من نسمة هوا تعدي جمبنا ! ده مش بيع، ده سرقة!
هتف علي بصبر مر : أنا وانت متأكدين إن ده محصلش اكيد ف حاجه غلط … بس الورق بيقول كده، والمحكمه ملهاش غير الورق اللي قدامها
هتف عمار بغضب شديد: هو ممكن يكون ماضي تحت ضغط؟ أو في حاجه مش باينه لينا؟ يمكن هددوه وعشان كده قتلوه!!

ضرب ابراهيم المكتب بيده بقوه وهدر :أنا لازم ألاقي الراجل ده! ويفهمني إزاي حصل ده. اقسم بالله ما هسيبه
تمسك به عمار وحاول تهدئته وهتف : مش كده… إحنا مش ناقصين وجع أكتر من كده. لازم نفكر بعقل، وندور على طريقة نوقف البيع ده.

تمتم علي بهدوء مر: مفيش بيع بيوقف بعد حكم محكمة وتسجيل رسمي… إلا لو ثبت إن فيه تزوير أو غش. ودي حكايه طويلة… والمحاكم حبالها طويله

سادت لحظة صمت.

وغمغم إبراهيم بصوت مبحوح
حزين : القصر اللي كبرنا فيه… هيتاخد مننا كده؟

اوما عمار بصوت محروق: خلف الحناوي ده اللي طلع لينا من تحت الارض اكيد ف حد وراه اكيد مش لوحده دي لعبه وسخه واتحبكت بحرفنه أنا من الاول مكنتش مرتاح لشراكه ابوك معه..

نظر له علي وهتف بتعقل : يبقى نبدأ من هنا … نشوف مين هو خلف الحناوي، علشان كده ف لعبه واتلعبت من ورانا ، ونفهم هو ظهر في حياتنا ليه…
…………………..
اليوم التالى

لم يكن الغروب في ذلك اليوم سوى نذير شؤم…
تلونت السماء بلون الدم، كأنها تنزف من شريان مفتوح في صدر الغيب، وسكن الهواء حتي كتم أنفاس الحديقة، حتى خيل أن الأرض تتهيأ لابتلاع سر دفين.

وفجأة، انشق الهدوء…بصوت زمجرة محركات جارحة مزقت السكون كأنها صفعة على وجه الزمن.

انتفض عمار من مكانه في المكتب، كأن النار اندلعت في صدره، بينما اشتعلت نظراته بشرر خفي.
ركض إبراهيم إلى النافذة، ولحقه علي وهو يهتف بقلق:
إيه الصوت ده؟! عربيات مين اللي دخلت من البوابة؟!

ولم ينتظروا إجابة….في ومضة، كانت سيارات الدفع الرباعي السوداء قد اقتحمت فناء القصر، كوحوش تقتفي أثر الفريسة…اصطفت أمام العشب كأنها تشكيل عسكري جاء لاحتلال الأرض.

من السيارة الأولى، ترجل خلف الحناوي…
بذلته الغامقة كظل شيطان، نظارته السوداء تحجب خبثا أشد من أن يرى، وابتسامته الجانبية… كأنها جرح لم يخط.
وراءه رجال بوجوه سميكة، وملامح أشبه بالقضبان… يحملون في أعينهم سلاحا قبل أن تحمله أيديهم.

فتح باب السيارة الأمامي ببطء…
ترجل وكأن الأرض تفرش خصيصا تحت قدميه، وخطواته على الحصى كأنها تطؤ الكبرياء، لا التراب.

خرج عمار، جامد الوجه، يتفجر في داخله الغضب… وخلفه إبراهيم، وعن يساره علي،كان ثلاثتهم كجدار لا يريد أن يسقط.

صرخ عمار بحدة : إنت ازاي تدخل كده انت اتجننت يا خلف ؟! فاكر نفسك داخل وكالة من غير بواب؟! الأرض دي ملك عثمان البدري، يعني مفيش غريب يدوسها!

ضحك خلف، ضحكة مسمومة وغمغم : أنا مش داخل كغريب… أنا دلوقتي داخل ملكي ومعايا أوراق تثبت ده.
القصر ده بقي ملكي بالي فيه…
كانت ضي متجمده علي الدرج الرخامي،
مرتجفة على وقع الصراخ… لم تفهم شيئًا، لكن حدسها صاح بالخطر.
ثم رفع خلف بصره نحو الدرج الرخامية الي ضي المتجمده بذهول وما إن وقعت عينيه عليها،
حتى تبدلت ملامحه…وصارت نظرته شيطانية،
فيها نهم خسيس، وشهوة قذره
وبصوت خفيض تقطر منه القذارة قال : بس أنا شايف إننا ممكن نتفاهم… واسيبلكم حاجه قصاد حاجه.

لاحظ عمار نظرة خلف الي ضي، وانفجر الغضب بداخله
لم يكن مجرد غضب… بل كان ثأر يولد، وذل يذبح في مهده.
وانفجر صوته بغضب شديد: خلي عينك ف الورق يا خلف… بدل ما احسرك علي عنيك… وأخليك تندم على اليوم اللي فكرت تدخل فيه قصر البدري!

رد خلف بخبث: طالما مش عايزين نتفاهم… يبقي القانون يتكلم. يلا يا رجالة… سلموا المكان واتفضلوا من غير مطرود…

تحرك رجال خلف … لكن إبراهيم اندفع كصاعقة، قبض على ياقة قميصه أحدهم وهدر: لا… لازم تعرفوا إن لحمنا مر! ومش هتاكلونا بالساهل!

حاول علي سحب ابراهيم وهتف : سيبه يا إبراهيم! ده عايز يولعها واحنا مش مستعدين!

أخرج عمار هاتفه، وضغط زر الاتصال… ورن الهاتف وغمغم: انت فين ؟! الحقني بسرعه أنا ف مصيبه … والدنيا بتولع هنا ..

صمت…
ثم رد بصوت أجش، مبحوح الغضب: أنا جاي حالا !!

هتف خلف بصوت خبيث : مفيش داعي لكل ده وطلما رافضين التفاوض المحكمة قالت كلمتها… كل اللي حواليكم ده… بقى بتاعي…

نظر له عمار والتزم الصمت وقبل أن تنبس أفواههم بكلمة… كان هدير… أشبه بهدير إعصار.هدير كاسح، يشق الأرض شقا
سقطت بوابة القصر أرضا بقسوة لم ير مثلها.بدوي مرعب
وسيارة سوداء كالجحيم انطلقت بقوة… غطى الغبار كل شيء، ثم انقشع فجأة.
وترجل من السيارة رجلا كأن الله خلقه خصيصا ليكسر غرور كل طاغية.
سلطان الهواري.
جسده يشبه الصخر، ملامحه كأنها محفورة على جدار المعارك، عيناه… عاصفتان… حادتان

تجمد رجال خلف بارضهم وخطي سلطان بثبات كل خطوة منه كانت صفعة على وجه الخوف.
لاحظ أحد رجال خلف يتحرك…وفي لحظة، سحب سلطان مسدسا صغيرا من وسط ظهره، وأطلق…الرصاصة شقت الهواء…وسقط الرجل يصرخ، والدماء تنزف من فخذه.
وغمغم سلطان بصوت خافت لكنه كالسيف: ما تخافش… بعيد عن العضم. عشان تتعلم الأدب وتحترم أسيادك.
صرخ خلف بحده : إيه يا ولاد البدري؟! هتتحاموا في بلطجي ضد حكم المحكمة؟!
قال سلطان بنبرة رخيمة قاتلة: أنا ما باهددش… أنا باشر بس.
اشار له خلف بحده وهدر : أنا معايا المحكمة… وانت معاك مين؟!
اقترب منه سلطان خطوة ثم خطوة وغمغم ببرود قاتل:
أنا معايا الحق… ومفيش حد ف ضهري، أنا ضهري نار وحطب … وآخر واحد اتحداني، اتخطف من الدنيا.
ضحك خلف وهتف :انت متعرفش مين ورايا! وكده بتتعدى على القانون! وهرفع عليك قضية!

أجابه سلطان، دون أن يرمش:ارفع… بس خلي آخر سطر فيها وصيتك. عشان أنا اللي هرفعك

نفخ سلطان دخان سيجارته في وجهه، ثم دسها تحت قدمه وسحقها وهدر : ولا إنت ولا اللي وراك تعرفوا تيجوا علي سكتي ، ويوم ما أعوز… هشيل رقبتك بسن جذمتي
تجمد خلف بذهول وفهم أن سلطان لا يلعب.او يهدد فقط
اخد سلطان الملف من عمار ونظره له لحظات كانت كافيه بإشعال النيران في عقل سلطان لكنه تمالك نفسه سريعا ومده الملف الي خلف وهتف :خد ورقك… بله واشرب ميته. الحق مش جوه الوراق، الحق هنا…

ضرب علي صدره بقبضته وهدر : وبيطلع لما نعوز حتي لو لآخر نفس فينا واحنا حقنا هنعرف نرجعه من بوء التخين منك انت او اللي وراك
هدر عمار بغضب : أنا مش هسيب حقي وحق ابويا ياسلطلن اللي بينا وبينه مش خناقه …

اوما سلطان وسحب عمار علي طرف الحديقه وقال : تعال معايا يا صاحبي علي الحارة… الحوار ده شكله عوق وأخواتك لازم يبقوا بعيد عنه خلي الكلب يعوي لحد ما نجيب آخره …وإذا كان علي القانون مفاتيح، كلها حافظينها… ووعد من سلطان الهواري، هترجعوا القصر ورجلكم فوق رقبة التخين.

رمق عمار أخوته… ثم نظر إلى ضي التي تقف اعلي الدرج بوجه مرتعد مذهول …
وهز رأسه، موافقًا، على مضض. لأجل الأرض… لأجل إخواته… ولأجل نظرة قذره لا تغتفر وغمغم: ماشي… بس لو خسرنا، أنا اللي هولعها فوق دماغ الكل

ابتسم سلطان ابتسامة جانبية وقال : لو حصل… أنا اللي هولعها قبلك. مات الكلام يا عمار!!

وبعد مرور وقت قصير
عندما غادروا، اقترب أحد رجال خلف منه، وهمس:
ده سلطان الهواري… جنرال الدهب في الجمالية كلها.
غمغم خلف بحنق : طلعلي زي الشوكه ف الزور!!
عينك عليه… ده جواه سم يسم عقرب…

غادروا… الاخوه لكنهم لم يخرجوا منهزمين… خرجوا كالعاصفة التي تهدأ…
لتعود أقوى….ولا شيء أخطر من هدوء الإعصار قبل العودة….خرجوا كرجال عائدين بعد أيام…
ليأخذوا كل شيء… بالقانون إن لم يكن بالنار.
………………………..
ف الحاره

شقت السيارة طريقها وسط الحارة كأنما تمهد لموكب سلطان عاد من معركة.
انقسم الهواء الي نصفين أمامها، ووجوه الرجال انتصبت، وعيون النساء لمحت ظل الهيبة قبل أن تراه.

ترجل سلطان من السيارة، فخفت الصخب، وكأن الأرض تصغي لخطواته
لحقت به النظرات قبل أن تلحقه السلامات، فرفع يده بتحية خفيفة، لا يشبهها إلا ملوك الغابرين حين يعودون لأرضهم بعد طول غياب.

ترجل خلفه، عمار وأخواته، وقد اتسعت عيونهم بدهشة لا تخفى، فأجواء الحارة كانت جديدة عليهم تماما …
هتف سلطان، بلطف لا يخفي صلابته، أشار برأسه وهتف بثقة: تعال يا ابن الأكابر… البيت بيتكم، نورتوا الصاغه

ابتسم عمار ابتسامه باهته ، ودار حول السيارة وهتف بمودة: تسلم يا صاحبي … أنا مش هنسي وقفتك دي يا جنرال.

لكزه سلطان في كتفه، وهمس بنفاد صبر كمن لا يحتمل المجاملات: يا حبيب أخوك، تعال بلاش هري… احنا أهل، وانت عارف… يلا بينا.

اشار عمار الي إخوته وتحرك إبراهيم وعلي بجوار ضي، التي كانت كطيرٍ الذي أُلقي فجأة بين صقور جارحه،
كانت ترتجف… وتحاول أن تخفي في ملامحها ذلك الذعر،
لكن عيناها كانت تفضحاها، وهي تتأمل وجوها غريبة، وحي يفيض بخشونة لم تألفها.

فتح سلطان باب شقة فخمة، بابه مرصع، ، قال بهدوء:
اتفضلوا… ارتاحوا، الشقه دي بتاعتكم من النهارده !!

دلف الاخوه ووقف عمار علي الباب ونظر الي سلطان بامتنان وهتف : مش عارفه اقولك ايه يا صاحبي
رفع حاجبه بغضب وقبل أن يرد

اخترق صوت راجح الحاد : سلطان انزل عايزك !!
اشار الي عمار وغمغم : روح يا عمار ريح جتتك الله لا يسيأك !!

اغلق الباب ونزل الدرج بخطي سريع وهتف : في ايه يا جدع !!مالك مسروع علي ايه ؟!
اقترب منه راجح وضمه بحضنه وقال: حمد لله على السلامه يا جنرال …

ربت سلطان علي منكبيه وغمغم : تسلم يا صاحبي !

نظر له راجح وهتف بجديه : ف حاجه كده لازم تعرفها ؟؟
قطب حاجبه بدهشه وغمغم بنفاذ صبر : ماتقول يا راجح هسحب الكلام منك !!

اوما راجح برأسه وقال : وانت مسافر عز شد مع عيل ابن حرام ..ديلر نزل المنطقه.. ودلوقتي جالي خبر ف حمله علي المنطقه !!

هز سلطان رأسه وابتسم بجانب فمه ورد ببرود : يعني عندنا عركه.. طيب يلا !!

خرج سلطان من المنزل، وقد أثقلت خطواته الأرض تحت وطأتها، كأنما يحمل بباطنه جحيم لا يرد … السماء تميد فوق رأسه، لكن الغضب في صدره كان أثقل من كل سحبها..

وخرج خلفه راجح وهو يشعل سيجارته وغمغم : ايه اخبار الشغل يا راجح !!
هتف راجح وهو يسير بجانبه : كله عشره علي عشره !!

لمح بعينيه عز وياسر يجلسان على أحد مقاعد القهوة الخشبية، يتبادلان الضحك والأنفاس المتقطعة من أرجيلتهما. اقترب، وهتف بصوته الجهوري الجارح كالسيف: الشيشه يااض يا بريزه!

نهض عز وخلفه ياسر في اللحظة نفسها، بفرحه عارمه
هتف عز بحرارة وهو يفتح ذراعيه: حمد لله عالسلامة يا جنرال!

ضمه سلطان إلى صدره وربت على ظهره بقوة رجت أضلعه، وقال بابتسامة جانبية:الله يسلمك يا هواري… وحشتني ياض.

أومأ عز وهو يتنحى جانبا، وقال بعتاب محبب: طولت ليه كده؟ الواحد روحه طلعت ميت مرة!

اقترب ياسر وضمه بحرارة أكبر، ثم قال بسخرية:
يا عم أنا قلتله، ده الجنرال… وميتخفش عليه؟ بس اخوك قلبه على اده!

ضحك سلطان وربت على منكبه وقال: حبيبي يا ريس، والله واحشني انت كمان.

جلسوا جميعًا، وتقدم بريزة صبي القهوة وهو يحمل الأرجيلة الخاصة بسلطان وناولها له باحترام، وهتف:
حمد لله عالسلامة يا معلم… نورت الصاغة تاما..

أخذها سلطان وهز رأسه ببرود، ثم قال: هاتلي شاي مظبوط ياض يا بريزة.

أومأ الصبي وهتف بسرعة: فريرة يا معلم!

نظر ياسر نحو شرفة الشقه الذي فتحه سلطان، حيث كانت تظهر وجوه لا يعرفها، فسأل باستغراب:هم مين دول اللي مع عمار؟

سحب سلطان نفس عميقًا من الأرجيلة، ثم غمغم بصوت منخفض كأنما يتحدث إلى نفسه: إخواته… أبوهم اتقتل من يومين، وحد ابن حرام شايلهم. ابن المـ* قانوني، بس علي مين ده دخل عش الدبابير برجليه !!

هز ياسر رأسه في بطء يحمل تحذيرًا صامتًا، بينما انعقد حاجبا عز، وهو يغمغم بشك تسلل إلى نبرته:بس إزاي؟ ده عمار صاحي وفاهم… وابن بلد. ما يغركش شكله الهادي.

قبل أن ينبس سلطان بكلمة، دوى صوت حاد، كأن الأرض صرخت تحت وطأة الحديد.
ثلاث سيارات جيب انحرفت بعرض الشارع، تزأر محركاتها بغضب، وتئن الأرض من احتكاك العجلات بالإسفلت، حتى تصاعد صرير أفزع السكون.

توقفت السيارات دفعة واحدة، وفتح باب خلف باب، قبل أن تترجل منها أجساد ضخمة، كأنما نحتت من الصخر، قسوة الوجوه تشهد على أعوام من الدم والبارود.
رجال لا يخطئون الطريق إلى الموت.

تأهب ياسر، وتبعه عز في وقفة غريزية للمواجهة، لا مجال فيها للتراجع…. ولحق بهم راجح، وخلفه عدد من رجال سلطان، وجميعهم في وضع الاستعداد، كأن لحظة الانفجار قد بدأت.

أما سلطان، فظل جالسًا، قدماه مرفوعتان على أحد الكراسي، نظراته ثابتة ببرود ، كأن الفوضى التي أمامه لا تعنيه من قريب أو بعيد.

اصطف رجال حنفي الرشاش في خط واحد، وجاء صوت حنفي كالرعد، يخترق الليل بقوة: عز يا هواري… غلطت لما حطيت على واحد من رجالة حنفي الرشاش!

هبط عز درجات المدخل بثبات، وقف كجبل لا تهزه العواصف، عيناه تقدحان نارًا، وصوته كالسوط وهو يهدر: لو حنفي الرشاش قادر يسيطر علي صبيانه مكنتش زمانك هنا وهيتحط عليك .
………………..

تقدم ياسر خطوة، وذراعه تتشنج كأنها على وشك الانقضاض، وصاح بحدة أفزعت الهواء: بقلك إيه! لم الرمم اللي معاك وغور من هنا … بدل ما ندفنكم تحت رجليكم يا ** أمك انت وهو!

ضحك حنفي، ضحكة باردة كأنها صفعة من شتاء جليدي، وأشهر سلاحه في وجه عز، وهتف بنبرة لا تخشى شيئًا:
طيب وماله؟! ده حتى الموت في الكتره ستره!

لكن لم يمهله فرصه … في ومضة برق، اخترق سكين كف حنفي ، وسالت الدماء كنافورة مفاجئة، وصرخة وجع انطلقت من حنجرته، كأن الألم انتزع شيئًا من روحه.

ونهض سلطان، وعينيه متوهجتان بشر صافي، وصاح بصوت جاف كالرصاص: والغفلة… سافلة يا ابن المتـ**!

صرخ حنفي، وهو تتلوى ملامحه من الوجع والغضب صرخ : مستنيين إيه؟! حطوا عليهم… عايزها خراب!

وانفجرت الفوضى.

اندفع الرجال من الجهتين، اشتعل الشارع بصوت الحديد وهو يصطك، وصدى السباب والضربات يخترق الليل.
صراخ، دماء، لهاث، وضربات تسقط كأنها مطر من نار.

سلطان، عز، ياسر، وراجح… كانوا كتلة واحدة من اللهب، يقاتلون كأنهم يقسمون أن لا يبقى لأعدائهم أثر.
السكين والقبضة والركلة، كلها تسير في تتابع لا يتوقف، في تناغم لا يعرف الرحمة.

من النوافذ، علت أصوات النساء بالنواح، والأطفال بالصرخات، والناس تفر كأن الموت نزل من السماء.

وفي الطابق الأعلى…
تراجعت ضي بخطى مذعورة، ترتجف كغصن في مهب الإعصار، وجهها يقطر دموعًا، وعيناها تتوسلان النجاة.

صرخت بذعر مكسور:عماااار!

ركضت إلى الغرفة، وفتحت الباب بعنف، واندفعت نحوه، صوتها يغص بالبكاء:أنا عايزة أمشي من هنا! دول بيقتلوا بعض تحت… ضرب وسكاكين وناس بتصرخ!

عقد عمار حاجبيه، وهو يغلق أزرار قميصه على عجل، وقال بقلق حاد وهو يقترب منها : مين يا ضي؟! إهدي، قوليلي مين !

رفعت يدها، تشير إلى الأسفل، وصاحت:اهدى إزاي؟! صاحبك اللي جابنه الهمجي ده… هو اللي بيتخانق تحت!

جحظت عيناه في صدمة، وفغر فاهه وهتف وهو يركض نحو الباب: سلطان؟!

مدت يدها تحاول التمسك بذراعه، وصرخت: استنى يا عمار! هتنزل ليه؟! ما تنزلش يا عمار!

لكنه كان قد خرج، تبعه إبراهيم يركضون باتجاه مصدر الصخب.
أما ضي، فوقفت في المنتصف، قلبها يخبط في صدرها كأنه يريد الفرار، قبل أن تهرول إلى الشرفة، تبكي وتغمغم: هيتخانقوا… علشان الهمجي اللي تحت ده!

خرج علي من الغرفه ودخل الشرفه بجانب ضي ، ونظر إلى الأسفل، وعيناه جمدتا على مشهد أقرب إلى الجحيم.
لم يتردد، أخرج هاتفه، طلب الشرطة دون تفكير، كأن الحدث لا يحتمل ثانية إضافية من الفوضى.

في الأسفل…

هبط عمار وإبراهيم إلى الشارع كأنما سحبه من صميم الغضب ذاته، أعينهم تشع بالشرر، وعضلاتهم مشدودة على آخرها، وجسديهما لا يعرفان الكلل. اندفعا وسط المعركة دون تردد، وكل من اعترض طريقهما، كان مصيره الارتطام بقوة لا ترحم، كأنهما إعصاران بشريان يجريان الحساب دون استئذان.

الحديد ارتطم بالحديد، والقبضات اصطدمت بالوجوه، والدم تناثر على الأسفلت كأنه طلاء غضب مسكوب.

مضي الوقت… ولا أحد يتراجع. رجال حنفي الرشاش في قتال شرس، ورجال سلطان الهواري في عناد مجنون. صرخات، سباب، وعويل نساء يتعالى من النوافذ، بينما الأرض تهتز تحت الأقدام من شدة العنف.

ثم، وكأن صفارة يوم القيامة قد انطلقت، دوى صوت سيارة الشرطة وهي تشق الشارع كشهاب من السماء، تتقدم بصوتها المزمجر الذي خنق العراك قبل أن تخنقه الأيادي.

توقفت السيارة بقوة، وانفتح بابها دفعة واحدة، وترجل منها ضابط غاضب تتطاير نظراته كالشرر، يحيط به عدد من العساكر الذين بدأوا في تطويق الموقف.

صرخ الضابط، وصوته يعلو فوق كل الأصوات: وقف يا جدع انت وهو! هو إحنا فينا هنا في غابة؟!

اقترب أحد رجال سلطان وهتف : هما اللي هجموا يا باشا واحنا بندافع عن منطقتنا…

أشار بعصبية إلى العساكر: لم العيال دي على البوكس يا ابني! واحد واحد، ما تسيبليش ولا نفس واقف!

انطلقت الأيدي تسحب رجال حنفي ورجال سلطان ومن بينهم عمار، إبراهيم، وراجح، بينما الوجوه تقطر بالغضب والخدوش والدماء، والأنفاس محبوسة من شدة الاحتقان.

تحرك سلطان باندفاع، كمن يريد تفجير الدنيا، لكن ياسر أمسك بذراعه وقال بصوت خافت وحذر:اثبت… انت بره، يعني تقدر تتصرف. بلاش تهور، يا سلطان.

هز عز رأسه، يؤيد قائلاً: ياسر عنده حق… خليك عاقل دلوقتي.

سحب سلطان ذراعه بعنف وتقدم نحو الضابط، نيران حنقه تتقد في عينيه، وهتف بنبرة تغلي كقدر على النار:
نورت الصاغة يا حكومة!

نظر إليه الضابط بنزق، وقال وهو يشير بيده:
انت هنا يا معلم سلطان؟ وسايب الناس تاكل ف بعض كده؟ عاجباك المجزرة دي ؟ فين المعلم عاشور؟!

هتف أحد رجال سلطان: المعلم سلطان لسه جاي من السفر وكان بيلم الليله يا باشا !!

كتم سلطان حنقه، وشد على أسنانه وهتف بتماسك كاذب: المعلم عاشور… راح يصلي العشاء ف الحسين، والناس دي من بره المنطقة… جايين يرموا بلاء يا باشا. وحاولت اوقفهم ..

أومأ الضابط برأسه، ثم رمقه بنظرة سريعة وقال باقتضاب: ربنا يتقبل يا معلم.

صعد الضابط إلى السيارة مجددًا، وانطلقت تشق الحشود، تاركة خلفها سكونًا مخيفًا كأن المدينة حبست أنفاسها، وغبارًا معلقا في الهواء كآثار طلقات لم تطلق بعد.

تقدم سلطان خطوة، وزأر بصوت أشبه بالفحيح: ياسر… الموضوع ده يخلص الليلة!

في الأعلى…

اتسعت عينا علي وهو يرى إخوته يسحبون داخل سيارة الشرطة، جمرات من القلق تنفجر في صدره. هرول إلى أسفل دون أن ينطق بكلمة، قلبه يسبق قدميه.

في المقابل، صاحت ضي بانفعال وهي تقف في أعلى السلم: إيه يا علي؟! إنت كمان سايبني؟!

لكن علي لم يلتفت… اندفع كالسهم، وعيناه لا تريان سوى صورة إخوته مقيدين.

ظلت ضي تدور في الشقة كأنها حبيسة في زنزانة من الهم، لا تدري ماذا تفعل. ثم جلست على الأرض، كتفيها يهتزان، ودموعها تحرق وجنتيها وهمهمت بمرارة:أما وريتك يا همجي… أنا عايزه اخواتي ومش هسكت !!

قفزت من مكانها، فتحت باب الشقة، واندفعت تهبط الدرج بجنون، حتى خرجت إلى الشارع.

كأن العالم خارجًا ينظر إليها بذهول… ضوء أعمدة الإنارة يلمع على فستانها العصري، المختلف تمامًا عن نساء الحي الشعبي. همهمات، نظرات، تمتمات، لكنها لم تر شيئًا… لم تكن ترى إلا ذلك الرجل الذي أشعل الحرب ثم جلس كأنه على عرش الدم.

تقدمت بخطوات واثقة، ثم لكزت كتفه بقوة، وصاحت بغضب:إنت! يا همجي! أنا عايزة إخواتي… إنت وديتهم ف داهية وقاعد هنا زي القضا!

التفت سلطان إليها ببطء، كمن فاجأه وابل رصاص في ظهره، حاجبه مرفوع في ذهول، ونظراته لا تصدق. ثم وقف فجأة كمن نهض من قبره، وحدق فيها بنظرة نارية،وووووو

ساحره القلم ساره احمد

5 4 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
5 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Salma Mohamed
Salma Mohamed
10 أيام

❤️❤️❤️❤️

Nedaa
Nedaa
10 أيام

تحفة

Mero ❤️
Mero ❤️
10 أيام

البارت تحفة😘

ام تسنيم
ام تسنيم
9 أيام

جميل ❤️🥰🥰😘

Imen kraoua
Imen kraoua
8 أيام

ياااه ذكريات أول فصل
أول مرة نتعرف فيها على سلطان و ضي