نار وهدنه (الفصل الخامس )

هل بينكما هدنة؟ ربما…
لكن صدقيني، تلك الهدنة ليست إلا فاصلاً قصيرًا…
يسبق اشتعال الحرب من جديد،
حينها ستجبر القلوب على الاختيار:
إما الاحتراق،
أو الاستسلام!
توقف فجأة وحدق الي المطبخ وقطب حاجبيه بغضب وتجمد بأرضه
ثم تمتم:هي طفشت من أولها؟!
تحرك إلى الخارج بسرعة. وفي تلك اللحظة، كانت ضي قد خرجت من المرحاض، وقد بدلت ملابسها وارتدت منامة مكونة من شورت قصير وكنزة بحمالات رفيعة.
وقفت أمام المرآة تنشف شعرها، ثم شهقت فجأة كأن الأرض زلزلت تحت قدميها، حين دوى صوت الطرق العنيف على الباب.
ركضت بخوف، واقتربت من الباب، جسدها كله يرتجف، وهمسة بصوت مرتعش: مين؟
جاءها صوته من خلف الباب، غاضبًا، هادرًا: سلطان!
شهقت، ودموعها تجمعت كالسيل في عينيها. وضعت يدها على فمها، تحاول أن تكتم كل صوت. لكن الطرق عاد أقوى، وصوته انفجر: افتحي يا بت بدل ما أكسر الباب! وهدخل أكسر دماغ أمك الناشفة دي!
تراجعت بخوف شديد، وهي تصرخ بالبكاء: لااااا! مش هفتح! سيبني ف حالي بقى! انت إيه؟ حد مسلطك عليا؟!
ثم… صمت. ثقيل، مفاجئ، خنق أنفاسها.
وضعت يدها على صدرها، تتنفس ببطء، تحاول تهدئة الرعب داخله.
عادت إلى غرفتها… جلست على الفراش، التقطت علبة كريم مرطب، وبدأت تدلك ساقها ببطء…تمرره بحنان فوق جلدها، كأنها تحاول أن تهدّئ ارتجافًا يسكنها من الداخل. فجأة، شق السكون صوتٌ أجش ساخر، يحمل بين طبقاته نبرة غضب دفين: أنا هتطلع روحك في إيدي… يا بت البدري!
شهقت وتجمدت مكانها، اتسعت عيناها برعب حقيقي وهي تره واقف أمام الشرفه ويندلع الشرر من عينيه ، انتفضت واقفة، وركضت نحو الباب، لكن خطوة واحدة منه كانت كفيلة بالإمساك بخصرها وسحبها بقوة إلى صدره. وضع يده على فمها ليمنع صرختها، بينما تراجع بها إلى الداخل، واغلق الباب خلفه بقدمه دون أن يشيح بنظره عنها.
تلوت بين ذراعيه بنحيب ، وشهقت بأنفاس مكتومة، حتي القي بها فوق الفراش كدمية صغيرة بين يدي عاصفة.وهبط فوقها وثبت يديها فوق رأسها بيده ونظر في ملامحها وكأن الجنون قد استوطن عينيه.
مرت لحظة من الصمت… الزمن نفسه بدا وكأنه انكمش، فقط ليمنحه فسحة يتأمل ملامحها الخائفة… وجهها الأبيض، وجنتاها كأنهم سكر ناعما تلونهم قطرات عنب ناضج، أنفها الصغير، النمش المتناثر كقبلات القمر فوق وجنتيها وشفتاها… شفتاها المرتجفتان كحبة فراولة طازجة، تلوح بندى رغبة مجهولة.
اقترب منها، وأنفاسه الساخنة لفحت وجهها، ففتحت عينيها بذعر وهمت بالصراخ، لكنه كان أسرع… وابتلع شفتيها داخل فمه سلب صرختها بجوفه ، لا تعرف إن كانت تلك قبلة أم اجتياحا، لكن المؤكد أنها لم تعد تشعر بحدودها، كانت بداخله… بكل كيانها… مرر يده خلف عنقها حتي يتمكن من شفتيها ويمتصها بعنف سلب أنفاسها ..
اخيرا حرر شفتها، وهمس وهو لا يزال يلامس شفتيها:زي ما قولت… فراولة.
اهتزت شفتاها بالبكاء، وانهمرت دموعها بلا إرادة، دفعت صدره، ونهضت وصاحت: اوعى! يا همجي! إزاي تتـ تعمل كده؟!
شدها من خصرها إليه مجددًا، وألقي بجسدها علي الفراش واعتلاها بجسده وهدر بصوت غاضب، زاجر: تتـ إيه؟ أنا جوزك! انتي هبلة ولا عبيطة؟!
دفعته وهي تضرب صدره: ابعد عني! انت بتخوفني يا همجي، سيبني!
قبض على وجنتيها بين أصابعه ، وحدق في شفتيها كمن يسحره طيفها، وتمتم: استني… هدوق تاني …
لم يمنحها فرصة للاعتراض، عاد ليلتهم شفتيها مجددًا، وكأن الجوع يسكنه، لا لشفتين بل لنبضها، لارتجافها، لصوتها المكبوت تحت قبلته.
لكنها هذه المرة بدأت ترتجف بعنف حقيقي، تحاول التملص منه ، ودفعه بجسدها الضعيف. تنهد وهو يبتعد عنها قليلًا، ثم غمغم بعبث: هي فراولة… وكمان صابحة.
نهضت في هلع وهي تدفعه، صاحت: اطلع برا أوضتي! انت قليل الأدب! هصرخ لو قربت مني تاني انت همجي ..
ضحك وهو يجلس على طرف الفراش، يضع ساقا فوق أخرى، وغمغم بصوت أجش يحمل تهديدًا مبطنًا: لو صرختي تاني … هاعتبرها دعوة… دعوة إني اسكتك بنفس الطريقة… وممكن أكمل للآخر. أنا راجل بيحب يجيب من الآخر.”
تراجعت بخوف،وهمسه بصوت متهدج: انت… انت أكيد مجنون.
نظر إليها من أسفل إلى أعلى، بعينين عاصفه، جعلها تتلوى في وقفتها وهمسة:ف… في إيه؟ بطل تبصلي كده.
أشار إليها وغمغم : هو إنتي بتقعدي بالمنظر ده قدام إخواتك؟!
نظرت إلى جسدها، ثم تمتمت بخجل: أه… ما هو إخواتي يعني، فيها إيه؟
نهض فجأة واقترب منها، وهدر كالرعد: فيها إيه؟! فيها احااا يا بت البدري… لو شفتك كده تاني قدام أي حد، حتى الهوا، هشوهلك جسمك ده اللي انتي فرحانة بيه، وأجيب أجلك!
ارتجفت، وصاحت باكية: يا نهار اسود… أنا عملت إيه في نفسي؟!
اقترب منها بعينين لا تعرف الرحمة، ويده تلتقط أحد الأرواب القطيفة الملقى على الأريكة، دون تأن أو تمهيد، ألبسه لها بعنف لا يرحم حيائها، ثم رفعها فوق منكبه كأنها لا تزن شيئًا، وتجاهل ضرباتها الخفيفة على ظهره، وصرخاتها المرتجفة التي خرجت ممزوجة بالدهشة والخوف: انت رايح فين يا همجي؟!
خرج بها من الغرفة وكأنها غنيمة حرب، وما إن فتح باب الشقة حتى فوجئ بإبراهيم واقفًا أمامه، نظر له بذهول حاد، كأن عينيه تعجزان عن استيعاب ما يرى، وهتف متلعثمًا: إيه ده؟! في إيه؟! إيه اللي انت عامله ده يا سلطان؟!
كانت ضي لا تقل دهشة، بل كانت أقرب للجنون، وصرخت في استغاثة وهي تتخبط فوق ظهره: الحقني يا إبراهيم! خليه ينزلني!
هز سلطان رأسه، وصوته يحمل نبرة مضغوطة من الغيظ واللوم: يرضيك يا هيما؟ أغفل عنها خمس دقايق ألاقيها سابت الشقة وجريت؟! هو ده لعب عيال؟!
ضحك إبراهيم وهز رأسه بنفي خفيف، ثم قال ممازحًا بلهجة ساخرة:لا طبعا ميرضنيش… أقولك سيبهالي، أربيهالك أنا.
صاحت ضي بفزع، وهي ترتجف في مكانها فوق منكبه، بينما تحرك سلطان بعيدًا عنه وهو يهتف بثقة لا تخلو من الغضب: وأنا اكتع؟ ولا معرفش أربي؟! ربايتها عليا!
مد إبراهيم يده وقبض على ذراع سلطان، وهمس بصوت خفيض وقلق: سلطان…
نظر سلطان الي صديقه بنظرات تحمل رساله غير منطوقه وتمتم بجديه: متخافش… أختك مع راجل عارف هو بيعمل إيه… وعارف هي مين.
فتح باب الشقة ودلف ، مغلقًا الباب خلفه وسط صراخ ضي:الحقني يا إبراهيم!
ضحك إبراهيم بخفة وهو يردد: أُلحقك من مين؟ ده جوزك يا بنتي ..
تحرك سلطان بها إلى المطبخ، وأنزلها على الطاولة بحذر بدا متنافرًا مع عنفه السابق، ثم صاح فيها:هو إيه الجنان ده؟ وإيه الجري والتنطيط والفرهدة دي؟ مشيتي ليه وسبتي الشقة؟!
انكمشت ضي خجلًا، وهمسة كأنها تهمس بذنب لا يغتفر:
كنت عايزة أغير هدومي… الفستان كان مضيقني.
نظر لها في صمت ثقيل، ثم غمغم بنبرة لم تخلو من الحدة:ولما غيرتي… مجتيش ليه؟! ولما جيت أخبط على الباب وأرزع زي المجنون… مفتحتيش ليه؟!
أطرقت رأسها، وصوتها يكاد يختفي تحت أنفاسها المتقطعة:أصل… بصراحة… أنا معرفش أطبخ.
حدق فيها بدهشة حقيقية، ثم فجأة انفجر ضاحكًا، كانت ضحكته كفيلة بتغيير ملامحه كلها، وتحولت الحدة إلى دفء مفاجئ. نظرت له في حيرة ودهشة، ورمشت بعينيها، ثم همسة بخجل:أنا آسفة… بس خوفت أقولك… تتعصب. وأنا بخاف منك لما تتعصب.
كتم ضحكته، وعض شفته بقوة، ثم دنا منها، وحاصرها بجسده بين ذراعيه، وهمس:آه… إحنا كده على الأبيض.
بلعت ريقها بتوتر، ووضعت يدها على صدره وهمسة بتلعثم واضح: يعني إيه؟
ابتسم مجددًا، ثم حملها بين ذراعيه وخرج بها من المطبخ، وهتف: تعالي بقى من المطبخ… طالما ملكيش فيه.
هزت رأسها بالنفي وغمغمت: أنا ممكن أتعلم…
أومأ برأسه، ثم وضعها على الأريكة، وجلس بجانبها، مسح على ساقها بلطف، وسألها بنبرة أخف:
أنا خليتهم يعملوا كباب وكفتة بتحبهم ؟!
تراجعت بخجل وهمسة: سـ سلطان…
اقترب منها أكثر، وتمتم بنبرة خبيثه :حلو الشورت ده… بس ميتلبسش تاني غير ليا… وبس.
شدت الروب على ساقيها، وهمسة بنبرة ضعيفة: سلطان…
لكنه سحب الروب فجأة، وهمس بصوت أجش: اقلعي يا بت… جاية عندي وتقفلي؟!
تمسكت بالروب، وهزت رأسها نافية، وصوتها يرتجف : سلطان…
شده بقوة وهتف محتدًا: يا دين أمي على العند! يا بت إنتي دماغك إيه؟ مصفحة؟!
بلعت لعابها بصعوبة، وهمسة: أنا مش بعند… بس إنت وقح!
ضحك بتهكم، وأردف بنبرة ساخرة: وهمجي… وقليل الأدب… وإيه كمان؟
نهض، واتجه الي المطبخ ثم عاد ومعه صنيه الطعام، نادى عليها وهو يضعها على الطاولة وقال :
تعرفي تجيبي معالق وشوك من المطبخ … يا بت الأكابر !
أومأت برأسها، وركضت نحو المطبخ، نظر إلى جسدها وهي تركض، وغمغم مبهورًا: يخربيت حلاوة اللي جابو أهلك… قنبلة موقوتة… واللي يبصلك… جاته موتها!
عادت بالمعالق والشوك ووضعتهم على السفرة، جلسا يتناولان الطعام في صمت، تحت نظراته العميقة التي كانت تذيب ثباتها، وتفكك أطرافها.
أما ضي ، فقد كانت تأكل بصعوبة، وكأن الطعام لا يجد طريقه إلى جوفها، تتخبط بين خجلها وتوترها.
وما إن انتهيا، حتى نهضت بخفة، واتجهت إلى المرحاض، غسلت يديها، ثم خرجت لتجده واقفًا أمامها، وقبض على يدها دون كلام، وسحبها إلى الغرفة.
فتح الباب، ودلف ، لكنها تجمدت عند العتبة، ونظرت إلى الفراش، وقلبها يهبط تحت قدميها، تمتمت بصوت باكي:
هو… هو إنت جبتني هنا ليه؟
رفع حاجبه بخبث، وقال بنبرة ثقيلة: عشان ننام… إنتي فاكرة إيه؟
هزت رأسها نافية، وردت بتوتر: ولا حاجة… بس أنا عايزة أنام في أوضتي.
نظر لها طويلًا، ثم سحبها إليه وتمتم بصوت أجش خافت: مفيش أوضتك تاني في اوضتنا .. من النهارده مش هتنامي بره حضني !!
تملمت بخجل وحاولت دفعه وهمسة بصوت خافت: سلطان عشان خاطري سيبني اخد عليك شويا !!
أومأ برأسه، وقال بجدية :متخفيش احنا هنام بس !!
ابتسمت بارتياح مفاجئ، وأومأت برأسها، وتحركت الي الفراش وسحبت الغطاء علي كامل جسدها ، ضحك بعبث، وتمتم بصوت خافت: الغطاء ده هيمنعني يعني؟!
بلعت لعابها بصعوبه ونظرت له بزعر ورفعت الغطاء علي راسها قهقه بمرح وتمدد بجانبها وسحبها اليه وضمها بحضنه وهمس: تصبحي علي خير يا اخرت صبري
وضعت يدها على فمها تمنع شهقتها ودموعها تنزل ببطئ صامت واغمضت عينيها دون رد …
………………..
بعد مرور يومين في شقة عمار
حيث الجدران تشهد على توتر خفي يتصاعد كدخان بلا نار، كانت ضي تجلس أمام كتبها، ملامحها منهكة، وعيناها تحملان شرودًا لا يعرف قرارًا، بينما الهواء مشحون بثقل لا يحتمل.
صاح عمار، وقد نفد صبره، وهو يمسك كتابًا بيده المرتجفة من الغضب: مالك يا ضي؟ ركزي! ف إيه؟!
رفعت رأسها إليه، وهي تفرك جبينها بتعبٍ ظاهر، كأن الأفكار تنقر على عظام رأسها من الداخل، وزفرت تنهيدة طويلة أثقلتها وغمغمت بدموع : مش قادرة يا عمار… حاسه دماغي هتتفرتك… حاسه بتشويش فظيع…
كأن كلمتها كانت شرارة ، ألقى عمار بالكتاب من يده، ارتطم بالمائدة وأصدر صوت أجوف، ثم صاح بغضب يشبه زئير جريح:ماهو مينفعش كده! كلها أسبوع على امتحانات الثانوية العامة… انتي مستوعبة؟! هتدخلي ازاي كده كلية العلوم؟! وتحققي حلم بابا؟! الله يرحمه…
بلعت لعابها بصعوبة، وكأن كل ما فيها يرفض أن يمر، تراجعت إلى الخلف وهي تهمس بانكسار:مش قادرة أركز… مش عارفة… حاسه دماغي مش معايا… أعمل إيه؟
اقترب منها بحدة غاضبة، قبض على ذراعها وسحبها بقوة حتى جلست إلى جواره، ثم هتف بصوته الجهوري، كأن كلماته صفعات متتالية:لا… هتركزي! وهتنجحي! وهتحققي حلمك وحلم بابا فيكي… مش هتخيبي أمله انتي كمان! كفايه إحنا…
لكن كلماته لم تستكمل، إذ كانت ضي قد انكمشت على نفسها، كأنها تحتمي من عاصفة، همسة وسط دموعها المرتجفة: عمار… ليه بتخوفني؟
ارتجف صوته، وهو يهزها برفق، كمن يحاول أن يوقظ ضوءًا انطفأ: عشان تفوقي لنفسك! وترجعي ضي… أختي اللي أنا عارفها… انتي..
وفي اللحظة التي كان الغضب فيها على وشك الانفجار، دلف سلطان إلى الشقة بخطى سريعة، وعلى وجهه علامات الدهشة والاستفهام، من صوت عمار الذي شق سكون الشارع وهتف : عمار! ف إيه؟ صوتك جايب آخر الشارع!
نهضت ضي فجأة، وكأن سلطان صار مصدر امان في ذلك الزحام من التوقعات والضغط، تمسكت بذراعه، وهمسة باكية:أنا مش عايزه أكمل… مش هروح الامتحانات… إحنا مش خلاص اتجوزنا؟ خدني من هنا… أنا خلاص… اتجوزت… ومش هكمل!
قطب سلطان حاجبه بدهشة، ونظر إليها بنظرات فاحصة كمن يحاول أن يقرأ مرضا خفيًّا، وضع يده على وجهها بلطف نادر منه، وهمس بقلق: انتي كويسة يا بت؟! امتحانات إيه اللي مش عايزه تروحيها؟! هي هبت منك يا ضي؟!
كان عمار يقف هناك، ملامحه متحجرة، صوته ينفجر من صدره بانفعال حارق: شوفت؟! اتجننت رسمي! خرجتني عن شعوري!
اندفع نحوها بعنف، محاولًا الإمساك بذراعها، وصاح بغضب ممزوج بالخذلان: انتي اتجننتي يا ضي؟! نسيتي كل كلام بابا؟! وحلمك؟!
تراجعت فزعة، تخبئ جسدها خلف سلطان كمن يهرب من عاصفة، تمسكت به، ودموعها تتساقط بلا حيلة، وهزت رأسها نفيا، وهمسة بصوت متهدج:لا… ما نسيتش… بس الحلم ده مات هو كمان… وحتى لو حققته… هو مش هنا عشان يفرح معايا بيه… أنا خلاص… كل أحلامي ماتت… وكل حاجة اتفرضت عليا… وانتو اخترتوا حياتي… وأنا هعيشها… زي ما اخترتوها…
اندفع عمار مرة أخرى، يحاول القبض على يدها، لكن سلطان وقف حائلًا بينهما، دفعه بخفة لكنها حاسمة، وقال بحدة:بس يا عمار… إنت رافع حاجة ياسطا ؟! إنت مكنتش عصبي كده… إهدا، وأنا هاخد ضي عندي، وهنذاكر سوا… وهكسر دماغ أمها الناشفة دي!
هز عمار رأسه بيأس واضح، وعيناه تغوصان في عتمة لم يجد فيها مخرجًا، وتمتم: اعملوا اللي تعملوه… أنا تعبت…
استدار ليتحرك إلى الداخل، ووقف سلطان، يحمل بيده كتب ضي من فوق الطاولة، ونظر إليها بصرامة، صوته خافت لكنه نافذ:قدامي… يا آخرة صبري.
تحركت أمامه، تنحب في صمت، كأن خطواتها تئن، وخرج سلطان خلفها بخطى ثابتة، تشي بقوة لا تنكسر، حتى حين يشتد الألم.
…………………
في الحارة
حيث الحياة تدب في التفاصيل الصغيرة، وحيث يعرف كل وجه نظيره، خرج علي من المنزل يتفحص هاتفه كأنما يحاول الفرار من الواقع عبر شاشة زرقاء. خطواته كانت بطيئة، تائهة، حتى قطعتها نداء جهوري من بعيد:
ــ يا متر!
رفع علي عينيه بدهشة، ليجد عز الهواري يلوح له من داخل المقهى تفوح منه رائحة النعناع والشيشة المختلطة بحكايات الرجال. اقترب منه بحذر، وأجاب: أيوه… حضرتك بتكلمني؟
ابتسم عز وأومأ برأسه بثقة الواثق من دعوته، وقال:
تعال يا متر… نشرب كباية شاي بالنعناع تعدل مزاجك.
تردد علي لحظة، ثم غمغم وهو يخطو خطوة إلى الداخل:
أصل أنا عندي مشوار…
لكن عز قاطعه وهو يلتفت إلى الداخل هاتفًا: يااض يا بريزة! اتنين شاي بالنعناع بسرررعة… المتر مستعجل!
ثم أشار إلى الكرسي المقابل وقال:اقعد يا متر… مش هعطلك، دي خمس دقايق بس.
جلس علي بتوجس، وعينيه تتفحص المكان من حوله كمن لا يزال غريبًا عن هذا العالم. قال بهدوء:اتفضل يا معلم عز… سامعك.
سحب عز نفسًا طويلًا من الأرجيلة، ثم زفره بهدوء وقال:
بتشرب شيشة يا متر؟
هز علي رأسه نافيًا بابتسامة صغيرة: لا، ماليش فيها الصراحة.
أومأ عز ببطء، وكأنما يمهد لما هو أهم، ثم غمغم بنبرة ذات مغزى: سمعت إنك بتدور على شقة للإيجار… مش عاجبك القعدة معانا ولا إيه؟
نظر علي إليه بجدية وأجاب: كنت ناوي أمشي، بس خلاص… أختي اتجوزت أخوك، ومفيش خلاص داعي .. بس هدور على شقة علشان أفتح مكتب محاماة.
أومأ عز بتفهم، ثم مال بجسده للأمام وقال: بس المنطقة هنا ميركبش فيها مكاتب محامين، مش هتشتغل.
إيه رأيك تمسك محل من محلاتنا؟ تديره مع البت نوسة… البت دي خلقها ضيق وبتطفش الزباين بلسانها الزفر.
ضحك علي في سره وهو يتذكر تلك الشرسة سليطة اللسان، ثم تمتم: مش عارف بصراحة…
لكن صوته قطع حين دوى صوت عز ينادي جهوريًا:
نوسة!
دلفت نوسة إلى المقهى بخطى واثقة، وعلى وجهها ابتسامة تخطف الأنظار. وقفت أمامهم وهتفت بمرح:
صباح الفل على زينة شباب الصاغة!
نهض عز من مكانه، وطبع قبلة على رأسها قائلًا: صباحك فل يا قلب أخوكي.
نظر علي إليها بدهشة، ملامحها لم تكن تشبه الصخب الذي راها منها من قبل ، كانت مشرقة بشكل أربكه، فتمتم بشرود: مين دي…؟
نظر لها عز بدهشه وضحك بصوت مرتفع وقال : يا بت… يعني بعد كل ده الراجل هو اللي غلطان؟! ده انتي فتحتي دماغ أمه وهو ساكت!!
هزت نوسة رأسها نافية، وقالت بحماس: وحياة غلاوتك عندي… هما اللي بيجروا شكلي الأول.
غمزها عز بعبث وقال : طبعًا… واللي يجر شكل القطة… تخربشه
لكزته بخفة وضحكت : شوفت؟! أهو قولت بنفسك.”
ضحك عز مجددًا، ثم سأل: رايحة فين دلوقتي؟
أومأت برأسها وقالت: قاصدة كريم… يا خويا… هفتح المحل!!
ربت على رأسها بلطف وقال: الله كريم يا قلبي… توكلي على الله.
مضت نوسة في طريقها بخطى واثقة، بينما كان علي يتابعها بعين مندهشة وعقل شارد.
قال عز بعد لحظة صمت: هااا… على الأبيض يا متر؟ استبينها ولا لسه؟
نهض علي وهو يحاول استعادة توازنه، وغمغم بصوت متحشرج: أحم… سيبني أفكر يا معلم عز… يومين كده.
أومأ عز برأسه وقال بنبرة ودودة: تمام… مستنيك، خد وقتك يا متر.
صافحه علي، ثم مضى في طريقه بخطى أبطأ مما جاء، كأن عقله مثقل بشيء جديد.
عاد عز إلى مقعده، وسحب الأرجيلة وهتف بصوت رخيم: غير الحجر يااض…
ورد الصوت من الداخل: أوامرك يا هواري.
…………..
مساء ف شقة سلطان الهواري
دخل سلطان وهو يحمل بين ذراعيه أكياس كثيرة من الطعام والحلوى، كأنه يحاول تعويض كل وجبة فاتتها، أغلق الباب بقدمه وهتف بصوت يحمل لهفة المحب وقلق الرجل : ضي؟… انتي يا بت!
تحرك نحو المطبخ، ألقى الأكياس على الرخام، أخرج تفاحة، قضمها ، ثم خلع قميصه بلا اهتمام، تاركا إياه على الأرض
وتوجه إلى غرفة النوم… فتح الباب ببطء، ورفع حاجبه بدهشة عندما وجد ضي نائمة على الفراش، جسدها الصغير منكمش، وجهها مرهق، وهدوئها كاذب… كهدوء ما قبل الانفجار.
اقترب منها… جلس على طرف الفراش ، تطلع إليها كما يتطلع رجل إلى طفله أنهكها العالم…مد يده برفق تحسس ذراعها، كأنه يتحقق من وجودها وهمس : هي دي المذاكرة؟ يا آخرة صبري.
انحنى قليلًا نحوها،ومال عليها وهمس قرب أذنها: ضي؟… انتي يا بت؟
تململت بجسدها الضعيف، دون أن تفتح عينيها،وبدون شعور بفطرة القلب، لفت ذراعيها حول عنقه، وتعلقت به… كأنها تستجديه ان يبقي… لا تتركني بعد الآن.
ابتسم، بنصف ابتسامة تحمل مزيجًا من الحنان والدهشة، وهمس بحرارة لم يستطع كبتها: انتي مستغنية عن نفسك يا بت؟
فتحت عينيها، ناظرة إليه بنظرات باهتة ثم ارتبكت فور أن اصطدمت بالواقع، شهقت بخوف، وابتعدت بسرعة، لكنه لم يترك لها فرصة للهروب، شدها إليه، وهتف بصوت أجش : في إيه؟ صحيتي لقيتي جنبك عفريت يا بت؟
وضعت يدها المرتجفة على صدره، تحاول استعادة أنفاسها وغمغمت: لا لا… بس مش متعودة لسه…
أسند ظهره إلى ظهر الفراش، ونظر لها بنظرات لاهية تغازلها: اتعودي يا بيضة.
ضحكت بخجل ناعم وهمسة: بيضة؟!
مرر كفه على وجنتها، وهمس : آه… أبيض ع الأبيض.
تراجعت قليلًا وجلست جواره، وهمسة بدفء: وانت أسمر… بس وسيم.
ابتسم، بعينين تضيئهما السكينة، ثم سألها: إيه أخبار المذاكرة؟
تسلل الحزن بسرعه إلى ملامحها، وأطفأ نور الضحك الذي لم يدم طويلًا، وقالت بصوت مكسور: مش قادرة أذاكر يا سلطان… حاسة دماغي قافلة، مفيش معلومة واحدة راضية تثبت.
صمت لحظة… تأملها، ثم سأل بهدوء: كنتي بتحبي أبوكي أوي انتي يا ضي؟
التقت عيناه بعينيها، فراها تمتلئان بالدموع، وأجابت:ده سؤال؟ طبعًا… أوي… أوي. بابا كان كل حاجة ف حياتي. أنا أصلًا حاسة إن روحي راحت معاه. يمكن عشان كده مش قادرة أعمل حاجة… روحي واقفة ف اليوم اللي راح فيه… ولسه واقفة في نفس اللحظة.
سالت الدموع …مع اعتراف متأخر بالحزن، وجرح لم يتوقف عن النزف.
ثم تابعت:عارف… أنا مش فاكرة شكل ماما حتى… مشوفتهاش غير ف الصور. عمري ما سمعت صوتها… ولا حضنتها.
رفعت رأسها إليه، بعينين ممتلئتين بالخذلان، وقالت: انت عندك مامتك… وعندك عايدة كمان. مش هتحس يعني إيه تتحرم من أمك… من حضنها. أنا معرفش حضن الأمهات ده عامل إزاي… ولا طعمه إيه.
صمت سلطان، والحزن يمر في عينيه كنهر صامت. كانت كلماتها تخترق قلبه دون مقاومة.
تابعت وهي تمسح دموعها المرتجفة: بس بابا… عوضني. وكان كل حاجة ليا… لحد ما راح، ف غمضة عين.
اقترب منها، وقال بصوت لين، يشبه لمسة يد تطمئن طفلًا: انتي تقدري تخرجي نفسك من الكابوس ده، وتحوليه لحلم… حلم تتمسكي بيه بإيدك وسنانك. حتى لو أبوكي مش حواليكي، روحه حواليكي… حاسس بيكي وشايفك، وهيفرح معاكي، ويحزن عليكي.
نظر لها وقال برقة تشبه الوعد:ليه مش عايزة تريحيه؟ لو بتحبيه، لازم تريحيه.
أومأت برأسها، دموعها تتساقط بلا انقطاع وغمغمت :بحبه… بحبه اوي يا سلطان وعايزة يبقى مرتاح. بس… غصب عني.
اقترب أكثر، وهمس بصوت ناعم كالهمس: مفيش حاجة اسمها غصب عني… انتي تقدري. ارجعي ذاكري، وادخلي الكلية اللي كانت حلمك وحلمه… وساعتها هتحسي إنه حواليكي، وفرحان بيكي.
ألقت نفسها بين أحضانه دون وعي كأنها تذوب فيه، كأنها تخلت عن المقاومة، وهمسة بصوت مبلل بالبكاء: معاك حق… أنا كنت غبية.
ضمها بقوة، وربت على ظهرها بحنو، وهمس: قشطة على فراولة يا بت… انتي طرية كده ليه؟
احمر وجهها، وتمتمت بخجل: مش عارفة…
اقترب بأنفه من شعرها، وقال بصوت مشبع بالرغبة: بس أنا عارف… عشان آكلك يا بت.
ارتجف جسدها، وشهقت: سـ سلطان…
نظر إلى عينيها… بشغف لا يرحم، وسألها: عجبك حضني يا ضي؟
رمشت بعينيه وهمسة بصوت خافت: إيه؟
ضحك بمرح وقال: راح مشوار… وجه!
ضحكت ثم حاولت النهوض وهمسة : أوعي… سيبني!
شدها إليه، وطبع قبلة مجنونة على شفتيها، قبلة لم تكن فقط من فم إلى فم، بل من قلب إلى قلب، ومن شوق إلى انتماء.
مال بها وشفته تلتهم شفتيها بقبلة نارا لا تعرف طريقًا للهدوء. لم تكن ناعمة ولا هادئة، بل صاخبة، مليئة بكل ما كبت من شوق، وكل ما تراكم من لهفة. حين طبع شفتيه على شفتيها، شعرت كأن الأرض انسحبت من تحت قدميها، وكأنها ذابت داخله كقطعة سكر في فنجان قهوة ساخن.
لم تدري كم من الوقت مر، لكنها حين فتحت عينيها، رأته ينظر إليها كما لم يفعل أحد من قبل… بعين تتأملها لا كجسد، بل ككائن هش، كأنها قلب بين يديه يخشى أن ينكسر.
مرر يده على عنقها، وغمغم بصوته المتهدج: رعشتك لوحدها هتجنني يا بت.
تمتمت بخفوت وهي تلتقط أنفاسها:كفايه أوع…
ضغط علي يدها وثبتها بجانب راسها، وعيناه تشتعلان، ونبرته تنزف رغبة لا تعرف الكبح وغمغم : ده عندها…
ثم غاص بفمه في عنقها، ينهش بشرتها كمن وجد شيئًا افتقده طويلًا، كأنها وعد قديم جاء موعده.
تلوت تحته، وهي تتنفس بصعوبة، شهقة خافتة خرجت منها، كانت كافية لتهدم أي جدار في قلبه.
انزلقت يده، كأنها تعرف طريقها، واستقرت تحت ملابسها،مرر يده علي بطنها شهقت بخجل وحاول التملص منه ضغط ع خصرها وقال بصوت خافت، مخنوق بالمتعه : أبو أم الشهقة اللي هتجنني… أمي بيها.
مرر شفتيه علي وجنتيها حتي التهم شفتيها قبلة جريئة مجنونة، وكأن كل قبلة تجر خلفها الأخرى، وكل لمسة تحرق ما تبقى من عقلها.
همس، وشفاه تلامسها شفتيها : بصراحة… أحلى شفايف دقتها ف حياتي.
شهقت ضي وهتفت وفي صوتها مزيج من غيرتها وأنوثتها المستيقظة:يعني انت بوست واحدة قبل كده؟
ضحك، بعفوية قاتلة: أكيد مش هبوس واحد يا بت.
لكزته في صدره، هتفت : وبتقولها ف وشي؟ يا وقح!
ضحك، ودفن يده في شعرها وسحبها اليه وقال: قبل ما اتجوزك؟ ملكيش فيها. ليكي من يوم ما بقيتي على ذمتي.
وضعت يدها على يده، تحاول أن تفك قبضته عن شعرها، وقالت وهي تبكي من شدة القبضة:آه… شعري! يا سلطان، بطل همجية بقى.
اقترب بأنفه من وجنتها، وصوته عاد هادئًا، راضيًا: يلا ننام… عشان مسافر بكرة الصبح.
شهقت، كأنها تلقت لطمة: إيه؟ مسافر؟ إزاي؟ وهتسيبني لوحدي؟
ربت على وجنتها بلطف، وهمس: متخافيش، هغيب يومين بس… ولازم تفهمي إنك ف عرين الديب، ومحدش يتجرأ يهاوب هنا. الرجالة حوالكي في كل حتة.
تمتمت، ودمعة تسللت على وجنتيها:وخلف؟
قبض على وجهها فجأة،وهدر بصوت غليظ، لكن فيه دفء غريب… خليط من الغيرة والحرص: متجيبيش اسمه، ولا اسم أي دكر ف الدنيا. فاهمة؟
أومأت برأسها، وهي ترتجف
وقالت: آه… فاهمة، بتوجعني يا سلطان اااف ..
مرر إبهامه على شفتها، كأنه يهدئ النار التي أشعلها، ثم اقترب، وطبع عليها قبلة ملتهبة، غارقة بالعاطفة والتملك، وقال:اااف كمان ماشي.. انتي خلاص… بتاعتي. بتاعة سلطان الهواري.
همسة بصوت لاهث، بين الضعف والاستسلام: آه… بتاعتك يا يا سلطان… خلاص والنبي ..
قبض على وجنتيها بشدة، كأنه يؤكد ما قال، ثم التهم شفتيها بقبلة عنيفة، كان فيها من الجنون أكثر مما في العشق. أسقطها على الفراش واعتلاها ، وضي تئن تحته، تذوب بين ذراعيه، وهو يطاردها بشغفه… بلا رحمة، بلا تردد… وكأن الليلة خلقت فقط لهما.
وكانت هذه اللحظة، بكل ما حملت، لا تشبه شيئًا مما عاشته ضي من قبل… كأنها نزعت من العالم، وأُلقيت في حضن رجل قرر أن تكون لها… بكل ما فيه.
…………
في شقة عز الهواري
خرجت عليا من المطبخ بخطوات بطيئة، تحمل في عينيها دموع خجولة، تكاد تختنق بصوتها وهي تحاول كتم شهقتها.
في اللحظة نفسها، دلف عز إلى الشقة، عبوس خفيف ارتسم على ملامحه حين لمحها، فاقترب منها بخطى سريعة، وصوته مشوب بالقلق:فيه إيه؟ بتعيطي ليه؟ إنتي كويسة؟ العيال حصل لهم حاجة؟
هزت رأسها نفيا، ومسحت دموعها بطرف كمها وهمسة بانكسار: لأ… إحنا كويسين.
أمسك عز يدها، وجذبها برفق إلى صدره، وضمها إليه، وهمس بجانب أذنها:طيب مالك؟ غاوية عياط يا قلبي؟
ارتجف صوتها وهي ترد: البيتزا اتحرقت …
قطب جبينه بدهشة وغمغم: الريحة دي من عندنا؟
أومأت بخجل، وردت:أه… العيال جننوني، فضلت أجري وراهم ونسيت البيتزا في الفرن.
ابتسم بحنان، ومرر كفه على شعرها، ثم طبع قبلة هادئة بجانب فمها، وقال مطمئنًا:ولا يهمك، نطلب بيتزا وكريب كمان.
قالت بسرعة:وكنافة بالمانجة…
ضحك وهو يمرر يده على خصرها ويشدها إليه: ما البسبوسة بالقشطة كلها اهي غلط على السكر كده يا مزتي !!
ضحكت بخجل، ولكزته في صدره:بس يا عز… العيال صاحيين.
- هدخل آخد دش… يكونوا ناموا. ماشي؟
- روح، وأنا جاية وراك.
قبلها على شفتيها قبلة عميقة، ثم اتجه إلى غرفة النوم، ودلف إلى غرفة الملابس، قلب بين القطع حتى التقط قميص نوم أبيض، قصير، مشقوق من الجانبين، وصدره منخفض، وظهره يتقاطع بخطوط على هيئة X. وضعه على الفراش وابتسم بمكر، قبل أن يتجه إلى المرحاض..
بعد قليل،
دلفت عليا إلى الغرفة، وما إن وقعت عيناها على القميص، حتى عضت شفتها بخجل، وهمسة:يالهوي… عايز القميص ده؟ يبقى هنتخانق.
تناولت القميص بين يديها، والخجل يتصاعد بداخلها كحرارة لا تحتمل، وشهقت فجأة عندما سمعت صوته من خلفها:هتفضلي واقفة كده كتير؟
استدارت ناحيته، وعيناها متسعتان، وردت وهي تهرب إلى المرحاض: لأ… هدخل أغير.”
هز رأسه بيأس، وتمتم كأنه يحدث نفسه: مش عارف أعمل إيه عشان الكسوف ده يروح منك يا عليا…
جلس على طرف الفراش، وشرد بعينيه في السقف، كأن أفكاره صارت عبئا على قلبه : لو مش متأكد إنها بتحبني، كنت افتكرت إنها مش عايزاني أقرب منها أصلاً من عميلها !!
مر وقت قصير، وخرجت عليا من المرحاض ، مترددة الخطوات، وقالت بصوت خافت: عز…
نظر لها، وعيناه تعرفان جيدًا ما ستقوله، فسبقها بنبرة ضيق: أطفي النور، صح؟
أومأت برأسها:عشان خاطري…
مد يده وأطفأ الضوء، ثم قال بصوت متحشرج:آهو يا عليا… عاجبك كده؟ الكحل ده يرضي مين؟ حافظ جسمك بإيدي، وعمري ما شفتك!
جلست بجانبه بصمت، وضعت يدها على صدره، وقالت بنبرة خجولة: معلش… أهم حاجة نحس ببعض.
ضمها إليه، ورفعها برفق بين ساقيه، وهمس: عليا، جسمك كله حلالي… من حقي أشوفه وأتمتع بيكي. ليه بتحرميني منك يا قلبي؟
ردت بصوت متقطع ودموع تحاصر عينيها:بتكسف يا عز…
مرر شفتيه على عنقها، وهمس بتحشرج مؤلم : لحد إمتى بس؟
سكنت، ولم تنبس بحرف، ففهم عز صمتها كاعتراف بالعجز، أو رفض غير معلن. دنا منها، وانقلب بها على الفراش، وهبط فوقها، يلتهم شفتيها بعنف مكبوت، ويده تجوب جسدها بقسوة، كأنه يفرغ غضبه، أو يعاقبها على خجلها.
عالت أنفاسه، وزمجراته ملأت الغرفة، بينما عليا كانت تكتم تأوهاتها، وتعض على شفتيها بشراسة، تمنع كل صوت.
اهتز الفراش من عنف حركته، ورغبة دفينة في داخله تبحث عن علامة، عن صوت، عن لمحة تجاوب…
أي شيء يشعره أنها معه، لا تحته فقط.
لكنها كانت صامتة. جامدة. وكأنها لا تشعر بشيء.
لم يستطع أن يخفي خيبة الأمل التي تتكرر…
تركها فجأة، ونهض دون كلمة، واتجه إلى المرحاض يجر خلفه ظلال غضب وانكسار
، سحبت عليا الغطاء على جسدها، وبدأت تنحب بصمت… لم تكن تبكي عز، بل تبكي نفسها.
تشعر كأن بينهما جدار خفايا، كلما اقترب منها تحول ذلك الجدار إلى سكين.
تريد أن تسعده، أن تسعد نفسها، لكنها لا تملك مفاتيح هذا الجسد الذي لم يعد لها.
كلما اقترب، كلما لمست يداه تلك المنطقة المحرمة، تعود الطفلة ذات الأعوام العشر، تصرخ بصمت، تتلوى تحت يد القابلة، تتذكر البرد، الدم، الألم، والرعب… ذلك اليوم الذي انكسر فيه شيء في روحها ولم يجبر بعد.
لم تكن تخاف عز.
كانت تخاف نفسها.
كانت تخاف أن تفشل في أن تكون امرأة كما يراها المجتمع.
وكانت خائفة أن يراها عز، كما رأت هي نفسها منذ الطفولة مجرد جسد مشوهة.
…………..
صباحا، في شقة سلطان الهواري
خرج سلطان من المرحاض بينما كان يربط أزرار قميصه بنصف اهتمام، ونظره معلق على الجسد النائم في الفراش،
ضي… تلك الفتاة التي تشبه ضوء القمر حين ينسكب على سطح هادئ. كم بدت ساحرة وهي نائمة، ملامحها تنبض ببراءة متعبة، وكأن النوم وحده من يمنحها لحظات سلام.
اقترب منها بخطوات هادئة، كأنه يخشى أن يوقظ الحلم، ثم انحنى وقبلها على شفتيها قبلة عميقة، وتركها كما وجدها، مغمضة العينين، ناعسة الروح. لكن حين أدارت جسده وخرج وكأن روحها طاقت له، استشعرت غيابه، فنهضت فجأة وركضت باتجاه الباب وهتفت : سلطان، استنى
ووووو
يتبع
ساحره القلم ساره احمد
🥰🥰🥰🥰