نار وهدنه

نارر وهدنه ( البارت الثاني والثلاثون)

نارر وهدنه ( البارت الثاني والثلاثون)

وما أنتِ..
إلا عشقٌ هجم على قلبي كالإعصار،
خلع أبواب الصمت، وترك الروح نهبًا لهيب الانتظار.

ما عدتُ أجيد الحبّ إلا حين تحضرين،
كأنكِ المفتاح الوحيد لبوابات العمر،
وكأنكِ اللافتة المضيئة في عتمة الطرقات،
تقول للعابر المرهق:
“من هنا تبدأ الحياة…”

كم هو موجع أن أقتات على الشوق،
أن أسكن في مدار الغياب،
أُمسك بلهيب الحنين كمن يمسك جمرًا،
ولا أدري.. أيلتقي دربنا في آخر هذا العناء،
أم يظل الاشتياق قدرًا لا نهاية له؟

ليت الشوقَ يرحم،
ليته يحملني إليكِ كما تحمل الرياح نوارس البحر،
ليته يختصر المسافات،
فيعيدني طفلًا بين يديكِ،
لا يعرف وطنًا إلا عينيك،
ولا مأمنًا إلا صدرك،
ولا حياة إلا بكِ…

بعد مرور أسبوع…
في منزل الهواري،

خرج سلطان من شقته بخطوات سريعة، كأنما يحاول أن يسبق ثقلا يحمله قلبه….وفي ذات اللحظة، كان عز يخرج من شقته ، فابتسم ابتسامة عذبة، وانطلقت كلماته بخفة الدم المعهودة: إيه يا شقو… إنت معانا في البيت انت نسيتك ؟! إنت وحشتني والله.”

اقترب سلطان منه بحنين الأخ المشتاق، وضمه بين ذراعيه، شد عليه وكأنه يخشى أن يبتعد. صوته خرج خافتا، محملًا بالود: معاك يا عز… بس ضي تعبانة شوية، مشقلبة حال أمي معاها.”

ضحك عز وغمزه بعفوية: حامل ولا إيه؟”

هز سلطان رأسه نافيًا، ابتسامة باهتة ارتسمت على شفتيه: لأ، لسه… ربك كريم.”

ثم تحرك نحو الدرج بخطوات ثابتة، وألقى من فوق كتفه وهبط: وبعدين أنا مش مستعجل… ضي لسه صغيرة.”

لحق به عز، ونزل بجواره وغمغم برضا: معاك حق… على الأقل تستنى تخلص الجامعة.”

أومأ سلطان بصمت، وحين وصلا إلى البوابة، فتحها بيده وخرج. سأل سلطان بفضول وهو يراقبه: رايح فين؟”

رفع عز منكبيه بلا اكتراث: والله مش عارف… يمكن أقعد على القهوة.”

ابتسم سلطان وأشار له برأسه، قائلًا: تعالى نروح عند رمضان، القهوة اللي في الحسين.”

قطب عز جبينه بدهشة: ليه؟ ما القهوة هنا كويسة.”

فتح سلطان باب السيارة وجلس خلف المقود، ثم همس بنبرة ذات مغزى: هقابل الدوك.”

اتسعت ملامح عز بدهشة ممزوجة بالفرحة، وصعد بجانبه وهتف بحماسة: عليه النعمة وحشني ابن اللذينة!”

انطلق سلطان بالسيارة، عيناه معلقتان بالطريق، وصوته خرج مثقلًا بالحنين: الدنيا خدتنا من بعض الفترة اللي فاتت.”

مر وقت قصير حتى توقفت سيارة سلطان بجانب الرصيف. ترجل منها بخطوات واثقة، ولحقه عز وهو يعبث بجيبه بكسل محبّب…

دخلا القهوة التي تنبض برائحة البن والدخان الخفيف، وأخذ سلطان يلتفت في الأرجاء بعين تبحث، ثم تمتم وهو يزفر:شكله لسه ما جاش.”

لم تمر لحظة حتى اندفع صاحب القهوة، رمضان، يفتح ذراعيه بصخب ودفء، وصوته يهدر بالبهجة:
الله! يا جدعان… الجنرال وشقو عندي! وأنا أقول القهوة فجأ نورها… والله ليكم وحشة.”

شده سلطان إلى حضنه وربت على ظهره بقوة، وابتسم ابتسامة مشوبة بالود : وحشتني والله يا جدع.”

التفت رمضان نحو عز، فضمه هو الآخر بحنو صادق، ثم قال بمرح يعاتب: شقو… وشك ولا القمر؟ هو ينفع يعدي أسبوع من غير ما نسهر سوا؟! لا، كده أنا زعلان… وليا حق عندكم.”

أومأ عز برأسه وهو يبتسم ابتسامة تحمل شيئًا من الاعتذار:حقك يا رمضان… احنا قصرنا… إيه مفيش حد بييجي من الرجالة؟”

هز رمضان كفيه في الهواء بأسى ساخر: ولا حد… لا الدوك، ولا عمار، ولا حتى العمدة!”

ارتسمت على شفتي سلطان ابتسامة ماكرة، وصوته خرج ساخرًا وهو يعتدل على المقعد: عمار عندنا في الصاغة له كام شهر… وبقى أبو نسب.”

شهق رمضان بدهشة وانفجر ضاحكًا وهتف: لااا… ما تقولش! عملتها يا جنرال؟! اتجوزت؟! والله ما مصدق!”

لم يكد سلطان يكمل جملته حتى جاء صوت مرح من الخلف:أمال لما تعرف إن أنا اتجوزت… هتقول إيه يا أبو صيام؟”

التفت الجميع في وقت واحد، فإذا بأيهم يقف خلفهم، يبتسم بمكر خفيف. انفجروا جميعًا بالضحك، وقال رمضان وهو يصفق كفيه بمرح: لااا… ده كده القيامة هتقوم بقى! ده الأمل كان فيك يا راجل… حتى إنت وقعت؟!”

ضحك سلطان، ونهض في الحال ليتجه نحو أيهم ويضمه بعناق قوي، يربت على ظهره بحب وقال : الخواجه براحته يا جدعان… ابن أكابر!”

تكلف أيهم عبوسا صغيرا، وصوته يقطر بمزاح ساخط:
احااا يا عم… برضه هيقول خواجة؟!”

قهقه سلطان وهتف: ولا زمان يا دوك… وحشني لسانك الطويل أوي.”

اقترب عز، يفتح ذراعيه بحماس وضمه هو الآخر: حبيبي يا دوك! أنا كنت بحسبك بره مصر.”

ابتسم أيهم وربت على كتف عز قائلاً: لأ جوه… وحياتك يا شقو.”

ثم مد رمضان ذراعيه يعانقه بدفء، وهو يتفحص ملامحه باهتمام: لا… شكلك مرتاح على الجواز، يا أيهم.”

ابتسم أيهم ابتسامة مرهقة لكنها مليئة بالرضا: أوي…”

تعالت الضحكات بينهم، وجلسوا أخيرًا إلى الطاولة، والحديث يتدفق بينهم خفيفا، حتى مال أيهم ناحية سلطان وصوته انخفض بجدية: سمعت إنك كنت عندي في المستشفى من أسبوع… في إيه؟”

نظر له سلطان بدهشة، حاجبه انعقدا وهو يرد ببطء:
إنت مكنتش في المستشفى ليلتها؟ دي كانت ليله طين ضي كانت تعبانه اوي!

هز أيهم رأسه نافياً: لا… وتين كانت تعبانة اوي… في آخر شهر في الحمل ومطلع عيني وعيني أهلها كمان.”

انفجر عز بالضحك الصاخب ولوح بيده: أمال إنت فاكر إيه يا دوك؟! دي فترة بت وسـ…ـخة، ربنا يعينك.”

بينما كان الآخرون يضحكون، تلاشى البهاء عن وجه سلطان، وزاغت عيناه في الفراغ، وصوته خرج متهدجا بالخوف: أنا… أنا خايف… مش قادر أتخيل ضي تحمل… وكمان تولد…دأنا اموت كل دقيقة… مية مرة.”

قطب أيهم حاجبيه بدهشة حقيقية، ثم مال نحوه بجدية صافية: ليه كده يا سلطان؟ هو الموضوع متعب آه… بس يستاهل… حتة منك إنت وحبيبتك… ده حلم يا فقري.”

هز سلطان رأسه ببطء، صوته بدا وكأنه يتوه في الفراغ:
وهموت عليه… يا دوك. بس ضي… لسه صغيرة. لسه ما كملتش تسعتاشر سنة… وجسمها على اده أوي.”

مد أيهم يده فوق يد سلطان يربت عليها برفق، وقال:
اهدى يا شقو… الموضوع أبسط من كده … مع الرعاية الطبية، ورعايتك إنت كمان، كل حاجة هتعدي.”

شرد سلطان قليلا لا يسمع الضحك الذي يملأ القهوة والونس يدفي الجو، لكنه هو وحده كان بعيدًا بعقله، غارقًا في دوامة الخوف.

كان ينظر في فنجان القهوة أمامه وكأنه يبحث فيه عن إجابة، قبل أن يزفر ببطء ويميل على أيهم هامسًا: دوك… أنا مش عارف أعمل إيه.”

رفع أيهم عينيه إليه، مستشعرًا الثقل في صوته ورفع حاجبه بتوجس وغمغم : مالك يا سلطان.”

تردد سلطان لحظة، ثم تنحنح بخجل لا يشبهه
وأردف بنبرة متقطعة: من الليلة اللي رحنا فيها المستشفى… وأنا مش قادر أقرب من ضي…كل ما أشوفها قدامي… جسمي يتشنج، وقلبي يوقف… بحس إني لو قربت منها… ممكن أوجعها، أو يحصل لها حاجة.”

انعقد حاجب أيهم بدهشة، لكنه ظل صامتا، يترك صديقه يفرغ ما في قلبه… تابع سلطان بعينين زائغتين:هي صغيرة… جسمها ضعيف. وأنا… بخاف. بخاف ألمسها اوجعها… بخاف أضيعها من إيدي… بليل بنام جنبها، بس عقلي شغال… عيني مفتوحة طول الوقت…مش قادر أهدى… أنا عايز حاجه تهديني؟!

نظر إليه أيهم بحدة، ثم ضحك ساخرًا وهز رأسه: إنت اتجننت! مفيش حاجة اسمها كده… الناس بتاخد حاجات تسخنهم، إنت ماشي عكس…إنت مش أول واحد يخاف، يا شقو… ده طبيعي جدًا… كل راجل بيحب مراته بجد… بيخاف عليها بالشكل ده… بس الفرق… إن الخوف لازم يفضل وعي، مش يتحول لحبل يخنقك ويخنقها

هز سلطان رأسه بعناد، صوته خرج من بين أسنانه:
أنا عايز حاجة تريحني… دواء… أي حاجة… حاجة تخليني أدخل عليها وأنا مطمن اني مش هفقد السيطره ، مش قلبي بيرقص من الرعب…يا جدع ساعدني… أمال إنت دكتور إزاي؟!”

لكزه أيهم وهو يرد ببرود ساخر: أنا دكتور عظام يا جنرال! وبعدين مفيش دواء يعلمك تحب صح… مفيش حاجة تديك طمأنينة جاهزة… الطمأنينة بتتبني بينك وبينها… بالراحة، بالثقة. إنت اللي محتاج تهدى، مش هي.”

ظل سلطان صامتا لحظة، قبل أن يهمس بصوت مبحوح:
بس أنا بحس إني هخرب الدنيا معاها… نفسي أكون جوزها اللي يفرحها، مش اللي يخوفها.”

ساد لحظة صمت قبل أن يضيق أيهم عينيه، ثم قال بلهجة متفكرة: طيب… أنا هقولك على عامل مهم جدًا.

اقترب سلطان أكثر، يكاد يلتقط أنفاسه: الحقني يا دوك… أنا في عرضك.”

رفع أيهم حاجبه وقال بصرامة: الحشيش اللي بتشربه ليل ونهار… له تأثير، طبعًا.. ابدأ بنفسك يا سلطان… بطل اللي بيدمرك الأول… . صدقني…الحشيش هو اللي مخلي أعصابك مش ثابتة… سيبه… وخد وقتك مع ضي. خطوة صغيرة منك، وخطوة صغيرة منها… ساعتها الخوف هيتحول لونس، والرعب هيتحول أمان.”

ضحك سلطان ضحكة مرتبكة وربت على كتف أيهم: بجد يا أيهم يعني لو بطلته ههدي شويا ؟!

أومأ أيهم مؤكدًا: أمال إيه؟! هو مش بيخليك مغيب؟ حتى لو واعي… جزء من دماغك مغيب. بيعلي الفولت عندك، وإنت مش محتاج…ما شاء الله شاب وصحتك حلوة… وغشيم كمان، عشان كده بتفقد السيطرة.”

أطرق سلطان برأسه مستسلمًا: عندك حق… خلص، ماشي. بس أنا عايز برضه حاجة تهديني شوية.”

أشار أيهم برأسه نافيا، صوته صار جادا أكثر: لاا لا يا سلطان، إنت جسمك رياضي. بلاش تبوظ جسمك بالكيميا. صدقني… بطل بس الحشيش وحاول تسيطر. واحدة واحدة هتعرف.”

وقبل أن يتعمق الحديث أكثر، اقتحم عز الصمت بصوت مرح وهو يمد ذراعه نحو أيهم: إيه يا جدعان؟ كفاية وشوشة! يا دوك… إنت وحشني برضه.”

ابتسم أيهم وربت على ظهره بحرارة: وإنت والله يا شقو.”

أطرق سلطان برأسه، عيناه تلمعان بقلق لم ينطفئ بعد، لكنه هذه المرة كان يحمل بذرة يقين صغيرة، يقين بأن الحل ليس في حبوب أو دواء، بل في أن يتعلم كيف يواجه خوفه… وكيف يحوله إلى حب.
في صباح اليوم التالي،

كان صخب الشوارع يتسلل حتى داخل واجهات المحلات الفخمة، حيث الأضواء المبهرة وفخامة الفساتين البيضاء المصفوفة على الستاندات.

دلف عمار إلى أحد أكبر الأتيليهات، يمسك بكف آية كأنه يخشى أن تضيع وسط الزحام، ثم تمتم بنبرة متوترة:
عايزين ننجز يا آية، والنبي… لسه وراي ألف حاجه.”

ابتسمت آية ابتسامة صغيرة، مائلة للطمأنينة، وهزت رأسها قائلة: متخافش… المره دي فستان الفرح بس، يعني هننجز.”

توقف عمار لحظة، يحدق فيها بدهشة امتزجت بالعتاب:
والله هو أنا هتوه عنك؟! إنتي كل مره ننزل نشتري هدوم تقوليلي نفس الكلام فستان واحد بس… وبعدها نفضل في المكان لحد ما يطردونا.”

أطلقت آية ضحكة خفيفة، تخالطها لمحة خجل، وقالت بلهجة حالمة:بس انت عمرك ما استعجلتني… طول الوقت بتصبر عليا.”

لين عمار ملامحه فجأة، كأن صوتها نجح في إذابة حدة انفعاله، ثم مال قليلاً نحوها وهمس:يا حبيبتي… أنا أصبر عليكي العمر كله… الموضوع كله ما يساويش عندي دقيقة معاكي… بس النهارده… عندي حاجات كتير. كلها تلات تيام على الفرح… وإنتي شايفه بعنيكي.”

أومأت آية برأسها هذه المرة بجدية، محاولة أن تخفي ارتباكها خلف ابتسامتها:حاضر… خلاص. المره دي هننجز بجد.”

مد عمار يده يشد كفها أكثر، وكأن هذا الوعد البسيط أعطاه دفعة من الهدوء وسط زحمة الأيام الثقيلة التي تسبق عرسهما.

في اللحظة التالية، دلف علي إلى الأتيليه، ممسكا بكف نوسة التي كانت تترنح بصعوبة على كعبها العالي، تتكئ على ذراعه كأنها تخوض معركة خاسرة مع الأرض.

نظر إليها علي بملامح تجمع بين القلق والسخرية، وهتف:
يا قلبي، طالما مش عارفه تمشي بيه… لابسه ليه؟”

زفرت نوسة بضيق، وغمغمت وهي تشد يدها في يده:
البنات قالوا لازم اتعود عليه… عشان يوم الفرح يا علي.”

كتم علي ضحكته بصعوبة، محرك رأسه:طيب… على مهلك بقى.”

تمسكت به أكثر، وصوتها يقطر رجاء:امسكني كويس… هكفي أكل من الأرض!”

انفجر علي ضاحكًا، صوته يعلو المكان: تأكلي من الأرض؟!”

انسحبت نوسة بغيظ، دموع الخجل تلمع في عينيها وهمسة بحنق:كده بتتريق عليا… أوعى ما تمسكنيش!”

لم يستطع علي كبح ضحكته، وما إن خطت خطوتين حتى كادت تسقط بالفعل، فالتقطها في اللحظة الأخيرة، يحيط خصرها بذراعه بقوة، ثم مال برأسه نحو أذنها وهمس بعبث دافئ:شوفتي؟… أول ما تبعدي عني بتقعي على طول.”

ارتبكت نوسة، عينها تراقب الحاضرين حولها، وهمسة بارتباك:كده هنقع إحنا الاتنين… أوعى يا علي.”

ابتسم علي ابتسامة مشبعة بالدلال، وهمس:أنا واقع أصلًا.”

توردت وجنتاها، وعضت شفتها بخجل قبل أن تهمس بصوت واهن:وأنا… وقعت من العاشر.”

وقبل أن تكتمل لحظة الانسجام بينهما، جاء صوت عمار الجهوري من خلفهما، قاطعًا المشهد بنبرة دهشة ممتزجة بالتحفظ:إيه المحن ده بقى؟! مش واخدين بالكم إنكم في مكان عام؟”

شهقت نوسة، تدفع علي بعيدًا عنها بارتباك واضح، بينما بادر علي بالدفاع، يرفع حاجبيه ببراءة مصطنعة:دي كانت هتتزحلق… ولحقتها.”

أومأت نوسة برأسها سريعًا تؤكد، همسة كطفلة تبرر موقفها :آه والله.”

لوى عمار جانب فمه بضيق مصطنع وغمغم :طيب… يلا قدامي. كفاية القيها منك…ولا ومن الحيوان التاني.

قهقه علي في وجهه بمرح مستفز: إبراهيم؟”

ابتسم عمار بسخرية جارحة: ولا الصايع الكبير.”

غمز علي بعبث، يرد بثقة: سلطان!”

تحرك عمار وهو يتمتم بضيق مكتوم: كلكم ولاد كلب.”

أما علي، فظل ممسكا بنوسة، يضحك بمرح وكأن شيئًا لم يكن، بينما وجهها احمر أكثر من الفستان الأبيض المعلق خلفها.

مرت ساعات بدت طويلة داخل الأتيليه، وآية لا تزال تدور بين الفساتين كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. كانت عيناها تنتقل من فستان إلى آخر بتردد أنهك أعصاب من حولها، قبل أن تقول بصوت متهدج:
أنا احتارت.”

في تلك اللحظة خرجت نوسة من بين صفوف الفساتين كمن ظفر بغنيمته، ترفع رأسها بثقة طفولية وتعلن بمرح:
وأنا اختارت!”

التفت إليها عمار بملامح يكسوها الحنق، وغمغم بتهكم نافد الصبر:أنا عارف والله!”

قهقه علي عليا، يصفق بكفه:برافو يا نوسة!… يلا هتقصيه.”

هزت نوسة رأسها بإصرار، عينيها تتسعان بجدية مصطنعة:لا طبعًا… فال وحش يا علي. لازم تشوفه يوم الفرح.”

لوح علي بيده مستسلمًا:والله طيب… يلا، أنا هنزل أحاسب.”

ابتسم له عمار رغم ضيقه، وصاح:يبختك يا عم… عقبالي!”

لكن آية التفتت إليه، تقترب منه بنبرة استجداء:طيب، بدل ما انت عمال تتكلم… تعال ساعدني.”

زفر عمار بغيظ مصطنع ونهض واقفا، يلوح بيده:مع إني عارف إنك مش هتعجبك غير اللي تختاريه بنفسك… بس يلا.”

مشى بجوارها بين صفوف الفساتين، يلتقط واحدًا ثم الآخر، يعرضها عليها كطفل مشاكس:ده حلو… وبكم… وبيلمع اهو!”

حدقت فيه آية بدهشة، حاجبها يعلوان:بيلمع؟! لااا.”

سحب آخر ورفعه أمامها : طيب… مطفي!”

انفجرت ضاحكة بخفة: لا.”

توقف عمار، ينظر إليها بذهول ممزوج بالغضب : وبعدين يا بت؟!”

اقتربت آية من فستان بعينه، لمعت عيناها، همست كمن وجد ضالته: ده.”

ألقى عمار نظرة سريعة عليه، ارتفع حاجبه، وصاح بغضب مكتوم: عريان يا روح أمك!”

كتمت آية ضحكتها وعضت شفتها بخجل، وهمسة برجاء:
خلاص… متقلبش.”

لم تهدأ يدها، إذ اقتربت من فستان آخر، وجهها يضيء بحب: هو ده.”

تابعها عمار بنظرات حذرة، ثم حين وقعت عيناه على الفستان، تغيرت ملامحه فجأة، وصاح مبهوتًا:
لا إله إلا الله!… أخيرًا!”

ثم استدار بسرعة، يهبط الدرج وهتف بانتصار:هنزل أحاسب.”

وقفت آية تحدق فيه بدهشة، تصرخ وراءه:طيب… اصبر!”

لكن عمار لم يلتفت، فأطرقت آية رأسها بيأس، وهمسة بغيظ ممزوج بالضحك: ياريتني ما كنت جبتك معايا.”

في الخلف، ارتفعت ضحكة نوسة وهتفت بخفة:
حرام عليكي… ده صبر عليكي كتير أوي!”

ابتسمت آية بحب، ترد عليها بصوت يقطر دفئًا : دي أقل مرة كمان.”

ضحكت نوسة وهي تنزل الدرج بخطوات متعثرة بسبب الكعب العالي، تتمتم غاضبة:طيب… احمدي ربنا… واسنديني بالنيلة اللي لبستوهالي ده!”

قهقهت آية من قلبها، أمسكت يدها بحنان، ونزلتا معًا نحو الأسفل، بينما ضحكاتهن تملأ المكان وتذيب توتر اللحظات.

في ذلك اليوم التالي
كان البيت غارق بالأنوار والضحكات، لكن سلطان لم يكن يرى سوى أن ضي لم تنزل بعد،  كأن خطواته تعرف طريقها وحدها.صعد الدرج علي عجل.. دلف الشقه وهو ينادي بصوت يحمل نفاد صبر محب: خلصتي يا ضيو؟

دلف غرفه النوم .. وانكسرت كلماته في حلقه، وجسده تجمد للحظة، حين وقعت عيناه عليها….

كانت واقفة أمامه في فستان أحمر، ناعم في خيوطه، مثير في حضوره، والأجمل من ذلك أنه محتشم مغلق كأنه يحرس فتنتها بجمال حارق يزداد سطوعًا كلما حاول أن يتجاهله.

تطلعت إليه بدهشة، وعينيها تلمعان ببراءة حلوة، ثم همسة: سلطان… إنت كويس يا حبيبي؟

لم يجبها للوهلة الأولى، بل ظل يلتهمها بعينيه، كأنها حقيقة لم يتخيل أن يراها بهذا الاكتمال…

تقدمت هي، وربتت بخفة على وجنته، وهمسة برقة متوجسة: مالك يا حبيبي؟

أغمض عينيه لحظة يحاول أن يخفي انكسار سيطرته، لكن صوته خرج متحشرجا، يحمل جنون العاشق: تهوسي… إزاي انتي جميلة ورقيقة أوي كده… وناعمة موت كده؟ إزاي؟

نظرت له بدهشة، ورفعت منكبيها في عجز طفولي وهي تهمس بصدق: معرفش… بس انت اللي بتشوفني كده من حبك فيا…. زي ما أنا بشوفك أحلى وأحن وأوسم راجل في الدنيا… عشان بحبك.

عندها لم يحتمل سلطان، رفع يديه ليمررهما على وجنتيها بحنو، ثم جذبها إليه والتهم شفتيها بقبلة عميقة، قبلة عاشق يقتص من كل لحظة حرم فيها من دفئها.

كاد يذوب فيها تماما، لولا أن صوت طرق خفيف على الباب أيقظه من جنونه… فصل شفتيه عنها وهو يلهث وهمس: الحمد لله إن الباب خبط… كنت هنسي الفرح والدنيا كلها.

ضحكت ضي بخجل وحب، وهزت رأسها برفق، ثم همسة:وأنا كمان… بس يلا ننزل بقى.

أومأ، وعينيه لم تزل معلقة بها، ثم أحاط خصرها بذراع دافئة ملؤها الحميمية، وسارا معًا إلى الخارج، كأنهما يحملان سرهما في قلب الزحام.

فتح سلطان الباب، فإذا بإبراهيم يقف مبتسمًا، يرمق ضي بنظرة مازحة لا تخلو من العبث، وغمزها  قائلًا: إيه الجمال ده كله؟… كبرتي يا ضي، عين أبوكي.

تشبثت ضي بذراع سلطان وهمسة بثبات: ضي السلطان دلوقتي.

ارتسمت على وجه سلطان ابتسامة عاشقة، وغمغم بصوت دافئ وهو ينظر في عينيها:ضي عين سلطان.

قهقه إبراهيم ضاحكًا، ثم قال بمرح: طيب يلا… المأذون وصل.

أومأ سلطان برأسه، وأخذ بيدها ليهبطا معًا نحو الأسفل.

في الحارة، كان الفرح يشتعل كما لم يشتعل يومًا؛ الأضواء الملونة تتراقص على الجدران القديمة، والأغاني الشعبية تتدفق من مكبرات الصوت كأنها تضرب القلوب مباشرة….

ارتفعت الزغاريد بفرحه عارم، وصوت الزفة ملأ أركان المكان، يعلو على ضجيج السيارات التي بدأت تتوافد.

توقفت سيارة راجح أولًا، وترجل منها عمار بخطوات واثقة، فتح الباب لآية، ومد يده ليساعدها على النزول..

وما إن وضعت قدميها على أرض الحارة حتى علت الزغاريد من جديد، واندفعت عايدة ترش الملح بسعادة غامرة، وزغرودتها تمزق السماء كأغنية من قلبٍ منتصر.

سار عمار بآية حتى وصلا إلى المكان المخصص لهما، فجلسا متجاورين وسط أجواء غامرة بالأنوار والرقص والتهليل.

اقترب عمار منها في حنان خالص، طبع قبلة رقيقة على جبينها وهمس: مبروك يا قلبي.

رفعت رأسها ونظرت إليه بعينين لامعتين، وهمسة بخفوت يمتلئ بالرضا: الله يبارك فيك.

ثم ألقت نظرة سريعة على كل ما حولها؛ على الزينة المعلقة، الأغاني الراقصة، الزغاريد المدوية، وأغمضت عينيها لحظة وهمسة: مش متخيلة إن ده فرحنا.

ابتسم عمار ابتسامة صغيرة، وقال وهو يميل برأسه نحوها:عارف… أكيد كنتي متخيلة فرحنا في أوتيل مش كده؟ مش فرح شعبي زي ده.

هزت رأسها نافية بسرعة، وقالت بصوت يملؤه الصدق:
لأ… أنا لما كنت بتخيل فرحنا مكنتش بتخيل غير إنك إنت العريس، وجنبي… هو ده اللي كنت بتخيله. الفرح مش مهم.

كأن قلبه انقبض بحب، وابتسم بحنان عميق، ورفع يدها إلى فمه ليطبع قبلة دافئة في باطنها، وهمس بصدق:
بحبك.

ابتسمت هي الأخرى، وفي عينيها بريق فرح لم يعرفه قلبها من قبل، وهمسة بصوت مبحوح بالعاطفة:بموت فيك.

ثم توقفت سيارة عز، وترجل منها علي بخطوات مفعمة بالفخر، أسرع ليفتح الباب لنوسة،

مد لها يده يعينها على النزول، وما إن لامست الأرض حتى أحاط ذراعها بذراعه بسعادة ظاهرة، وسار بها إلى مكانهما المخصص…

جلسا متجاورين، فقبض على يدها بحنان، رفعها إلى فمه يقبلها، وهمس بابتسامة دافئة: شوفتي؟… مسبتكيش لحظة لحد ما وصلتي الكوشة بالسلامة.

ضحكت نوسة بعفوية، وقالت وهي تلمع بعينيها:طول الليل كنت أتفرج على فيديوهات العروسة والعريس وهما بيقعوا… يا إما وهما بيرقصوا… يا إما وهما داخلين الفرح.

قهقه علي بصخب، ثم غمغم وهو يرمقها بمكر: طيب ليه تتفرجي على فيديوهات تخوّفك؟

ابتسمت بخجل طفولي، وقالت: عشان مغلطش الغلطات اللي هما غلطوها.

اقترب منها أكثر، وصوته يهبط إلى نبرة عابثة: متخافيش… مش هوقعك غير على السرير.

جحظت عيناها بدهشة، ولكزته بقوة وهمسة غاضبة:
احترم نفسك… ولا مش هروح معاك.

ضحك علي بمرح، ثم انحنى إليها هامسًا: هتروحي… يا قلبي، قلبك هيجيبك.

وبينما الأجواء تزداد صخبا بالأغاني والزغاريد، اقترب سلطان ممسكا بيد ضي، حتى وقف أمام عمار وآية، وهتف بصوت متهلل: مبروك يا ابن الأكابر… أخيرًا.

نهض عمار سريعًا، واحتضن سلطان بحب أخوي صادق، وقال بعاطفة غامرة:الله يبارك فيك يا جنرال… عمري ما هنساها وقفتك في ضهري.

ربت سلطان على منكبيه بعاطفة أعمق وهمس: متقولش كده… أنا اللي عمري ما هنساها… إنك أمنتني على ضي… ونولتني حلم عمري.

تقدمت ضي بخطوات رقيقة نحو آية، وابتسامتها عريضة، هتفت بحرارة: مبروك يا حبيبتي… ربنا يتمملك بخير يا آية.

احتضنتها آية بحنو، وردت بصوت مرتعش من الفرحة:
الله يبارك فيكي يا عمري.

ثم مالت ضي نحو عمار، وضمته وهتفت بحب: مبروك يا أحلى عمار.

ربت عمار على رأسها برفق، وردد هامسا:  الله يبارك فيكي… يا قلب عمار.

مد سلطان يده يصافح آية بملامح يكسوها الحنو الأخوي، وقال برقة: مبروك يا آية… ربنا يتمم لكم بخير.

أومأت آية بخجل، وقالت بصدق: الله يبارك فيك يا سلطان.

تحرك سلطان وهو يحيط خصر ضي بحميمية واضحة، ثم التفت نحو علي قائلًا بنبرة محبة:مبروك يا متر.

نهض علي فورًا، يبتسم بحماس، وقال: الله يبارك فيك يا سلطان.

عانقه سلطان بقوة، وهمس له في أذنه: نوسة لسان… على الفاضي. خد بالك منها.

ضحك علي وأجاب بثقة: في عنيا.

اقتربت ضي من علي، وضمتّه بمحبّة، وهتفت: مبروك يا عليو.

طبع علي قبلة أخوية فوق رأسها، وقال بحرارة:الله يبارك فيكي يا ضي… عين أبوكي.

ابتسمت ضي بحب، ثم انحنت على نوسة وضمتها بقوة، قائلة بعاطفة: مبروك يا نوسة… ربنا يتمملك بخير يا قلبي.

ربتت نوسة على ظهرها بحنو، وقالت في همس رقيق:
الله يبارك فيكي.

وأخيرًا، اقترب سلطان، ووضع قبلة أخوية على رأس نوسة، وهتف بحب صاف: مبروك يا قلب أخوكي.

ابتسمت نوسة بعينين دامعتين من الفرح، وربتت على صدره قائلة في دفء: الله يبارك فيك يا سلطان.

تحرك سلطان وهو ممسك بيد ضي، وجلسا معًا على أقرب طاولة، يتأملان الأجواء التي اشتعلت حولهما؛ أنغام الطبول الشعبية تتصاعد، والزغاريد تتوالى كسهام من الفرح تشق عنان السماء….

جلس راجح إلى جوار سلطان، عيناه لا تفارق تقي، يطالعها كما يطالع الغريب وطناً افتقده طويلاً، يتأملها بحب متخم بالحنين والوجع المكتوم….

كان صدره يعلو ويهبط ببطء، كأن كل نفس يخرج منه محمّل بذكرى لم تندمل.

التفت إليه سلطان، دهشته واضحة في نظراته، وانحنى نحوه هامسا: انت لسه ولا إيه يا منيل؟

ارتجفت شفتا راجح، وكأن البكاء على وشك أن يفضحه، ورد بصوت مبحوح: لسه… نفسي حتى في بوسة… بس خايف تزعل.

تبدل وجه سلطان إلى الغضب، حاجبه ارتفع وصوته خرج خافتا لكنه حادا: إحاااا…

أمسكه راجح من ذراعه بسرعة، وهو يلتفت حوله بخوف أن يراه أحد، وهمس برجاء: يخرب بيتك… هتفضحنا يا عم.

شده سلطان نحوه أكثر، صوته يخرج من بين أسنانه بغضبٍ مكبوت: بقولك إيه… خف نحنحه شوية….
أنا عارف البت مرت بظرف صعب أوي، بس إنت مستني إيه؟ هي هتبدأ يعني؟ إنت اللي لازم تبدأ يا راجح… اخطفها مرة واحدة كده، بس بالراحة عليها.

أومأ راجح برأسه كالتلميذ المذنب، وقال بخضوع:
حاضر… الليلة دي خلاص.

نظر سلطان له لحظة، ثم مال برأسه وقال بتفكير:
هو إنت عندك برد؟

ابتسم راجح بفتور وأجاب: أه… ومصدع أوي.

غمز سلطان بعين ماكرة وقال بخبث :  طيب… ما البرد محتاج مجهود يعرقك… عشان البرد ينطر من جتتك.

ضحك راجح بخفوت، يخشى أن يلتفت أحد إليهما، وقال بنبرة هازلة: إيه… هعملها معاملة المضاد الحيوي ولا إيه؟

انفجر سلطان ضاحكًا بصخب، وصفق على كتف صديقه وهتف: بالظبط كده يا أبو المضاد!

وفي الطرف الآخر من الفرح، كانت تقي ترمقهم من بعيد بنظرة حائرة، لا تسمع ما يدور بينهما، لكن قلبها استشعر أن الحديث عنها. لمحت ابتسامة باهتة على شفتي راجح، وارتعاشة عينيه كلما التقت بنظراتها، فارتجف قلبها بدفء مباغت، وتساءلت في سرها: مالهم دول !!

كان الوقت يمضي في بهجة صافية، حتى اقترب إبراهيم، يبتسم ابتسامة ماكرة وهو يقول: يلا… المأذون حضر كل حاجة.

نهض سلطان على الفور، وقال مازحا وهو يربت على كتف صديقه: مش كنت دخلت إنت كمان؟

هز إبراهيم رأسه بالنفي، وغمغم مبتسمًا: الجرح في رقبة روجيدا لسه بيوجعها… وانت عارف الرقبة مهمة في الحاجات دي. أنا هكتب في السفارة… ولما تخف أدخل براحتي.

قهقه سلطان بصخب، ولوّح بيده ساخرًا:  لا معاك حق… الرقبة ناعمة ومهمة أوي يا عـلـ…

وانقطع صوته مع تصاعد الضحكات، بينما كان المأذون يجلس إلى الطاولة التي تحلق حولها الجميع.

جلس عمار أمام المحامي علام، وكيلًا عن آية بتوكيل من والدها، وبدأ المأذون في تلاوة بنود العقد وإجراءاته…

ارتجف قلب عمار بقوة كأنه يخفق خارج صدره، يردد خلف المأذون بصوت متهدج، فيما عينيه معلقتان بآية وحدها، يقرؤها حبا وشغفًا، حتى انتهى المأذون بالدعاء المأثور:.بارك الله لكما… وبارك عليكما… وجمع بينكما في خير.

تعالت الزغاريد تصدح في الحارة، وتدفقت التهاني من الجميع، فنهض عمار وسط فرح عارم، ووجهه يفيض فرحا كطفل حقق حلما طال انتظاره.

ثم حان دور علي، فجلس أمام الحاج سعيد والد نوسة، والمأذون يشرع في تلاوة العقد من جديد…

كان علي يردد خلفه بصوت قوي، والحاج سعيد يردد معه في سعادة ظاهرة. رفع علي رأسه في لحظة، ونظر مباشرة إلى نوسة، وغمزها بعينين تتلألآن بالمرح.

ارتبكت نوسة، فعضت شفتها السفلى بخجل، وهمسة من بين أنفاسها المرتجفة: مجنون…

أكمل المأذون الدعاء المأثور: بارك الله لكما… وبارك عليكما… وجمع بينكما في خير.

وانطلقت الزغاريد من جديد، أكثر حدة فرحا، كأنها تمزق جدار السماء. نهض علي، يتلقى التهاني من كل صوب،
وجهه يضيء بابتسامة لم يعرفها من قبل.

تعالت الطبول أكثر وأكثر، واشتعلت الأضواء الملونة ترقص فوق جدران الحارة. اصطف الناس من الجانبين، تاركين ساحة واسعة في الوسط، لتبدأ الزفة الحقيقية.

تقدم عمار وهو يمسك بيد آية، نظراته إليها لا تفارقها، رفع يدها في الهواء وأدارها في حركة خفيفة جعلت فستانها يتطاير من حولها كنسمة بهجة….

ضحكت آية بخجل، فأمسكها من خصرها ودار بها وسط الساحة، بينما الزغاريد تتعالى. همس في أذنها وهو يقربها منه:شوفي… دي رقصة العمر كله.
ضحكت بعينيها وقالت: طول ما إنت معايا… كل لحظة تبقى العمر كله.

إلى جوارهما، كان علي لا يعرف الهدوء. أمسك نوسة بين ذراعيه، يرفع يدها ويهتف بصوت عال: هي دي عروستي!

انفجرت الحارة بالتصفيق والضحك، بينما نوسة تخفي وجهها بين يديه بخجل، وهمسة وهي تبتسم:سيبني يا مجنون… فضحتنا!
ضحك علي بصخب، وقبل جبينها بسرعة وقال: حتى لو الدنيا كلها بتبص… هافضل أقول إنك ليا وبس.

لم يبتعد سلطان عن المشهد؛ جذب ضي من يدها وسط الساحة، فحاولت أن تقاوم خجلها قليلًا، لكنه أحاط خصرها بيده، وهمس في أذنها بصوت عميق:
طول عمري مستني اللحظة دي… تشهد علينا الدنيا كلها.
ابتسمت ضي والدموع تلمع في عينيها وقالت:وأنا اكتشفت أن طول عمري مستنياك… يا سلطان.

أما راجح، فكان متكئا قليلًا من أثر البرد، لكنه لم يفوت اللحظة. مد يده لتقي، فاقتربت منه وهي تضحك بخفة:
هترقص وإنت تعبان كده؟
شدها ناحيته وهمس:  لو هموت… أموت وأنا ماسك إيدك.
ضحكت تقي بعاطفة، وأحاطته بذراعها، فالتصقت أنفاسهما في لحظة صافية رغم الصخب.

ثم ظهر إبراهيم بخطواته الواسعة، يجذب روجيدا إليه برفق. كانت ملامحها ما تزال متعبة من أثر جرحها، لكنه قربها منه وأدارها بحذر، وقال مازحًا:We will dance, but slowly, my sweetheart
هنرقص لكن علي المهل يا حلوتي

ابتسمت روجيدا، لمعة عشق في عينيها، وهمسة بخفة:
I fear nothing in your arms
لا اخاف شي داخل حضنك ..

وامتزجت الضحكات بالزغاريد، والأجساد المتراقصة بالفرح، كأن الحارة القديمة تحولت إلى مسرح للبهجة. ستة قلوب تنبض بالحب وسط الجموع، كل واحد يرى في الآخر عالمه الصغير،

والدنيا حولهم تصفق وتغني….ازدادت الطبول اشتعالًا، والمزمار يصرخ في سماء الحارة، بينما الأنوار الملونة ترسم خيوطًا من بهجة على وجوه الناس.

كان الفرح يشتعل حولهم بالأنوار والضحكات، فيما العرسان والضيوف يملؤون المكان صخبا وبهجة…

وسط كل هذا الزحام، مال عز برأسه نحو عليا، عينيه معلقتان بها كأنها وحدها الحفل كله، وهمس بحب:
هعوضلك الرقصة دي في بيتنا.

لكزته عليا بخفة وقد تلون وجهها بحمرة خجل، وردت هامسة: عز… الناس حوالينا.

رفع حاجبه بدهشة طفولية وقال بنبرة ماكرة: أمال لو قلتلك تعالي ارقص معايا؟

هزت رأسها سريعًا وهمسة :  لأ… عيب.

ضحك بصخب جذب إليه أنظار من بجواره، وهتف بخفة ظله المعتادة:عيب إيه بس… ده إحنا كده وصلنا لمعجزة يا قلبي…. بس لما نروح… هترقصيلي، ماشي؟

خفضت رأسها في استسلام رقيق، وهمسة بخجل: حاضر… بس اهدي بقى.

أومأ برأسه كأنه يسايرها، ثم تمتم مقربا صوته:
ههدى… بس خلي الولاد يباتوا عند حياة الليلة دي.

رفعت منكبيها بتعجب وسألت: ليه؟

مرر كفه ببطء على ظهرها، عينيه تلمعان بعبث واضح:
هنعيد ليلة دخلتنا… بس على النظام الجديد.

كتمت ضحكتها بصعوبة، ودفنت وجهها قليلًا وهمسة:
انت اتجننت رسمي.

عض شفته بعناد طفولي وهمس: أوي… أوي.

وعلى الجانب الآخر ، اقترب ياسر من جنات بخطوات واثقة، جلس بجوارها وألقى نظرة طويلة على فستانها الذي بدا عليه وكأنه سرق منه أنفاسه، ثم غمغم مبتسمًا:
الفستان ده مزغلل عيني يا بِت.

قهقهت جنات بخفة وقالت : إنت عينك زايغة يا قلب البت.

هز رأسه نافيا وحاصر عنقها بذراعه بلمسة حنونة، وهمس: عيني بتزوغ على المنجاية بتاعتي بس.

ابتسمت جنات وهي تحاول إبعاد ذراعه، وهخمست بخجل متأني: لم نفسك… الناس حوالينا.

ابتسم ياسر بعبث لا ينطفئ، وقال وهو يلمع بعينيه:
طب… خلي البنات يباتوا مع حياة النهارده.

نظرت له بدهشة، حاجباها انعقدا باستغراب: ليه بقى؟

غمزها بعفوية، وصوته انخفض كأنما يفضي بسر خطير:
هدخل زي العرسان.

ضحكت جنات بخجل ودفنت وجهها في كتفه، وهمسة:
وانت عريس.

أومأ برأسه وقد انفرجت شفتاه بابتسامة عاشقة:كل يوم معاكي… عريس.

في آخر الشارع،

وبينما كانت الأضواء تتلألأ والأغاني الشعبية ما تزال تعلو في سماء الحارة، جذب راجح ذراع تقي بخفة وهو يبتسم بخبث، يسحبها بعيدًا عن صخب الفرح. همس وهو يشيح بيده كأنه يتنصل من السهرة:كنتي كملي الفرح… وأنا أروح آخد العلاج وأنام.

هزت رأسها سريعًا، عيناها تلمعان بقلق، وتمسكت بذراعه كأنها تخشى أن يفلت منها: أسيبك إزاي وانت تعبان يا راجح؟ تعالي… الفرح خلص خلاص.

ألقى عليها نظرة جانبية، ثم مال بكتفيه يستند عليها كأنه يختبر حنانها، وصوته يخرج بخبث خافت: وأنا بقول كده برضه.

تقدما معًا بخطوات متسارعة، حتى ابتلعهما مدخل البيت. تصاعدا الدرج بصمت لا يقطعه سوى صدى أنفاسهما المتلاحقة… هو نصف متعب ونصف متلاعب، وهي نصف قلقة ونصف غارقة في دفء قربه.

فتح باب الشقه ودلف هو أولًا، تتبعه تقي بخطوات هادئة، وما زالت بقايا الفرح ترقص في عينيها وهمسة مبتسمة:  الفرح كان حلو أوي.

أومأ برأسه باقتضاب، وصوته يخرج ثقيلًا: آه.

تأملته بدهشة، كأنها تستشعر شيئًا خلف هذا الجواب المبتور، واقتربت منه تسأله بحنان: مالك يا راجح؟ في حاجة؟

أغلق عينيه قليلًا كمن يهرب من ثقل يضغط على رأسه، ثم غمغم بصوت متحشرج، ظاهر فيه الألم:  دور البرد هددني… ومصدع.

لم تتردد لحظة، أسرعت إليه، رفعت يدها لتضعها على جبينه في لهفة، وهمسة: وريني كده… سخن يا حبيبي؟

تنهد بحرارة، أطبق جفنيه وترك صوته يخرج هامسا: مولع.

رمشت بعينيها مرتبكة، ثم همسة بخفوت: لا… مش سخن يا راجح.

فتح عينيه ببطء، ألقى عليها نظرة مشحونة بما لا تستطيع تفسيره، وهز رأسه قائلًا بصوت متعب لكنه مائل للسخرية: لا… سخن من جوه. إنتي إيش عرفك؟ دخلتي جوه؟

احمر وجهها وأطرقت للحظة، ثم أومأت برأسها محاولة الهروب من المعنى الذي يدور بين كلماته وقالت بحنان:
طيب… ادخل ارتاح في السرير وخد العلاج، وأنا هعملك طق شوربة خضار بلمون… هيخليك زي الحصان.

أومأ موافقا وهو ينظر لها مطولًا: ماشي.

تحركت نحو المطبخ بخفة، بينما عينيه تتبعان خطواتها كمن يتعثر في حبال خفية، قبل أن يغمغم بينه وبين نفسه بابتسامة نصف باهتة:انا جوايا ستين حصان هايجين… هتخليهم واحد وستين كده.

دخل غرفته، بدل ملابسه على عجل، وجلس فوق السرير. مر وقت قصير، كان المكان غارقا في سكون ثقيل لا يقطعه سوى أنفاسه المثقلة بالبرد، وجهه بدا شاحبا، لكن بريقا غريبا ظل يلمع في عينيه كلما تخيل عودتها.

وأخيرًا أطلت تحمل صينية صغيرة، عليها وعاء شوربة تفوح منه رائحة دافئة… وضعتها أمامه وجلست قريبة، تغرف له بملعقة وتقدمها إلى فمه في هدوء.

ارتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة متعبة، تناول الملعقة منها، لكن عينيه لم تفلتها، كأنهما يستمدان دفء الحياة منها لا من الطعام.

تمتم بصوت خافت متعب، لكنه دافئ: تعبتي نفسك عشاني.

خفضت عينيها بخجل، وهمسة: هو إيه اللي يتعب؟… إنت تعبان، ولازم أخاف عليك… واهتم بيك زي ما إنت بتعمل معايا طول الوقت.

ظل يتأملها طويلًا، يلتقط كل ارتجافة في صوتها، كل لمعة في عينيها… ثم تذكر كلام سلطان عض شفته واغمض عينيه.. وأعاد رأسه للخلف قليلًا، كأنه يشعر بالدوار. أسرعت تقي تمسك كتفه بقلق وغمغمت : مالك؟ تعبت تاني؟

اوما راجح وهو مغلق عينيه ويتصنع الوهن: حاسس بدوخه شوية…”

اقتربت منه أكثر، حتي تكاد تلتصق به لتطمئن…
وفي اللحظة التي وجدت نفسها قريبة من شفتيه، فتح راجح عينيه فجأة، ابتسم بخفة، ثم مال ببطء شديد وطبع قبلة صغيرة جدًا على شفتيها…

ارتجفت تقي بالكامل، شهقت وفتحت عينيها بدهشة، ووضعت يدها على صدره تحاول دفعه ..لكنه لم يتراجع.

حاوط خصرها وعاد يقبلها من جديد، قبلة أعمق، يمتص شفتيها العليا ببطء كأنه يتذوقها،

ثم يتركها ويقبل السفلى، حتى سالت أنفاسها بين شفتيه…

تجمدت تقي وحاولت أن تتراجع، لكنه أمسك يدها وقبل أصابعها، ثم أعادها برفق إلى صدره.
وهمس وهو يلهث بخفه : سيبيني أحبك… ما تخافيش.”

أغمضت عينيها بقوه وصدرها يعلو ويهبط بانفعال مكتوم اقترب منها والتقط شفتيها بين شفتيه ولسانه تسلل إلى فمها، يداعب لسانها في لعبة ناعمة جعلت جسدها ينتفض بلا سيطرة،

قبضت علي قميصه ، وأنين صغير أفلت من صدرها، فازداد شغفه وهو يضغط شفتيه أكثر على شفتيها، يلتهمها التهاما رقيقا.

وببطء، ترك شفتيها وانزلق إلى عنقها، يقبلها هناك قبلة طويلة دافئة، ثم يمص بشرتها برفق، تاركا آثارا رطبة كأنها وشم العشق….

ارتجف جسدها، وضعت يدها على كتفه محاولة أن توقفه، لكنه رفع رأسه ونظر إليها بعينين دامعتين وهمس بصوت متحشرج: أنا مش عايز أخوفك… أنا عايز أعيشك أمان.”

انزلقت يده إلى ازرار ثوبها، فتحها بهدوء شديد، متوقفًا بين كل حركة وأخرى يترقب عينيها… حين لم يجد رفضا، كشف كتفيها، فانحنى يقبلهما قبلة طويلة، مرة يعض بخفة، ومرة يمرر لسانه ببطء، حتى شهقت وارتجف جسدها كله… غمغمت بدموع: راجح لالا

اقترب اكثر وضمها بحضنه ودار بها وحاصرها علي الفراش ..اقترب من صدرها، سحبت نفسا عميقا وهي تغمض عينيها بقوة… وتتذكر كل ما فعله راجح معها، وكلمات المرأة العجوز، وكلمات عايده تتردد في عقلها

اقترب راجح ببطء، ومرر شفتيه علي عنقها قبلة حانية، ثم يمصه قليلًا، بحنان أكثر من شغف، كأنه يطلب إذنها أن يبقى هناك. ومع كل قبلة، كان يهمس بين أنفاسه:
يا عمري… يا روحي… يا كل حياتي!!

بدأت تقي تذوب، أصابعها تشبثت بقميصه، تشده إليها بدلًا من أن تدفعه… أنفاسها اختلطت بالأنين، وكل ذرة في جسدها بدأت تستجيب رغم خوفها.

وبهدوء شديد، نزلت يداه إلى خصرها، يداعبها بخفة، يكتب بخطوط ناعمة على بشرتها، يقترب من أنوثتها ببطء… هنا صرخت بفزع .. وارتجف جسدها بشدة، انكمشت في حضنه، ودفعت يده وغمغمت بدموع وبخوف سكن بين طيات صوتها  : لألااا … مش قادرة.

توقف فورًا، رفع يده وكأنها نار، ثم احتضنها بقوة، قبل جبينها، مسح دموعها سريعًا: خلاص خلاص… ولا يهمك. أنا معاكي… مش هغصبك على حاجة أبدا.”

جلس وهي على صدره، يربت على ظهرها، يقبل رأسها وجبينها، يدفئها بحضنه… دقائق مرت حتى هدأت، وعادت أنفاسها طبيعية… رفعت عينيها إليه بارتباك، همست بصوت متردد:ما تسبنيش… خليني معاك.”

كلماتها أشعلت كل خيوط صبره، لكنه كبح نفسه، أمسك وجهها بكفيه، نظر في عينيها طويلًا وهمس بدموع حقيقية: أنا عمري ما هسيبك. إنتي حياتي كلها.

ثم قبلها قبلة طويلة جدًا، عميقة، مليئة بالعشق والوفاء، قبل أن يتمدد بها على السرير، يحتضنها أسفل جسده. وببطء، ببطء شديد، أخذ يذيب خوفها بقبلات متتالية على شفتيها بشغف وهدوء مبالغ فيها .. حتي انزلق على عنقها وامتصه ثم لعقه براحه وبطيء ،

بداء ينزع ملابس ببطيء دون أن تشعر ومرر يده على نهديها بلمسه حنونه ولهفه ثم ، على بطنها… حتى تحولت رعشاتها إلى شهقات شوق.

حين اقترب منها أكثر، ترددت للحظة، لكن راجح أمسك بها برفق، يذوبها في حضنه وهمس: أنا هكون أحن عليكي من الدنيا كلها… اسمحيلي.”

وببطء، تسلل داخلها. صرخت تقي، كتمت وجهها بيديها. توقف راجح فورا، وقبل يديها وهو يزيحهما عن وجهها، وهمس برجاء: سامحيني… استحملي معايا شويه بس.”

انزلقت دموعها وهمسه بصوت مرتجف : مش قادره !!

مرر يده علي شعرها بحنان وهمس : احنا خلصنا فاضل حاجه بسيطه سيبي نفسك اهدي أرخي جسمك ..

تحرك بداخله ببطء أولًا، يراقب عينيها مع كل جزء منه يتوغل فيها… صرخت في البداية، قبضت على كتفيه بأصابع مرتجفة. توقف لحظة، قبل جبينها بشغف وحنان:
وهمس بانفاس متقطعه : أنا هنا… أنا معاكي… خدي نفسك ..

شهقت بفزع لكنها،  استسلم له فهو يستحق ذلك ..
تنفس ببطء وبدأ يتحرك ببطء داخلها ، يسكب عليها قبلاته كل ثانية،

يمتص دموعها مع كل حركة… ومع الوقت، تحول ألمها إلى دفء، والدفء إلى رعشة شوق. أغمضت عينيها، وتركت نفسها تذوب بين يديه، كأنها تولد من جديد…

بدأ جسد تقي يتناغم مع أنفاس راجح، ومع كل قبلة يسكبها على بشرتها كانت جدران خوفها تتهاوى. لم تعد تدفعه أو ترتجف كالسابق، بل تشبثت به بذراعيها، تلصق نفسها إلى صدره كأنها تخشى أن يفلت.

أخذت نفسًا عميقًا، دموعها ما زالت تبلل وجنتيها. رفعت وجهها إليه وهمسة بصوت متوسل : اه يا راجح…ينفع توقف ..

اشتعلت عيناه بالشوق، لكنه ظل محتفظا بلطفه وهز رأسه بالنفي وغمغم: لالالا مش هقدر!!

بدأ يتحرك من جديد، أبطأ من أي نسمة ريح، يقبل شفتيها قبلة طويلة ممتدة وهو يتوغل أكثر. كلما همسة بآهة صغيرة، أجابها بقبلة تمتص شهقتها وتحولها إلى تنهيدة حب.

حين اكتمل داخلها تمامًا، أسند جبهته إلى جبهتها، يتنفس بصعوبة وهمس: دلوقتي… بقينا واحد.”

شعرت تقي بحرارة لم تعرفها من قبل، كأنها تحترق وتروى في الوقت نفسه. بدأت أصواتها تتغير، لم تعد شهقات ألم، بل أنين شوق. جسدها استجاب بحذر أولًا، ثم بحرارة تتصاعد مع كل حركة منه.

انحنى على عنقها، يمص بشرتها بشغف، ثم يعود إلى شفتيها ليلتهمها في قبلة نارية. يداه تتحركان على جسدها ببطء، يمرران الأمان قبل الشهوة، حتى ذابت تمامًا بين ذراعيه…همس مع كل دفعة : يا عمري… يا حياتي… يا ملاكي.”

شهقت تقي لم تعد تقاوم، بل بدأت تتمايل معه، تشده إليها أكثر فأكثر… أصواتها المختنقة تحولت إلى صرخات شوق مكتوم، وكل مرة كان يقبلها يبتلع صرخاتها، ليمنحها أمانًا يحيطها من كل جانب.

زاد الايقاع قليلًا، واختلطت أنفاسهما ، والتصق جسدهما حد الذوبان. حتى لحظة الانفجار جاءت كعاصفة حانية ارتجف جسدها بعنف بين ذراعيه، شهقة طويلة خرجت من صدرها، بينما يضمها هو بقوة أكبر كأنه يريد أن يحميها حتى من نفسها.

بلغ هو ذروته معها، أنفاسه تتلاحق في أذنها، ودفن وجهه في عنقها، همس باسمها بصوت متحشرج: تقي… يا روحي… يا عمري.”

وبعدها، سكن العالم كله. لم يبق سوى أنفاسهما المتشابكة، جسدان متشابكان، ودموع اختلطت بالعرق والقبلات.

مد راجح يده ومسح دموعها، وقبل جبهتها، ثم ضمها إلى صدره بقوة، وهمس بصوت مبحوح يملأه العشق: دلوقتي… انتي ليا… وأنا ليكي… ومفيش حاجة في الدنيا هتفصلني عنك.”

ابتسمت تقي رغم دموعها، وأراحت رأسها على صدره، تستمع إلى دقات قلبه التي صارت دقاتها.

في الأسفل،

كانت الحارة تهتز على إيقاع الطبول والمزامير، والزغاريد تتفجر كقنابل نور، تصعد إلى السماء لتعلن انتصار الفرح…

الألوان الملوّنة انعكست على الوجوه، والدموع الممزوجة بالضحك جعلت كل عين كأنها جوهرة مشعة.

شق عمار وآية الصفوف بخطى بطيئة، مهيبة، يرافقهما الحلم المنتظر. كان يحملها بيده كأنه يحميها من العالم كله،
وهي تضيء بثوبها الأبيض كقطعة من قمر نازل من عليائه…

الأطفال يركضون، النساء يرششن الملح، والورد يتساقط من النوافذ كأمطار سماوية تبارك العرس.

خلفهما، يمشي علي يحمل نوسة بين أحضانه، وجوههما تلمع بالفرح، وخطاه ثابتة كأنه يسير في موكب قدر كتب لهما منذ زمن….

حولهم، الحارة كلها صارت عرسا شعبيا عظيما، كأن الجدران نفسها ترقص والهواء يزغرد معهم.

اقتربوا من العمارة العالية، فاشتعلت الأصوات أكثر، الزغاريد كالرصاص النوراني، والبخور يختلط برائحة الورد،

والموسيقى تصرخ من قلب الطبول. صعد عمار الدرجات الأولى وسط الدعوات والتهاني، وتبعه علي بنفس البهجة والشغف.

كان المشهد كله لوحة من نور، حتى إذا اقترب أحدهم من عز، جذب كمه بهمسة قلقة: ف وشوش غريبة ماليه الحارة يا معلم عز… قلبي مش مطمن.

تجمد عز لثوان، ثم أطلق عينيه في المكان يبحث، فإذا ببصره يقع فجأة على نقطة حمراء صغيرة تنام على ظهر سلطان….

في اللحظة ذاتها، اتسعت عيناه برعب، كأن قلبه توقف عن الخفقان، واندفع جسده مدفوعا بغضب ورعب لم يعرفهما من قبل.

صرخ صرخة اخترقت الزغاريد: سلطان… حاااسب!

التفت سلطان بدهشة، عيناه لم تدركا الخطر بعد، لكن قبل أن يستوعب، كان عز قد انقض عليه وضمه في حضن يائس، حضن أخير يشبه الدرع.

وفي اللحظة التي ارتطم فيها جسد بعشق بجسد، والتحم الأخ بأخيه في عناق مفاجئ يقطر خوفا وحبا…

انفجرت الرصاصات الحاقدة، تشق الفرح من قلبه، وتسقط زينة العمر على الأرض…. تعالت الصرخات، واختلط صوت الطبول بزغاريد تحولت إلى عويل، والدم امتزج بالورد، ليقتل الفرح في مهده، ويهلك اطهر الأرواح

وووووووووووووووووووووووووو


ساحره القلم ساره احمد 🖋️

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1.1K تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
رونا
رونا
1 شهر

تحفة

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  رونا

تسلمي يا قمر ♥️

Nour ELtaybe
Nour ELtaybe
1 شهر

اول تعليق وبجد البارت تحفه
بس زعلت علي عز اووووي 😭😭😭😭

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nour ELtaybe

تسلمي يا قمر ♥️

دودو
دودو
1 شهر

تسلم ايدك يا قمر

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  دودو

حبيبتي تسلمي ♥️

Nedaa
Nedaa
1 شهر

انا أقرا البارت امبارح كان خطير خطير جدا عنجد تسلم ايدك ي احلى كاتبة بالدنيا ❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nedaa

تسلمي يا قمر ♥️

سوما
سوما
1 شهر

روعة ياسارة

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  سوما

تسلمي يا قمر ♥️

Nour
Nour
1 شهر

رائعه حلوة اوى اوى بس مش صعبنا عليكى تنهى البارت بوقف قلوبنا كده يا سارة ده انتى ملكة الاحساس ❤️ نهون عليكى كده 😉❤️❤️❤️❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nour

تسلمي يا قمر ♥️

Samar
Samar
1 شهر

انا قراته امبارح ومن جمال البارت هقراه تاني❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Samar

تسلمي يا قمر ♥️

Gogo
Gogo
1 شهر

رائع ♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Gogo

تسلمي يا قمر ♥️

Shery Mina
Shery Mina
1 شهر

البارت حكاية جميلة وابداع في وصف مشاعر الفرح ووصفك ياسارة روعة للافراح الشعبية وحواري مصرنا جميلة فعلا مبهجة جدا

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Shery Mina

تسلمي يا قمر ♥️

Salma Mohamed
Salma Mohamed
1 شهر

تسلم ايدك ❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Salma Mohamed

حبيبتي تسلمي ♥️

Gogo
Gogo
1 شهر

تسلم ايدك يا ساره ♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Gogo

تسلمي يا قمر ♥️

Salma Mohamed
Salma Mohamed
1 شهر

❤️❤️❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Salma Mohamed

♥️♥️♥️♥️

Shery Mina
Shery Mina
1 شهر

بس قفلة البارت تفجع وتخلع القلب عوززة اطمن على عز دة لسة كان عاوز عليا ترقص له

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Shery Mina

هنشوف الأحداث الجايه ي روحي ♥️

Bosee
Bosee
1 شهر

تسلم إيدك 🔥🔥♥️♥️♥️♥️♥️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Bosee

تسلمي يا قمر ♥️

Samar
Samar
1 شهر

تحفه ❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Samar

حبيبتي تسلمي ♥️

Shery Mina
Shery Mina
1 شهر

فرحت جدا لاتمام فرحة راجح وتقى أنهم هيكونوا زوجين طبيعين

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Shery Mina

تسلمي يا قمر ♥️

May
May
1 شهر

تحفة تسلم ايديك

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  May

تسلمي يا قمر ♥️

بسملة عرفات
بسملة عرفات
1 شهر

تسلم ايدك تووووووووحفة اووووووي بجد 💖💖💖💖💖💖💖💖دمتي مبدعة

ندي
ندي
1 شهر

حبيبتي من ذوقك ♥️

شيماء
شيماء
1 شهر

تسلم ايدك💝💝💝

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  شيماء

تسلمي يا قمر ♥️

Rasha
Rasha
1 شهر

رررروعه

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Rasha

تسلمي يا قمر ♥️

Omnia
Omnia
1 شهر

ايوة بقي❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Omnia

♥️♥️♥️♥️

Nour
Nour
1 شهر

تحفة يا حبي وايهم كان واحشني جدا
بس طمنينا ع سلطان وعز بلييييز

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nour

إن شاء الله ي روحي ♥️

ليلى
ليلى
1 شهر

تسلم ايدك ،

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  ليلى

تسلمي يا قمر ♥️

ام عبد الرحمن
ام عبد الرحمن
1 شهر

تحفه تحفه بجد ❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر

حبيبتي تسلمي ♥️

Nourhan mohammed
Nourhan mohammed
1 شهر

تحفه بس ليه القفله ديه بس ❤️❤️🥹🥹

ندي
ندي
1 شهر

حبيبتي تسلمي ♥️

غاده خضر
غاده خضر
1 شهر

♥️♥️♥️♥️

ندي
ندي
1 شهر

♥️♥️♥️

Meme
Meme
1 شهر

جامد 😍😍😍❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Meme

تسلمي يا قمر ♥️

جنه
جنه
1 شهر

تسلم ايدك يا ساره تحفههههه قفلتك خطيره♥️♥️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  جنه

حبيبتي تسلمي ♥️

Mona
Mona
1 شهر

❤️❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Mona

♥️♥️♥️♥️

Aneenelrooh
Aneenelrooh
1 شهر

روعه تسلم ايدك ياقلبي البارت جميل 🥰😍

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Aneenelrooh

تسلمي يا قمر ♥️

نهاد بهجت
نهاد بهجت
1 شهر

ايه القفلة اللى تخوف دى 🙂
عموما يعنى
البارت تحفة ياسارهههههههههههه
استمرى
ده احنا مكناش نعرف روايات قبلك على كده بقا
مفيش نجاح من غير صعوبات
والصعوبات بتيجى من المتقاتلين والمتابعين بالنسبة لك
والمعنى العام من الناس

ندي
ندي
1 شهر

تسلمي يا قمر ♥️

ام سامح
ام سامح
1 شهر

تشويق رائع

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  ام سامح

❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥❤️‍🔥

Aneenelrooh
Aneenelrooh
1 شهر

😍🥰❤🌹

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Aneenelrooh

♥️♥️♥️♥️

سومه
سومه
1 شهر

بارت تحفه❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  سومه

تسلمي يا قمر ♥️

ام سامح
ام سامح
1 شهر

انا قرات أمسى وقراته تانى من جماله

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  ام سامح

حبيبتي تسلمي ♥️

Shimooo
Shimooo
1 شهر

البااارت خطيير جاامد جداا❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Shimooo

تسلمي يا قمر ♥️

ام سامح
ام سامح
1 شهر

عز ضحى بنفسه

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  ام سامح

هنشوف الأحداث الجايه 🔥😘

ياسمين
ياسمين
1 شهر

تحفه ❤❤❤❤❤❤❤❤😍😍😍

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  ياسمين

حبيبتي تسلمي ♥️

L.s
L.s
1 شهر

اي القفله دى

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  L.s

سوووو بتعلي الساسبنس🔥

L.s
L.s
1 شهر

لا بس بجد بارت يستحق الأوسكار

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  L.s

حبيبتي تسلمي ♥️

L.s
L.s
1 شهر

افضل كاتبه وبكل جداره ساره اكيد

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  L.s

تسلمي ي قمر ♥️

Zahraa
Zahraa
1 شهر

أيهم دخل عالخط😘😘
حلوة علاقة الصحاب دي بجد
بس عايزين نعرف اصل الصحوبية بقه 😁😁
يعني جلال كان شغال مع فريد وجبران بطريقة ما جوز بنته لابن فريد
وأيهم كان شغال مع زاد فبالتالي عارفها وعرف جوزها لانه كمان متجوز صاحبة زاد اللي هيا وتين
سلطان عرف جلال علشان هو جوز اخته بالتبعية عرف فريد علشان حوار السلاح وكده
عمار وسلطان اصحاب علشان موضوع الكلية الواحدة وعلي وابراهيم اخوات عمار فبالتبعية عارفين بعض
ياسر وعز وسلطان أصلا قرايب في بعض
اه ايهم كده علشان شغال مع زاد اللي عيل اخت سلطان
عرفت اللفة 😁😁😁
طيب نرجع للبارت
نصيحة ايهم لسلطان نصيحة حلوة جدا وان سلطان أصلا شايل الهم وخايف علي البسكوتة دي لوحدها عسل اوي ❤️❤️
التجهيز للفرح ووصف المكان والفساتين والاختيار والاحتيار ووصف المكان تحفة تحفة
تتنيحة سلطان لما شاف ضي😍😍😍
رد فعل سلطان لما راجح قاله مدخلتش
حياة شيالة العيال
عيال جنات وعيال عليا علشان واحد ياكل مانجا والتاني يترقصله

راجح وتقي قلوووووووووووووووب كتييييييييييييييييييير
عالهادي يا زبادي
بس المرة الجاية عايزين تقى اللي تبادر ترجع تقى القطة المخربشة زمان

القفلة😢😢😢😢😢😢
يا خوفي من البارت الجاي
خزان عياط نجهز المناديل ولا ايه 🥹🥹

يا سارة حابة اقولك اني بقرأ وبشوف يعني كاني بتفرج علي فيلم وانا بقرأ
بتخيل واعيط وقلوب بتطلع وابتسم مع اللي بيبتسم

دمتي مبدعة 🥰🥰

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Zahraa

يسلم تحليلك ي قمر ♥️

Ammoura
Ammoura
1 شهر
Reply to  Zahraa

هي شهرزاد زوجة جلال تبقي اخت سلطان؟؟؟؟؟؟ أنا مفهمتش علاقتهم دي .. باقي التحليل روعة … و ضحكتيني لما قلتي عن حياة شيالة العيال … بيبيسيتر مؤقت عشان المحروص سامر او اسمه ايه داخل عالخط خلاص🙃
ان شاءالله أزمة و تمر و ميروحش فيها عز المسكين 😇

Emy🌸
Emy🌸
1 شهر

بصراحه الفصل مبكي اتأثرت جدا

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Emy🌸

تسلمي يا قمر ♥️

جنة الورود
جنة الورود
1 شهر

جميل اوىاوووووووى

ندي
ندي
1 شهر

تسلمي يا قمر ♥️

ميرا
ميرا
1 شهر

احيه

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  ميرا

🙂🙂🙂

Nada
Nada
1 شهر

❤️❤️❤️❤️

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nada

♥️♥️♥️♥️

ميرا
ميرا
1 شهر

لااااا قلبي لا 🥹💔💔💔

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  ميرا

🥲🥲🥲

لهيب ال مراد
لهيب ال مراد
1 شهر

تحفة 🔥🔥🔥بس القفلة توجع😔😔🥹

ندي
ندي
1 شهر

تسلمي يا قمر ♥️

لميا
لميا
1 شهر

ياااالهوي علي القافلة قفلت علي قلبي ❤ بعد ما كنت فرحانه لتقي وراجح

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  لميا

قفلات سوووو بقا☺️

Nada
Nada
1 شهر

😍😍😍

ندي
ندي
1 شهر
Reply to  Nada

♥️♥️♥️♥️