نار وهدنه

نارروهدنه(الفصل الحادي عشر)

نارروهدنه(الفصل الحادي عشر)

الفصل الحادي عشر

ليس كل جسدٍ يحمل قلبًا حيًّا، وإن تشابهت القلوب شكلًا…
فإنّ الأرواح لا تتساوى في النبض ولا في الوهج.
كلنا نُشترك في امتلاك ذلك العضو النابض،
لكننا نختلف في عمق الشعور، وفي صدق الإحساس، وفي حجم ما نبذله من نبضٍ لمن نحب.
فهناك من يحبّ بكامل قلبه،
وهناك من لا يتجاوز حبّه خفقةً باهتة لا تكاد تُرى.

نهض بثقل، التقط الهاتف، نظر إلى الرقم الغريب، ثم رفعه إلى أذنه، وهمس بحدة: مين؟!

لم تأت الإجابة بكلمة، بل بضحكة يعرفها جيدًا… ضحكة تشعل تحت جلده نيرانًا لا تنطفئ. ثم جاء الصوت الذي لا يخطئه: مبروك يا حناوي… قفل المصنع. اعتبرها قرصة ودن… حسابنا لسه طويل… اوي .

ضحك خلف ببرود من يحاول كسر السكين بأسنانه، وقال: عشان حتة مصنع؟! في داهية… أنا خدت كل حاجة، ولسه هاخد اللي يخلي عينك مكسورة… لآخر نفس ف عمرك.

شد سلطان على الهاتف، صوته كان كالسم، ينساب في الأذن ببطء قاتل: عشم إبليس في الجنة، يا خلف… لو بيني وبين الموت… حياتك… هقتلك بطريقة ما تخطرش على خيالك… حتى في أسوأ كوابيسك.

بلع خلف الغصه التي تشكلة ف حلقه بمراره ورد بصوت لا يقل سما : وأنا لو بيني وبين الموت… إني أكسر نفسك… هكسرها بضي. عايزك تروق عليها… عشان مش هتكمل معاك كتير… وهتيجيلي برجليها المرة الجاية.

كان السلطان قد نهض من مقعده، اسودت عيناه كأن الجحيم اشتعل فيهما، ثم هدر بصوت يشق الحجر:
المرة الجاية… أنا اللي هجيلك… وهاخد روحك بإيديا. هقتلك بالبطيء… يا نجس… يا بن الـ*… يا عـ!!

اغلق خلف الهاتف بعنف، ثم قذف به إلى الجدار كمن يريد قتل الجهاز نفسه، وصاح:طلعتلي منين يا سلطان الكلب؟! هحرق قلبك… قبل ما أحرقك بالحية… يا ابن الكلب!

على الجهة الأخرى،

ضغط سلطان على الهاتف، وقذف به خلفه، في لحظة أشبه بالطوفان… طوفان إن انطلق، لن يبقي أخضر ولا يابس.

نظر عز إلى الهاتف المحطم، وغمغم ببرود: كسرت التليفون يا جدع…

رد سلطان، وصوته كالجليد: أحسن… ما أكسر حاجة تانية.

أومأ عز برأسه، وهمس بصوت خافت، فيه مرارة وموافقة: لا… كسر على كيفك.
………………………………………… 
في شقة سلطان الهواري

دلف سلطان بهدوء التي يلفها سكون المساء،اقترب منها  بحذر.
عينا ضي كانت غارقتين في أوراق المذاكرة، تجلس كما تركها، لكن شيئًا ما في سكونها لم يكن كما هو….

اقترب منها ببطء، ووضع ما في يده على الطاولة، ثم همس بنبرة دافئة: ضي…”

رفعت رأسها نحوه، بعينين ملتهبتين بالوجع، يكاد الاحمرار فيهما يفضح احتراقها….

وقف يتأملها لحظة، ثم اقترب أكثر وهتف بقلق خافت:
في إيه؟… مش أنا صالحتك؟ وانتي سامحتيني قبل ما أنزل، ولا أنا كنت بحلم؟

أغمضت عينيها بضعف، وهزت رأسها بخفوت ووجع:
آه… بس مكنتش شفت المنظر ده.

عقد حاجبيه بدهشة غائمة:منظر إيه يا ضي؟

بصمت موجوع، سحبت طرف كنزتها برفق، كمن يرفع ستار خيبة لا تريد لها أن ترى، ارتسمت على جلدها آثار لا تنكر…

لحظات، وكان الذهول قد جمد ملامح سلطان، وطفأت عيناه كمن اكتشف للتو جريمة ارتكبها بيديه…

تقدم نحوها، حملها بين ذراعيه بحنان عارم، ثم جلس بها على ساقيه كأنما يحتضن ألمها بداخل صدره، وهمس:
أنا عارف… أنا ابن ستين كلب… بس بحبك، والله بحبك… آسف… آسف أوي… مش هقدر أوعدك إني مش هعمل كده تاني…

شهقت ضي بخوف، اتسعت عيناها، وحاولت النهوض من فوقه، لكنه تمسك بها، طوق خصرها بين ذراعيه، وجذبها إليه كمن يخشى فقدانها مرة أخرى : استني… افهميني… أنا مش قصدي اللي حصل، بس أنا… أنا بحبك أوي يا ضي… وبحب أسيبلك العلامات دي… عارفة اسمها إيه؟

همسة وهي تهز رأسها في ألم ناعم: لأ… معرفش… يعني ايه ؟!

اقترب منها حتى شعرت بحرارة أنفاسه تلامس أذنها، ثم همس بعبث يشوبه شغف جارف: يعني كده…

ثم قبل عنقها بنهم وحنين، كأنما يتذوق طمأنينة وجودها بعد تيه طويل… ارتجف جسدها وبدا الرعب يتسلل الي جسدها وهمسة بصوت خافت مرتعد يكاد يضيع في صدره: آه… سلطان لا ..

تراجع قليلاً، ينظر إليها بعينين أسودتهما الرغبة، وغمغم: ضي…

فتحت عينيها بأنفاس متقطعة، تنظر إليه بنظرة لم يستطع تفسيرها… مزيج من الحب والتردد، من الشغف والخوف…

اقترب منها، ولامس شفتيها بقبلة عميقة، تشبه الاعتذار، تشبه الرجوع إلى وطن قديم.فيها شوق مؤجل، واشتياق محبوس، ووعد لا يقال…

التهم شفتيها كانت القبلة عميقة حد الرجفة…
قبلة لم تكن للصلح فقط، بل إعلان ولاء جديد… وكأنها بها تسلمه قلبها مرة أُخرى، لكن هذه المرة بكامل وعيها
وحين حرر شفتيها، مرر أنامله على وجهها، ثم همس بصوت مخنوق بحرارة الشعور:سخنتي… من بوسة يا بت!

هزت رأسها بخجل، وكان صدرها يعلو ويهبط كأن قلبها يطرق على أبواب الوعي.
رفع كفه، ووضعه فوق قلبها، يبتسم جانب فمه، ثم تمتم:
هي الدقات دي… أوعي تقولي تاني إنك بتكرهيني، دقات قلبك فضحتك يا ضي السلطان!

أومأت بالنفي، ثم دفنت وجهها في صدره، وكأنها تهرب من نفسها، قبل أن تهرب من نظرته العميقة التي تسكن روحها.
ضمها إليه، يضغطها على صدره بقوة حانية، كأنه يريد أن يحميها من العالم كله… بل من نفسه أيضًا.
لامست أنفاسه عنقها، فتوترت، تململت، وهمسة بتردد:
سلطان…

اجابها وهو يعض على شفته، يقاوم عاصفةً مشتعلة بداخله : اممم ..

همسة بخفوت ممزوج بالخجل: جعانة…

ضحك بخفة، وقبلها قرب فمها بعبث، ثم قال:أنا جبتلك حاجة بتحبيها…

رفعت حاجبيها بدهشة:إيه هي؟

نهض، وحمل الأكياس من على الطاولة، ووضعها أمامها، فتحتها بفضول، حتى لمعت عيناها:الله! سوشي! أنا بموت فيه!

ابتسم وهو يراقب فرحتها وغمغم بحنو : عارف يا حبيبي…

بدأت في الأكل بنهم، ثم نظرت له وقالت بفم ممتلئ: حلو أوي… مش هتاكل معايا؟

هز رأسه باشمئزاز وغمغم :تؤتؤ… لأ يا ستي!

مطت شفتها بحنق بطفولة، وهمسة: مخصماك…

جلس بجوارها، وقال بنبرة محببة:ليه يا آخرة صبري؟

أشارت للطعام وقالت :عشان مش راضي تاكل معايا اللي أنا بحبه…

نظر للصندوق باستسلام وقال:آكل إيه؟ ده سمك ني يا بت!

ضحكت، ومدت له قطعة:مش ني خالص، والله حلو! طيب دوق دي بس!

تناول القطعة منها وهو يتأفف، أغمض عينيه وأصدر صوت معترض من أنفه وصاح: أخخخخ… مال الكباب والكفتة؟ أنا عايز أفهم… اشتكوا من حاجة؟!

مطت شفتها بحزن: وحش ولا إيه ؟
ابتسم بغيظ وقال: راح مشوار وجيه!

قطبت حاجبيها بدهشة وقالت : مش فاهمة… بس قولي انت عرفت ازاي اني بحب السوشي ورموش الست مع بعض ؟!

نظر لها بحنان وقال : كنت بشوف عمار وهو بيجبلك
نظرت له بدهشة لما تستطيع إخفائها واستمرت ف الطعام …
ارتشف القليل من الماء، وأضاف بسخرية لاذعة:سوشي ورموش الست…مع بعض هو في إيه؟ إيه اللي جاب اليابان عند شق التعبان؟!

قهقهت وهي تقول: شق التعبان؟ يعني إيه؟

اقترب منها وتمتم: دي منطقة طري فـ طريق حلوان… متعرفيهاش!

رفعت منكبيه بجهل وغمغمت: لأ…

ابتسم بهدوء وهتف : أحسن! الهم الأكل يعجبك انتي…

هزت رأسها بفرح، وأخذت قطعة من الحلوى، تناولتها بشهية، وهمس: حلو اوي أنا
صمت لحظه ومر وميض من الحزن والكسره بعينيها وهمسة: بحب روموش الست عشان بابا الله يرحمه كان بيحبها اوي

تنهد بأسا وقال : ربنا يرحمه يا حبيبي !!

نظر لها بحنان واقترب منها وضمها بحضنه ومرر يده على ظهرها بتملك وهمس: تصدقي وانا كمان بحب روموش الست !

نظرت له، فوجدت عينيه قد اسودتا برغبة صادقة، لكنها أكثر هدوءًا من أي مرة…وهمسة : ما أنا قلتلك تاكل معايا…

نظر الي قطرة العسل التي علقه بشفتيها واقترب منها ببطء … لم يكن اقترابه ككل مرة، بل كمن يدنو من شيء يخشى عليه، لا منه.
شيء لا يؤخذ بالعنف، بل يمنح بالحب.وهمس : أنا عايز أدوق العسل بالفراولة…

لم تتراجع. لم تقاوم.
بل أغمضت عينيها… وكأنها تسلمه كل خوفها، لتتطهر منه بين يديه.
اقترب منها في بطء حذر، لا يليق بجرأته المعتادة، بل برجل أدرك أن ما أمامه لم يعُد رغبة فقط… بل راحة، وبيت، وسكينة.

وحين التصقت شفاهه بشفتيها، كانت القبلة طويلة… دافئة…
اشتدت أصابعها حول قميصه، جذبته إليها كأنها تستنجد بحرارته من برد غريب داخلها.
أما هو… فكان يقبلها وكأنه يعيد بناءها…
كما لو أن كل وجع مر بها، لم يكن إلا طريقًا لهذا الحضن، وهذا الحب.

………………………………………..
في شقة عز الهواري

تقلبت عليا في فراشها كمن ينام على جمر، لا تهدأ ولا تستكين. كانت تشعر بشيء داخلي يعصف بها، توتر لا تعرف مصدره، قلق لا تفسير له، لكنه يأبى أن يتركها تهجع….

استدارت بنظراتها نحو عز ، فوجدته غارقًا في نوم عميق، تنهدت وهبطت من السرير، وسحبت وسادة وألقتها أرضًا،

ثم تمددت بجانب السرير كأنما تبحث عن مسافة تنقذ ما تبقى من صبرها.

غمغمت بصوت متعب:  مش عارفة مالي النهارده… قلبي مقبوض.

مر وقت لا يحتمل، حتى قطع الصمت صوت رنين الهاتف. تأفف عز بكسل، مد يده إليه، ثم أجاب بنبرة ناعسة:  أيوه…

ساد الصمت لثوان، ثم دوى صوته من جديد بنغمة مازحة:  أهلاً يا هانم… ده التليفون نور النهارده.

تجمدت عليا. كانت كمن تلقى لطمة على القلب. تسمرت في مكانها، وعينيها متسعتين بالدهشة والذعر.

واصل عز بمرح:  طبعًا طلبات سوزان هانم أوامر… كل اللي طلبتيه خلص… وتقدري تعدي في أي وقت.

أغمضت عليا عينيها بقهر، وشعرت بنار تشتعل في أحشائها. لحظة واحدة كانت كافية لتنهار كل ثقتها.
وهي تسمع كلماته الحارقه بالنسبه لها :  تعالي وخدي اللي انتي عايزاه… ولو اتكلمت، اعملي اللي انتي عايزاه.

ضحك… تلك الضحكة… التي لم تسمعها منذ زمن. ضحكته الخفيفة التي كان يحتفظ بها للنساء خارج بيته، بينما هي… هي في الداخل تلتهمها الوحدة والخوف…

همس بنغمة أكثر جرأة: ده لعبتي… وانتي عارفة إنك هتطلعي مبسوطة اوي…

عضت عليا على إصبعها، تكاد تصرخ. كانت شهقة مكتومة تسحق صدرها، دموع تتجمع ولا تجد طريقها للخروج.

ثم سمعته يضحك من جديد:  والله انتي أصل الجمال يا سوزان هانم…

هنا انفجرت.

نهضت كأنما قذفتها نار من جوفها، ورفعت الوسادة وألقتها في وجهه وصاحت بانكسار الغضب:  يا خاين! يا واطي! بتخوني يا عز؟ ده بعد السنين والحب ده كله؟!

فتح عينيه على اتساعهما، وأغلق الهاتف بسرعة، ونهض بغضبٍ لا يقل عن غضبها:  أنا خاين؟! وخيانة إيه ؟! الست دي زبونة عندنا من سنين، واد أمي في السن!

لكن عيني عليا كانت تدمع، وشفتيها ترتجف بشك لا إرادي:  اد أمك لا يا شيخ ؟

زفر بغيظ، وكأن الجرح فتح داخله هو الآخر وصاح :  أيوه يا عليا. مش واثقة فيا؟ ولا مش واثقة في نفسك؟ ولا عشان عارفة إنك حرماني من أبسط حقوقي… حتى إني أشوفك؟ أشوف جسمك؟!

صدمت عليا وغمغمت بدموع مقهوره :  ده مش بإيدي… أنت عارفني من ساعة ما اتجوزنا، وأنت جايبني من بيت مش بيحب البنات… بيت كله عيب وحرام، ولا كلمة ولا ضحكة ولا لمسة!

ابتسم بسخرية موجعة وقال: وهي الست اللي تملي عين جوزها وتعفه تبقى مش محترمة؟ مشكلتك إنك مش قادرة تخلعي تربية أمك من على جلدك. لو كانت اتكلمت معاكي مرة بس، وفهمتك إن جسمك مش عيب، كان زمانك غير كده.

جلست عليا على حافة الفراش، جسدها منهك من الصدمة، وهمسة بدموع: أنا مش عارفة أهد اللي جوايا يا عز… اتبني فيا سنين. ماما كانت شايفة إن البنت المحترمة تخرس وتكتم وتدفن كل إحساس جواها… كنت بخاف حتى أضحك… إزاي أقدر فجأة أبقى ست تفرحك؟!

أغمض عينيه بتعب، وقال بصوت منخفض لكنه حاسم:  تقدري… لو عايزة. بس الحقيقة إنك مش عايزة… وأنا؟ أنا خلاص، وصلت لآخر الحبل. مش قادر أعيش كده تاني… لازم تشوفي حل.

ثم خرج.

كانت تلك الليلة فاصلة… لا في حياتها فقط، بل في عمق قلبها المنهك.
الليلة التي أدركت فيها ، أن ما يتسرب من بين يديها ليس مجرد رجل يشيح عنها وجهه الان …
بل عمر بأكمله،
وأمان ظنته ذات يوم وطنًا،
وحب ظنت أنه سيبقى إلى الأبد، لكنه كان يتآكل بصمت، كما تأكل النار الهشيم.
…………………………..

في صباح اليوم التالي،
دلف علي  إلى المحل بخطوات متثاقلة، كأن الأيام القليلة الماضية قد ألقيت فوق كتفيه بأحمالها من الحزن والضيق والليل المسهد.

كان وجهه شاحبًا، عيونه نصف مغلقة من التعب، وفي داخله فراغ شاسع لا يملؤه شيء.

ما إن لمحته نوسة حتى وضعت يدها في خصرها، ونظرت إليه بنظرات نارية، وهتفت بحنق واضح: ما لسه بدري يا متر؟! ده يادوب الضهر أدن!

أغمض علي عينيه بيأس، ومرر كفه على وجهه المجهد، ثم تمتم باعتذار خافت: أنا آسف… اتأخرت في النوم عشان كنت سهران…

رفعت حاجبها بسخرية لم تخل من الحنق وهتفت بحدة:
مليش فيه يا متر… أنا ليا معاد، تلتزم بيه! ولا إحنا مش قد المقام؟

نظر إليها بتهكم بارد، عيناه تلمعان ببرودٍ مخيف، وقال بنبرة ثقيلة: خلاص يا آنسة… أول وآخر مرة.

اشتعلت عيناها بغضبٍ لا تحتمله، وصاحت:هو انت إيه؟ تلاجة يا راجل إنت؟!

فجأة، مد علي يده وقبض على ذراعها بعنف، سحبها نحوه بقوة لم تختبرها منه من قبل، وهمس بنبرة هادرة:
متتخدعيش في احترامي ليكي… جوايا قلة أدب نايمة، مش ميتة… وممكن تصحى، عادي!

تشنجت من قربه، ارتبكت للحظة، وخفق قلبها على نحو غير مفهوم. لم تعرف هذا القرب منه من قبل، ولم تفهم ارتباك أنفاسها.

حاولت سحب ذراعها منه وهي تهتف بصدمة وانفعال:
إيه؟! عقلك اتلحس؟! إزاي تقرب مني كده؟!

كان ينظر إليها، إلى ملامحها الفاتنة، النقية، كأنها خلقت من ماء بارد في قلب الحر. قال بنبرة شاردة مستفزة:
متخافيش كده… أنا كإني بقرب من واحد صاحبي.

جحظت عيناها، وصرخت بنزق وهي تنتزع يدها منه بعنف: نعم؟! يا دلعدي… واحد صاحبك؟! طيب وعزة جلال الله، لو ما خفتش من خلقتي، لأكون فاتحة نفوخك!

ضحك، وضحكته كانت مستفزة حد الجنون. دفعها بخفة لكنه بعنف ناعم، وقال بسخرية: وبتزعلي لما بقول عليكي صاحبي؟! ده أنا أصحابي ما بيتكلموش كده!

لم تتردد، لكزته بقبضتها في كتفه بقوة، وهتفت بغضبٍ فائر: اتلمم ياض إنت! بدل ما أَلمك… وأخلي اللي ما يشتري… يتفرج عليك!

اقترب منها فجأة، اقترابًا لم يكن فيه تهديد، بل إعلان سيطرة. حتى أنفاسه اختلطت بأنفاسها، وأربكها اقترابه حد التراجع الغريزي للخلف، حتى اصطدم ظهرها بطاولة المكتب….وبصوت هادئ، لكنه يقطر خطرًا، همس:
أنا اللي هلمك يا نوسة… وده وعد… من علي البدري.

وفي لحظة خاطفة، ابتعد عنها، وخرج من المكان بخطى غاضبة. ترك خلفه هواء ساخنًا، ونبضا متسارعًا، وأنفاسا كأنها لم تكن تتنفس طول الوقت وهو واقف قدامها.

وضعت يدها على صدرها، تتنفس بصعوبة، ثم همسة بغيظ ونار: أما وريتك… ما يبقاش اسمي نوسة!

…………………………………..

أمام المدرسة…

خرجت ضي من المدرسة تسحب أنفاسها الثقيلة بعد الامتحان،
دارت  عيناها في قلق لم تعرف له سببًا.
الزحام حولها… والضجيج… وصوت المارة… كله لم يكن كافيًا ليمنع ذلك الفراغ الصغير الذي بدأ يتكور في صدرها.

كان من المفترض أن تراه…
أن تلمحه عند البوابة كما اعتادت في الأيام الماضية، يستند إلى سيارته كما يستند الحائط إلى الظل،
أن يرفع لها نظارته السوداء، ويبتسم ابتسامة لا يراها سواها.

لكن المكان كان خاليا منه…ومن طمأنينتها.

اقتربت منها صديقتها منه بخطى سريعة وقالت: ضي… بتدوري على مين؟

أجفلت من السؤال، وأدارت وجهها نحوها، ثم هزت رأسها وهمسة بنبرة مختلطة بين الخجل والانزعاج: لا مفيش… بس سلطان اتأخر، دي أول مرة يتأخر عليا.

نظرت لها منه نظرة طويلة ثم قالت وهي تشير إلى الشارع: تعالي نجيب حاجة نشربها من الكافيه، لحد ما ييجي.

لم تجب ضي، لكنها لحقت بها، وكأن ساقيها لا تتحركان إلا على أمل رؤيته.

في الجهة الأخرى من الشارع…
توقفت سيارة سلطان السوداء بحده على الرصيف، ترجل منها سلطان كما لو كان يغادر دخان حلم ثقيل.
وجهه لم يكن غاضبًا، بل ما بعد الغضب…

تقدم خطوتين نحو البوابة، ثم تلفت حوله، يحدق في كل الوجوه،
وكأن عينه تتحسس غيابها كما يتحسس الضرير الجدار.
وهمس بصوت حاد كالموس :  مطلعتش ليه البت دي؟

أخرج هاتفه من جيبه، طلب رقمها، فأجابه الصمت…
الهاتف مغلق.

أغمض عينيه لحظة، ثم فتحهما على فحيح غضب كاد يشق صدره،
أشار إلى أحد رجاله المنتظرين بداخل سيارة مجاورة.

ترجل الرجل سريعًا، وقال وهو يقترب: أوامرك يا معلم سلطان.

نظر إليه سلطان بعينين مغمدتين باللهيب: مدام ضي طلعت؟

– آه يا باشا… طلعت.

في لحظة خاطفة، امتدت يد سلطان نحو ياقة قميص الرجل،وقبض عليها بعنف جعل القماش يئن، وجذب الرجل إليه وكأنه يسحب روحه وهدر :  لما آه طلعت… هي فين؟! أوعى تقولي راحت كده ولا كده!

تجمدت ملامح الحارس، وارتجف صوته وحاول بلع لعابه بصعوبه وتمتم : راحت الكافيه اللي هناك يا جنرال .. ومرسي راح وراها، تحت عنينا، وشايفنها كمان ف الكاميرات اللي مرشقنها ف الشارع كله… وحتى المدرسة.

ظل سلطان ممسكا به لحظة أخرى، عينيه تحفر في وجهه كما لو كان يبحث عن كذبة دفينة،
ثم دفعه للخلف بحدة وهدر: غور… وفتحوا عنيكم!

أومأ الرجل برأسه وركض، بينما سلطان ظل واقفًا في مكانه،
يسند ذراعه على باب السيارة، وصدره يعلو ويهبط كأنه يحمل الأرض بأكملها في رئتيه.
كأنه يرى سواها…ولا يشعر إلا بغيابها.

خارج الكافيه…

خرجت ضي من الكافيه بخطى بطيئة، تمسك بكوب العصير كأنها تمسك لحظة مرت دون أن تشعر بها.
كانت شاردة… ولكنها ليست شرود النسيان، بل شرود الانتظار.

في الخارج، وقفت مجموعة من البنات بالقرب من السور، يتحادثن بصخبٍ مبالغ فيه،
ضحكات عالية، ونظرات طائشة، وأصابع تشير نحو شيء بعيد.
أشارت واحدة منهن نحو السيارة، وقالت بنظرة حالمة:
أموووت أنا فـ كاريزما توماس شيلبي ورجولة هيو جاكمان…

قاطعتها أخرى، وعيناها تلمعان: وحطي عليهم وسامة براد بيت… يا ناس عايزه من ده وأحبه واموت فيه !
ضحكت البنات، واحدة تضع يدها على صدرها، وأخرى تمط شفتيها بإعجاب…
التفتت ضي في فضول، وما إن وقعت عيناها عليه… حتى اختنق صدرها بنبضة غير مفهومة.
كان واقفًا، ظهره للسيارة، ونظراته كالسهم مصوبة نحوها.

ارتبكت، لكنها تمالكت نفسها بسرعة، وقالت: لااااا لا انتو كده اتجننتوا ودخلنا ف قلة ادب ده جوزي يا حيوانه منك ليها

شهقة جماعية انطلقت من أفواه البنات.

– نعم؟! جوزك؟

– أيوه، اتجوزت.

– إمتى؟! وازاي؟!

– وإنتي ساكتة كل ده ليه؟!ده قمر يا بنتي !!

لكزتها ضي بقوه وهتف: احترمي نفسك هضربك والله !!

همهمة كثيرة، وأسئلة تتراشق، لكنها لم تجب.
لم تكن قادرة على الإجابة، لأن سلطان… اقترب.

بخطى هادئة، ولكنها مشتعلة من الداخل.
بصدر مرفوع، نظرة لا تلتفت… إلا إليها.

كل من حوله اختفى، حين وصلت قدماه أمامها،
نظر إليها نظرة واحدة فقط…
ثم مد يده إلى خصرها، وضمها برفق، وقبل جبينها.

قبلة لم تكن لطمأنتها وحدها…
بل كانت للرد على كل نظرة، وكل كلمة، وكل قلب خفق خطأ.

وقال بهدوء عميق: مالك يا حبيبي ؟ انتي كويسة؟ عملتي إيه في الامتحان؟

لم تجبه.
فقط وضعت يدها على صدره العاري من كل شيء إلا الحضور، وهمسة: أنا تمام… يلا بينا.

قبض على يدها كأنها عهد يتجدد، وسحبها من وسط الجمع، فتح لها باب السيارة، فدخلت.
ثم لحق بها، وانطلقت السيارة… كأنهما خرجا من مشهد لا يحتمل شهودًا أكثر.

من الخلف، ظلت البنات واقفات كأن الزمن جمد عليهن.
بعضهن شهق، وبعضهن ابتلع الغيرة بابتسامة باهتة.
ضحكت منه  بمرح وقالت: يا بنتي… ده طلع جوزها بجد!وهي بتقول سلطان اتاخر بحسبه السواق!!

ضحكت احدهن وقالت : دانا اللي سوائقه لسلطان أيه ده انا اول مره اشوف راجل كده …

داخل السيارة…

انطلقت السيارة في سكون مشوب بالضجيج الداخلي.
الطريق أمامهما مفتوح، لكن بينهما… طريق ضيق يمتلئ بما لا يقال.

كانت ضي تنظر من النافذة، تراقب المارة بلا تركيز، تشد على حزام حقيبتها كأنها تمنع قلبها من السقوط.

أما هو…
فكان يراقبها بطرف عينه، يعرف ذلك الصمت جيدًا.
يعرف أن عينيها حين تتوقفان عن الثرثرة، يبدأ الجنون.
عض شفته بعبث قال بنبرة خافتة، ساخرة: ضي… هما مين الأبطال اللي كنتي واقفة معاهم دول؟

لم تلتفت.
لم تجب.
لكن الغيرة انفجرت في صدرها دون أن تمر على لسانها،
مدت يدها فجأة، فتحت زجاجة المياه، ورشته بيها وهي تهتف بحدة: بس يا سافل!

ارتد سلطان للخلف، وصف السياره علي جانب الطريق ورفع كفه في اندهاش.
وضحك، لكنه كان ضحكًا يشبه انكسار الخيط الأخير بين الصبر والتحدي : يا بت المجنونة! إيه اللي هببتيه ده؟!

نزع قميصه المبلول وهو يضحك ، وكشف عن صدره العاري،
ورماه للخلف دون أن يفقد نظرته العابثة.

نظرت ضي إليه، ولم تعرف أين تضع عينيها.
كانت ترتعش في العمق، رغم أن ملامحها تحمل عنادًا مستفزًا وصاحت : ياسلام  يعني ماينفعش تمشي مبلول؟ لكن تمشي نص عريان عادي؟

اقترب منها في صمت، تراجعت حتى شعرت بأنفاسه تلامس وجنتها،
وقال بنبرة هادئة تحمل كل العبث المحترف: ممكن… عشان تملي عينك مني براحتك.

شعرت بحرارة تعصف بوجنتها  فوضعت كفها على صدره تدفعه، وهمسة:  سلطان… إحنا في الشارع، اتلم بقى، هنتاخد آداب يا قليل الأدب.

ضحك، ثم مال برأسه ببطء، كأنه يحاول غوايتها 
وقبلها… قبلة لم تكن مفاجئة، بل مستحقة.

قبلة حميمة، دافئة، كأنه يجزيها على غيرتها، وتطفئ النار التي أشعلها غيابه.
ثم همس وهو ما يزال قريبا: ياريت يلفونا ف ملاية واحدة بس ملط يا بت … ويحطونا ف حبس انفرادي باقي عمرنا.

ارتجف جسدها، وتشبثت بـ عنقه في توتر،
ثم قالت بصوت بالكاد خرج من بين شفتيها المرتجفتين:
منحرف… أوي إنت.

اقترب منها ولعق شفتيه وهمس: وأموت وأوريكي الانحراف الحقيقي… بس قوليلي، لو اتحبسنا سوا، هتزهقي مني؟

هزت رأسها في صمت، وهمسة: تؤ… تؤ…

دنا منها والتهم شفتيها.. لكنها لم تكن قبلة عاشق يريد،
بل كانت قبلة رجل… يملك.

قبلة سحبت منها أنفاسها حتى شعرت أنها لا تملك من نفسها شيئًا،
ولم تحررها إلا حين دفعت صدره برفق، وهمسة: سلطان… إحنا في الشارع.

تراجع قليلًا، وكان وجهه لا يزال قريبًا،
ابتسم، وهمس بنبرة ساخرة وهو يغمز: ماشي… يا فروالة.

ثم مد يده للخلف وسحب قميصًا نظيفًا من الشنطة،
ارتداه بهدوء، وكأن شيئًا لم يحدث.

نظرت له بدهشة وقالت: إنت حاطط هدوم في العربية؟

– آه… للطوارئ.

رفعت حاجبها بدهشة: طوارئ؟

ابتسم، وقال دون أن ينظر إليها: زي كده بالضبط.

ثم أدار المحرك من جديد، وانطلقت السيارة نحو الحارة…
لكن قلبها ظل في مكانه، يخفق بين أنفاسه، لا يريد أن يغادر

…………………………….
ف الحاره 
أوقف سلطان سيارته أمام أحد المحال، وقد كانت ضي تجلس إلى جواره، منهكة من عناء الامتحانات. مال بجسده وهو يفتح الباب، وقال بنبرة مقتضبة: هنزل بس دقيقتين أشوف عز ف موضوع، وراجع على طول.

أومأت برأسها باستسلام وهمسة: ماشي.

ترجل سلطان من السيارة بخطوات واسعة، وعبر الطريق بخفة الواثق. ما إن وقف أمام باب المحل حتى نادى:
عز!

نهض عز من خلف المكتب، وخرج للقائه، ابتسامة حقيقية تخللت قسماته:  إيه يا شقو؟ مش عارف أتلم عليك خالص اليومين دول.

هز سلطان رأسه، وتمتم بصوت خفيض: روحت لراجح النهاردة.

أومأ عز وقال :  آه، لسه سايبه، وياسر هناك… بس إنت؟ عرفت مين اللي عمل فيه كده؟

لوح سلطان بيده بحدة، وقال بإصرار:  الرجالة كلها ورا ابن الـعـ… طلع من صبيان الرشاش، بس والله لأجيبه ولأفعصه تحت جزمتي.

قطب عز حاجبيه بدهشة: الرشاش تاني؟ أنا قلت حرم من آخر مرة!

أسند سلطان منكبه إلى باب المحل، وأطلق نفخة ضيق من أنفه، ثم تمتم: تؤ… ما هو اتلم على ابن الهرمة خلف، بس عليا الحرام ما هحلهم أنا قرصت ودنهم المره دي واللي جاي جحيم بعون الله…

زفر عز بغيظ وقال :  ده احنا داخلين على موال أزرق وليلة طين.

لمح سلطان طرف عينه نحو السيارة… ثم فجأة ارتعشت قسماته، وتغير لون وجهه وهو يهمس بذعر: ضي…!

كانت السيارة فارغة.

ركض بخفة، كأن الأرض تنسحب من تحت قدميه، قبل أن يجذبه عز من ذراعه مبتسما بخبث: اهدا يا شقو، مراتك أهي…

وأشار إلى أحد المحال القريبة التابعة لهم، وهو يضحك بخفة:والله ما عرفتك يا جنرال، إيه الخضة دي كلها؟

لكزه سلطان بسخط، وقال وهو يركض تجاه المحل:
يلعن أبو تقل دمك… أوع يا جدع.

دلف سلطان المحل، فوجد ضي تقف قرب الرفوف، تتفحص بعض القطع الذهبية بحياء طفولي، فاقترب منها بهدوء، وهمس في أذنها بصوته الأجش: خدي اللي يعجبك.

ارتبكت ضي، تراجعت خطوة وهمسة: أصلي أنا…

رفع حاجبه بدهشة وغمغم : مالك يا بت؟ هو الكسوف ده بيقل ولا بيزيد؟

بلعت ريقها بصعوبة، وتلعثمت: أصل آخر فلوس إدهاني عمار خلصت…

اشتعلت عينا سلطان، ورفع حاجبه باستهزاء وأصدر صوت معترض من أنفه : أخخخخ! بتاخدي فلوس من عمار يا ضي؟! أمال أنا؟! ده أنا جوزك يعني!

نظرت حولها بتوتر وهمسة: ممكن بلاش الصوت الغريب ده؟ بجد بيخضني…

ابتسم بعبث وقال:  هو ده اللي وصلك من كلامي؟ على العموم اختاري اللي انتي عايزاه، يا ضي الهواري، المحل ده زي بتاع… جوزك يعني!

قطبت حاجبيها بدهشة: يعني إيه؟

ضحك بخفة، وأشار لافتة المحل:  انتي ماخدتش بالك من الاسم وانتي داخلة؟ مكتوب الهواري بخط كبير.

هزت رأسها ببساطة وهمسة : لا، والله ماخدتش بالي.

تقدمت ضي نحو الرفوف في خجل واضح، تتفحص الحلي بعينين لا تزالا تجهلان البهرجة… عيناها تبحثان عن شيء بسيط، يشبهها، شيء لا يصرخ ذهبًا، ولا يزاحم الضوء.

أشارت بأطراف أصابعها إلى حلق صغير… عين ذهبية يتوسطها فص لامع، كأنها عين ملاك.

رفعته بين أناملها وهمسة، ببراءة تشبه ندى الفجر:
– حلو اوي… كيوت أوي.

اقترب سلطان، تكسرت نظراته على اختياراتها، وقطب حاجبيه بدهشة ساخرة: هو ده اللي عاجبك؟ يا بت ده صغير أوي… من وسط كل الدهب والالماظ اللي حواليكي تختاري حتة زي دي؟!

ضحكت بخجل وهمسة:  أنا بحب الحاجات الصغيرة كده… مش بحب ألبس دهب كتير.

أسند ذراعه على الرف المجاور، وانحنى قليلاً نحوها، وقال بنبرة لا تخلو من عبث:  آه… عشان كده ما شفتكيش لابسه الشبكة اللي جبتهلك، ولا حتى الدبلة؟! مش بتحبي الدهب ولا مش بتحبيني؟

نزلت عيناها في الأرض، وأجفلت همسة: لا… مش بحب الدهب.

طال صمته، ثم مالت ابتسامته إلى جانب واحد، وهمس لها: يعني بتحبيني… مش بتحبي الدهب.

رفعت عينيها إليه، نظرة واحدة كانت كفيلة بأن تربك ترتيب قلبه… وكأنها تعترف بكل ما تعجز الكلمات عن قوله.

ثم مال على أذنها وهمس بحرارة: بس أنا بحبك… أكتر من كل دهب الدنيا.
مسك يدها وسحبها وخرج بها وغمغم : تعالي البسك الحلق ده ف شقتنا تحركت معه وهي تخفي ابتسامتها بأناملها المرتبكة،

دلف المصعد ولم يتبادلا كلمة… كان بينهما ما هو أبلغ من الكلام.
نظراته تتسلل نحوها من زاوية عينه، يراقب انعكاس الضوء على وجنتيها، وهي تتظاهر بالانشغال في الحلق ف يدها

وصلوا الشقة، فتح الباب ودلفت  ضي بأقدام  مرتجفة،  بخطوات خفيفة، وقبل أن تلتقط أنفاسها، كان خلفها تمامًا.
أغلق الباب بصوت خافت، ثم أسند ظهره إليه وسحب نفسا عميقا كأنما يحاول ضبط بركان داخله.

وهمس بصوت منخفض ذلك الصوت الذي لا يشبه إلا سلطان: قوليلي بقا بتحبيني ؟!

استدارت إليه بدهشة، تلعثمت الكلمات على لسانها، فاقترب منها حتى شعرت بأنفاسه على رقبتها.
ضمها بين أحضانه وهو يترجع الي الاريكه كأنه يقودها  إلى محراب عشق وهمس :  عارفه… مش مستني منك جواب.
سقطت فوق الأريكة وهو فوقها وسحب الحلق من يدها
اقترب منها ببطء، ورفع الحلق بين يديه وهمس:
ألبسهولك؟
هزت رأسها بالإيجاب، فاقترب أكثر، أزاح خصلات شعرها برفق من خلف أذنها، ثم ثبت الحلق في مكانه كأنه يوشمها باسمه.

همس على أذنها بعد أن ألبسه اول حلق : كده… ضي السلطان رسمي.

شهقت برقة، كأن الهواء هرب منها فجأة، فضمها إليه بقوة وهمس بشغف: بحبك يا بت… بحبك لدرجة هتخوفك مني.

رفعت عينيها إليه بخوف طفولي، لكن قلبها لم يتراجع، كأنها تستسلم له بكل ذرة فيها.
دنا منها أكثر وحاوطها بذراعيه وسند علي الأريكة ومرر شفتيه على عنقها عضت شفتها وشهقت برجفه  ممزوج بالخوف ضحك ضحكته الواثقة وقال :  اموت ف شهقتك دي… بتكهربني!

همست بخجل: بـ بلاش جنانك يا سلطان…

رد بصوت منخفض أجش، صوته كأنه يتسلل تحت جلدها: ده مش جنان… ده حنان راجل بيحب مراته، ومشتاق لها اوي.

مد يده إلى فستانها وكأنه يعاتب القماش الذي يحجب جسدها عنه، فقالت بنبرة مرتعشة: مش هتلبسني الحلق التاني؟!

رد وهو يقبل عنقها بنار تتصاعد ببطء: هلبسك كل حاجه… وهشلحك كل حاجه.

شهقت بخجل، فعض عنقها برقة متوحشة وهمس: شهقتي دي بتفوقني… بس خليكي فاكره، سلطان الهواري لما يحب، ما بيعرفش يحب بهدوء.

مرر يده علي نهديها وهمس بثبات: لما ألمسك… الدنيا كلها بتسكت.
حتى دق الهاتف فجأة، بإلحاح صاخب.

همست بضياع: سلطان… التليفون بيرن…

زفر بقهر، واعتدل وهو يلتقط الهاتف، ثم هدر كالرعد: في إيه؟! الدنيا اتهدت على دماغك يا عر…؟

ساد الصمت لثوان، ثم اسودت عيناه، وانغلق فكه كالسيف قال بجنون:جايلك حالًا وووووو

متنسوش ي قمرراتي التفاعل بالفوت والكومنتات ي قمرراتي

ساحرة القلم ساره احمد 🖋️

5 3 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Salma Mohamed
Salma Mohamed
10 أيام

❤️❤️❤️❤️❤️❤️