ناار وهدنه (البارت الخامس والثلاثوان )

تركت في قلبي اسماً لا يمحو، اسمًا صار يداوي نبضاتي حين تضطرب، ويمنح أيامي طمأنينة حين تشتد العواصف. البعدُ عنك لا يترك قلبي فارغًا إلا ليملأه شوقًا أعمق؛ كلُّ فراقٍ يهديه إلى إشطاءٍ جديد، وكلُّ مسافةٍ تبني في صدري رغبةً تئن طالبَةً المزيد.
أنتَ الذي مهما سقيتُ قلبي حبًّا، تلعثم في جوفك صوتٌ آخرٍ يقول: أريد المزيد. وأنتَ الذي أيقظت فيّ شعورًا كان إلى حينٍ غارقًا في سكونٍ عميق، فصرتَ العمر، والعمرُ مرّة: لا يُقاس إلا بوجودك.
ثم انقلب الحالُ في الصدرِ هوىً صافياً، فغدا القلب ينبوعًا لعشقك يمتلئ ويرتوي؛ فما له سبيلٌ إلى الفِرار من نَبضٍ تربع وتوّسَد في صدره. أنتَ معقودٌ بداخلي عقدةً لا حلّ لها، وقَد فُتن قلبي بك، غَرِمَ، وغُلِبَ.
أنتَ فيّ أكثر مما تظنّ، وأكثر مما أظنّ.
جلس سلطان في مقعده بالطائرة، يحدق عبر نافذتها في امتداد السماء الملبدة بالغيوم،
وكأن شروده يتجاوز حدود الأفق… ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة حين التفت إلى جلال الغارق في نوم عميق إلى جواره،
لتستيقظ في داخله ذكرى بعيدة، ذكرى ذلك اليوم الذي حمل فيه كبرياءه المثقل، وذهب إلى جلال يستجديه النصيحة.
فلاش باك
توقفت سيارة سلطان أمام البوابة الحديدية الضخمة لفيلا جلال التهامي. أشار إلى أحد الحراس بصرامة وهو يهتف: أيوه يا فندم.”
أخرج سلطان رأسه من السيارة وقال بلهجة حاسمة:
جلال باشا موجود؟”
هز الحارس رأسه نافيًا: لا يا باشا.”
قطب سلطان حاجبيه بضيق وسأل: طيب الدكتورة؟”
أومأ الحارس سريعًا: موجودة يا باشا.”
رفع سلطان يده إشارة وأمره: قولها سلطان الهواري.”
امتثل الحارس، رفع السماعة، ونقل الرسالة بصوت رسمي: قولي للهانم، سلطان الهواري عايز يقابلها.”
لم تمض لحظات حتى وصله الرد… أومأ الحارس باحترام، فتح البوابة،
فانطلقت السيارة إلى الداخل… عند مدخل الفيلا، ظهرت زاد بابتسامتها المشرقة، تركض نحوه بلهفة، وهتفت بفرح: حبيبي… أنا مش مصدقة!”
ترجل سلطان من السيارة، اقترب منها، وضع قبلة على رأسها، وربت على كتفها بحنان قائلاً: أنا عارف إني مقصر يا حبيبتي.”
ضحكت زاد وهي تضع كفها على صدره بخفة: وكمان معترف؟ لا كده في حاجة غلط… تعال تعال.”
قهقه سلطان بمرح، ودلف معها إلى الداخل. أشارت له إلى أقرب أريكة وقالت : اتفضل يا حبيبي.”
جلس متنهدًا وسألها مباشرة: جوزك فين؟”
تراجعت زاد قليلًا في مقعدها المقابل، ونظرت إليه بدهشة: في حاجة؟ ولا ايه إنت كويس؟ والجماعة كويسين؟ شكلك في حاجة.”
هز رأسه نافيًا وغمغم: لا تمام… متقلقيش. أنا كنت عايز أستشيره بس في حوار في الشغل.”
تنفست زاد الصعداء وأومأت: نعمة.”
دخلت العاملة تنحني باحترام: أوامرك يا هانم.”
أشارت لها زاد بابتسامة: حضري الغدا.”
ثم التفتت إلى سلطان: تحب تشرب حاجة قبل الغدا؟”
هز رأسه بفتور وقال: لأ… رني بس على جلال.”
أشارت زاد للخادمة بالانصراف: خلاص، روحي حضري الغدا.”
ثم التفتت إلى سلطان بنبرة هادئة: جلال زمانه جاي عشـ…”
لكن صوتها انقطع بدخول جلال المفاجئ، وهتف بقوة:
زاد!”
نهض سلطان مع زاد حين دلف جلال فابتسمت وهي تهتف بحنو: تعاله يا حبيبي.”
ضحك جلال بمرح وهو يقترب: معلش اتأخرت عليك.”
فتح له سلطان ذراعيه وضمه بقوة، وغمغم ساخرًا: دي مواعيد يا جدع؟ أمال لو مكنتش إنت اللي محدد المعاد!”
قهقه جلال بعبث، ثم جلس وقال: وأنا طالع من المكتب قابلت واحد صاحبي، ومعاه حوار كده… وفريد كان معانا، وشدوا مع بعض.”
نظرت له زاد بدهشة وقالت : صاحبك مين؟”
رفع جلال حاجبه وقال ببرود: مراد الجندي.”
رفعت حاجبها أكثر دهشة: مراد وفريد شدوا مع بعض؟! مش معقول!”
أومأ جلال برأسه وقد انعكس الغضب في نبرته: لا معقول… ومراد يستاهل… أنا أصلًا سبت فريد يروقه، ده عيل ابن ستين كلب!”
تسمرت عينا زاد عليه بدهشة، بينما انفجر سلطان ضاحكًا: إنت متأكد إنه صاحبك؟”
لوح جلال بيده وقال بثقة ساخرة: صاحبي… وكان تمام. معرفش اتجنن ولا دماغه ساحت ولا إيه… المهم سيبك منه… إنت أخبارك؟ في حاجة معاك؟”
ألقى سلطان غمزة خفيفة، وابتسم: تمام… كله تمام.”
تنهد جلال وهو يميل إلى الوراء: حبيبي… محتاج فنجان قهوة من إيدك، عندي صداع.”
بادرت زاد تنهض مسرعة، واقتربت منه تمسح على شعره بحنان: مالك يا حبيبي؟ أجيبلك حاجة للصداع؟”
هز رأسه، قبض على يدها، وقبل باطن كفها بحنو وغمغم:
لا يا قلبي… أنا مصدع من ارف الشغل… فنجان قهوة من إيدك، وكله يبقى تمام.”
ابتسمت برفق واتجهت إلى المطبخ، بينما تبادل جلال النظر مع سلطان وقال بخفوت حاد: انطق… فيه إيه؟”
تردد سلطان، ثم أسقط كلماته بثقل: بصراحة… أنا تاجر سلاح.”
ارتفع حاجب جلال بدهشة مصحوبة بابتسامة ساخرة:
وغمغم : يا عمري! تصدق من الأول كنت حاسس فيك حاجة غلط؟”
قهقه سلطان بصخب وقال : الله! إيه فيا حاجة غلط دي؟ هو إنت قابض عليا متلبس؟ أنا جايلك برجلي!”
اقترب جلال منه، يضحك بتهكم: حلاوتك! يعني إنت جاي تقولي تعال نطلع عمرة؟ ده إنت بتقول لمقدم في الأمن الوطني أنا تاجر سلاح! بكل بجاحة… وكمان بصراحة؟ الصراحة قتلاك يا هلس.”
ضحك سلطان بنزق وهو يرد : يا جدع إنت اصبر… أنا عايز أبطل وأطلع من الدايرة دي… بس مش عارف إزاي.”
نهض جلال بحدة وهتف: قوم معايا يا خويا… نروح لفريد!”
رفع سلطان حاجبيه بدهشة وهو ينهض: فريد ده ظابط صاحبك؟”
أومأ جلال بثقة: آه… بس هو في الجيش. هيروق عليك إنت كمان.”
قهقه سلطان وهو يتجه نحو الباب: تمام…”
توقف جلال حين صدح صوت زاد من بعيد: جلال! القهوة… إنتو رايحين فين؟”
اقترب منها، طبع قبلة على جبينها، وهمس:ساعة وراجعين… على ما الغدا يخلص هكون هنا.”
أومأت بشك، وقالت بخفوت: فيه مشكلة؟”
هز رأسه نافيًا، جذبها إلى حضنه، ومال إلى أذنها وهمس بحرارة: المشكلة… في جمال أمك… وحشاني موت.”
ابتسمت بخفة، ترددت على شفتيها همسة دافئة:
وإنت وحشتني أوي… متتأخرش بقى…نفسي الليلة نلحقها من أولها.”
أومأ برأسه، ثم هبط على شفتيها بقبلة متوهجة.
قبلة تملك لا تعرف الرحمة؛ شفتاه تلتهمان أنفاسها، وأصابعه تحاصر خصرها بقسوة لذيذة،
تثبّتها على صدره كأنها أسيرة مختومة بختم عشقه. كانت قبلة تحرق وتنهش الشوق قطرة قطرة، تذيبها بين يديه حتى لم يعد في جسدها مكان إلا وارتعش باللذة والألم معًا.
تنهدت وهي تدفعه برفق، وهمسة بين أنفاس متقطعة:
يا مجنون… سلطان مستنيك بره.”
لثم شفتيها قبلة عميقة أخيرة، وهمس: حاضر ياختي.”
ثم ارتدى سترته وهو يخطو إلى الخارج، مغمغم بحدة مازحة: أبوكي… لأبو سلطان… على المسا!”
خرج جلال يتبعه سلطان، كل منهما يحمل في عينيه ما يشبه القلق، وإن أخفاه أحدهما تحت قناع من العبث، وأخفاه الآخر تحت ابتسامة واهية…
استقل جلال سيارته السوداء الفارهة، وأشار لسلطان بحركة قصيرة قبل أن ينطلق، فتبعته سيارة سلطان عن قرب، كظل لا يفارقه.
انحدرت السيارتان بين الشوارع المزدحمة، أضواء المحال تنعكس على زجاجهما، وأصوات المدينة تذوب في هدير المحركات.
دقائق قليلة مرت، لكنها بدت لسلطان كأنها تمد بخيوط ثقيلة من الترقب.
توقف جلال أمام بناية مرتفعه الارتفاع، زجاجيه الواجهة، شامخة، توحي أن ساكنها ليس بالرجل العادي
. ترجل بخطوات واثقة، وتوقفت سيارة سلطان خلفه مباشرة… نزل سلطان بدوره،
وتقدم بجانبه في صمت، ثم أشار له أن يتبعه، ودلفا معًا عبر الممر المؤدي إلى الشقق حتى وقفا أمام باب خشبي عريض تتوسطه عين معدنية لامعة.
مد جلال إصبعه إلى الجرس وضغطه بقوة، ثم وقف يستمع إلى الصدى في الداخل. مرت لحظات ولم يأت جواب، فعاد وضرب الباب بقوة أكبر.
قطب سلطان حاجبيه، نظر إلى ساعته وهمس بعبثية نصف جادة: يمكن مش هنا؟ مش معقول يكون نايم الساعة سبعة!”
أومأ جلال برأسه بحنق وضيق: تلاقي وقع في حفرة… مش سامع الباب!”
رفع سلطان حاجبه وهو يبتسم بعبث : هو متجوز ولا…؟”
لكزه جلال بخفة وضحك وهو يرد: متجوز يا عم!”
أشار سلطان بيده، مائلًا برأسه بمكر: يعني مراته ما يسيبها ويفتح… هي هتطير؟”
أخرج جلال هاتفه بغيظ، طلب رقم فريد وهو يواصل الطرق على الجرس….
وأخيرًا، فتح الباب بعنف، وظهر فريد الصياد، عاري الصدر، ملامحه مكفهرة، وعيناه تقدحان غضبًا. هدر صوته الخشن: الله يحرقك يا جلال! إنت ويزن في ساعة واحدة؟!”
ارتد جلال وسلطان خطوة للخلف من اندفاعه المفاجئ، ثم سارع جلال يرمق سلطان بعين غاضبة وصرخ:
الله يحرق سلطان! هو اللي خلاني أجيلك… أنا مش طايقك أصلًا!”
أشار سلطان إلى فريد محاولًا كتمان ضحكته: أنا قلتله نمشي… وهو صمم يخبط!”
نظر فريد الي جلال وارتفع حاجب بتجهم، وصوته خرج عميقًا مخيفًا: وإنت عارف إني مش ببقى فاضي بالليل!”
لكز جلال سلطان بخفة، متجهًا إلى الوراء وهتف: بقى كده؟ طيب أنا رايح لمراتي.”
تشبث سلطان بذراعه، وغمغم بتهكم:إنت طلعت واطي… واطي يعني!”
ضحك جلال بحدة ويرد: مش أوطى منك… أوعى!”
ترك فريد الباب مفتوحًا، وزفر غاضبًا: ادخلوا بقى قبل ما أرتكب فيكم جناية!”
قهقه سلطان ساخرًا وهو يشير إلى فريد: يا باشا… براحتك، بس اقفل سوستة البنطلون… كده جونجة، هتاخد برد!”
رمقه فريد بنظرة كادت تخترق عظامه، وصاح بحدة:
إنت مين أصلًا؟”
سارع جلال ليقدمه : سلطان الهواري… صاحبي للأسف، وجار زاد، وزي أخوها.”
تغير وجه فريد قليلًا، ومد يده وصافح سلطان بجفاف:
اتفضلوا.”
دلفوا إلى الشقة، أجواء المكان هادئه . أشار فريد بيده وهو يتحرك إلى الداخل: هلبس… اقعدوا.”
جلس جلال على أقرب أريكة، وسحب سلطان بجانبه، بينما التوتر يطفو في صمتهما…
لحظات قليلة، وخرج فريد وقد ارتدى قميصًا داكنًا، جلس قبالتهما ونظر إليهما نظرة فاحصة قبل أن يهتف:
هااا… خير؟ مع إن من وشكم بيقول مش خير.”
أومأ جلال، وقال بجدية لم تخل من العبث: سلطان… تاجر سلاح.”
ارتفع حاجب فريد، ثم انفجر صوته ساخرًا: احاااا… إنت وهو… إنتو مصطبحين يا عر* إنت وهو؟!”
هز سلطان رأسه بالنفي، وصوته خرج ببرود متعمد:
لا يا باشا… وعندي مصنع، بس مش في مصر… في روسيا. وعمري ما صدرت سلاح جوا مصر، شغلي كله بره.”
أومأ فريد برأسه ببطء، وانحدرت على وجهه ملامح حنق مكتوم، ثم تمتم بخشونة: إذا كان كده ماشي… بره كلهم كفرة ولاد كلب…. إنت سامع نفسك يا سلطان؟! هما اللي بره دول مش بني آدمين؟”
تنفس سلطان بعمق، وأجاب بثبات:عشان كده جيتلك. أنا عايز أبطل. بس إنت عارف… اللي بيدخل الدايرة دي مش بيخرج منها غير بالدم.”
نهض فريد ببطء، جسده يشي بصلابة من اعتاد مواجهة الخطر…. مد يده إلى علبة سجائره، سحب واحدة وأشعلها،
ثم زفر دخانا كثيفا تراقص أمام عينيه وهو يرمق سلطان بنظرة نافذة، وغمغم بصوت واثق كالسيف: هساعدك… بس بشرط.”
لم يتردد سلطان، رد فورًا: موافق.”
رفع جلال حاجبه ساخرًا، وقال:مش لما تعرفه الأول؟”
انتقل بصر سلطان بين الاثنين، ثم عاد ليستقر على فريد وغمغم بصرامة: الباشا هيقول إن المصنع يشتغل لحساب الجيش… وأنا موافق.”
ارتسمت على وجه فريد ابتسامة عبثية، ومال برأسه قليلًا وضحك ببرود: دخلت دماغي يا هواري. أنا أعز الراجل اللي دماغه صاحيه.”
نهض سلطان، في عينيه ومضة عزيمة، وقال:أنا عارف… عشان أكسب حاجة لازم أخسر حاجة. وأنا مستعد. بس الأول… في حكاية لازم تسمعها.”
أومأ فريد برأسه، تمتم بعبث ساخر:احكي يا شهريار.”
ضحك سلطان بخفة، ثم مد يده إلى ظهره وأخرج ملفًا ثقيلًا، وضعه أمام فريد وقال: عثمان البدري… والعقود دي.”
عـــــــــــودة
انتفض سلطان من شروده على صوت المضيفة وهي تبتسم بأدب: حمد الله على السلامة يا فندم.”
رفع رأسه إليها، أجاب باقتضاب: الله يسلمك.”
ثم نهض من مقعده، التفت إلى جلال النائم بجواره، ولكزه بخفة وهتف ساخرًا: حليوه… اصحى. وصلنا! إيه؟ بقالق سنة ما نمتش؟”
فتح جلال عينيه المتعبة بضيق، تمتم بمرارة مازحة:
منمتش من ساعة ما شوفتك… الله يخرب بيتك.”
انفجر سلطان ضاحكًا بصخب، وهو يرتدي سترته بحركة واثقة: طيب يلا… وصلنا. نام في بيتكم بقى.”
أومأ جلال برأسه مستسلمًا، ثم نهض وسحب سترته وحقيبته، وتحرك خلف سلطان بخطوات ثقيلة.
وما هي إلا دقائق حتى خرجا من المطار، يسيران بخطى ثابتة، كأنهما عائدان من حربٍ خرجا منها منتصرين. أشار جلال وهو يستعد لركوب سيارته: هتروح على المستشفى؟”
رد سلطان بثقة هادئة: آه. عايز أطمن على عز… والباشا كلمني وقالي إنه هياخد ضي على المستشفى.”
أومأ جلال وزفر بضيق، يلوح بيده:طيب يلا… أنا هروح هاخد زاد. ومش عايز أشوفك… ولا أشوف فريد… شهر كامل يا هلس انت وهو!”
قهقه سلطان بصوت عالي، وغمغم بخفة: لا متخافش… أنا هاخد ضي وأسافر. أصلاً مش شهر … ست شهور!”
صعد جلال سيارته وهو يتمتم بغل مصطنع: أحسن.”
………….
في أروقة المستشفى المضيئة بأنوار بيضاء باردة، ارتفع صدى الخطوات على الأرضية اللامعة كأنها توقع إيقاعًا صامتًا للانتظار.
دفعت ضي باب الغرفة برفق، ودلفت يتبعها فريد، يحملان معًا شيئًا من الطمأنينة إلى من ينتظرون خلف الجدران.
قال فريد بصوت جهوري يكسوه الوقار: مساء الخير يا جماعه.”
التفتت الوجوه نحوهما، وتلألأت الابتسامات على الملامح المتعبة، ورد الجميع بلهفة: مساء الخير.”
انتفض عمار واقفًا، ومعه علي وياسر وراجح، كأنهم في حضرت من لا يجوز الجلوس أمامه وهتف عمار:
مساء الخير يا باشا.”
مد فريد يده يصافحهم بحرارة، وقال بود صادق:
حمد الله على سلامة عز… واستلموا الأمانة، وسلطان جاي من المطار.”
اقترب عمار من ضي، احتضنها كمن يطمئن على قطعة من قلبه، وقال بصوت حان: انتي كويسه يا حبيبتي؟”
أومأت برأسها مطمئنة، وابتسامة صغيرة تلمع في عينيها:
الحمد لله… كويسه. عز عامل إيه؟”
أشار لها عمار نحو السرير، حيث يرقد عز بملامح هادئة تفيض بالسكينة، وقال: كويس بس نايم يا حبيبتي.”
التفت ياسر نحو فريد، وعيناه تبرقان بالفخر: فريد باشا الصياد، مقدم في الصاعقة… وهو اللي ساعد سلطان.”
انسكبت نظرات الامتنان من الجميع نحو فريد، كأن القلوب جميعها انحنت له في صمت. رفعت عايدة يديها بدعاء حان وقالت: ربنا ينجيك يا ابني من كل ضيق… ويسترها معكم يا حبيبي.”
ابتسم فريد بتواضع وحب، ورد بصوت دافئ: تسلمي يا أمي.”
في زاوية الغرفة، كانت بطه تحدق فيه بعينين فيهما إعجاب لم تخفه ، مغلف بود شعبي عفوي، وقالت بتلقائية: انت متجوز يا ضنايا؟”
ضحك فريد بخفة وقال: متجوز الحمد لله.”
هزت بطه رأسها بضيق مصطنع وهتفت بنزقها الطريف:
ومِنشكح أوي كده ليه يا أخويا؟”
فانفجر الجميع بالضحك، وتألقت الغرفة بمرح جماعي بعثر بعضا من ثقل اللحظة.
قالت ضي مبتسمة وهي تمسك بيد بطه: دي مراته زي السكر يا ماما… وحلوة أوي.”
أومأت بطه برضا وغمغمت: ربنا يهنيك يا حبيبي.”
اوما فريد برأسه وتمتم: يارب !!
ثم تقدمت ضي نحو عليا، وضمتها بحرارة صادقة، وهمسة لها من قلبها:حمد الله على سلامة عز يا قلبي.”
ابتسمت عليا، وربتت على منكبها كأخت حنون، وقالت:
الله يسلمك يا قلبي… الحمد لله.”
انفتح باب الغرفة دفعة واحدة، ودلف منه سلطان ، وصوته يجلجل بالدفء والحنين: عزززز!”
نهض الجميع دفعة واحدة، كأن الروح دبت في أجسادهم بعد طول انتظار…
التفوا حوله، أياد تمتد إليه، تربت على كتفيه وذراعيه، كأنهم يتأكدون أنه عاد فعلًا، أنه ليس حلما عابرًا.
وفي لحظة اندفعت ضي بينهم، كالموجة التي وجدت شاطئها أخيرًا، وانغرست في صدره بكل قوتها.
احتواها سلطان في حضن ساحق، ضاغطًا عليها بلهفة رجل يخشى أن تتبدد بين ذراعيه، حتى كادت عظامها تئن تحت قبضته،
يقبل وجهها بجنون، كأنه يلتهم المسافات والغياب. صوته متقطع بالحنين: وحشتيني أوي… أوي… انتي كويسه يا ضيو؟”
أومأت برأسها وهي تنشج بحرقة، والدموع تخنق حنجرتها: كويسه… بس كنت هتجنن.”
مسح شعرها بحنان، وصوته يتهدج بوعد أبدي: خلاص… أنا جيت. ومش هسيبك تاني أبدًا.”
تقدم عمار وربت على منكب سلطان بابتسامة غامرة:
ـحمد الله على السلامه يا صاحبي.”
أما بطه فقد اقتربت وقبلت كتفه بعاطفة أمومة صافية، وهمسة: الحمد لله يا رب… رجعتي لي ولادي واحد ورا التاني.”
أخذ سلطان رأسها بين يديه وقبلها بخشوع:الحمد لله يا بطه.”
ثم شد يد عمار بحفاوة وهتف: الله يسلمك يا شقو.”
اقتربت عايدة، عينها تلمع بدموع مختبئة، ومسحت على منكبه كمن تطمئن أن جزءها الضائع قد عاد وغمغمت :
الحمد لله يا نص قلبي… أخيرًا قلبي رجع كامل.”
انحنى سلطان وقبل يدها بامتنان، وقال: أهم حاجة النص التاني كويس… يا قلب بيت الهواري.”
ابتسمت عايدة من أعماقها، وأجابت بصوت متهدج:
الحمد لله… وبيسأل عن نصه هو كمان كل دقيقة.”
ابتسامة عريضة ارتسمت على محيا سلطان، ثم خطا نحو السرير حيث يرقد عز. جثا على ركبتيه أمامه، انحنى يقبل جبينه، وعيناه تغرقان بالدمع: عز!”
فتحت جفون عز ببطء، وصوته خرج مبحوحًا، لكنه مشبع بالفرح: سلطان… انت كويس؟”
أومأ سلطان برأسه، وأطبق على كفه بحنان الأخوة:
كويس… طول ما انت كويس يا شقو.”
شد على يده أكثر، صوته يرتجف بقوة مكتومة: شد حيلك وقوم يا هواري… محتاج ضهري أوي.”
ابتسم عز ابتسامة ضعيفة لكنها صافية وهمس : في ضهرك… يا حبيبي.”
نهض فريد من مقعده، ورفع صوته بود: حمد الله علي السلامه يا سلطان.”
قام سلطان في الحال، وضمه بعناق مفعم بالعرفان، صوته يختنق بالامتنان: عمري ما هنسى جميلك… في رقبتي ليوم الدين.”
ربت فريد على منكبه بثبات، وقال بابتسامة جادة:
ده واجبي… إنت راجل وصاحب جدع.”
شد سلطان على ذراعه بقوة، يرد بعاطفة صافية:
إنت الجدعنة كلها يا باشا.”
ابتسم فريد بحب، ثم أردف مازحًا وهو يتهيأ للمغادرة:
أنا هروح أشوف جلال… آخد منه التقرير قبل ما يختفي مع البلوة بتاعته.”
قهقه سلطان بصخب وقال : الحقه! ده ناوي يختفي شهر.”
غمز فريد بعبث، وقال ضاحكًا: كلنا بننوي… بس الجدع اللي ينفذ.”
رد سلطان وهو يضحك: أنا هنفذ.”
أشار له فريد بيده، وقد ارتسمت على ملامحه نبرة جادة أخفت مرحها: بلغني بأي مكان تكون فيه الفترة اللي جاية… إحنا لسه مش عارفين الدنيا هتمشي إزاي بعد اللي عملته في الشبح.”
أومأ سلطان بثبات: يحصل اللي يحصل… إحنا أدها.”
ابتسم فريد بعبث، وهو يتراجع نحو الباب: ياما دقت علي الرأس طبول… سيبك إنت، بس خلينا على تواصل.”
هز سلطان رأسه موافقًا، وظل يراقب فريد حتى غاب عن الغرفة.
لم تمض لحظات على مغادرة فريد حتى انفتح باب الغرفة مجددًا، ودلف منه علام وبجواره ابنه سامر. ارتفع صوت علام مرحبًا: مساء الخير يا جماعه.”
لكن ما إن وقعت عينا سلطان على سامر، حتى تغيرت ملامحه دفعة واحدة… ارتفع حاجباه بغضب مكتوم، وخطى نحوه بخطوات متحفزة، وصوته يهدر كالرعد: انت… ايه اللي جابك يا علـ*؟ انت هنا؟”
تقدم علام سريعًا، يضع جسده حاجزًا بين سلطان وابنه، صوته يحمل محاولة تهدئة: في ايه يا سلطان؟ إحنا جايين نعمل الواجب ونتطمن على عز.”
تراجع سامر من خلف والده، لكنه جمع شجاعته وتكلم بجدية لم يعتدها منه أحد: واخطب حياه كمان.”
ارتسمت على وجه سلطان ابتسامة نزق ممتزجة بالتهديد، وانحنى قليلًا نحو سامر، صوته يقطر احتقارًا:
احااا… انت عايز أكسرلك دراعك التاني ولا إيه؟”
في لحظة، اندفع ياسر وعمار وعلي ليمسكوا بذراعي سلطان، يحاولون كبح اندفاعه، وهتف ياسر بحزم:
الراجل جاي وقاصد الحلال… مالك؟”
رمقهم سلطان بحدة، بينما تدخل علام بخطوة للأمام، يسأل بنبرة تحمل شيئًا من العتاب: انت رافض نسبنا يا سلطان؟”
أشار له سلطان بيده، وصوته ينضح جديه : لا طبعًا… انت على راسي. ابنك بقى… بتاع بيبي ده، لا.”
تمسكت ضي بذراع سلطان، تحاول أن تهدئ من انفعاله، وهمسة بصوت مرتجف: حبيبي… مش كده.”
لكن سلطان سحبها خلفه بعنف، كأنه يحميها من كلمة أو نظرة، صوته قاطع وحاد: انتي ملكيش دعوه.”
حينها تقدم سامر خطوة جريئة إلى الأمام، مد يده في الهواء كمن يسلم نفسه للقدر، وصوته يخرج مفعمًا بالصدق: أنا آسف على الكلمة اللي زعلتك مني… بس أنا بعتبر ضي زي أختي الصغيرة… وعشان عارفك كويس، راجل ودمك حامي… جيت من الباب علي طول. اطلب اختك على سنة الله ورسوله… من غير لف ولا دوران.”
ساد صمت لحظة، قبل أن تتدخل عايدة، تنظر إلى سامر بعين أم تقيم الرجولة، وهتفت بحرارة: راجل يا حبيبي… ونسبك يشرف. ولا إيه يا سلطان؟”
وتبعتها بطه، تربت على كتف سلطان بخفة، وصوتها يمزج بين الحنان والجد: وسلطان بيقدر الرجالة برضو… ولا إيه؟”
ظل سلطان صامتًا للحظة، ينظر إلى سامر باستنكار، قبل أن يغمغم بنبرة تجمع بين السخرية والاعتراف: للأسف… طلعت راجل.”
انفجر الجمع ضاحكين، والجو المشحون تحول إلى مودة دافئة. هتف علام وهو يلتفت لابنه بفخر: مبروك يا بني.”
ضحك سامر واحتضن والده بعاطفة غامرة: الله يبارك فيك يا بابا.”
ثم مد علام يده إلى سلطان بملف جلدي أنيق، وصوته يحمل ثقة: الأمانة يا سلطان… النسخة الأصلية اللي سبتها قبل ما تسافر.”
أخذ سلطان الملف، قلبه يثقل بالمعاني المخفية داخله، ورد بجملة مقتضبة لكن مليئة بالامتنان: تشكر يا متر.”
أومأ سلطان برأسه، ومد الملف إلى عمار وهو يقول بثبات: حقك وحق إخواتك يا صاحبي.
مد عمار يده مترددًا، فتح الملف ببطء، ثم رفع حاجبيه بدهشة والتمعت عيناه وتمتم: إيه ده؟! دي كل أملاكنا باسمي أنا وإخواتي! إزاي؟
ابتسم سلطان بحنو وقال بهدوء: من الأول وابوك كان كاتب كل حاجة ليكم… بس الورق ده لو كان ظهر، حياتك إنت وإخواتك كانت هتبقى في خطر. ووصية أبوك إن الورق يتسلم لسلطان… وهو اللي يتصرف.
تجمَّدت ملامح عمار للحظة، قبل أن يرفع نظره إلى سلطان، ثم نظر علي وضى بدورهم بدهشة عميقة. تمتم عمار بصوت مبحوح: كل ده كنت شايله لوحدك؟
هز سلطان رأسه نافيا، وصوته خرج دافئا: إنت كنت معايا خطوة بخطوة… ولا نسيت؟
لم يتمالك عمار نفسه، فاندفع إليه يحتضنه بحب أخوي خالص، وهمس بحرارة : ربنا يخليك ليا يا صاحب عمري.
ربت سلطان على منكبه بعاطفة صادقة وقال:إنت أخويا يا لا.
اقترب علي بدوره، شد سلطان إلى حضنه مرددًا بأسف صادق: آسف تاني يا سلطان.
ابتسم سلطان وربت على كتفه بحزم: بس بقى، في إيه؟! وبعدين مش إنتو اطمنتوا على عز؟ قاعدين تعملوا إيه؟ مش إنت عريس؟! إنت وهو يالا… متروحوا ولا شكلكم ملكوش فيه؟
قهقه عمار وهتف ممازحًا وهمس : مش هرد عليك عشان الستات اللي قاعدة… سلام.
لكزه علي سريعًا وغمغم ضاحكًا: جدع… بس لسانك عايز قطع. سلام!
انفجر سلطان بالضحك، صوته يملأ البيت وهتف:
بالراحة… البيت هيقع.
اقتربت ضى منه، لكزته بخفة، وهمسة بخجل ممزوج بلهفة: اتلم بقى.
شدها سلطان بقوة إلى صدره، ضاما إياها بعاطفة جامحة، وغمغم بمرارة شقية: ادخلي ينسكي الهم يا بت.
لكزته ضى مرة أخرى، فضحك وهو يضمها بقوة أكبر، شد عليها وهمس بنبرة لا تحتمل شكا: بحبك.
……….
في شقة عمار البدري
دلف الي الشقه والشوق ينهشه حتى لم يعد يطيق صبرًا. دلف إلى الداخل بلهفة تكاد تحرق أنفاسه، وصوته يتهدج بنداء خافت: آيه… حبيبتي… إنتي فين؟
راح يتنقل بين الغرف بعينين مسعورتين من الشوق، حتى بلغ غرفة النوم. طرق الهواء باسمه مرة أخرى:
آيه!
قاده صدى الماء إلى باب المرحاض… عض شفته السفلى بعبث جائع، ثم دفع الباب ودلف وأغلقه وراءه.
التفتت إليه آيه في ذهول، عيناها تتسعان بخجل وارتباك، وصاحت: يا قليل الأدب! مش تخبط!!
اقترب منها، والنار المشتعلة في عينيه تفضح جوعه، وصوته يخرج أجش، حادا، لكنه محمل بالرجاء: هو أنا غريب؟ دانا جوزك… إنتي نسيتي ولا إيه؟
ترددت للحظة، وسحبت المنشفة إلى جسدها المرتجف تحاول أن تخفي ما لا يخفى، وهمسة بارتباك:
عمار… اتلم… لو قربت مني!
ابتسم ابتسامة مثقلة بالعبث، يقترب بخطوة تلو الأخرى،وهو ينزع ملابسه بسرعه حتي اقترب منها…
ورفع كفه يزيح خصلة مبللة التصقت بجبهتها، وألصقها خلف أذنها برفق يحمل عكسه، وهمس قرب أذنها:
هتعملي إيه؟
تراجعت بخوف مشوب بالرغبة، والتصقت بالحائط كأنها تطلب منه حماية وهي تهرب منه، فسقطت المنشفة من بين يديها المرتجفتين، وانكشف الارتباك على صوتها الواهن: هـ… هصوت!
انحنى عليها، وجهه يبتلع المسافة حتى صار أنفاسه تذوب مع أنفاسها، وقال أمام شفتيها بصوت أجش، ثائر كبركان: صوتي!
لم يمنحها مهلة… التهم شفتيها بقبلة أولى ناعمة كهمسة، سرعان ما تحولت إلى قبلة أعمق،
فقبلة ثالثة متوحشة، كأنها دوامة سكر لا فكاك منها. غاص لسانه بين شفتيها بعناد ولذة، ينهش منها كل ما تستطيع منحه، يمص شفتها العليا مرة، ثم السفلى، حتى خرجت منها شهقة عالية، وهي تتمسك بذراعيه بكل ضعفها، مستسلمة لانكسارها في حضنه.
تساقط الماء على وجهيهما، يختلط بأنفاسها الحارة، فنزلق بفمه إلى عنقها… ومص بشرتها المبللة ببطء، ترك عليها آثار أسنانه، ثم لحسها بلسانه ليطفئ الألم بنشوة أعمق.
همسه آيه بصوت خافت متقطع : عـ عمار !!
غمغم عمار بصوت مبحوح: هموت فيكي… مش قادر أبعد تاني.”
أنزلقت يداه على ظهرها وخصرها حتى قبض على مؤخرتها بقوة، ورفعها باندفاع، فالتفت ساقاها تلقائيا حول خصره…
التصقت به تمامًا، وجسدها الغض يرتجف بين يديه، والماء يتساقط بغزارة فوقهما.
قبل كتفيها واحدا تلو الآخر، ثم انزلق إلى صدرها المبلل، يلتهمه بعطش مجنون. شفتاه تمصان، ولسانه يدور في دوائر بطيئة تارة، وعنيفة تارة أخرى، حتى أفلت منها أنين مرتجف حاولت كبته فلم تستطع.
انحدر ببطء على بطنها،
يترك قبلات مبتلة على بشرتها المرتجفة، حتى وصل إلى أنوثتها ولحسها بلسانه بخفة، وكأن الماء يزيد كل لمسة اشتعالًا،
جعلها تنكمش علي نفسها وتعض علي شفتيهة، لكن أصابعها تمسكت بشعره في لا وعي.
رفع رأسه، عينيه مشتعلة كالنار، ثم همس وهو يلهث: سيبيني أدوبك في حضنك… زي الميه دي ما بتدوبني فيكي.”
نهض وضغط عليها وببطء شديد اخترقها، دفعة أولى بطيئة ممزوجة بالأنين والارتجاف،
تشبثت به أكثر وساقاها تضغطان على خصره. حاولت أن يكتم صرختها، وهمسة باكية: اه اه لا استني
هز رأسه بالنفي وتوحش فيه العشق، يتحرك بداخلها ببطء أولًا ثم بسرعة متصاعدة، كل دفعة مصحوبة بقبلة عميقة على شفتيها أو عضة على عنقها
. حتي صرخت اسمه بين زخات الماء، صوتها ممزوج بالرعشة، وهو يغرس نفسه أكثر في أعماقها حتى اختلطت بضع قطرات دماء مع الماء وصرخت آيه بألم
احتضنها بقوة وهو يرتجف معها، يسندها على صدره كأنه يخشى أن تنكسر. يدفن وجهه في شعرها المبلل، يلهث وهمس مبحوحًا: إنتي بقيتي حياتي كلها.”
والماء لا يزال ينهمر فوقهما، يغسل آخر ذرة خوف من قلبها، لتذوب بين يديه تمامًا… امرأة لم تخلق من جديد إلا في حضنه.
بعد قليل خرج عمار من المرحاض وهو يحمل آيه بين ذراعيه. شعرها المبلل يتناثر على كتفه، قطرات الماء تنزلق من جسدها الصغير على صدره، وذراعها ملتفتان حول عنقه كأنها تستسلم له بكل كيانها.
وضعها على السرير بحرص، ثم مال بجسده فوقها، يده تمسح على وجهها برفق كأنه يطبع ملامحها في ذاكرته. عينيه تشتعلان بجنون ورغبة، وهو لا يتوقف عن تقبيلها… قبلة طويلة، عميقة، متوحشة، يمص شفتيها حتى شهقت، ثم يتركها للحظة ليقبل عنقها المبلل، يعضها بخفة، يمصها بشغف، يترك آثار أسنانه كأنها وسم خاص به وحده.
همسه آيه بصوت خافت متقطع : عمار … كفاية… مش قادرة…
غمغم عمار بصوت مبحوح وهو يلتهمها: أنا اللي مش قادر… صابر عليكي شهور… دلوقتي مش هسيبك لحظة.”
يداه لم تعودا تعرفان الهدوء؛ واحدة تحتضن خصرها وتضغطها إليه بقوة، والأخرى تنزلق على صدرها، يلمسه، ويضغط، ثم يمص حلمتها بجنون، يرضعها كأنه جائع بعد حرمان طويل… أنينها يعلو، وهي تتلوى تحته، وهي تحاول أن تصده، لكن عمار كان قد فقد السيطرة.
باندفاع قلبها تحته، جسدها محاصر بين يديه، ساقيه تضغطان ساقيها حتى استسلمت تمامًا. رفع رأسه ليلتقط أنفاسه، عيناه دامعتان من فرط العاطفة والرغبة، ثم همس بجوار أذنها: المرة دي مش زي قبل… المرة دي هبلعك كلك… ومش هسيب فيكي حتة مش ملكي.”
اختراقها بقوة، أعمق من المره السابقة. صرخة حادة أفلتت من شفتيها، وارتجف جسدها بعنف، لكن يده الكبيرة غطت فمها ليكتم صوتها وهو يقبلها في نفس الوقت. حركاته كانت أعنف، أسرع، كل دفعة تحمل شهور من الكبت والحرمان.
شهقت آيه، وارتفع أنينها حتى لم تعد تملك نفسها، ساقيها التفت حول خصره تلقائيًا، تجذبه أقرب، وكلما حاولت الصد، زاد اندفاعه، كأنهما في دوامة من الشغف والهوس.
الماء الذي تبقى على جسديهما جعل كل حركة انزلاقًا، كل لمسة شرارة. وعمار كان يتنقل بين شفتيها، رقبتها، صدرها، لا يترك مكانًا إلا ووسمه بلعابه وأسنانه. كان كأنه يريد أن يلتهمها كاملة.
ومع تصاعد الإيقاع، ارتفعت شهقاتها حتى صارت صرخات، وجسدها يهتز في حضنه بلا سيطرة. عينيها مغمضتين، رأسها مرتد للخلف، وأنفاسها تتقطع.
هو أيضًا لم يعد يحتمل. ضمها إليه بقوة حتى كاد يخنقها من شدة العناق، صوته المبحوح يصرخ باسمها مع لحظة الذروة: آيه… يا عمري… إنتي حياتي كلها!”
تفجرت شهوتاهما معًا، جسديهما يهتزان في لحظة واحدة من الجنون، حتى سقط عليها منهارًا، صدره يعلو ويهبط بأنفاس متقطعة، بينما آيه بين ذراعيه تبكي من شدة الانفعال، لكن ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيها المرتعشتين.
شدها لحضنه أكثر، يدفن وجهه في شعرها المبلل وهمس بصوت متقطع: دلوقتي… دلوقتي بس… حسيت إنك بقيتي معايا بجد.”
في شقة علي البدري،
كان الظلام يلف المكان، إلا من خيط ضوء خافت يتسلل من النافذة. دلف علي بخطوات متلهفة، وعيناه تبحثان عنها حتى وجدها مستلقية على الفراش، تغمرها السكينة. جلس بجانبها، يده الحنونة تمسح شعرها وهمس:نوسة…
تململت بتكاسل، وصوتها المبحوح يخرج متذمرًا: سبيني يا حياه بقى…
ابتسم بعبث ، واقترب أكثر: أسيبك إزاي؟
تعلقت عيناه بساقيها العاريتين تحت الغطاء، واشتعل حلقه جفافا. بلهفة لا تكبح، بدأ ينزع ثيابه سريعًا، وهمس بصوت متهدج: لا… ده أنا قتيل النهارده.
اندس بجواره، جسده يفيض بحرارة التهمت سكونها. وما إن شعرت بحرارته تلفحها حتى قفزت كمن لدغها عقرب، شهقت بعنف وهتفت: يلهوي! إنت… إنت بتعمل إيه!
لكن صرختها تحولت إلى هلع حقيقي حين رفعت عينيها، لتجده عاريا تماما أمامها. شهقت شهقة عالية، ارتجف جسدها كله وصاحت برعب: يخرب بيتك! إيه ده! إنت عريان يا علي!
ضحك علي بخبث وهو يمد يده نحوها: ده جوزك يا بت!
تراجعت مذعورة، دفعت ذراعه بكل قوتها وقفزت من الفراش، قدماها العاريتان تطرقان أرض الغرفة وهي تهرع كالمجنونة، تصرخ من أعماقها: آآآه! يا نهار أسود! سيبني!
لكن علي لم يمنحها فرصة الهرب؛ نهض في إثرها بجنون، خطواته تزلزل الأرض تحتها…
وما إن خرجت من الغرفة حتى كان قد لحق بها، قبض على ذراعها بعنف محسوب، ثم رفعها بين ذراعيه رغم مقاومتها المستميتة، صوته يهدر بضحكة جامحة:
انتي مجنونة… وأنا سيد المجانين يا بت عم سعيد… تعالي هنا!
صرخت وهي تتخبط بين ذراعيه، جسدها يهتز بعنف:
سيبني! سيبني يا علي! لااا!
لكنّه لم يصغِ، بل قذف بها برفق ممتزج بالقوة على الفراش من جديد، جسده يطبق عليها كسور من نار. هي ترفس، تدفعه بيديها المرتجفتين، وتصرخ: مش عايزة! مش عايزة أتجوز يا مجنون!
غير أن شفتيه هبطتا فوق شفتيها قبلة مزلزلة… قبلة أحرقت صرخاتها، بعثرت مقاومتها، وسلبتها أنفاسها. كانت عنيفة، جامحة، لكنها ما لبثت أن تحولت لجسر يسحبها من خوفها إلى ارتعاشة غامضة، تنبض في أعماقها لأول مرة.
انحدر إلى رقبتها، يمتصها بعنف ويعضها في مواضع متفرقة، يترك آثارًا دامية بالشغف،
بينما يده الأخرى تنزل ببطء نحو قميصها يحاول نزعه حاولت نوسه أن تمسك يده المرتجفة، إلا أنه أبعدها بحزم ونزع قميصها في حركة واحدة، وعيناه تلمعان بجنون وهو يحدق في صدرها الموارب أمامه.
ارتجف جسدها وهي تضع كفيها على صدره محاولة النهوض، لكن علي أمسكها من كتفيها وأعادها إلى الفراش، صوته خرج مبحوحًا: متقوميش… أنا مش قادر أسيبك.”
ثم انحنى يلتهم صدرها، يمتصه بعنف وشراهة، يترك شفتيه ولعابه يلهبان بشرتها. ارتفع أنينها المرتبك، جسدها يختلط بين الرفض والاشتهاء، حتى شعرت بأصابعه تنزلق ببطء نحو أسفلها، تقترب من أنوثتها
شهقت نوسه ودفعت يده بعيد بزعر ، ونظرت له ، لتجد عينيه مشتعلة بالشغف، لكن يكسوها دفء وطمأنينة. مد شفتيه ببطء، قبل جبينها قبلة طويلة، ثم خفض رأسه ليقبل وجنتها برفق، قبل أن يقترب من أذنها وهمس : خليكي معايا… سيبيني أخدك في حضني.”
لم تتمالك نفسها، انسابت بين ذراعيه، تستشعر حرارة صدره وصوت دقاته المتسارعة. احتواها بين ذراعيه بقوة، يقبل شعرها وجبينها، وكل همسة منه تذيب جزءًا من خوفها.
شيئًا فشيئًا، وجدت نفسها تستسلم لوجوده، لحرارته، لقربه الذي بعثر كيانها كله.
ارتجف جسد نوسه تحت شفتيه، أنفاسها تتقطع، وعيناها نصف مغمضتين بين الخجل والاشتهاء. كان علي يتنقل بين صدرها، يمتصه بجنون مرة، ويقبله بلطف مرة أخرى، ولسانه يترك دوائر من نار على بشرتها.
رفعت يديها بارتباك لتصده، لكنها لم تجد نفسها إلا ممسكة بشعره، وكأنها تدفعه أكثر ليلتهمها. حينها ابتسم بخفوت وهمس: شايفة؟ إنتي اللي بتندهيني مش أنا.”
شهقت بارتباك، فأخذ يستغل ضعفها، يداه تتحركان ببطء نحو خصرها، ثم ينزل براحته على بطنها، يتلمسها بحذر، يختبر رد فعلها، حتى شعر برجفتها العنيفة. رفع عينيه إليها، وقال بنبرة هادئة لكنها مشتعلة: متخافيش… أنا معاكي.”
ثم تابع نزول يده تدريجيًا، يقترب من موضع حساس لم يلمسه أحد من قبل. ما إن لامس أطرافه المكان حتى انتفضت نوسه ، وجسدها كله يهتز، وصرخة صغيرة خرجت منها وهمسة: علي… لأ… مش قادرة.”
ضمها سريعًا إلى صدره، يمسح على شعرها وظهرها ببطء، يهمس مطمئنًا : هششش… متقلقيش… مش هوجعك… ده طبيعي… سيبيني أعلمك الإحساس معايا.”
بقي يحتضنها حتى هدأت أنفاسها قليلًا، ثم عاد يرفع رأسها ليقبلها قبلة عميقة أخرى، يذيب خوفها داخل فمه، ولسانه يلاعب لسانها حتى استسلمت من جديد، تنهيدة دافئة خرجت منها وهي تستسلم بين يديه.
ببطء شديد، عاد يده يمررها على فخذها من الخارج للداخل، يقترب أكثر فأكثر، بينما هو ينهش رقبتها وكتفها بشغف. وعندما لامس أنوثتها مرة أخرى، كانت هذه المرة مختلفة؛ ارتعاشتها لم تكن رفضًا، بل خليط من الخوف واللذة، وكأن جسدها بدأ يعترف برغبة لم تعرفها من قبل.
ابتسم وهو يراقب ارتجافها، ثم همس عند أذنها: هيعجبك سيبي نفسك.. متخفيش !!
ضغط عليها برفق أسفل جسدها، يقربها منه أكثر، حتى شعرت بالحرارة الجارفة بينهما، حرارة تتخطى الخجل وتدفعها للاستسلام، والليلة تبدأ تتحول إلى أول لحظة ذروة في حياتها.
اشتعل الجو بينهما، أنفاس متلاحقة، أجساد متشابكة، وكل قبلة من علي كانت تذيب ما تبقى من مقاومة في قلب نوسه…
مدّ يده برفق ليسحب عنها الجزء الأخير من ملابسها، بينما عيناه مثبتتان على ملامحها المرتبكة. ارتجفت وهي تغطي صدرها بذراعيها، لكنه أبعد يديها بحنان، وقبل كفيها واحدا تلو الآخر، ثم همس:انتي أجمل حاجة شفتها في حياتي… متخافيش، أنا معاكي.”
تمدد فوقها ببطء، يقبل وجهها وجبينها وشفتاها، ثم ينحدر إلى عنقها وصدرها، يلهبها حتى شعرت أن مقاومتها تتبخر. بين أنفاسها المبعثرة، همست بصوت مرتعش: علي… أنا… خايفة.”
رفع رأسه قليلًا، وعيناه تلمعان بالعشق واللهفة، ثم قال: هكون أحن عليكي من نفسك… بس صدقيني اللحظة دي هتفضل في قلبك طول عمرك.”
شدها إليه أكثر، حتى التصق جسداهما، وبدأ يقترب منها ببطء. عند اللحظة الحاسمة، صرخة نوسه بشدة، جسدها ارتجف بقوة، عينيها اتسعتا من الألم، محاولة التراجع:
آه… وجعني!”
أمسك وجهها بكفيه، يقبل دموعها التي انسابت دون وعي، صوته يخرج دافئا رغم احتراقه بالشهوة: هششش… استحملي معايا ثواني… وبعدها هتحسي بنعيم.”
ظل يهمس لها بكلمات الطمأنة، يقبلها، يزرع قبلات صغيرة على رقبتها ووجنتها ليخفف من ألمها، بينما يتحرك بداخله بصبر، حتى شعر بجدار عذريتها ينكسر برفق.
صرخة صغيرة أفلتت منها، ارتجف جسدها كله، ثم سقطت أنفاسها ثقيلة. احتواها بذراعيه أكثر، يضمها لصدره كأنه يخشى أن تنكسر، همس وهو يقبل دموعها:
خلاص يا حبيبتي… ده كان أصعب لحظة، بعد كده هتحسي بيا… وبنفسك.”
ثواني قليلة، وجسدها بدأ يتأقلم مع وجوده، الألم تحول تدريجيًا لحرارة مختلفة،
تختلط بالخجل والرهبة والمتعة المجهولة. ومع كل حركة رقيقة منه، وكل قبلة مشبعة بالحب، كانت نوسه تستسلم أكثر، تئن بصوت خافت، حتى بدأ جسدها يتجاوب مع جسده لأول مرة.
رفعت عينيها إليه، فيها دموع باقية لكن ممتزجة بابتسامة صغيرة خجولة، همسة بصوت مبحوح: حاسه احساس حلو !!
ابتسم علي ، وقبلها قبلة عميقة مشبعة بالجنون، وهمس:
هو ده.. ولسه يا قلبي !!
ما إن شعر علي أن جسد نوسه بدأ يتجاوب معه، حتى تبدل كل شيء داخله. لم يعد الصبر يجدي،
اشتعلت النار التي كبحها طويلًا، وانطلق بجنون. قبض على خصرها بقوة، يثبتها تحته، وبدأ يتحرك بداخله بحماس متصاعد، كأنه يعلن امتلاكها للمرة الأولى.
صرخة مكتومة أفلتت منها، جسدها يهتز بين يديه، أنفاسها تتلاحق، تحاول أن تتشبث به وكأنها تغرق. همسة بصوت مرتعش بين أنينها:علي… إنت .. تجنن …!”
ابتسم ابتسامة مبحوحة، يقبلها قبلة عميقة كادت تخنق أنفاسها، ثم همس بفم ملتصق بفمها: أنا مولع بيكي… وهفضل كده طول عمري.”
انحدر بفمه من شفتيها إلى عنقها، يمصها بعنف، يعضها بشغف، يترك على جسدها آثار ملكيته. أنفاسه تحترق على بشرتها، ويداه تجوبان جسدها بلا توقف، يضغطها إليه كأنه يخشى أن تنفلت منه.
نوسه رغم ألم البداية، بدأت تشعر بلذة غامرة تشتعل في أعماقها، جسدها يستجيب لإيقاعه، تنهيداتها تتحول إلى أنين طويل، وصوتها يعلو مع كل حركة أعنف.
ازداد علي جنونًا حين سمع صوتها، فاندفع بقوة أكبر، حركاته أسرع وأعمق، عيناه مشتعلة، صوته يخرج مبحوحًا وهمس بين قبلاته:بحبك يا نوسه.. بحبك اوي!!
حتى لحظة الانفجار… جسديهما يشتعلان معًا، أنفاس متكسرة، آهات متداخلة، ثم ارتعاشة كاملة اجتاحت جسد نوسه، ارتفعت معها شهقتها، وتزامنت مع اندفاع علي الأخير، لينفجرا معًا في ذروة عنيفة، صاخبة، ملتهبة.
سقط فوقها بعدها، يلهث، يحتضنها بذراعيه كأنه يذوب فيها. قبل جبينها وهمس:الليلة دي بداية عمري معاكي… وعمري ما هسيبك.”
همسة بين أنفاسها المتقطعة، عيناها نصف مغمضة، لم تستطع إلا أن تبتسم بخجل، وهمس بصوت واهن: وأنا… مليش غيرك.”
مر أسبوعان، وظل سلطان وضي ملازمين عز وعليا في المستشفى ليلًا ونهارًا، كأن حضورهما صار جزءًا من الأمل الذي يحيط بالغرفة.
جلس عز متكئًا على الوسادة، ينظر إلى الطبق أمامه ثم هز رأسه متذمرًا وهو يتمتم بضعف ساخر: عليا… كفاية ياحبيبتي ، أبوس إيدك… إنتي بتعلفيني ولا إيه؟
رمقته عليا بدهشة صافية، ثم أشارت إلى الطبق وقالت بإصرار: ليه يا روحي؟ ما كملتش الفرخة! ودي فراخ بلدي صغيرة أصلًا.
ارتفع حاجب عز بدهشة صادقة وغمغم: دي الفرخة الكام النهارده يا عليا؟
رفعت منكبيها ببراءة وقالت: التانية.
لمعت عينا عز، وضاقت باستغراب، فقهقهت ضى من الجانب وقالت مداعبة: التالتة يا عليا… هو مش فاقد الذاكرة!
انفجر سلطان بالضحك حتى اهتز كتفاه، وهتف:أيوة مش والد… إنتي بتعامليه معاملة النفسه يا لولو.
مطت عليا شفتيها في نزق طفولي وقالت: يعني الحق عليا عشان عايزة يقوم على حيله ويخف بسرعة؟
ثم انحنت نحوه بنظرة عشق غامرة، وقالت بصدق
يقطر من قلبها: ده ضاع منه دم كتير يا قلبي.
مد عز يده ببطء، جذب يدها إلى شفتيه وقبلها برفق مفعم بالحنان، وهمس مطمئنًا: حبيبتي… الدم بيتجدد كل يوم، وأنا كويس والله.
في تلك اللحظة، دلفت عايدة يتبعها بطة، تحملان أطباقًا وأكياسا من الأطعمة والفواكه والعصائر، تهلل وجه عايدة وهي تقول بحماس: ها يا عليا… عز اتغدى؟ أنا عملتله كل الأكل اللي بيحبه.
جلست بطة تلهث من التعب، وهي تهتف بفخر:وأنا جبتلك عصير برتقان من غير سكر… زي ما بتحبوه.
نظر عز إليهما بدهشة، ووقع سلطان وضى في نوبة ضحك صاخبة ملأت الغرفة مرحًا.
لم تمض لحظات حتى دلف أيهم بخطوات واثقة، صوته مفعم بالبهجة وهتف: أخبار الهواري إيه النهارده؟
ابتسم عز برقة وقال شاكرًا: تمام يا حبيبي، الحمد لله… تعبتكم معايا.
اقترب أيهم منه، بدأ الكشف وغمغم بمحبة أخوية: إنت أخويا يا شقو.
مد سلطان يده وربت على منكبه، مرددًا: حبيبي يا خواجة.
فالتفت إليه أيهم بضيق مصطنع، ولكزه ضاحكًا: خواجة في عينك.
انفجر الجميع بالضحك، بينما نظرت عليا إلى أيهم بلهفة الأم الحانية وهي تقول: هيخرج إمتى يا دكتور؟
أومأ أيهم بجدية وقال: هو دلوقتي تمام… لكن لو خرج، مفيش شغل ولا مجهود… على الأقل شهر. الرصاصة كانت في مكان حيوي جدًا، ومش عايزين نغامر بأي مضاعفات.
أومأ سلطان برأسه بحزم وقال: وإحنا هنربطه في السرير… ولا شغل ولا غيره.
أومأت عليا بحزم لا يقل عنه وقالت: ده مش هيلمس الياسمينة حتى.
ابتسم عز بيأس لطيف، وهو يمسك يدها بحنان يغمر روحه، بينما هتف أيهم بمرح خفيف: طيب… ممكن يخرج النهارده.
علا الهتاف في الغرفة، وفرحة غامرة عمت الجميع، امتزجت بالضحكات والدعوات والدموع الخفيفة، حتى غمرهم جميعًا شعور واحد: الحمد والشكر لله.
في
شقة سلطان الهواري
دلف سلطان إلى الشقة كمن يقتحم أرضًا عطشى، وقبض على يدها بقوة تحمل في طياتها لهفة سنين،
وصوته يتفجر من صدره وهو يهدر بشوق لا يرحم:
تعالي يا ضيو… أخيرًا هتلم عليكي… دانا نسيت شكلك!
ارتجف جسدها من نبرة صوته، لكنها ضحكت بخفة ملأتها دلعا يقطر من كل ملامحها، وهمسة بعينين يفيض منهما الحنين: إنت وحشتني أوي.
لم يصبر، جذبها إليه بعنف مفعم بالامتلاك، كأنما يعلن أنها له وحده، وضغطها إلى صدره بلهيبٍ يحرق المسافات كلها، وغمغم بجنون مبحوح: دانا هطق يا بت!
ثم هبط على شفتيها كمن يغوص في خلاصه الأخير. قبلة لا تعرف الرأفة، بطيئة، قاسية، كأنه يتفنن في تذويبها لحظة بعد لحظة، ينهش منها ما يكفي ليشبع جنونه، وما يكفي ليعلن أنها قد صارت ملكا له، دون رجعة.
بدأ بمص شفتيها العلوية، يطيل فيها حتى أرهق أنفاسها، ثم انتقل إلى السفلى بنفس العناد، قبل أن ينزلق بلسانه داخل فمها، يتشابك مع لسانها في سباق محموم، وكأن كل منهما يتحدى الآخر أيهما سيفقد الثاني عقله أولًا.
تململت ضي تحت وطأة الشغف، أنينها المكتوم بدأ يخرج رغماً عنها. همسة متقطعة: سلطان… احنا اتفقنا علي ايه براحه!
غمغم سلطان مبتسم بخبث وهو يزداد قربًا: متخفيش !!
انحدر بفمه إلى عنقها، يلصق شفتيه ثم لسانه على بشرتها، يمصها في موضع ويتركه، ليعود إليه بلعنة لذيذة،
حتى ارتجف جسدها الصغير بين يديه… تراجع بها حتي سقط علي الأريكة وهو يبتلع شهقتها داخل فمه فجأة، أمسك بطرف قميصها بيد متوترة، وشده بعنف حتى تمزق،
شهقت ضي وتمسكت بذراعه لكنه مرر يده علي حمالة الصدر ونزعها بعنف .. لتنكشف أمامه. اشتعلت عيناه
وهو يرى صدرها بلا حائل، فتنفس بعمق كمن وجد كنزًا.
انحنى يبتلع صدرها بين شفتيه، يقبله تارة، ويمصه تارة أخرى، لكن هذه المرة بلمسة حنان مفاجئة تخالط عنفه، حتى صرخت ضي بأنه لم تستطع كتمها، وذراعيها تشدانه إليها كأنها لا تريده أن يبتعد أبدًا.
وغمغمت وهي تتنفس بأنين : آه… مش قادرة… قرب أكتر…”
ازداد التصاقها به، حتى كادت أن تفقد السيطرة على صوتها وجسدها معًا. وبينما سلطان يزداد اندماجًا معها، امتدت يده ببطء نحو انوثتها… فجأة انتفضت ضي، وانكمشت بخوف صغير، تدفع يده بعيدًا دون وعي.
تجمد سلطان لحظة، كأن وعيه اصطدم بجدار من نور نقي. رفع يده على الفور، كمن يخشى أن يفتت جوهرة هشة بين أصابعه.
حدق في وجهها، عيناه تغوصان في ملامحها المرتجفة، ثم انبثق صوته هادئا، دافئ على غير ما سبقه من جنون:
متخافيش… براحتك يا ضي… أنا مش هعمل حاجة إنتي مش عايزاها.
توقف تمامًا، وكأن النار التي التهبت في عروقه قد انطفأت فجأة.
ظل ممسكًا بها بين ذراعيه، يلتقط من قلبها خفقاته أكثر مما يلتقط من فمها الكلمات…
مرر كفه على شعرها ببطء ورفق، ثم انحنى وقبل جبينها قبلة طويلة، كأنها عهد أبدي.
همس بصوت خافت يقطر حنانا، ويعلن حبا أكبر من كل رغباته: ضي يا عمري … إنتي أهم من أي شهوة… أهم من أي حاجة في الدنيا. أنا مش هقرب غير وإنتي عايزة.
هزت رأسها في ضعف، عيناها تتلألأ بارتباك، وارتجف صوتها وهي تهمس: أنا… اتخضيت يا سلطان، مش أكتر… بس مش عايزاك تزعل.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة حنونة، ورفع وجهها برفق بين يديه، صوته يقطر دفئًا: أنا أزعل منك؟ ده إنتي روحي.
شدها إلى حضنه مرة أخرى، لكن هذه المرة ببطء متعمد، حنو حاد يذيب خوفها ويزرع الأمان في أعماقها…
أخذ نفسا عميقًا، ثم غاص بعينيه في عينيها واقترب منها، لكن بلمسة هادئة… أدفأ، أرق،
تفيض بالعاطفة أكثر من الرغبة. قبل وجنتها قبلة طويلة رقيقة، انسحب إلى أنفها بقبلة أهدأ، ثم ختمها بقبلة ناعمة جدًا على شفتيها، كأنها أول قبلة يهبها لها منذ عرفها.
أغمضت ضي عينيها، تستسلم لطمأنينته، تنفسها يهدأ شيئًا فشيئًا، حتى إذا ما شعرت بالأمان أخيرًا… تحركت يدها من تلقاء نفسها نحو صدره، تشده أقرب إليها.
همست بصوت خجول، لكنها هذه المرة مثقلة بالصدق: كمل يا حبيبي… المرة دي أنا عايزاك.
انعكست في عينيه لمعة لهيبٍ ممزوج بالحنان، وابتسم وهو يطوقها بصوته المبحوح: من عنيا… على مزاجك إنتي بس.
اقترب سلطان منها مرة أخرى، يغرق شفتيها في قبلة عميقة طويلة، كأنها تعويض عن كل لحظة خوف مرت بها. كان يتنقل بين شفتها العليا والسفلى بتفنن، حتى شعرت أنها تذوب تمامًا بين أنفاسه.
انحدر ببطء إلى عنقها، يزرع فيه قبلات متلاحقة ممزوجة بالنهم والشغف، يترك أثره في كل موضع يمر به. ارتعشت ضي بين ذراعيه، ويدها تشد قميصه بلا وعي، تستسلم له شيئًا فشيئًا.
حين وصل إلى صدرها، غمره بحنان غير معتاد منه، يقل ويداعب كأنه يقدم اعتذارًا وعشقًا في آن واحد.
ومع كل لمسة كانت ضي تفقد جزءًا من مقاومتها، أنينها يفضح استسلامها، وجسدها يقترب أكثر فأكثر إليه.
ضمها سلطان بقوة إلى صدره، وبدأ يترك قبلات متناثرة على بشرتها، ينحدر ببطء إلى أسفل، يلامس بقبله الدافئ بطنها الرقيق، فيرتجف جسدها بين يديه… كل حركة منه كانت مدروسة، هادئة، لكنها تشعل في داخلها نارًا لا تخمد.
وبينما يستمر في انحداره، التهم أنوثتها يداعبها برقة ممزوجة بالحنان .. أحاطها بذراعيه كمن يحتضن كنزًا ثمينًا، حتى لم تعد قادرة على السيطرة على صوتها أو جسدها…
كل خلية فيها كانت تستجيب له بلا تردد، وكأنها لأول مرة تمنحه نفسها بكامل الرضا.
جلس سلطان على حافة الاريكه، ثم جذب ضي إلى حضنه دفعة واحدة. استقرت على ساقيه، ساقاها تحيطان بخصره كأنها تلتف حوله هاربة من العالم كله. نظر في عينيها مطوّلًا، وكأنهما وحدهما مَن يتحدثان.
همس سلطان بصوت خافت متحشرج : سيبيني أعيش اللحظة دي معاكي… على الآخر.”
همسة ضي بأنفاس متقطعة: أنا… خايفة شوية.”
مسح على ظهرها وقبل جبينها وهمس : أنا معاكي… هكون أحن عليكي من نفسي.”
بدأ يقبلها ببطء، يزرع قبلاته على شفتيها وعنقها وكتفيها، بينما ذراعيه يحتضنانها كمن يخشى ضياعها. كل قبلة كانت أعمق من سابقتها، كل لمسة تزيد جسدها انصهارًا بين يديه.
وحين حاول أن يتوغل أكثر، شعرت بألم خفيف جعلها تنتفض وتصرخ، فأمسك بها سلطان على الفور، متوقفًا، عيناه ممتلئتان بالقلق وغمغم : ضي! خلاص… مش هكمل… مش عايز أوجعك.”
شدت ضي على كتفيه وهمسة برجاء: لأ… كمل. أنا عايزاك… للنهاية.”
ظل ينظر إليها لحظة، وكأنه يبحث عن يقين في عينيها، ثم جذبها إليه من جديد، يطوقها بذراعيه، ويستأنف بحذر، ببطء شديد هذه المرة، وكأن كل ثانية يريدها أن تكون ممزوجة باللذة أكثر من الألم. ومع كل خطوة للأمام، وهمس لها بكلمات تهدئ قلبها: براحة… خدي نفسك… أنا معاكي.”
وهي، رغم الألم، كانت تغوص أكثر في حضنه، تتشبث به كأنها لا تريد أن تفلت لحظة واحدة من بين يديه.
شيئًا فشيئًا، صار الأنين مختلطا باللذة، والألم يذوب أمام شغفهما، حتى لم يعد في الشقه سوى صوتهما المتلاحم وأنفاسهما المشتعلة.
احتضنها ويضمها إليه بقوة كأنها قطعة منه… وتشبثت ضي بعنقه، ساقاها ملفوفتان حول خصره، وكل نفس منها يخرج مختلطًا بالأنين والارتجاف.
بدأت حركته تزداد عمقًا، لكنها مازالت بطيئة، مترددة، كأنه يتعلم جسدها خطوة بخطوة…
ومع كل اقتراب، كان يطبع قبلة على شفتيها، أو على عنقها، كأنه يعوضها بالحنان عن كل لحظة ألم.
همس سلطان وهو يلتقط أنفاسه: ضي… إنتي هتجنيني … مش مصدق إنك معايا كده.”
همسة ضي بأنين مكتوم: آآآآه يا حبيبي ااااه كمل… أوعى توقف.”
ازداد اندماجهما، جسديهما يذوبان في بعضهما بلا حدود، كأن العالم اختفى وبقيت هذه اللحظة وحدها. ومع كل ثانية، تحول وجعها الأول إلى موجة دافئة من المتعة، جسدها يستجيب له أكثر، أنفاسها تختلط بأنفاسه، وأنينها يرتفع بلا سيطرة.
شدها سلطان أقرب، كأنها لم تعد تكفيه، وكل خلية فيه تناديها ..وعيونه مغمضة، جبينه ملتصق بجبهتها، وشفتيه لا تكفان عن همسات مبعثرة بين قبلة وقبلة : بعشقك… بموت فيكي موت ..
وفي لحظة واحدة، تلاقى اندفاعه مع استسلامها، فانفجرت الذروة بينهما كالتيار، صرخة منها امتزجت بآهة مكتومة منه، وجسداهما يرتجفان في عناق أخير لا يريد أن ينتهي.
ثم هدأ كل شيء، وساد الصمت إلا من أنفاسهما الثقيلة، وضي غارقة في حضنه، رأسها على كتفه، وصوته الخافت يهمس في أذنها: احلي مره يا ضي!!
هزت رأسها وعينيها نصف مغمضتين من الإرهاق والرضا، لم تجد ما تقوله سوى أن تتشبث به أكثر، كأنها تعلن بلا كلمات أنها صارت له… بلا رجعة.
سكنت الغرفة فجأة، لم يبق سوى أنفاس متقطعة وعرق دافئ على جبينهما. جسد ضي مازال يرتجف بين يديه، كأنها لم تستوعب بعد ما حدث. سلطان شدها أقرب، يضمها لصدره بقوة، كأنه يخشى أن تهرب منه ..
مرر كفه الكبير على شعرها برفق، يقبل أعلى رأسها ببطء شديد، ثم همس بصوت خافت مليان دفء: إنتي كويسة يا ضي؟”
أومأت برأسها، لكنها أخفت وجهها في عنقه، وكأنها خجلى من نفسها. ضمها أكثر، يده تتحرك على ظهرها بحنان، يهدئ ارتجافها.
همس سلطان بصوت خافت حنون :أنا عارف إنك تعبتي… بس صدقيني، دي أجمل لحظة في حياتي.”
رفعت عينيها له بتردد، فابتسم وهو يمرر إبهامه على وجنتها بلطف، يمسح آثار دموع لم تشعر أنها سالت. ثم طبع قبلة طويلة على جبهتها، وقبل أن تفيق من إحساسها، كان قد أحاط وجهها بيديه يقبلها مرة أخرى… قبلة مختلفة هذه المرة، دافئة، بطيئة، يملاها حب وامتنان.
همسة ضي بارتباك : أنا… حسيت إني ضعيفة اوي… بس كنت مبسوطه “
ضحك سلطان بصخب ويشدها لحضنه وغمغم : إنتي أقوى حاجة حصلتلي… أنا اللي ضعيف قدامك.”
تمددت على صدره كطفلة وجدت ملاذها، تصغي لدقات قلبه فتسكن روحها.
أحاطها بذراعيه، مشبكًا أصابعها بين يديه في قبضة لا تفلت.
أثقلها التعب فأغمضت عينيها نصف إغماضة مستسلمة لطمأنينة غريبة.
ولأول مرة منذ زمن، لم تشعر بالوحدة وهي تغفو بين ذراعيه.
أدركت أن عنفه ما هو إلا قناع يخفي خلفه عشقًا مجنونًا.
كان بيت الهواري
تلك الليلة كأنه ولد من جديد. الزينة تتدلى من الجدران، ألوانها تتراقص مع ضوء المصابيح،
ورائحة البخور ممزوجة بضحكات النساء تملأ الأجواء. بدا وكأن الحزن الذي أثقل صدر الدار لسنوات قد أُزيح فجأة،
لتحل محله فرحة حقيقية طال انتظارها. كان يوم خطوبة حياه… العصفورة الصغيرة التي كبرت بين أيديهم وصارت عروسًا.
انفتح باب الغرفة ببطء، وخرجت حياه كأنها قمر يستحي من سطوعه…
كان الفستان الأرجواني ينحدر على جسدها الرقيق بانسياب يفتن العين، وجبينها يتلألأ بندى الخجل..
. خلفها خطت تقي و ضي وآية، وروجيدا يتهامسان بإعجاب وفخر، فيما دوى صوت نوسة بزغرودة عالية اخترقت الجدران، لتلحق بها عايدة بزغرودة أشد وأطول، كأنها تطلق من قلبها إعلان ميلاد جديد للحياة.
وقف سامر كمن أصابته الدهشة، مبهورًا بالطلة التي أذهلته، تقدم خطوة، ثم مد يده يقبل يدها بخشوع هامسًا:مبروك يا عصفور.
ارتجفت شفتاها بابتسامة صغيرة وهمسة: الله يبارك فيك.
جلست بخطوات مترددة إلى جواره، والعيون كلها تحيط بهما كأنها تحرس اللحظة. تقدم سلطان، عيناه تلمعان ببريق الأخ الكبير، وفتح ذراعيه ليحتضنها: مبارك يا حياه… بيت الهواري.
انحنت برأسها عليه، تغالب دموعها، وردت بنبرة تفيض حبًا: الله يبارك فيك يا سلطان.
ثم مد يده إلى سامر، يربت على منكبه بقوة: مبروك يا معلم.
أجاب سامر بثبات:الله يبارك فيك يا سلطان.
اقترب عز، وصوته مبحوح من شدة الانفعال. ضم أخته وقبل رأسها مطولًا: مبروك يا قلب أخوكي.
تشبثت به كطفلة وجدت ملاذها، وردت بعينين غارقتين في دموع الفرح: الله يبارك فيك… يا حبيبي.
ثم التفت عز إلى سامر، يحتضنه بحرارة وهو يضغط على كتفه كأنه يسلمه وديعة العمر: إنت خت قلبي… وحياة بيت الهواري دي تشيلها في عينك.
أومأ سامر بصدق نادر: في عيني وقلبي العصفور.
غمر الخجل وجنتي حياه، فصارت كتمرة ناضجة يانعة. ضحك ياسر وهو يضمها:البت وشها قلب طماطم خالص… مبروك يا حبيبتي.
ثم ربت على كتف سامر: مبروك.
فردا معًا كأن صوتيهما واحد: الله يبارك فيك.
صافح راجح سامر بحرارة: مبروك يا عريس.
ثم وضع يده على رأس حياه برفق: مبروك يا أحلى حياه.
ابتسمت بخجل ناعم، فيما أجاب سامر: الله يبارك فيك يا راجح.
وفي لحظة فارقة تقدم علام، يفتح علبة قطيفة حمراء، وملامحه تتألق بالفخر وهو يقول:لبس عروستك الشبكة.
تجمد الزمن للحظة قصيرة، والأنظار كلها ترقبت. التفت سامر إلى حياه، وهمس بفرحة تكاد تنفجر: تسمحيلي؟
ارتعش صوتها وهمسة: آه.
مد يده، وألبسها الدبلة التي التمعت في إصبعها كما يتلألأ وعد أبدي. وما إن انزلقت حتى انفجرت الزغاريد من جديد، تلاشت معها كل ظلال الماضي، وغمر الفرح البيت كطوفان نور. ضحكات، دموع، دعوات… كل شيء اجتمع ليصنع لحظة نقية، لحظة انتصار للحب بعد مرارة طويلة.
كان المشهد كأنه توقيع من السماء بأن بيت الهواري لا ينكسر، وأن الحزن، مهما طال، لا بد أن يفسح الطريق للفرح.
دلف فريد إلى القاعة، ذراعه ملتفة حول خصر عهد بملامح رجل يعرف كيف يحمي ما يملكه ويعتز به…
كانت خطواته واثقة، وصوته الصامت يشي بالسيطرة والحب معًا.
خلفه جاء جلال، يمسك بكف زاد كأنها كنز لا يفرط فيه، نظراته تفيض بامتلاك ممزوج بعاطفة صادقة.
ابتسم سلطان برضا حقيقي حين وقعت عيناه عليهم، وفتح ذراعيه كمن يستقبل أهله: أهلا ببشوات البلد.
تقدم فريد، واحتضنه بحرارة، صوت سلطان يرن بفرحة لقاء كصديق العمر: حبيبي… نورت الصاغة.
ربت فريد على منكبه، يبادله دفئًا بدفء: منورة بأهلها يا صاحبي.
ثم التفت سلطان إلى عهد، يبتسم لها بلطف حقيقي:
منورة الدنيا يا مدام عهد.
خفضت رأسها بخجل أنثوي وردت همسًا: ربنا يخليك يا سلطان.
انتقل سلطان بخطوة سريعة إلى جلال، فضمه بحب غامر، وعيناه تتلألآن بالفخر: حبيبي أبو نسب.
ابتسم جلال ورد بعبث محبب : حبيبي تسلم ..مبروك يا سلطان.
مد سلطان يده نحو زاد، يربت على رأسها برفق الأخ الكبير، وقال بحنان: نورتي يا قلب أخوكي.
ابتسمت زاد بخفة الطيور، ثم غمزت بعينها نحو حياه وهتفت: مبروك يا حياه يا قلبي.
تبدلت ملامح جلال إلى الحدة في لحظة، وأطبق صوته بنبرة تحذير: متحترموا نفسكم… بدل ما أقلبها جنازة بدل جوازة.
ضحك سلطان، رافعًا يديه كمن يسلم: حقك يا معلم.
قهقهت زاد بخفة، ثم أمسكت بكف عهد وهي تقول:
هروح أسلم علي خالتي… تعالي يا عهد.
أومأت عهد في طواعية، وغادرتا معًا.
اقترب جلال من سلطان وقال بصوت خفيض: أيهم بيعتذر… مراته شكلها هتولد، هو بيها في المستشفى.
تبدلت ملامح سلطان إلى الجدية، ورد بقلق حقيقي:
بجد؟… دانا اخلص الخطوبة وأروح له بقا.
أومأ جلال وهو يضع يده على منكبه: نروحله سوا.
لكن عيني سلطان لمحت فريد وهو يتابع عهد بنظرة متقدة، فابتسم نصف ابتسامة وقال مازحًا إنت بتبص على إيه؟
رفع فريد حاجبيه بحدة، ورد بسرعة: يا عم… ببص على مراتي وربنا.
قهقه سلطان وهتف: ما أنا عارف، بس يعني مش غريبة؟ مش كنتوا مع بعض في البيت؟
أجابه فريد وهو يغمز بعبث، صوته يحمل مزيجًا من الدهاء والشغف: أنا جيت عملت الواجب اهو… وهروح.
ضحك جلال، وهتف معترضًا: إنت لسه داخل!
أشار فريد إليه بحنق مصطنع، ونبرة متبرمة: يا حليوة… إنت لسه ما جربتش! العيال ولاد الكلب مش مخليني أتلم عليها ساعة على بعض. بكرة تخلفوا وتحسوا بيا. أنا هاخد عهد وأروح، أستغل الساعتين اللي العيال فيهم عند أمي.
أمسكه سلطان وجلال من ذراعيه وهما يضحكان، فهتف سلطان وهو يوشك أن ينفجر من الضحك: طيب اصبر… هنديلك عليها.
أومأ فريد بسرعة وتمتم بنفاد صبر: طب بسرعة.
ضحك سلطان من أعماقه وهتف: إنت حالتك صعبة… استنا.
لكزه فريد بمرح، وصوته يقطر صرامة مبهجة:يلا يا عر*
انفجر سلطان ضاحكًا، وهو يتحرك باتجاه عهد وزاد، بينما الشقه تموج بمزيج من الحب والمرح والدفء، كأنها لوحة تجمع العائلة كلها تحت سقف واحد.
تسمرت ضي إلى جوار آية، كمن تخشى أن تفضح أسرار قلبها أمام الناس، ثم مالت نحوها وهمسة بصوت مرتجف: هو ده فريد الصياد… ودي عهد..
التفت آية إلى حيث تشير ضي، وأرسلت بصرها إلى الناحية الأخرى، وقالت بنبرة حانية: طيب مش المفروض تروحي ترحبي بيهم بعد اللي عملوه معاكم؟
هزت ضي رأسها في خجل، وصوتها يكاد يختفي بين الضوضاء: مكسوفة…
رمقتها آية بدهشة، واقتربت أكثر تسألها: ليه يا حبيبتي؟
ازدردت ضي لعابها بصعوبة، وكأن الكلمات تخونها، ثم اعترفت في همس متقطع: أصل… أول ما فريد قالي إن سلطان جاي في السكة… محستش بنفسي… ومن فرحتي حضنته.
قهقهت آية بخفة وهي ترفع وجهها، ثم همت أن ترد، غير أنها شهقت فجأة وبدت كأنها رأت شبحًا، واتسعت عيناها في ذهول.
نظرت لها ضي بارتباك، وقالت بقلق: مالك؟! زي ما تكوني شفتي عفريت!
لكن صوت غليظ حاد دوى خلفها، كالصاعقة، إذ قبض سلطان على خصلات شعرها فجأة، وصوته المتهدج بالغضب يقطر تهديدا: عفريت؟! لا… ده أنا هطلع عفريتي عليكي يا بت البدري
شهقت ضي بفزع، وجسدها كله ارتجف وهي تبرر في عجالة: يا نهار أسود… والله ما كان قصدي… ده من فرحتي بيك يا حبيبي!
لكن سلطان هزها بين يديه بعنف، وصوته يجلجل كالرعد:
ده أنا هطلع ميتين أمك!
ارتدت آية خطوة إلى الوراء وهي تصرخ بخوف:
سلطان! الناس… عيب كده!
وكان المشهد قد جذب الأنظار، فأشار جلال لفريد بغمزة ماكرة، ليرد الأخير بتنهيدة متوترة وغمغمة مقتضبة:
ااااحا…
في تلك اللحظة اندفع عمار وعلي وإبراهيم نحوهما، يهتفون بغضب: انت اتجننت! ماسكها كده؟!
تمسك به علي وهتف هنعيدو تاني يا سلطان !!
لكن سلطان لم يتراجع، بل زمجر وهو يرفع ضي بين ذراعيه ويضعها على منكبه كغنيمة لا يفرط فيها: آه… هنعيدو تاني!
صرخت ضي بفزع وغمغمت بدموع : والله أنا اسفه! مكنش قصدي
سار بها سلطان متحديا نظرات الجميع، حتى اصطدم بفريد وجلال وجها لوجه.
تمسكت عهد بفريد وهمسة بصوت خافت: هو ماله يا حبيبي زعلان ليه
ربت فريد علي يدها وسحبها خلف ظهرها ونظر الي سلطان وهتف بنبرة نافذة وحاجبه مرتفع في حنق:
نزلها…. يا سلطان متتجننش علينا !!
هز سلطان رأسه بعناد، وغمغم متحديًا: لا… مش انت هتاخد مراتك وتروح… وأنا هاخد مراتي واطلع.
ازدادت ملامح فريد صلابة، وصوته يحمل إنذارًا:
لو زعلتها… هزعلك.
وأومأ عمار برأسه مؤيدًا: وأنا كمان هشوقك يا سلطان.
لكزه جلال وهو يزمجر: وأنا هفتري عليك… أنا متغاظ منك اصلا !!
ضحك علي بخفة وأضاف: وأنا كمان!
أما إبراهيم، فرفع يديه مترددا وهو يقول: ما بلاش يا سلطان.انا فرحي قرب !!
لكن سلطان لم يتراجع، بل ازدادت نبرته صلابة وهو يكرر بعناد قاطع : برضو… لا. مراتي وانا حر فيها
اهتز صدى صوت جهوري عند باب القاعة: رچل يا چنرال صوح!
التفت الجميع في آن واحد، وإذا بسلطان يتهلل وجهه بالفرح، يهتف بصوت مبحوح من شدة السعادة: جابر الأسيوطي! أقسم بالله ما مصدق!
أنزل ضي عن ذراعه برفق، كمن يضع جوهرة في موضعها، ثم اندفع نحو القادم يحتضنه بحرارة، يطبق على كتفيه ويشده بقوة تكاد تعصر الروح: وحشني يا عمدة!
رد جابر بربتة قوية على ظهره، وضحك بصوت عريض يهز المكان: وانت أكتر يا صاحبي… كيفك؟ طولت الغيبة يا چدع!
هز سلطان رأسه مازحًا، يرد بعينين تلتمعان بالشوق:
أنا ولا انت؟! دانت اللي مش بين هنا ولا في قنا.
ابتسم جابر بمكر، وأشار بإصبعه وهو يقول بلهجة واثقة:
ما بين إهنه… وهناك.
مد سلطان ذراعه وسحب جابر من جانبه كالأخ الذي يسترد نصفه الغائب، وهتف: تعالى أعرفك على أحسن ناس.
تقدما سويا بخطوات واثقة، والأنظار تتبع الهيبة التي يشعان بها. رفع سلطان يده يشير إلى أصدقائه واحدًا تلو الآخر بصوت عالي يفوح منه الفخر:
فريد باشا الصياد، مقدم في الجيش…
وجلال باشا التهامي، مقدم في الأمن الوطني…
وعمار البدري، صاحب مصانع البدري للحديد والصلب… ومعاه إخواته، المتر علي وإبراهيم.
ابتسم الجمع بحرارة، وأومأ كل منهم بترحابٍ أصيل. عندها أشار سلطان إلى جابر، وصوته يتعالى اعتزازًا:
والبشمهندس جابر الأسيوطي… صاحب شركة الأسيوطي للهندسة، وكبير عيلة الجبالي… أكبر عيلة في قنا!»
اوما الجميع في احترام خفيف، وارتسمت على الوجوه ملامح التقدير، فيما ظلت نظرات جابر تحمل خليطًا من العزة والوفاء، كأنه لم يأت فردًا، بل جاء ومعه ثقل الجنوب كله.
وتم بحمد الله
والي لقاء قريب مع فتنه في عرين الجابر
سااااااحره القلم سااره احمد
تحفوووووفه قبل اما اقرا ❤️🥰🥰♥️🥰
تسلمي يا قمر ♥️
من قبل ما اقرا اكيد كالعادة بتجنن تسلم الايادي❤️❤️
حبيبتي تسلمي ♥️
تحفه قبل مقرا 😜❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️💕💕💕💕
تسلمي ي روحي ♥️
اكيد هتبقي احلي من كل مره 😍😍
حبيبتي يسلملي كلامك ♥️
❤️❤️❤️❤️❤️
♥️♥️♥️
فوت و كومنت قبل القراءة
صح ♥️♥️💯
وحشتونا أكيد البارت يجنن من قبل ما أقرأ 🔥♥️🥰
تسلمي يا قمر ♥️
♥️♥️♥️♥️♥️
♥️♥️♥️♥️
اكيد تحفه طبعا ❤️❤️
حبيبتي يسلملي كلامك ♥️
تحفه اكيد قبل ما اقراء ♥♥♥
تسلمي يا قمر ♥️
اكيد عظمه قبل مأقرأ
حبيبتي تسلمي ♥️
مش قادرة اصدق ان. الرواية خلصت
ولا احنا 😓
ليه الصدمه دي هعيط والله هعيط هعيط ليه خلصت بجد بعيط زعلانه اوي اوي اوي يعني خلاص مفيش ضيو السلطان تاني كده خلاص يعني ؟؟😭😭😭
😓😓😓😓
تحفة تسلم ايدك ❤️❤️
تسلمي يا قمر ♥️
تحفه ي قلبي تسلم ايدك ❤️❤️❤️
حبيبتي تسلمي ♥️
تسلم ايدك يا حبيبتي 💝💝💝
حبيبتي تسلمي ♥️
جميل جدا ❤️❤️
من ذوقك يا قمر ♥️
تسلم ايدك يا قمر 👏🏻💖💖💖
حبيبتي تسلمي ♥️
♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥
♥️♥️♥️♥️
تحفه ❤️
تسلمي يا قمر ♥️
تحفههه
حبيبتي تسلمي ♥️
ابداااااع ياسو🩷🩷
حبيبتي تسلمي ♥️
تحفة تحفة ♥♥♥♥
تسلمي يا قمر ♥️
الجمال عدا الكلام فعلا♥️♥️♥️♥️♥️
تسلمي يا قمر ♥️
اكيد روعه كالعاده ابداع ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
تسلمي يا قمر ♥️
جميلة جدا
تسلمي يا قمر ♥️
😭😭زعلت عشان خلصت بس تحفة
حبيبتي تسلمي ♥️
ايه العظمة دي ♥️
ايه الجمال ده ♥️
حبيبتي تسلمي ♥️
يا عمري تسلم ايدك 😚🥰
تسلمي يا قمر ♥️
تحفه❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
حبيبتي تسلمي ♥️
واووووووو وقمر وتحفه😘🧘😘
تسلمي يا قمر ♥️
يا خبر ايه المفاجأة دي يا سارة تحفة بس زعلت انها خلصت
تسلمي يا قمر ♥️
تحفه بجد روعه روعه روعه بجد 😘❤❤❤
حبيبتي تسلمي ♥️
ابداع ♥️♥️♥️
تسلمي يا قمر ♥️
روعه ♥️♥️
حبيبتي تسلمي ♥️
يعني ايه خلاص كده الحكايه خلصت بجد زعلانه اوى 🥺🥺❤❤❤
خلصت الحدوته ي قمر ♥️
❤️❤️❤️❤️
♥️♥️♥️♥️
تسلم ايدك يا احلي ساره ♥️♥️
حبيبتي تسلمي ♥️
❤️❤️❤️❤️
♥️♥️♥️♥️
اي البارت الروعه ده
تسلمي يا قمر ♥️
تسلم ايدك ياروحي 😍😍😍
حبيبتي تسلمي ♥️
جااامد بجددد
حبيبتي تسلمي ♥️
جميل جدا
تسلمي يا قمر ♥️
الفصل جميل
تسلم ايدك 🥰
تسلمي يا قمر ♥️
ايه ده ايه التحفه دى بجد مش مصدقه أن خلاص الروايه خلصت 🥹❤️❤️
خلصت وال جاي اقوي ❤️🔥😘
تسلم ايدك يا ساره تحفه بجد ابداااااع
حبيبتي تسلمي ♥️
توووووووحفه لالا بجد اى دا ابداااااع ياسوووو بجد 😍😍😍🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰
حبيبتي تسلمي ♥️
احلي نهايه 👏👏👏👏👏👏
تسلمي يا قمر ♥️
البارت بيطير م الفراشات اللى فيه 🥹
تسلمي يا قمر ♥️
تحفه بجد تسلم ايدك يا قمر
تسلمي يا قمر ♥️