ناااار وهدنه ( الفصل الثلاثه وثلاثوان)

ما زالت تلك الدار تحمل سر الغزال الذي أرهق القلب وأضناه، فما أعجب ما تحويه من أسرار وما تختبئ خلف جدرانها من حكايا!
كنت كلما قصدتها أشكو الهوى إلى ساكنيها، حتى رأيت البنيان يتهدم تحت وطأة الغياب. أزور القوم فلا يعرفني منهم أحد، غريب أنا بينهم، وإن كنت أحمل من المودة ما يفيض عن طاقة القلب.
إن أنصفوني في عذري فقد عدلوا، وإن ردوني فقد جاروا، فما أنا إلا زائر مشغوف لا يملك من أمره شيئًا. قالوا: سنسير، فلا ساروا ولا وقفوا، بل تركوني معلقا على قارعة الأمل.
لا بشرى في قربهم ولا خبر في بعدهم. فإذا ارتحل من به يهوى الفؤاد، فما جدوى أن يقيم الحي أو يرحل؟ إذ لا حياة لدار خلا من روحها، ولا طمأنينة لقلب هجره أصحابه.
قالوا: سنسير، فلا ساروا ولا وقفوا؛ عجز يتخفى وراء ثوب المراوغة. ما عندهم فرج في القرب، ولا أمل في البعد، إنما هم صمت يابس، وقلوب أقسى من الحجر.
فإذا ارتحل من بهم يهوى الفؤاد، فما جدوى الحي إن بقي أو زال؟ بل أي حياة لدار لا تنبت سوى الخيبة، وأي عزاء في قوم لا يهبون إلا الألم؟
ارتجفت الحارة كأنها تساق إلى فم الجحيم.
كان سلطان واقفا، يضم ضي إلى صدره والضحكة ما زالت مرتسمة على ملامحه،
حين انقض عز عليه كظل ثقيل وطوقه بذراعه. لم يمهله القدر حتى يفهم، فالطلقة سبقت الوعي، واخترقت اللحظة كما يخترق الخنجر قطعة من الحرير.
انفجر الصوت المعدني المدوي، دوى في أرجاء المكان حتى خيل للجدران أنها تتهدم…
سقط الثلاثة معًا: عز، سلطان، وضـي، كما لو أن يدًا خفية أطاحت بهم جميعًا في لحظة واحدة.
تبدلت الحارة الي جحيمًا. الزغاريد التي كانت تعانق السماء انقلبت عويلاً يفتت الأكباد، والضحكات تحولت صرخات مذبوحة…
ارتجفت الأرض، وتاهت العيون بين الدم والدخان، بين فرحة مذبوحة وقلب يقتلع من مكانه.
في الاعلي تراجع القناص وهو يفرغ رصاصاته بحقد مسعور، لكن رجال جلال اندفعوا كالأعاصير، تلاحقت طلقاتهم واخترقت السماء حتى سقط القناص وسط الغبار، مدرجا بدمه، وأنفاسه تساقط كالأحجار في بئر مظلم.
تمزق قلبه سلطان، وهو يتلمس الأرض المرتعشة
ويده تتخبط بين جسد ضي المذعورة، وعز الغارق في الدم… شهقت ضي من الرعب، بينما كان عز يغيب ويعود، صدره يغوص في بحيرة حمراء تتسع مع كل ثانية.
صرخ سلطان، صرخة وحشية انطلقت من أعماق الروح، صرخة فطرت القلوب وخلعت الأحشاء…
واحتضن جسد عز المترنح، ورفعه بذراعين مرتجفتين وصرخ كالمجنون: عــــــــــــز… يا عز… يا أخويااا!
ثم التفت إلى ضي، عيناه مفزوعتان، كأنهما تغرقان في ظلام لا قاع له، صوته يتفتت من الرعب: إنتي كويسة يا ضي؟!
هزت رأسها بسرعة، دموعها تتساقط، وشهقت بصوت مبحوح: أنا كويسه… أنا… شوف عز… شوف عز يا سلطان!
ضم سلطان عز إلى صدره، كأنما يحاول أن يرد إليه الحياة، والدم يفيض على يديه. ربت على وجنته المرتجفة وصاح من الأعماق، صوته يجلجل كنداء موت: الحقووووووني… عربية بسرعة… عز بيموووت… عز بيمووووت!»
انفجرت الحارة صرخات مبحوحة، كأن الليل نفسه قد انشق على وجع لا يحتمل..
اندفعت عليا بجسدها المذعور، لترتمي بجوار رأس زوجها، عيناها غارقتان بالدموع، تهز رأسه بين يديها، وصوتها يعلو كالسيف المكسور: قوم يا عز… قوم بالله عليك يا حبيبي! قوم، حرام عليك تسيبني!
شقت عايدة الزحام بجسدها الواهن، بطة متشبثة بها بقوة، حتى وصلت وانكبت فوق جسد ابنها تصرخ بحرقة تشطر القلب نصفين: يا ضنايا… يا عمر أمك… ما تسيبنيش يا بني… قوم يا عز!
سقطت بطة بجوارها، تولول كمن تسلب روحها: قوم يا قلب أمك… قوم يا واد… ما تسيبش البيت خراب… ما تسيبناش!»
خرت حياه على ركبتيها، تضرب وجنتيها وتنتحب: أخويا… أخويا يا عز… افتح عنيك بالله عليك!
جنات كانت تئن بجنون، صوتها يختلط بالعويل والدموع: يا عز… يا ناس بسرعة… لسه بيتنفس! يلا يا سلطان، انجد أخوك… قوم!
وسط الطوفان، كان سلطان يطوق جسد أخيه المترنح، صوته يتفتت كرماد في الريح وهو يصرخ: استحمل يا عز… بالله عليك استحمل… ما تسيبنيش يا خويا… ما تسيبنيش! يلا يا ياسر… وسعوا!
اخترق صوت محرك سياره ياسر الزحام، اندفعت وسط العيون المفزوعة والأيدي التي فتحت الطريق بعجالة. قفز من مقعده، فتح الباب الخلفي بعنف، وسرعان ما انحنى عاشور والعتال وخليفة مع سلطان،
يرفعون جسد عز الغارق في نزيفه. كان الدم يقطر من ظهره كسيل أحمر يلطخ ملابسهم وأياديهم المرتعشة.
صرخت عليا وهي تتشبث بقدميه، وصوتها متقطع من البكاء: بالراحة… بالراحة عليه! حرام عليكم ده بيتألم… يا عز، قوم بالله عليك!
بصعوبة، وضعوه داخل السيارة. ارتمت عليا بجواره، تمسك بيده المرتجفة كأنها تحاول أن تربطه بالحياة. عايدة التصقت بصدره تبكي وتنوح: يا رب نجيه… يا رب ما تحرمنيش منه!
انطلقت السيارة الأولى وسط دوامات الغبار، والعيون كلها تتبعها بالدعاء والرجاء، والقلوب تتعلق بما تبقى من أنفاسه.
في الخلف، تحركت سيارة أخرى. جلس سلطان في المقدمة، كتفه ينزف والعرق يغطي وجهه، بينما ضي تمسك بيده بكل قوتها، كأنها تسنده كي لا يسقط من الدنيا. ..
جلست بطة تبكي بحرقة في المقعد الخلفي، بجوارها عاشور والعتال وخليفة، وجوههم مشدودة كالحجر، والعجز يفتك بهم.
من وراء السيارات، تعالت صيحات النساء في الحارة، تمزق السماء:يا رب… يا ساتر يا رب… نجيه يا رب!
الحارة، التي قبل لحظات فقط كانت تضج بالطبول والزغاريد، انقلبت مأتما مفتوحا. لم يبق فيها سوى بكاء يفتت الأرواح ودعاء يعلو كأجنحة مبللة بالدموع، يحاول أن يبلغ السماء.
اهتزّت السيارة بعنف وهي تخترق ليل المدينة، كأنها تجري فوق جمر مشتعل. أصوات الكلاكسات تمزج نفسها ببكاء النساء خلفهم، والسماء بدت وكأنها تراقب المشهد بعين دامعة.
في الخلف، كان عز ممددًا في حضن عليا، صدره يعلو ويهبط ببطء مرعب، والدم يفيض من جسده كجدول لا يتوقف…
ارتعش وجهه تحت يد زوجته، وهي تمسح عليه برجاء مكسور، بينما صوتها يخرج متحشرجًا، يائسًا: قوم يا عز… بالله عليك ما تسيبنيش… ما تسبش عيالك يتامى… أنا مليش غيرك في الدنيا يا عمري!
فتح عز عينيه بصعوبة، ونظر لها بنظرة غائمة، وأنفاس متقطعة، وصوت متآكل بالكاد يسمع: ما تعيطيش يا عليا… أنا لسه معاك…
هزت رأسها بعنف، الدموع تغسل وجهها بلا توقف، كأنها ترفض الحقيقة بكل جوارحها: إزاي أهدى وإنت كده؟! إزاي وأنا شايفاك بتضيع من إيدي… قوم شد حيلك معايا… إنت وعدتني نكمل سوا.
ارتسمت على فمه ابتسامة ضعيفة، أقرب إلى نزيف جديد من الألم، وهمس بصوت بالكاد يلتقط: إنتي ضهري وسندي… إوعى تنهاري… أنا مستحمل عشانك… عشان أشوف ضحكتك تاني.
شهقت عليا بحرقة، وأمسكت بيده الملطخة بالدم، تضغط عليها بجنون كأنها تمسك بالحياة نفسها: أنا من غيرك ولا حاجة… فاهم يعني إيه ولا حاجة؟! إنت روحي يا عز… لو جرالك حاجة… أنا اللي هموت
تنفس عز زفرة متهدجة، كأنها آخر ما يملك من هواء، ورد بصوت متقطع: ساعتها… هعيش جواكي… في عيونك… في ولادنا… محدش يقدر يفرقنا يا عليا… حتى الموت نفسه.
انفجرت عايدة من جوارهم بنحيبٍ يفتت الحجر، وضعت كفها المرتجفة على صدر ابنها وصرخت: اسكت يا بني… ما تقولش كده… ربنا كبير… وهو اللي كاتب الأعمار!
لكن عليا لم تسمع شيئًا. التصقت بوجه زوجها، تبكي بحرقة، تردد بإصرارٍ يشبه التحدي: هتعيش… سامعني؟! هتعيش غصب عن الدنيا كلها!
ابتسم عز ابتسامة باهتة، أغمض عينيه، وهمس بصوت أقرب إلى الريح: طول ما إنتي ماسكة إيدي… هعيش.
ارتفع صراخ عليا مع هدير السيارة، كأنها تحاول أن تنتزع زوجها من بين أنياب القدر، أن تمزق الموت بدموعها قبل أن يبتلع من تحب.
مزقت سيارة ياسر الليل بصوت الكلاكسات، كأنها تصرخ مع قلوبهم المذعورة… الطريق كان يفتح بصعوبة أمامهم، والوجوه في الشوارع تلتفت مذهولة، تتسمر للحظة ثم تبتعد عن الجنون القادم.
جلس سلطان خلف المقود، جسده متشنج، وجهه مبلل بالعرق، وكتفه النازف يرتجف تحت ضغط يدي ضي التي كانت تحاول إيقاف الدم…
لكنه لم ير شيئًا أمامه، سوى صورة عز الممدد في بحر من دمائه. كل ثانية في الطريق بدت كعمر كامل.
توقفت السيارة بعنف أمام باب المستشفى. انفتح الباب بقوة، واندفع سلطان وياسر وعاشور والعتال وخليفة،
يسحبون جسد عز المتهالك. عليا تصرخ وهي متشبثة به، عيناها محمرتان، صوتها يتقطع من اليأس: بالراحة… بالله عليكم بالراحة عليه… بس بسرعة!
انحني سلطان رغم إصابته، وحمل جسد أخيه مع ياسر، وصرخ بصوت مبحوح كأنه خارج من أعماق الأرض:
افتحوا السكة… اخويا بيموت!
ارتجت الأرض تحت خطواتهم… اندفع طاقم التمريض نحوهم، مدوا أيديهم، وضعوا جسد عز فوق السرير المتحرك، وانطلقوا به إلى غرفة الطوارئ. أصوات الأطباء كانت حادة، متلاحقة: بسرعة… الضغط نازل! النبض ضعيف!
عليا انطرحت على ساق زوجها، تتمسك به بجنون، وهي تجر ملابس الأطباء وتصرخ: انقذوه… أبوس إيديكم! دخلوني معاه! مش هسيبه يدخل لوحده!
دفعا سلطان وياسر السرير بكل ما أوتيا من قوة حتى وصلوا إلى باب العمليات. أوقفهم الممرض بعزم، صرخ بصرامة: استنوا… آخركم هنا يا جماعة! أوعوا!
وأغلق الباب بعنف، تاركا خلفه عليا تنهار على الأرض أمام غرفة العمليات… أخذت تضرب صدرها، وتصرخ بألم يفتت القلب، بينما عايدة ارتمت عليها، تحتضنها وهمسة من أعماق الرجاء: ادعيله يا بنتي… قولي يا رب… ياااارب!
تشبثت عليا بعايده ، وصوتها يرتعش كدعاء مذبوح:
يا رب… يا رب متحرمنيش منه… ده عمري كله… وروحي فيه!
اندفع أيهم في الممر كمن يركض خلف قلبه، صوته يجلجل بالذعر: سلطان! إيه اللي حصل؟!
اقترب سلطان منه بأنفاس متقطعة، وجهه مبلل بالعرق ودمه يسيل دون أن يشعر، وصرخ كمن يقتلع الكلمات من صدره: عز… عزززز يا أيهم! الحقوه بسرعة… فين زاد؟! عايز كل الدكاترة يدخلوا يلحقوا أخويا، يا أيهم!
هز أيهم رأسه بلا تردد وانطلق يعدو، وخلفه ظهرت زاد بوجه مرتجف وعينين مغرورقتين. وصاحت بنحيبٍ متحشرج: سلطان! ماله عز؟!
رفع يده في وجهها بإشارة حاسمة، صوته يتشقق من القهر: الحقيه يا زاد! عز اتضرب بالنار في ضهره… الحقيه..
لم تر زاد شيئًا أمامها سوى دموعها. ركضت تتخبط بجسدها حتى اندفعت داخل غرفة العمليات، واختفت وراء الباب المغلق.
الممر امتلأ بالعويل، كأن السماء انهارت دفعة واحدة فوق الرؤوس.
شهقت ضي وهي تمسك بذراع سلطان، عيناها تلمعان بالرجاء والذعر، صوتها يرتجف كطفلة: هيعيش يا سلطان… عز هيعيش… متخافش، هيعيش!
تأملها سلطان بعينين غارقتين في دموع القهر، همس بصوت مبحوح كأن صدره ينهار:لو هو مات… أنا اللي هموت معاه.
وقفوا جميعًا أمام غرفة العمليات، وجوه شاحبة وأجساد مترنحة…سلطان ينزف دون أن يدرك، وضي تتشبث به تحاول أن تثبته…
عايدة تضم عليا التي فقدت لونها كأن الحياة انسحبت من عروقها…
بطة تعانق حياة التي انبح صوتها من البكاء. وياسر يحتضن جنات المنهارة، نحيبها يجرح الهواء.
الممر تحول إلى بحر من الصرخات والدعوات، القلوب معلقة خلف ذلك الباب المغلق، بين الحياة والموت… بين رجاء يتشبث بالله، وخوف ينهش الأرواح….
وصل عمار وعلي وإبراهيم وراجح إلى المستشفى، وجوههم مسلوخة من الرعب، أنفاسهم متقطعة، كأنهم يركضون وراء الحياة نفسها… لكن عز ما زال خلف الباب المغلق، في غرفة العمليات، بين أنياب الموت.
التفوا حول سلطان. اندفع عمار بصوت مرتجف: عز فين؟! إصابته إيه يا سلطان؟!
رفع سلطان عينيه إليه، فيهما حزن أسود لا ينتهي، وصوته خرج مبحوحًا كأنه يئن: في ضهره… يا عمار.
ثم لم يحتمل، ارتمى في حضن صديقه. وضمه عمار بقوة، وصوت نحيبهما اخترق الممر.
اقترب راجح، ربت على كتف سلطان، والدموع تنهمر من عينيه، همس برجاء: اهدى… قول يا رب.
وتداخلت الأصوات: نحيب، دعاء، عويل. لكن كلمة واحدة ارتفعت فوق كل شيء، تتردد في أركان الممر والدار كله:
ـ يا رب… يا رب!
أربع ساعات مرت كأنها أربع سنوات. كل دقيقة سقطت على قلوبهم كمطرقة ثقيلة.
كان الطبيب قد اضطر إلى تضميد جرح سلطان في كتفه الجريح دون تخدير كامل، فاكتفى بتخدير موضعي. سلطان ظل واقفًا أمام باب غرفة العمليات، لا يبرح مكانه، وضي متشبثة بذراعه، وياسر وعمار يسندانه حتى لا ينهار.
ساد الصمت. لم يبق في الممر سوى بكاء مكتوم، ونحيب يتكسر في الصدور. أصوات الزغاريد التي كانت منذ ساعات قليلة تملأ آذانهم بالفرح، صارت الآن طعنات دامية في الروح.
تراجع سلطان قليلًا، جلس على الأرض بصعوبة، الضمادة غارقة بدم كتفه… ألقى عمار وضي بجواره ليسنده ، وهمسه ضي برجاء يائس: أبوس إيدك… اهدي… ربنا هينجيه… والله هيعدي.
أمسكه عمار من كتفيه، وصوته مبحوح لكنه ثابت:
امسك نفسك… يا صاحبي… اصبر.
لكن سلطان لم يزح عينيه عن الباب الحديدي، كأنه يريد أن يخترقه بعينيه، أن يمد يده ويعيد أخاه من خلفه.
أما عليا، فقد كانت مرتمية في حضن عايدة، بكاؤها جف، ووجهها صار أبيض كأنه ورقة فارغة من الروح. وبطة وحياة وجنات متكورات على بعض، كعائلة غرقى تنتظر نفسا أخيرا… نفسا لا يأتي.
وأخيرا… انفتح الباب.
خرجت زاد، وخلفها أيهم والدكتور مجدي. وجوههم كانت متجهمة، منهكة، وعيونهم مثقلة بظلال الأسى.
قفز سلطان واقفًا، صوته مبحوح كأنه يخرج من صدر محطم: عز كويس صح يا أيهم؟! عامل إيه يا زاد؟!
تطلعت إليه زاد بعينين دامعتين، حاولت أن تنطق، لكن صوتها انكسر في حنجرتها. فبادر أيهم، صوته خافت، لكنه وقع كالصاعقة:عملنا كل اللي نقدر عليه… الرصاصة أثرت على العمود الفقري… والنزيف كان شديد. ادعوله يعدي التمانية وأربعين ساعة دول على خير!
كان الكلام سكاكين غرست في القلوب. تجمد سلطان، وتهاوى جسده على الحائط، فأسرعت ضي وعمار ليمسكانه قبل أن يسقط.
وانفجرت عليا في صرخة هزت جدران المستشفى:
لااااا… يا رب لااا!
ثم انهارت على الأرض، تضرب بيديها الأرض وتنوح:
محدش يقول الكلام ده ! عز مش هيسبني ولا هيسيب عياله ! قوملي يا عز! قوملي يا ضهري!
سقطت عايدة على الكرسي، تترنح، وبطة تمسكت بها وهي تبكي بحرقة: ابني يا رب… متحرمنيش من ابني يارب … ده نور عيني يا رب!
أحاطت بها بطة، ربتت على كتفها وهي تنتحب: ربنا كبير يا أختي… والله ما هيحرق قلبك. إنتي قلبك جابر بخاطر الكل، وربنا مش هيكسر خاطرك في وحيد قلبك ونن عينك يا عايدة.
تشبثت عايدة بعليا التي غابت عن العالم، تهمس بصوت متقطع: يا رب… يا رب يا أختي…
وفجأة، سقط عاشور أرضا، وصاح العتال وخليفة بفزع:
دكتور! دكتور!
ركض الجميع برعب، وحملوا جسده إلى غرفة الطوارئ.
أما زاد، فوقفت في ركن بعيد، تحاول أن تلتقط أنفاسها، دموعها تتساقط، قلبها يتفتت، وهي عاجزة عن الكلام.
لم يمض وقت طويل حتى خرج الطبيب، والعيون كلها تعلّقت به كالغريق بخيط هواء. أشار إليهم قائلًا:
الحمد لله… الضغط عالي، لكن حالته استقرت.
تردّد الهمس: «الحمد لله… الحمد لله.»
لكن الصمت سرعان ما غلّف المكان، صمت مريب، كأنهم جميعًا يسيرون على حافة هاوية.
بقي الأمل خيطًا واهيًا، رفيعًا كالشَّعرة، تتعلق به قلوبهم المرتجفة… بين حياةٍ تتشبث عند باب غرفة العمليات، وموتٍ ينادي من بعيد.
خفتت الضوضاء فجأة، كأن العالم ابتلع صوته وتركهم عراة أمام الصمت…
وقفوا جميعًا أمام زجاج العناية المركزة، أنظارهم معلقة بجسد عز المسجى فوق السرير الأبيض. حوله الأجهزة تبعث طنينًا رتيبًا، والأنابيب تتشابك في صدره كما لو كانت خيوط قدر لا يرحم… الوشاح الأخضر غطى نصف جسده، فيما ملامحه ساكنة، هادئة، أشبه بنوم عميق بلا أحلام.
اقتربت عليا من الزجاج، أصابعها المرتجفة امتدت كأنها تريد اختراقه، ودموعها تغمر وجهها، همسة بصوت مهزوز:
عز… ياحبيبي… قوملي يا حبيبي، ما تسبنيش لوحدي. أنا من غيرك ماليش سند… ولا ليا أمان. لسه نفسي أفرح بيك ومعاك.
وراءها كانت عايدة، مرفوعة اليدين إلى السماء، عيناها غارقتان في الدموع، وصوتها متضرع يفيض وجعًا:
يا رب… ما تحرمنيش من ابني. مش هو اللي حتة مني… ده أنا اللي حتة منه! ده روحي اللي ماشية على الأرض. عشان خاطر حبيبك المصطفى يا رب… خليهولنا.
أما سلطان، فقد التصق بكفيه على الزجاج، وصوته يتهدج، كأنه يستنجد من قاع هاوية: عز… اسمعني يا خويا. قوم! أنا مش هقدر … مش هعرف أعيش من غيرك. فاكر يوم ما كنت بتقولي أنا ضهرك يا سلطان؟ دلوقتي… أنا اللي عايز ضهري. قوملي يا عز!
ثم سقط على ركبتيه، دموعه تنهمر بحرقة، وجبينه التصق بالزجاج كطفل ضائع يبحث عن صدر أبيه.
مدت ضي يدها على كتفه، تحاول أن تمنحه سندًا، وصوتها يترنح بين البكاء والدعاء:قوم يا سلطان… ربنا كبير…عز هيفوق… وهيضحك تاني زي ما كان بيضحك. عمره ما هيتخلى عنك.
ضغطت بطه بيدها علي قلبها ،مولولة بحرقة:عز… يا قلب بطة، قوم وشد حيلك يا ضنايا. ما تحرقش قلوبنا يا بني!
أما جنات، فقد انسالت دموعها على وجنتيها، وصوتها خرج واهيا كأنه يتكئ على آخر أنفاسها: قوم يا عز… نفسي أشوفك واقف تاني، تناديني… وتسأل عليا. أنا مش عايزة حاجة من الدنيا غير أشوفك بخير.
ساد الصمت من جديد، لا يسمع سوى صفير الأجهزة خلف الزجاج. وكل واحد منهم كان يراه مسجى هناك، لكن قلبه كان يعيد شريط الذكريات: ضحكاته، صرخاته، خصامه، حضنه، وكلماته التي لم تكن تتأخر يومًا.
صار الزجاج فجأة حدا فاصلاً بين الحياة والموت… وهم واقفون عاجزون، يتشبثون بخيط الأمل الرفيع، مترقبون معجزة قد تنبثق من قلب الليل.
………..
اندفع فريد وجلال يركضان في الممر، خطواتهما تضرب الأرض بقوة كأنها انعكاس لاضطراب القلوب… ارتفع صوت فريد متلهفا، يلهث من الركض: إيه يا سلطان؟ عز خرج ولا لسه؟
نهض سلطان كمن يستيقظ من كابوس، واندفع نحوهما. احتضنه فريد بقوة، يربت على ظهره في محاولة يائسة لتهدئته، وهمس بصوت مبحوح: اهدى… هيقوم إن شاء الله.
لكن سلطان أطبق على فكيه بعنف، وصوته انفجر غاضبًا، مبحوحا: كان المفروض أكون أنا مكانه! عز ما يستاهلش اللي حصله.
قبض فريد على ذراعيه بعنف، يهزه بقوة، وهديره يملأ الممر: لا فوق بقا! ده مش وقت تقع فيه… سيب العياط والنوح للنسوان… وركز معايا! ده وقتك، إما تاخده… يا إما تسيبه يضيع.
ارتعشت شفتا سلطان وصرخ بحنق مكتوم: كل مرة أقولكم سبوني أتصرف… وانتو تقولوا اصبر!
تقدم جلال خطوة، ربت على منكبه بصلابة وقال:
ودلوقتي جه الوقت اللي هتتصرف فيه…. كل حاجة جاهزة، والعالم كله عارف إن الجنرال عارض أكبر مصنع سلاح للبيع… وهييجوا لحد عندك… واحد ورا التاني.
اقترب فريد، يضغط على كتف سلطان كمن يثبت قلبه في مكانه، وقال بلهجة حاسمة:هتسافر دلوقتي. أول ما توصل، تطلب اجتماع مع كل اللي حاولوا يشتروا المصنع الفترة اللي فاتت… ومن ساعة ما وقفنا شغله… الكل صدق إن المصنع بيخسر.
اوما جلال برأسه وأضاف: هما هيكونوا عندك في المصنع… وأنا هكون عندهم … حاول تعطلهم قد ما تقدر.
رفع سلطان عينيه، يلمع فيهما غضب وحقد، وتمتم بصوت غليظ: أهم حاجة ابن الكلب اللي اسمه الشبح.
أجاب فريد بإيماءة جادة: هييجي لحد عندك باسمه الاصلي ديفيد مايور .. بس خليك ثابت… متخليهوش يحس إنك عارفه.
أطبق سلطان قبضتيه حتى برزت عروقهما، وقال بنبرة مسمومة: لحد ما أطلع قلبه بإيديا… مش هحسسه بأي حاجة.
جلال التفت إلى فريد متسائلًا: هيطلعوا من المستشفى إزاي؟ كلنا مترقبين والعيون في كل حته ؟!
ابتسم فريد ابتسامة باردة، في عينيه شرر من المكر، وهمس ببرود قاطع: دي بقى على البلاوه بتاعتك.
ابتسم جلال بسخرية وتحرك الي زاد وقال وهو يرمقه :
بس متقولش بلاوه.
رمقهم سلطان بحدة، صوته يقطر ضيقًا: هو ده وقته؟! وبعدين أنا لازم أطمن على عز قبل ما أسافر…. وضى لازم تكون في مكان أمان.
مسح فريد جانب فمه بيده، وخرج صوته واثقا، صلبًا:
أخوك هيبقى كويس… على ما يفوق تكون جبتله حقه. وضى هتيجي عندي مع عهد والولاد…. افتكر… عندي مفيش أي خطر…. النملة ما تقدرش تهوب ناحية بيت فريد الصياد، وانت عارف ده.
أومأ سلطان برأسه ببطء، وكأنه يسلم القرار لقلبه الممزق، وقال بصوت غليظ: ماشي… أنا هكلمهم وأجيب ضي.
أومأ فريد إشارة بالرحيل، فتحرك سلطان وقد بدا كأن الأرض تحمل ثقل العالم فوق كتفيه….
أشار بيده إلى الرجال المحيطين، فاقترب منه ياسر وراجح وعمار وعلي وإبراهيم، عيونهم متقدة بالقلق والحزن…
ثبت سلطان نظره في وجوههم، وخرج صوته خافتًا لكنه مفعم بالتصميم: أنا مسافر دلوقتي… هخلص كل حاجة عشان نعرف نعيش.
اندفع ياسر، عيناه تقدحان شررًا، وهتف بحقد لا يخفى:
هاجي معاك! هاكل بسناني اللي عمل كده في عز!
هز سلطان رأسه نافيًا، وهدر بصوت صارم لا يقبل جدالًا:
إنت مكانك هنا. مكاني إنت وراجح وعمار… كتفكم في كتف بعض… النسوان والعيال أمانة… وعز، أوعى حد يقرب من المستشفى.
ربت عمار على منكبه بحزم، عينيه تلمعان بجدية:
إحنا في ضهرك هنا، ما تشيلش هم.
اقترب علي، صوته مبحوح بندم:أنا آسف يا سلطان… كل يوم بيعدي بندم إني شكيت فيك حتى لحظة.
ابتسم سلطان ابتسامة مبللة بالدموع، وهمس: حقك تشك… إنت ماكنتش تعرفني.
اندفع راجح وضمه بعاطفة، وصوته يرتجف: خدني معاك يا سلطان… أحمي ضهرك، وفداك أنا يا صاحبي.
لكن سلطان ربت على منكبه بحنان ممزوج بالحزم:لا يا راجح… إنت ضهري هنا. خلي بالك من الكل… أنا محتاجك هنا أكتر.
ثم التفت سلطان، عيناه تبحثان عن ضي، فأشار إليها. تقدمت نحوه بخطوات مترددة، دموعها تلمع في عينيها وهي تلتقط يده: نعم يا حبيبي!
أومأ برأسه، وصوته كان مزيجا من القرار والوجع:
ضي… هسيبها في مكان أمان، بمعرفتي.
تحرك عمار وعلي وإبراهيم كأنهم يريدون الاعتراض، لكنه رفع يده قاطع الطريق، وقال بثقة جازمة: خليكم واثقين فيا… أنا هحطها في أمان، أمان بجد.
نظرت له ضي بدهشة، وقلبها يتخبط في صدرها، وهمسة بصوت متحشرج: أنا مش فاهمة حاجة يا حبيبي…
لم يرد، فقط أومأ برأسه وسحب يدها برفق، وقادها بخطوات واثقة نحو فريد، كأن القدر نفسه يسير إلى جانبه.
كسرت زاد الصمت الكثيف ونظرت الي فريد وجلال بدهشه : عربية إسعاف؟! ليه؟
أومأ فريد ببرود، وصوته خرج واثقا، قاطعا للجدال:
عشان توصل ضي وسلطان البيت.
اقترب سلطان وهو يمسك يد ضي، صوته متحشرج كأنه يخشى سماع الإجابة: ليه عربيّة إسعاف يا باشا؟!
اقترب فريد خطوة، عيونه ثابتة، ثم وقف أمام ضي مباشرة، كأنه يحجب عنها العالم..
ونظر إلى سلطان وقال بهدوء يخفي وراءه حزما لا يلين:
تسمحلي؟
رفعت ضي عينيها نحو فريد برهبة، وتمسكت بذراع سلطان بكل قوتها…
ارتبك سلطان، وحدق في فريد بدهشة، رفع فريد يده بتجاه ضي فقبض سلطان على يده ليوقفه وقال : استنى… اصبر دقيقة.
ابتسم فريد ابتسامة قصيرة، ماكرة، ثم بلمسة واحدة خبيرة وسريعة على عنق ضي، انطفأ وعيها في لحظة. سقطت بين ذراعي سلطان كزهرة ذابلة، فارتعد قلبه، وانفجر صوته بالرعب: يا نهار اسود! ليه كده؟!
أشار له فريد بصرامة، وهتف بصوت لا يقبل نقاشًا:
شيلها.
ثم التفت نحو زاد بعينين مشتعلة بالحنق، وغمغم : عايزين عربية إسعاف يا دكتورة… ضي مغمي عليها !!
تراجعت زاد خطوة، ونظرت له بدهشة، وهزت رأسها بيأس وهمسة بين أسنانها: مجنون رسمي…
تدخل جلال، وهدر بصوت حاد، يأمر بصرامة: يلا يا زاد! وعايزين نطلع من الباب الرئيسي… عادي.
تحركت زاد أمامهم بخطوات مترددة، وخلفها سار جلال وفريد، بينما كان سلطان يحمل ضي بين أحضانه، يطالع وجهها الغائب بنظرات تفيض بالحنان والجزع.
وصلوا إلى سيارة الإسعاف. فتح جلال الباب الخلفي، فتقدم سلطان بخطوات مثقلة، ووضع ضي برفق شديد داخل السيارة، ثم صعد جوارها وأغلق الباب بإحكام. طرق جلال بيده على جانب السيارة، فانطلقت مسرعة في اتجاه بعيد.
أما جلال فصعد إلى سيارة أخرى بجوار فريد، وانطلقت هي أيضًا، لكن من طريق آخر، كأن القدر نفسه انقسم إلى مسارين متوازيين، كل منهما يمضي نحو غاية لا يعلمها أحد.
داخل سيارة فريد، كان الليل يزحف ببطء على الزجاج المبتل بضباب خفيف… رفع فريد الهاتف، وهتف بصوت صارم لا يعرف الالتباس: سلطان… العربية هتنزلكم قدام العمارة اللي ورا عمارتي. هناك هتلاقي واحد من رجالتي هيستناك، وهيدخلكم من الباب الخلفي. أنا في البيت مستنيك… وجلال هيستناك في الشارع اللي ورايا بالعربية.
أومأ سلطان، وغمغم بصوت متعب لكنه حازم: طيب… وضي هتفوق إمتى؟
ابتسم فريد ابتسامة قصيرة وغمغم ببرود: هتفوق بعد شوية… متقلقش.
انقضى الوقت ببطء ثقيل حتى توقفت سيارة الإسعاف أمام بوابة جانبية لعمارة خلفية… ترجل سلطان وهو يحمل ضي بين ذراعيه بحنان متوتر،
فوجد رجلا من رجال فريد في انتظاره. أشار له الرجل في صمت، ودلفوا معًا إلى ممر ضيق رطب الجدران، يقود إلى باب خلفي يفضي إلى بيت فريد.
فتح الرجل الباب بحركة سريعة، دلف سلطان بخطوات متثاقلة، ثم أغلقوه خلفهم. الممر الضيق امتد بهم حتى درج خلفي، صعدوه ببطء وخفة كأنهم يهربون من عين متربصة.
في الدور الثالث، كان فريد واقفا أمام باب مطبخ صغير، كأنه في انتظارهم منذ زمن. ما إن وصل سلطان حتى أشار إلى الرجل وقال بلهجة حاسمة: روح انت.
أدى الرجل التحية العسكرية بانضباط ثم انصرف، تاركًا الصمت يخيم من جديد. فتح فريد باب المطبخ وأشار لسلطان: تعالى يا سلطان.
تحرك سلطان خلفه بخطوات مترددة، حتى فتح فريد باب غرفة جانبية. صوته خرج رتيبا لكنه يحمل معنى خفيا: حطها هنا.
دخل سلطان الغرفة في سكون، ووضع ضي على الفراش برفق، ثم انحنى لينزع حذاءها ببطء، وسحب الغطاء عليها بعناية، كأنها طفلة يحرص على راحتها… التفت إلى فريد، صوته متوتر، يختنق داخله القلق : هي هتفوق إمتى؟
لم يرد فريد مباشرة، بل فتح أحد الأدراج بهدوء، وسحب زجاجة عطر صغيرة، ألقاها إليه وقال : خد… فوقها وانا هنادي عهد.
…
انصرف فريد، تاركًا الغرفة وقد خيم عليها صمت ثقيل، لا يقطعه إلا خفقان قلب سلطان المضطرب…
جلس جوار ضي، يحمل الزجاجة الصغيرة بيده المرتعشة، رش منها شيئًا على كفه واقترب برفق من أنفها. كان يراقب ملامحها في لهفة، كأن روحه معلقة بتنهيدة منها.
تحركت رموشها بخفوت، تردد صوتها مبحوحا، ضعيفًا كنسمة تحتضر: سـ… سلطان؟
انحنى إليها، صوته خرج دافئًا رغم ما يعتصره من خوف:
فوقي يا قلبي… متخافيش، أنا هنا.
فتحت عينيها ببطء، ثواني مرت كدهر قبل أن تستوعب وجهه، ثم اتسعت عيناها فجأة، وتلتفت حولها في ذهول والدموع تتجمع في محاجرها: إيه ده؟ أنا فين؟ إيه اللي حصل؟… سلطان! مش كنا في المستشفى؟!
احتواها بين ذراعيه بقوة، كأنه يدرأ عنها العالم كله، مسح بيده على ظهرها بحنان، وهمس بصوت متهدج: اهدي يا حبيبتي… أنا هفهمك كل حاجة.
رفعت عينيها المرتجفتين إليه، وهمسة برجاء: ياريت… يا سلطان.
تنفس ببطء، كأن كل كلمة يحملها على جرح نازف، ثم قال: أنا لازم أسافر يا ضي.
شهقت، كأن صاعقة ضربت قلبها: تسافر ليه؟!
بلع غصته، واشاح بعينيه لحظة قبل أن يعود ليثبت نظره في عينيها وغمغم بحزن : علشان الخطر اللي محاوطنا ده… أنا مش قادر أعيش وإنتي مرعوبة كل يوم. لازم أخلص الحكاية دي… عايز نعيش حياتنا بسلام، نعمل بيت وعيلة… زي ما حلمنا.
انزلقت دموعها على وجنتيها، وهزت رأسها بعنف: يعني اللي حصل الليلة دي… كله بسبب شغلك؟
أومأ ببطء، واختنق صوته : أيوه. بس أنا قررت… المصنع هبيعه. هديهم كل اللي عايزينه. أنا مش فارق معايا حاجة غير إنتي وأهلي تبقوا بخير.
تشبثت بقميصه، وارتجفت بين ذراعيه بنحيب : أنا هموت في كل دقيقة لحد ما ترجع لي… يا حبيب عمري.
مسح دموعها بأنامل مرتجفة، وصوته يقطر قهرًا: لا يا روحي، متخافيش. دي كلها لعبة بيع وشراء، وأنا هخلص منهم وأرجعلك. صدقيني… مفيش خطر.
ارتجفت شفتاها ونظرت له تستجديه وهمسه: بجد يا سلطان؟ بالله عليك متعرضش نفسك للخطر . أنا… أنا من غيرك مليش عمر.
ضمها وجهها ، يقبلها في لهفة كمن يودع روحه وغمغم :
ورب العزة يا ضي… محافظ علي نفسي عشانك . حتى مش مسافر لوحدي، معايا صاحبي وضابط كمان. الموضوع محسوب.
أومأت، بأنفاسها متقطعة، دموعها ما زالت تتساقط:
طيب… بس بالله عليك، خلي بالك من نفسك. أوي يا سلطان.
ربت على وجنتها، ابتسامة موجوعة ارتسمت على شفتيه وقال : وإنتي كمان. حياتي كلها في ايدك… خلي بالك من نفسك، ومتنزليش من هنا غير لما جاي آخدك. مفهوم؟ بالله عليكي، متخوفنيش عليكي.وخليني ببال واحد يا قلبي…
هزت رأسها مؤكدة، صوتها يتقطع من العبرة:وحيات سلطان عمري وحبيبي… وحياتي كلها. مش هتحرك من مكاني لحد ما ترجع بالسلامة… يا عمر ضي وقلبها.
لم يقو سلطان على تماسكه، فانحدرت دموعه غزيرة، واحتواها بين ذراعيه في عناق ملهوف، وهمس قرب أذنها: عمري… والله ما حبيت ولا هحب زي ما حبيتك… يا ضي.
فانفجرت ببكاء مرير، تتشبث بعنقه بجنون، كأنها تخشى أن يذوب بين يديها ويختفي.
عند باب الغرفة،
وقفت عهد تتابع بصمت ما يدور بين سلطان وضي. عيناها تلمعان بدموع ثقيلة حاولت حبسها، لكنها انزلقت في صمت مرير…
تراجعت خطوتين إلى الخلف، ثم همسة وهي تمسح دموعها بارتباك: سيبهم يا فريد شوية مع بعض.
اقترب منها فريد ببطء، ومسح دموعها بشفتيه برفق، ثم انحنى يقبلها بحنو على وجنتها وهمس في أذنها:
بس يا حبيبي… انتي عارفة أنا ماليش طاقة أشوف دموعك.
تمسكت بصدره وكأنها تبحث عن أمانه، وقالت بصوت خافت يتكسر:صعب أوي الفراق… ربنا ما يكتبوش علينا ولا على أي حد يبعد عن حبيبه.
قبل جبينها طويلًا، وأغمض عينيه يتمتم بخشوع:يارب… يا بعد عمري، يارب.
رفعت عهد وجهها إليه برجاء، وهمسة بقلق عارم :عشان خاطري يا فريد… احموه كويس… لازم يرجع لمراته. أنا شايفة حبهم… دي شكلها روحها متعلقة بيه، وهو كمان روحه فيها.
كور فريد وجهها بين كفيه، نظر في عينيها بعزم وقال:
ما تخافيش يا عمري… إحنا معاه خطوة بخطوة، ومأمنينه كويس… جلال معاه، وأنا هتابع من هنا. وبعدين يا عهدي… الحامي ربنا قبل أي حد، وإحنا كلنا تحت رحمته.
أومأت بعينين دامعتين، وهمسة: ونعم بالله يا حبيبي.
اقترب منها أكثر، قبل شفتيها قبلة عميقة ممتلئة بالوجد، كأنه يقتنص من لحظة الخوف حياة جديدة… ارتجفت عهد بين يديه، ثم دفعت صدره بخفة وهمسة بحرج:
فريدي… الناس جوه.
عض شفته السفلى بعبث وضحك بخفوت:فريدي إيه اللي تركب مع الناس جوه دي؟
ابتسمت بخجل وربتت على صدره: تعال نشوفهم بقا.
أومأ، ثم دفع الباب برفق، ودلفا معًا. قطع الصمت صوت فريد المرح وهتف: حمد الله على السلامة يا مدام.
رفعت ضي عينيها إليه بخوف، وهمسة بصوت مرتجف:
إنت…؟!
ابتسم سلطان وربت على كتف فريد وهو يعرفه:
المقدم فريد الصياد… أخويا الكبير وأعز أصحابي.
رد فريد بنبرة مفعمة بالفخر: حبيبي يا جنرال.
ابتسمت ضي في ارتباك وهمسة: تشرفنا.
مد فريد ذراعه يحيط خصر عهد قائلاً بفخر ظاهر: عهد الصياد… مراتي.
ابتسم سلطان وهو يومئ برأسه: تشرفنا يا مدام عهد.
بادلت عهد بابتسامة هادئة، قالت: أهلاً يا أستاذ سلطان.
ثم اتجهت مباشرة نحو ضي، ضمتها بحنان وقالت : أهلاً يا صغنن… حمد الله على السلامة.
أجابت ضي بخجل ودموعها لم تجف: أهلاً بيكي يا مدام عهد… الله يسلمك.
ضحكت عهد بخفة: لا مدام إيه… قولي عهد وخلاص.
احمرت وجنتا ضي وهمسة كطفلة: عهد.
في تلك اللحظة، رفع فريد صوته موجها الكلام لسلطان:
يلا يا سلطان… جلال مستني، وزمانه بيلعن ويسب فيا وفيك !!
اقترب سلطان من ضي، فأمسكت بذراعه بقوة، صوتها خرج متهدجا:سلطان… خلي بالك من نفسك، يا قلبي.
أومأ برأسه، عينيه معلقتان بها كأنهما آخر ما يراه في الدنيا:حاضر… وإنتي كمان. عشان خاطري، خلي بالك من نفسك. روحي فيكي يا ضي، مش معايا !!
انفجرت دموعها، ردت بصوت مبحوح:روحي وروحك متعلقين ببعض… هنعيش سوا أو هنموت سوا.
هز رأسه رافضا، صوته خرج حاسما: هنعيش سوا… والله هنعيش سوا يا عمري.
تقدمت عهد، أمسكت بيد ضي ومسحت دموعها برفق:
بلاش كده يا حبيبتي… ادعيله بس. ادعي ربنا يرجعه بالسلامة.
ربت فريد على كتف سلطان، نظر إليه بثقة وقال: يلا يا بطل… هتخلص الحوار ده وترجع بالسلامة. وتعيش في حضنها العمر كله… عشان إنت راجل جدع يا صاحبي.
هز سلطان رأسه ببطء، ثم نهض بخطوات ثقيلة، كأن قلبه مربوط بخيوط تسحبها عينا ضي…
ظل ينظر إليها نظرة ممتلئة بكل الحب، بكل العشق، بكل ما في قلبه من حياة.
مد فريد يده، وجذب سلطان إلى الخارج رغماً عنه، بينما ضمت عهد ضي إلى صدرها. هناك، انهارت ضي بين ذراعيها، تبكي بحرقة لا تستطيع كبحها… كأنها تستودع عندها روحها كلها.
في الخارج، انحدر سلطان وفريد عبر الدرج الخلفي بخطوات سريعة، حتى بلغوا أسفل البناية. دفع فريد الباب الحديدي فانفتح بصرير خافت، لتقع أعينهم على جلال منتظرًا بجانب السيارة، ذراعاه متشابكتان ونظراته تفيض بالحنق.
ما إن رآهم حتى غمغم بضيق : كل ده تأخير! في إيه؟
ابتسم سلطان بفتور، فتح باب السيارة وقال بمرح يحاول إخفاء توتره: أنا جيت اهو… هي الدنيا هتطير يعني؟
هز جلال رأسه نافياً،وصعد السياره وعيناه تلمعان بالجدية، ثم رد بصوت خفيض ينضح بالسخريه : إن شاء الله… أنا اللي هطيرك من الدنيا كلها.
ضحك فريد بخفة، وربت على كتف جلال وقال:كفاية بقا… ندخل في الجد. جلال، هتلاقي جون كاي ظابط الانتربول مستنيك هناك، ومحضر كل حاجة… أنا كلمته بنفسي.
أومأ جلال برأسه في صرامة، صوته خرج ثابتًا: تمام يا فريد… خلينا على تواصل.
التفت فريد نحو سلطان، نظر في عينيه نظرة أخوية عميقة وهمس: هترجع بالسلامة يا سلطان… محدش هيعرف يسكت المناحة اللي شغالة فوق دي غيرك.
ارتسمت ابتسامة متعبة على شفتي سلطان، لكنه حاول بث الطمأنينة: هرجع… إن شاء الله هرجع.
أشار فريد نحو جلال بلهجة آمرة: التأمين على أعلى مستوى يا جلال.
غمز جلال بحدة، وعلق بنبرة فيها شيء من الحمية والمرح: أمال إيه؟ ده أخو الغالية.
تطلع سلطان إليه من زاوية عينه، غمغم بضحكة خافتة:
مش مرتاحلك يا حليوة.
انفجروا جميعًا بضحكة مكتومة، سريعة العبور، كأنها استراحة قصيرة وسط توتر الموقف. ثم رفع فريد يده ملوحًا وهتف: يلا… في أمان الله. اطلع.
أدار جلال المحرك، فانطلقت السيارة تشق ظلام الليل، تحمل سلطان وجلال نحو قدر مجهول…
أما فريد، فظل واقفا للحظة يراقبهم يبتعدون، قبل أن يعود أدراجه إلى الداخل، يحمل في صدره ثقل المسؤولية التي لم يبح بها لأحد.
بعد مضي أربع ساعات في الطائرة الخاصة، خيم الصمت الممزوج بالتوتر على الأجواء، حتى أشار جلال إلى سلطان ودلفا معًا إلى إحدى الغرف الداخلية للطائرة. ما إن أغلق الباب حتى التفت جلال نحوه بصرامة وقال:
اخلع الجاكت.
امتثل سلطان دون نقاش، نزع سترته وألقاها إلى أحد رجال جلال، فأومأ الأخير بسرعة وهو يصدر أوامره:
جهز الجاكت ده بميك وكاميرا… بسرعة.
انحنى الرجل إلى العمل، فيما ظل جلال يتأمل سلطان بعين مدققة ثم قال بلهجة قاطعة: اخلع الخاتم ده كمان.
أطاعه سلطان، ناول الخاتم لجلال الذي رفعه في يده قبل أن يهتف: جي بي إس جوه الخاتم… دلوقتي بسرعه..
ثم مد يده إلى جيبه، وأخرج سماعة دقيقة تكاد تخفى بين الأصابع، ولوح بها أمام سلطان وهو يشرح:
دي هتركب جوه ودنك… تبقى على تواصل معانا طول الوقت. أهم حاجة… حاول تطول الاجتماع على قد ما تقدر. أنا في الوقت ده هبقى بلم كل حاجة عنهم أسرارهم، مصايبهم… كل حاجة.
ابتسم سلطان بثقة وغمغم:متقلقش… مفيش أسهل من الكلام.
ضحك جلال ضحك ماكرة ورد: أيوه… لت واعجن على قد ما تقدر.
أشار بعدها إلى أحد رجاله: تعالى… ركبله السماعة دي.
جلس سلطان على المقعد الوثير، بينما الرجل يثبت له السماعة بحذر، وجلال يتأكد بنفسه من أن كل شيء معد على أعلى مستوى من التأمين.
وبعد قليل، هبطت الطائرة على أرض روسيا الباردة. الرياح تعصف كسكاكين ثلجية، والسماء الرمادية توحي بقدرٍ ثقيل قادم.
عند أسفل السلم، كان ماركوس في انتظار سيده، يصطف بجانبه ثلاثة من رجال سلطان.
هبط سلطان بخطوات واثقة، وإلى جانبه فتاة فاتنة، جمالها يخطف الأنظار، ترافقه كظله. تبعه الرجال نحو السيارات الفارهة التي توقفت بجوار الطائرة. صعدوا جميعًا، ثم انطلقت القافلة تخترق شوارع موسكو الباردة نحو قصر آل الهواري.
وما إن توقفت السيارات أمام القصر الضخم، ترجل سلطان وهو يرفع صوته بلهجة روسية متقنة:
ــ «Маркус сообщил всем о дате аукциона, чтобы я мог закончить продажу фабрики до того, как перееду с женой в Германию.»
(ماركوس أبلغ الجميع بموعد المزاد… أريد إنهاء البيع قبل أن أسافر مع زوجتي إلى ألمانيا).
أجابه ماركوس بانحناءة خفيفة، وعيناه يملؤهما الانبهار:
ــ «Ваши приказы, сэр.»
(أوامرك سيدي).
ثم تحرك لتنفيذ أوامره دون تردد، فيما تابع سلطان سيره إلى الداخل، يرافقه تلك الفاتنة بدور زوجته وخلفه رجاله، في مشهد أشبه بعرس مظلم يقام على أعتاب الخطر.
……
في شقة فريد الصياد،
ساد سكون ثقيل كأنما الزمن قد توقف ينتظر خبراً. كانت عهد تحمل صينية الطعام بخطوات وئيدة، ثم دفعت الباب ودلفت إلى الغرفة حيث تجلس ضي شاحبة الوجه، وعيناها غارقتان في الدموع.
وضعت عهد الصينية على الطاولة وهتفت بصوت يحمل مزيجا من الحنان والصرامة:يلا يا حبيبتي… لازم تاكلي.
اعتدلت ضي ببطء، ارتعشت شفتاها وهمسة بوجع:
مش قادرة والله يا عهد… معدتي وجعاني أوي.
جلست عهد بجوارها، مدت يدها برفق تمسح دموعها بطرف أصابعها، وقالت بصوت دافئ:يا قلبي… أكيد متوترة وقلقانة. أنا أكتر واحدة حاسة بيكي… عايشة في الرعب ده على طول.
نظرت لها ضي بدهشة، تساءلت ببراءة يائسة: عايشة كده إزاي؟
ابتسمت عهد ابتسامة صغيرة تحمل مرارة التجربة وهمسة:بدعي ربنا طول الوقت يحميه ويحافظ عليه… وبحطه أمانة ووديعة عند ربنا.
ازدادت دهشة ضي، فهتفت بخفوت: إزاي يعني؟
ربتت عهد على يدها بحنان، وأجابت: وهو ماشي وسيبني… بدعي ربنا وأستودعه عنده. وعمرها ما بتضيع وديعة عند ربنا، يا حبيبتي.
انزلقت دموع ضي من جديد، رفعت عينيها للسماء وهمسة بحرارة:يا رب… احفظه بحفظك ورجعه بالسلامة.
ابتسمت عهد بطمأنينة، وقالت كأنها تضع البلسم على الجرح: أقولك على حاجة تريحك؟
أومأت ضي برجاء: يا ريت.
أشارت عهد برفق وقالت : قومي اتوضي وصلي… وربنا عمره ما هيكسر بخاطرك أبداً.
تألقت عينا ضي ببصيص من أمل، فهبت واقفة بسرعة وهتفت:عندك حق… بجد.
وقبل أن تتحرك، التفتت إلى عهد وهمسة بصوت متهدج:
أنا أول مرة أرتاح مع حد كده… ربنا يخليكي ليا.
ابتسمت عهد، عيناها تلتمعان بالصدق، وقالت: وأنا كمان ارتحتلك… تعالي نصلي سوا.
قامت الاثنتان بخطوات متساندة، وتحركتا نحو الوضوء. لحظة بدت فيها القلوب مثقلة بالخوف، لكنها في الوقت نفسه منحنية في خشوع بين يدي الحافظ الرحيم، لعل الطمأنينة تسكب في أرواحهما.
……
في ركن معتم من المستشفى، كانت عليا راكعة على سجادة قد غسلتها الدموع أكثر مما غسلتها المياه.
ختمت صلاتها دون أن تدري كم ركعة صلت، إذ لم يكن لسانها يردد سوى دعاء واحد، يخرج محترقًا من أعماق قلبها: أن يحفظ الله زوجها عز، وأن يعيده إليها، ففيه يسكن نصف روحها.
اقتربت منها عايدة، مدت يدها المرتعشة تربت على ظهرها وهمسة بصوت مبحوح: كفاية يا حبيبتي… انتي ليكي أكتر من ساعتين بتصلي… كفاية.
هزت عليا رأسها بعناد، ودموعها تنهمر بغزارة:مش قادرة… قلبي مش بيهدي غير وأنا واقفة قدامه.
انزلقت دموع عايدة بدورها، وغامت عيناها وقالت:
عندك حق… بس كمان عشان لما عز يقوم بالسلامة تكوني قادرة تشيلي الحمل.
ارتجف جسد عليا، وأجابت بصوت ينزف وجعًا:
بس يقوم… وأنا هشيله على كفوف الراحة وجوه عيني طول عمري. ده مش أي راجل… ده سيد الرجالة وسيد قلبي وحياتي. هو اللي طبطب، وداوى الجرح، ونصفني ، وطيب الخاطر… هو كل حاجة يا خالتي.
لم تحتمل عايدة، فاحتضنتها والدموع تتساقط على وجنتيها، وهمسة في مرارة: رحمتك يارب… داحنا غلابة. قومه بالسلامة لمراته وعياله… ولينا يا رب.
على مقربة، وقف ياسر يضم جنات إلى صدره، يمسح دموعها بأطراف أصابعه، وهمس بصوت دافئ حنون:
ـاصبري يا قلبي… وربك حنين أوي. مش هيحرق قلوبنا… ده فوق طاقتنا. وربنا ما بيحملش نفس فوق طاقتها.
شهقت جنات وهي تخنق دموعها: يا رب يا ياسر…
أما حياة، فقد مسحت دموعها بظهر يدها وهمسة بصوت مخنوق: بابا وعز في العناية… مش عارفة أعيط على مين ولا مين.
جذبتها بطة إلى صدرها، تضغط عليها بدموع ساخنة، وغمغمت:ربنا كريم يا بنتي… ربنا كريم.
خلف الزجاج، كان عمار واقفًا، عيناه معلقتان بجسد عز الممدد وسط الأجهزة، وهمس بمرارة:دخلنا الحارة… وكل حاجة اتلخبطت. إحنا السبب.
هز راجح رأسه نافيًا، وصوته يحمل ثباتا مشوبا بالألم:
لأ يا عمار… إحنا طول عمرنا كده، عايشين وسط النار. بالعكس، من يوم ما سلطان اتجوّز ضي وهو بيصلح أكتر ما بيخرب.
مسح علي دموعه الخفية وهم يتهدج: أول واحد ارتحتله كان عز… تحسه قريب من القلب أوي.
تدخل إبراهيم بصوت متحشرج، كأنه يحبس غصة تمزق حنجرته: أوي يا علي… كنت بحسه أخويا زيكم. حاسس قلبي مقسم نصين عليه.
هز راجح رأسه، بينما أطرق عمار، ثم خرجت الكلمات منهما معًا، كأن قلوبهم صارت لسانا واحدًا: حاسس قلبي مفطور…»
نظروا إلى بعضهم لحظة صامتة، ثم انكب كل واحد في حضن الآخر، يجمعهم عناق حزين ممزق، كأنهم يستمدون من بعضهم القوة للبقاء.
………
في قصرٍ تغلفه رهبة الظلام،
كان الهواء يثقل بالبارود، والستائر المخملية العتيقة تحجب ضوء النهار. دلف أحد الرجال، منكس الرأس، يكاد صوته يختنق وهمس بالروسية:
ــ «Султан Аль-Хавари выжил, мой господин.»
لقد نجا سلطان الهواري يا سيدي.
ارتفع رأس ديفيد ببطء، عينيه تلمعان بشرر بارد، وغمغم بتهكم يقطر سما:
ــ «Ты думал, что сможешь так легко избавиться от султана Аль-Хавари. Пробуй снова, пока не добьёшься успеха.»
كنت تظن أنكم تستطيعون التخلص من سلطان الهواري بتلك البساطة؟ كرر المحاولة حتى تنجح.
ارتجف الرجل، وتردد لحظة قبل أن يرد بصوت مبحوح، يحمل في طياته خوفا ظاهرًا:
ــ «Он уже здесь, сэр. Частный дворец прибыл.»
هو هنا بالفعل يا سيدي… لقد وصل القصر الخاص به.
ضحك ديفيد بقهقهة قصيرة باردة، كأنها صفعة على وجه الصمت، وقال بالروسية، ثم أردف بغطرسة:
ــ «Он пришёл на мою землю и бросил свою прекрасную молодую жену. Он такой глупый.»
وصل إلى أرضي وترك زوجته الصغيرة الفاتنة… غبي جدًا.
لكن الرجل هز رأسه سريعًا، نافياً بقوة:
ــ «Нет, сэр, его жена с ним. Сегодня состоятся публичные торги по продаже краденого.»
لا يا سيدي… زوجته معه هنا. واليوم المزاد العلني لبيع المصنع.
تجمدت ابتسامة ديفيد، قبل أن ينهض ببطء، يمرر كفه على الطاولة الضخمة أمامه، وصوته ينزف تهكمًا:
ــ «Итак, сегодня я получу все, что хочу, фабрику и, вдобавок ко всему, свет Бадри.»
إذن… اليوم سأحصل على ما أريد: المصنع، وفوقه… ضي البدري.
أومأ الرجل مطيعًا، ولحق بسيده الذي توقف فجأة، دار نصف دورة بعينيه الغارقتين في جنون العظمة، ثم غمغم ببرود قاتل:
ــ «Передайте людям, чтобы окружили дворец тяжёлым оружием. По моему сигналу дворец должен быть сравнян с землёй.»
أبلغ الرجال أن يحاصروا القصر بالسلاح الثقيل. على إشارتي… أريده كومة تراب.
انحنى الرجل، صوته يرتجف لكنه مطيع:
ــ «Готовы, сэр?»
جاهزون يا سيدي.
ابتسم ديفيد ابتسامة ملتوية، كأنها نبوءة موت، وغاص القصر أكثر في عتمته.
ووووووووووووووو
ساحره القلم ساره احمد 🖋️
😍😍😍😍
♥️♥️♥️♥️
اكيد تحفة من قبل ما اقرا تسلم الايادي❤️❤️
تسلمي يا قمر ♥️
😍😍😍😍😍
♥️♥️♥️♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️
رررروعه ♥️♥️♥️♥️♥️♥️
تسلمي يا قمر ♥️
الفوت قبل القراءة اديني بقول
صح♥️♥️♥️😘
رائعة كالعادة ❤️❤️
حبيبتي تسلمي ♥️
انا خايفة اقرأ هههههه
ليه كدا 😮😮😮
😍😍😍
♥️♥️♥️♥️
جمييييل جداااا❤️❤️❤️
حبيبتي تسلمي ♥️
تحفة ❤️🔥
تسلمي يا قمر ♥️
النجمة أول حاجه 😘
صح ♥️♥️♥️♥️💋
❤️❤️
♥️♥️♥️♥️
❤️❤️❤️❤️❤️❤️
♥️♥️♥️♥️♥️
أكيد البارت يجنن من قبل ما أقرأ 🔥
تسلمي يا قمر ♥️
💗💗💗💗💗
♥️♥️♥️♥️
روعه ياقلبي ❤❤❤
حبيبتي تسلمي ♥️
البارت روعة 🥰🥰
تسلمي يا قمر ♥️
❤️❤️❤️❤️
♥️♥️♥️♥️♥️
تحفه ❤️❤️❤️❤️❤️❤️
تسلمي يا قمر ♥️
تحفه بجد ♥️♥️♥️🥺🥺🥺
حبيبتي تسلمي ♥️
طرششششش
تسلمي ♥️
البارت ده خلانى اعيط حرفيا 😭
حصل 🥲🥲🥲
❤️🔥❤️🔥❤️🔥❤️🔥❤️🔥
♥️♥️♥️♥️
كمبى يا سوووووو🤍🫂
♥️♥️♥️♥️♥️
💗💗💗💗💗
♥️♥️♥️♥️♥️
حماس مستنية البارت الجاي على نار
نتفاعل وينزل ي قمر ♥️
💕💕💕
♥️♥️♥️♥️♥️
و ادى بوسة لاحلى سارة 💋💋💋💋💋
حبيبتي من ذوقك ♥️
تسلم ايدك يا قلبي بجد البارت نار جدا جدا جدا جدا 💘💘❤️🥰🥺♥️
تسلمي يا روحي ♥️
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️بحبك يا ساره
♥️♥️♥️♥️♥️
يانهار قمر ♥♥♥تسلم ايدك ياقلبي
تسلمي يا قمر ♥️
البارت خطير اوي بجد
تسلمي يا قمر ♥️
تحفة
حبيبتي تسلمي ♥️
يسلم الايدك البارت تحفة
حبيبتي تسلمي ♥️
خفت على سلطان اووي
😓😓😓
جميله
تسلمي يا قمر ♥️
حاجة ولا اروع تسلم ايدك 🔥🥰🥰
تسلمي يا قمر ♥️
البارت خطييير
حبيبتي تسلمي ♥️
تحفه يا قلبي
تسلمي يا قمر ♥️
بارت جامد
من ذوقك يا قمر ♥️
عمتا بجد بجد بجد هو تحفة موت
حبيبتي تسلمي ♥️
خطييييييير
تسلمي يا قمر ♥️
اى العياط دة😢😢
حصل 🥲🥲🥲🥲
حلو
حبيبتي تسلمي ♥️
كميه مشاعر رهيبه تسلم ايدك ياقلبي
تسلمي يا قمر ♥️
جامد 🤩🤩
حبيبتي تسلمي ♥️
ام القفلات بقه🥹🥹
يا سارة اعملي كل الروايات بالحجز وتنزل كلها علي بعضها بقه🥹
مش ممكن كده
من اول لقطة لآخر لقطة عشت اللحظات مع كل واحد فيهم
كل مرة هقولك ان وانا بقرأ ببقي شايفة المشهد مش مجرد بقراه بس
حاسة بوجع كل واحد وبكلام كل واحد فيهم
فريد متمرس لمس البت البسكوتة وقعت 😆😆
ومش بيضيع وقت لازم يخطف بوسه عضة اي حاجة من بعد عمره😍😍
برغم من ان ضي بسكوتة إلا انها منهارتش زي ما كنت متوقعة انها تنهار لما تعرف ان سلطان مسافر
دي حاجة حلوة بصراحة متوقعتهاش طلعت جامدة بصراحة موقفها حلو وكلامها ليه حلو
وقفة الرجالة جمب بعضها حلوة جدا سواء الاخوات في الحارة او الصحاب اخوات ضي او الحليوة والدنجوان
عهد بحسها زي ما فريد طبيب الكل الجدع مع الكل كمان مراته كده تحسيها جدعة مع الكل بتحتوي كل البنات اللي بييجوا عندها وبيحبوها من اول قعدة
يعني ينفع أصلا يعملوا حارة لوحدهم ابطال الرواية دول والله😍😍😍
التفاصيل بقه بتاعت العملية دي أنا يا بنتي وانا بقرأ فيه موسيقي تصويرية شغالة في دماغي سلطان قلع البدلة ركب السماعات القصر نزوله من الطيارة دخلته القصر المزة اللي جنبه مش ممكن يعني
أنا عايزة شخصيا اطخ الجزمة اللي رايح يفجر القصر ده طلقة في وسط راسه ابو شكله
يلا مضطرين نستني للخميس يا رب ييجي بسرعة
سلمت يداك يا ساحرة القلم ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
تسلمي يا قمر ويسلم كلامك ♥️
تحليلاتك جامدة كالعادة يا زهورة … فعلا نفس الفكرة جات في راسي.. ان عهد تماما مثل فريد بتجمع الناس حواليها لكن هي بخلق حسن و زوجها بخلق فاجر هههه كلام و إيحاء و مش مخلي حد فيهم او اي لقطة تمر من غير ما يعلق و يتنمر .
عظمه اقسم بالله خطيرر
تسلمي يا قمر ♥️
مفيش اجمل من كده بجد
تسلمي يا قمر ♥️