عشق ملعون بالدم(الفصل الثاني)
حينَ يُفتَنُ الرجلُ بروحِ امرأةٍ، تسقطُ كلُّ النساءِ من ميزانِ قلبهِ، كأنَّ الأرضَ عاريةٌ إلا منها.
ذلك ليس ميلًا عابرًا ولا رغبةً تُشعلها العينُ وتُطفئها اللحظة؛ إنما هبةٌ تُزرَع في القلبِ بقدَرٍ من الله، فلا يُملكُ صرفُها ولا اختيارُها.
وإن خَسرَ الرجلُ تلك الروح، فإنّ نساءَ الدنيا بأجمعهنَّ، مهما زُيِّنَّ بالحُسنِ وافتتنّ بالجمال، لن يملأنَ فراغها، ولن يُغيّبنَ صدى غيابها.
فالروحُ لا تتقلّبُ كالقلب، ولا تُخدعُ بالبدائل، بل تبقى ثابتةً على العهد، صلبةً في حضورها وغيابها.
ولهذا كان عشقُ الروح هو الصدقُ كلُّه، وهو الأوفى والأبقى، وهو الديمومةُ التي لا تنتهي…
إلا حين تفارقُ الروحُ الجسد، فيصيرُ الموتُ وحده خاتمةَ هذا العشق.
تتردد صدى الرعب في أركان البيت كما لو أن الجدران نفسها ارتجفت مع كل صرخة.
صرخت فاطمة، وصوتها يتهدج من شدة الفزع، وهي تلطم صدرها بعنف: بدر… هتعمل إيه؟! دي مرتك يا ضنايا!
لكن بدر بدا كأنه انسلخ عن ذاته. لم يكن في عينيه سوى بريق جامد كحد السيف، ولم يبق من ملامحه إلا ظل أسود التصق بوجهه،
كأن الشيطان أرخى عباءته عليه. خرجت منه همهمة غريبة، وصوت مبحوح أجش لا يشبه صوته، كأن هناك من يتكلم بلسانه، كأنها لغة لم يعرفها أحد.
وفجأة هوى جسده على الأرض كالسنديانة المقتولة بالصاعقة… ارتجف بعنف، ونافرة عروقه ، وصدره يتصاعد بأنفاس متقطعة كأن تيارًا من نار يضرب أحشاءه.
ثم فجأة… سكنت عيناه على الفراغ، نظرة باردة موحشة لا حياة فيها.
ارتمت فاطمة فوقه، تمزق صدرها وهي تشهق بصوت يذيب الحجر: بدر! يا روح أمك فوج يا ولد! سامعني؟! يا بدر… رد عليا يا ضنايا!
في الجانب الآخر،
كانت ليلة تتقهقر إلى الوراء، ظهرها ملتصق بالجدار، عيناها فاغرتان بالهلع، وشفتيها تقطران دمًا، والدم
يسيل من أنفها خطوطًا مرعبة..
شحب وجهها كطفلة سيقت إلى الذبح… ارتعشت أطرافها، واختنق صوتها بالكاد خرج همسا: هو… ديه مش بدر… والله ما بدر…
أمسكت بها وهيبة بذراع مرتعش، وضمتها إليها بقوة باكية: تعالي يا بتي… جومي معايا، يامري يا بتي نزفتي دمك!
أسرعت مريم، عيناها مفزوعتان والدموع تتلألأ على وجنتيها، وربتت على ظهر ليلة برفق يشوبه ارتباك:اسملله عليكي يا حبيبتي… عين وصابتكم! عين وصابتكم!
سحبتاها بخوف إلى المرحاض، وجلسنها على طرف البانيو كعصفور مكسور الجناح…
جسدها كله يرتجف، دموعها تنهمر بلا توقف، وصوت شهقاتها المكبوتة يتردد في البلاط البارد، وكأن المرحاض صار مأوى لكل خوفها، جدارًا يحبس رعبها وصوتها المذبوح.
دخل فارس وادهم وصهيب الغرفة كأنهم دخلوا إلى قلب طوفان يجرون خلفهم فهمي وسلام، والهواء ينهش وجوههم بردًا وقلقًا…
المشهد أمامهم كان أقرب إلى كابوس يتلوى على أرض الواقع بدر ملقى أرضا، وجسده يلوح ويتشنج كأنه يتقاتل مع ظل غير منظور.
جثا فارس إلى جانبه بسرعة ابن السهم ، وهز كتفه برفق متقشف وصرخ باسمه كالمستغيث: بدر! فوج يا ولد عمي! بدرر…
أمسك ادهم بجسده وهزه بعنف، وصوته ينهار من داخل الغضب والحنق: بدررر ارجِع لرشدك بدررر!
سقط فهمي مذهولًا، عيناه شاخصتان كمن يرى خسارة قديمة تطالعه في المرآة؛ وضع راحتيه على رأسه كمن يحاول أن يكبح المن بعنف عن صدره، كأن لعنة قد التصقت به أيضًا.
لم يتحمل صهيب … واندفع كالسهم، انقض على صدر بدر أمسكه بقوة تفوق قوة الحزن ذاته، وصاح فيه بغضب ممزوج بالمرارة والدموع: إنت كت هتحب اختي! كيف تعمل كده؟! كيف يا بدر؟!
فتح بدر عيناه بصعوبة، كأن الظلام يخلع عنه غطاءه ببطء مرير….
وتنفس شهيقا متقطعا، وصدره يركل الكلام بعناء؛ كل كلمة تخرج منه كأنها تنزع من بين شظايا الألم: أنا… أنا ما… جصدتش… ديه… وچع… چوه صدري… بيجتلني…
صرخ صهيب بصوت أعلى، والدمع يحرق صدره:وچع إيه؟! اللي يخليك تضربها في ليلة دخلتها يا صاحبي؟! كيف تكدب ودس عليا؟ ليه مجلتش إنك هتحبها؟!
نكس بدر رأسه بين يديه، ينهش حزنه ماض سحيق، واستسلم لذكريات لحظات تكاد تقتله كلما عاشها في الذاكرة؛
زرفت عيونه بمرارة مقهورة، ثم رفع وجهه ببطء، وقال بصوت خافت مكلوم يخلو من أي تهرب: حجك عليا يا صاحبي… أنا كل ذنبي إني عشجتها، وكت أناني واخترت أعذبها وأعذب حالي.
أمسك فارس بذراع صهيب ليبعده قليلًا عن بدر، وصوته يجلجل بحزم يحاول أن يغطي على الوجع: بكفياك يا صهيب… مش بيده يا چدع… وانت أدرى واحد بيه، أدرى بولد عمك.
رفع بدر عينيه، فيهما حزن مقهور، كأن الروح نفسها تستغيث، وظل يردد بصوت مبحوح يكاد يختفي: ما جدرتش… ما جدرتش… هو اجوي مني وچعه بيجتلني.
نظر الجميع له بحزن يقطع نياط القلب ..وسكنت الكلمات للحظة في الهواء، كأنها شحمة زمن تقطع مسافة القلب إلى القلب…
وفي ذلك السكون الرهيب، بدت كل الآلام مضاعفة وجع ليلة ، دم على الشفاه، صرخات في الباطن، وندم يكاد يفجر الصدر.
احتضنت فاطمه كف ابنها كما لو أنها تريد أن تمنعه من السقوط إلى أعماق لا عودة منها؛ ارتجفت شفاهها ثم انفلت منها صوت يختنق بالحزنِ والإنكار: ديه مش هو! ديه ولدي اللي مربياه ميعملش إكده واصل! ديه ذنب بس مش ذنبه يا خلج..
توقف الكل للحظة، وكأن الكلمة أملت عليهم أن يسمعوا شيئًا لا يرى…
ثم حمل الهواء معه أنفاسا أخرى، أثقل وأعمق، كأنها تتوهج من داخل سقف الغرفة ولا تنبعث من صدر بدر. ساد الأمر شعور بأن الظل الخفي لم يزل باقياً، يزحف بين الأثاث، يرصد الجموع بعين لا تغفل.
نظر سلام حوله برعب وانفجر بصوت قاس رغماً عن الدموع: أنا بتي يستحيل تجعد في الثريا المعجربه ديه ولا مع المدبوب ديه تحت سجف واحد ساعه زمن!
كانت كلماته كصفعة، تزلزل المكان، وأحدثت تماوجا بين الحضور ذهول، غضب، واستعجال…
نهض بدر على غير توازن، يسند صدره بيده كما لو أنما يحاول أن يثبت قلبه الذي يترنح، وهتف بصوت مفعم بالتمسك والتهديد معًا: كيف يا عمي! بتك مرتي! محدش يجدر يبعدها عني حتى لو أنت!
تقدم فارس وأدهم بسرعة، تمسكوا ببدر محاولين ثباته ومنعِ أيِ انفعال قد يطيح بالجميع في هاوية…
همس فارس بقوة محاولاً تهدئته: اهدي يا بدر وأمسك بحبل العجل يا ولد عمي.
وقف سلام يهز الأرض بعكازه حتى صدح صوته كقرع صخر : مرتك بدك اهمل بتي تحت يدك وانت هتغيب عليها وتفطس تحت يدك وانت كيف التور إكده!
أمسك صهيب بذراع ابيه أمسكه ممزوجًا بالغضبِ والاختناق وقال بصوت يختزن التمزق: ميصحش كده يا بوي.
فتح بدر فمه ليتكلم، لكن فهمي وقف في المنتصف كمن يواجه رياح عاتية بعصا صلبة،
ونظر إلى سلام بحدة فيها لون الواقعية والبراءة المحروقة، وقال بحسم مفرط في العقل : يا سلام أنا عذرك، وأي راچل ف مطرحك هياخد بِته ف يده، بس فاكر زين يا ولد عمي لما بتك تهمل بيت چوزها، ف ليلة دخلتها الخلج هيجولوا إيه؟ وأنت خابر زين الخلج ما هيصدجوا؟ وسلنا هيبجي على كل لسان اللي يسوي واللي ما يسواش.
رد سلام عليه بغضب أعمق، كأنه يرد لصوت الجماعة المنتظرة بالخارج: وأنا لما بت تموت ف يد ولدك هينفعني حديت الناس؟
تناثرت الكلمات كزجاج منكسر؛ كل صوت جرح، وكل جملة نزفت ألما أعمق: غيرة تفور، عار يخنق، مسؤولية تتقاذفهم، وصوت العائلة يتأرجح بين قسوة ورأفة.
ربت فارس على منكب سلام، صوته خرج غامضًا خافتًا، كمن يسكب على الجمر قليلًا من الماء كي لا ينفجر الحريق: يا عمي… نحلها حل وسط، لا نفضح حالنا ولا تخسروا بتكم.
أومأ فهمي بسرعة، كأنه يتمسك بخيط نجاة وحيد، وهتف متعجلًا: أنا أوعدك… الولد مش هيچي چنبها تاني واصل.
لكن بدر لم يطق صمتًا، نظر إليهم جميعًا بعينين متقدتين كجمر مشتعل، وخرج صوته هديرًا يمزق السكون: كيف يعني؟! ليله مرتي… محدش يجدر يبعدني عنيها!
غضب ممتزج باليأس تسرب إلى الوجوه، وانفجر فهمي غاضبا وهو يشير لبدر بعين دامعة:اكتم يا ولدي! ليك عيني تنطج؟ انت خابر زين إيه اللي هيِوحصل… لما تاخد واحده عشجها… وكدبت ودسيت علينا كلاتنا؟
مال صهيب الي الامام ، وعيناه كجمرتين ملتهبتين، وخرج صوته كالسم: هتتحرم منيها يا صاحبي… وهي جدام عينك.
زمجر بدر بغيظه، وابتلع غصته وأسنانه تطحن بعضها، لكن سلام انقض عليه بصوت حاد، كالسوط: هي سنة… وبعد إكده هتطلجها غصب عنيك!
صرخة بدر دوت كالنار المحصورة في صدر ضيق، لكن فارس وأدهم أمسكاه قبل أن ينفجر…
كمم فارس فمه بقوة وهمس في أذنه كمن يحقنه بجرعة سم ووعي: اخرس! وشغل عجلك… كفاية إنها هتبجى معاك في بيت واحد يا غبي.
لكزه أدهم بقبضته، وهدر في أذنه بغلظة: بيجولك سنة! ومحدش داري… بكرة فيه إيه؟ كفياك سربعة وفكر زين.
رمقهم بدر بغضب موجوع، كمن يساق إلى المذبح وهو يعرف، ثم غمغم بصوت مبحوح: ماشي…
نظر سلام إليهم جميعًا، عيناه تحملان التحذير الحاد والوعيد، وهدر بصوت كالسكين: بِتي أمانة في رجبتك يا فهمي.
ثم التفت إلى فاطمة المنزوِية في زاوية الغرفة، عيناها محمرتان من البكاء، وصوتها يخنقه الحزن، وهدر سلام:
وفي رجبتك يا أم حمزة… لو في يوم ولدكم جرب منها وصابها عفش… هيبجى تار بنتنا ليوم الدين.
رفعت فاطمة وجهها نحوه، والحنق يشع من ملامحها المبللة بالدموع…. أومأ فهمي برأسه، وصوته خرج محملًا بالوجع والانكسار: عداك العيب يا ابو عمو … ومن النهرده… بِتك كيف نغم، وكيف بناتي… وبدر مش هيچي لمتها واصل.
ساد الصمت لحظة، كأن الهواء صار أثقل من أن يتنفس، حتى قطع صهيب السكون وهو يتشبث بكف أبيه وغمغم برجاء: أنا رايد أشوف ليله وأطمن عليها جبل ما نروحوا… أكيد أمها جلجانة عليها… وبدنا نروحوا نطمنونه والناس تروح.
أومأ فارس برأسه، اقترب من بدر، وجذبه بقوة وهو يغمغم بحزم: البس چلبيتك يا ولد عمي… وتعال معاي.
تردد بدر لحظة، كأن قدميه تصران على الثبات بينما قلبه يتفتت، ثم التقط جلبابه من الأرض، ارتداه ببطء، وعيناه تذرفان الحزن كدم حار….
وتحرك نحو الخارج بخطوات متثاقلة، وفارس وأدهم يسيران خلفه كظلين، لا يتركان له فرصة للتمرد.
نهضت فاطمة بخطوات متعثرة، ودموعها ما زالت تخط على وجهها أنهارًا، واقتربت من باب المرحاض تضربه بكف مرتجف وغمغمت بحرقة: وهيبة… افتحي يا خيتي.
لحظات، ثم انفرج الباب ببطء، وانطلقت ليلة كالسهم إلى حضن أبيها، تبكي بحرقة ممزقة، وغمغمت بصوت مختنق:خدني معاك يا أبوي… مجدرش أجعد إهنه أبدًا.
ضمها سلام إلى صدره بقوة، صوته خرج مبحوحا، محملًا بوجع السنين: انتي زينة يا بتي…
لكنها هزت رأسها بهستيرية، والدموع تغمر وجهها، وصوتها يتقطع كأنه يخرج من صدر مثقوب: لا… بدر كان كيف الشطان! أنا اترعبت منيه… مِجدرش أجعد معاه في بيت واحد.
مد صهيب يده، يربت على منكبها برفق، وصوته فيه حنو مذعور: يا خيتي… ما ينفعش تروحي معنا دلوق…. لسان الناس مش هيرحمنا… واحنا اتفاجنا… بدر مش هيجرب منيكي أبدًا.
تشبثت ليلة بثياب والدها، ودموعها تنهمر، وصوتها يختنق برجاء: لا… أنا هخاف من البيت ديه… البيت مش طبيعي يا أبوي. والأوضه ديه فيها حاجه مرعبة! أنا شوفته… وحسيت أنفاسه، والله يا أبوي…
اقترب منها فهمي، ربت على يدها بحنو أبوي وقال بصوت مطمئن: يا بتي… مش هتجعدي في الأوضه ديه واصل. وبدر مهيچيش چارك واصل.
أومأ سلام برأسه، وصوته كالمطرقة الحزينة: هي سنة يا بتي…
أطرقت ليلة رأسها، دموعها ما زالت تغسل وجنتيها، وغمغمت بصوت متكسر: أنا سمعتكم… بس أنا خايفة يا أبوي…
اقتربت منها فاطمة و وهيبة، قلبيهما يتشققان شفقة، وربتتا على ظهرها… قالت فاطمة بحنان موجوع: متخافيش يا بتي… كليتنا حوليكي… ومش هتجعدي في الدور كلاته… هتندلي تحت… في أوضه نغم.
ربتت وهيبة على رأسها بحب، وهتفت بصوت حاني:
كفاية بكا يا بتي… عنيكي كيف الكيسان يا بتي.
رفعت ليلة عينيها المرتجفتين، نظرة خوف ورضوخ في آن، وهزت رأسها على مضض… فاحتضنتها فاطمة إلى صدرها بقوة، وهمسة بحب حارق: تعالي يا بتي…
انصاعت ليلة، تتحرك بجسد ثقيل كأنه يحمل فوقه جبالًا، نزلت مع أمها إلى الأسفل، تاركة غرفتها وراءها…
تاركة كل أحلامها الملونة التي نسجتها عن ليلة العمر. الليلة التي كانت تظنها أسعد ليالي حياتها انقلبت، في لحظة، إلى أسوأ كابوس عاشته.
نظر سلام إلى فهمي بعينين دامعتين وحذر دفين، وغمغم: مش هوصيك يا فهمي… خدها بتك يا واد عمي.
أومأ فهمي برأسه، صوته خرج صلب كالعهد:اباي يا سلام… ديه أمانة يا واد عمي. متخافش.
تبادل الرجال النظرات الصامتة، ثم تحرك سلام وصهيب، متشبث بكف والده، وغادروا الغرفة…
لحق بهم فهمي، وأغلق المصابيح ثم أغلق الباب بعنف، كأنه يغلق على وحش يرفض أن يكبح.
وأغلقت غرفة العروسين، التي قبل قليل كانت مهيأة للزينة والفرح، تحولت إلى مكان مكفهر، يملؤه الغضب والرعب وأنفاس ثقيلة…
الهمهمات الغامضة تتردد بين جدرانها كأنها لعنات متربصة، كأن الغرفة ترفض أن تحيا فيها قلوب تعشق… وتتوعد المزيد.
والقصر كله صار على شفا كلمة واحدة: لماذا؟ ولماذا الآن؟ ولمن النهاية؟! ومتي الرحمة؟!
……….
في بيت صغير على منحدر الجبل،
ذلك البيت الذي صاغه فارس وأدهم وبدر ملاذا لهم، حيث يلتئمون بعد عناء النهار؛
كان المكان مهيأ للراحة بالبساطة التي تحنو على النفوس. أريكة جلدية هنا، وكرسي هزاز هناك، وشرفة تطل على وادي تتوارى فيه الشمس خلف أزاهير الحقول
كل شيء هناك معد ليسكن قلوبهم ويخفف عنهم صخب الحياة.
جلس فارس في كرسيه الهزاز، عيونه تراقب بدر، والقلق على جبينه يختلط بصمت ثقيل….
كان بدر يتوهج ويدور حول نفسه، يمشي ويتوقف، كأسد جريح يفتقد لراحة قلبه…
أما أدهم فمدد بدنه على الأريكة، ورأسه يتدلي إلى الخلف وهو يتلوى بابتسامة مريرة، ثم غمغم بهدوء يحاول تهدئة العاصفة: اهمد يا چدع خيلتني وخبلتني كنك ادبيت يا بدر.
انفجر بدر بغضب متعب، وقبض علي شعره وكأن جذور صبره تسلخ، وصوته ارتطم بالجدران كصدى من نار: يا بوي ادبيت بس.. دانا عجلي هيطج مني! انا بدر الانصاري مرتي تجوم من تحتي كيف ما هي بت بنوت بختم ربها ليه؟ ايه اللي چري في الدنيا يا چدعان؟ لا دانا اتخبط عين صوح يا فضيحتك اللي بجت بچلاچل يا بدر ويا واد الانصاري!
ارتفع حاجب فارس مدهوشًا، وقال بلهجة تخفي غضبًا ممزوجًا بالتعجّب: ـ يخربيتك چبت البرود ديه من وين هو ديه اللي هامك؟
ضرب بدر الطاوله بقدمه بدر فدوى صوت الارتطام في زوايا البيت ، بلا صبر على الكلام، ورمى بكفه في الهواء كمن يريد أن يطرد ظلا: لا دنا بشغل عجلي عن مصيبه سوده ومجندله! عشان لو هفكر فيها هرمي حالي من فوج الچبل ديه واخلص!
نظر له ادهم بنظرات احتوت مرارة وحذرًا، ونهض قائلاً بنبرة تقص التجربة على الجروح: جلتلك يا واد عمي وانت مش هتتعلم من اللي حصل.
جلس بدر منهكًا؛ ودموعه جمدت على محاجر عينيه، بصمت يخنق الكلام.. ثم قال بهمهمه اختلطت بالتحجر: كنت فاكر حالي شديد وأجدر اتحمل اي الم… دلوق بس حسيت باللي وصل حمزه الله يرحمه للموت.
قامت في ثورة هادئة بداخل فارس، نهض وتحرك إلى الشرفة كمن يطلب هواء يكسر الغصة، وغمغم بصوت خافت مبحوح: ياما حذرتك بس انت چبروت يا بدر… اشرب يا عم الدكر.. لبست في حيط اهي جدامك ومهتجدرش تمسها.
التفت بدر إليه، عيناه تشعان حنق وألم معًا، ورد بصوت ماض لا يقبل التسليم: ماشي يا غالي… بكره تجع ووجتها مش هسمي عليك.
نظر له فارس بعيون مثقلة باليأس ، وميل رأسه، وهمس بصوت منخفض لكنه محكم: ليه أنا مدبوب كيفك؟ ماله غض الطرف يا حبيبي؟ ما تبصش لحد ولا تدي فرصة لواحدة تبصلك؟
التقط أدهم الكلام بحدة تنوب عن قلق داخلي أكبر، وابتلع لهيب الغضب ثم هدر: اموت وأفهم… كيف انت ليك جلبين؟ شكلهم التنين عطلانين، مش واحد بس يا غالي!
هز فارس رأسه ناظراً إلى الهوامش التي تكون صدر الرجلين، وقال بهدوء متأمل: لا… بس جلبي الميت حارس على جلبي الحي، عشان يخليه يكمل حي.
ضحك بدر بسخرية مرة، أخرجت حرارة الألم من صدره فكانت كلماته كالسهم: ليه حاسس كنها حلاوة روحي بس؟
انفجر أدهم من مكانه، صوته محطة حدة: يا چدعان، متى هنعيش كيف الخلج لما نموت؟
ابتسم فارس ابتسامة قاتمة، ثم قال وهو ينظر إلى الفراغ: يمكن !! ما مهب حاجة تطير العجل.. ايه يحصل فينا كده. لعنة جديمة كيف ما هيجولوا حد اتلعن زمان، طب ليه هتتنجل من چيل لچيل؟! ومين أول واحد صابته، وليه؟ وليه اللعنة دي هتصيب اللي هيعشج بس؟
رفع بدر رأسه بحزن عنيف أجاب .. لكن صوته خرج ارتعش: بتصيب اللي هيعشج كن الحب متحرم علينا !!
تنهد أدهم بحسرةٍ، وكأنه يوقع قراراً على قدرٍ كتمه: مكتوب يا واد عمي اللي يدوج العشج، يدوجه مغمس بالوجع… مكتوب.
تمتم بدر بكلمة تبدو كصدى من قلب محروق: وإي وچع؟ كنه طلوع الروح كنه كف غليضة باردة كي الچليد… بس تكلبش ف صدرك ، هتجيد النار ف جلبك.
اقترب فارس وجلس أمامه، وقبض على يده وكأنه يشبهه على آخر ما تبقى من صمود فيه، وقال بغمغمات تخرج من صدر أجوف: كنت وعي على حالك؟ وانت هتمد يدك على ليله يا بدر؟
انهمرت دموع بدر أخيراً، تلك التي حاول أن يحبسها طويلاً، وهتف بنحيب خافت يئن في الحلق: ورحمة حمزة ما كت… يا غالي، انت أكتر واحد عارف أنا هحب ليله كيف … دي يدي تتجطع، ولا أمدها عليها؟ دي البت الوحيدة اللي عشجها جلبي… أنا لما وعيت على حالي، لجيتها هتنزف بين يديا.
قبض بدر على ذراع فارس وأخذ يلهث، صوته متحشرج موجوع ومليء بالإقرار: الألم اللي سحج جلبي وجتها… كان ألم من جهنم يا واد عمي.
عض فارس شفتيه بقوة، وضبط غضباً نابضاً، ثم ربت على يد بدر بحنو وكأنه يرد له قطعة من العدل: بكفيك، ما تبكيش…. ربنا يعدلها يا بدر. قوم اتوضي، وصلي العشاء،ارمي حملك على الله!!
اهتز صدر بدر؛ ومسح دموعه بكم جلبابه، قام ببطء متثاقل واتجه إلى المرحاض ليحجب وجهه، وأغلق الباب خلفه كقفل على صرخة.
طالت النظرات بين أدهم وفارس؛ نظرة صامتة ثقل أكثر ابلغ من أي كلام…
في الخارج،
تنفس ليل نجع هادئ، لكن داخل البيت كانت نار القلق تحركهم، تصنع من كل نفس سؤالاً بلا إجابة، ومن كل ألم وعدا بمزيد من الليالي السود.
……..
في منزل سلام الكاتب،
هبط سلام من سيارته يتبعه صهيب ، وصوته يجلجل في الفناء وهو يرفع يده عاليًا: الحمد لله يا رچاله! اطمنا ع بنتنا… بت الرچاله غالية.
ارتج المكان بأصوات الأعيرة النارية المدوية، وانطلقت الزغاريد تمزق صمت الليل،
فرح صاخب يلف الوجوه، بينما سلام يرسم ابتسامة باهتة على محياه، وهتف بصوت مصطنع الفرح: عشي يا رجاله… يا وَلَد.
أومأ صهيب سريعًا، يرد بقوة ليغطي على ما يختبئ خلف عيني أبيه: حاضر يا بوي.
تقدم سلام إلى الداخل بخطوات متثاقلة، يجر أقدامه كأنها محملة بالحديد. كان صابر يتأمله بدهشة، فاقترب من صهيب هامسا بقلق:ماله أبوك يا خوي؟ الهم كاسر في عينه في ليلة زي ديه… ليه؟ خيتك زينه؟!
أومأ صهيب وهو يزفر تنهيدة حبيسة، ثم قال محاولًا أن يطمئن نفسه وأخاه: زينه يا خوي… بس انت عارف أبوك، قلبه متعلق بليله جوي. تلاجيه شايل هم دخلت البيت وهي مش فيه.
رمقه صابر بنظرة تحمل شكا دفينًا، لكن صهيب ربت على منكبه بحنوّ وقال:تعالي… خلينا نعشوا الخلج مع الرچاله.
تحرك صابر معه، وقلبه ينهشه قلق لا يعرف له مخرجًا.
أما في الداخل، فقد استقبلت شهية سلام بلهفة الأم، اندفعت نحوه تسأله والدمع يترقرق في مقلتيها:
طمني يا ولد عمي… البت زينه؟
أومأ برأسه، ورسم ابتسامة مفتعله، ورد بصوت مجلجل محمل بالتصنع: زينه جوي… يا زين ربيتك يا شهيه.
تراجعت خطوتين، وعيناها تقرأ ما يكتمه، فشهقت بدهشة: كيف؟ وعينيك مطفية يا سلام! البت زينه وعتلها واتحدتت وياها؟!
أطرق رأسه، يتفادى نظرتها، ثم مسح على جبهته وقال بصوت مثقل:زينه يا بت الناس ..بس وأعره عليا… دخلت الدار وليله مش فيه يا شهيه.
هوت دمعة حارة من عينها وهمسة بوجع مكتوم:صوح يا سلام… صوح. دانا حسيت كأنها جطفت جلبي وهي طالعة من الدار.
أومأ برأسه متماسكًا بصعوبة، وأضاف بصوت متماسك مكسور: بس الحمد لله… ربنا يهدي سرها، ويرزجها الخلف الصالح اللي يعمر دارها… ويشعلج جوزها فيها أكتر.
رفعت شهية يديها بالدعاء، وعيناها تفيض دموعًا ساخنة:
يارب يا خوي… يا رب.
ثم حاولت أن تغطي على قلبها المرتجف، فأطلقت زغاريد متتالية، صاخبة بالفرح، مشوبة بالقلق… كأن روحها كانت تستشعر أن وراء تلك الليلة ما وراءها…
اقتربت دلال زوجة صهيب بخطوات مترددة، عيناها تلتفتان حولها خشية أن يلتقط أحد همستها، ثم انحنت نحو شهية، وصوتها خرج كخيط مرتعش:الستره يا مرت عمي… مختيش منه الستره ليه؟
كأن كلماتها أيقظت شهية من غفلة غارقة، ارتجف جسدها، وضربت كفا بكف، وهتفت في وجه سلام بصوت متوتر: أيوه… صوح!سترة البت وين يا سلام؟!
تجمد سلام مكانه، والعرق يتصبب من جبينه… وتسلل المشهد إلى ذاكرته كطعنة وهو في السيارة قبل دقائق قليلة،
مد يده إلى جيبه، وسحب منديلاً أبيض نظيفًا، ثم التفت إلى صهيب بنظرة محملة بالوجع، وغمغم بصوت متحشرج: هات يدك يا ولدي.
لم يحتج صهيب تفسيرًا؛ امتلأت عينيه بغصة، ومد يده في صمت مستسلم…
ثبت سلام قبضته عليها، وسحب خنجره، وشق بها الجلد بلا رحمة…. سال الدم ساخنا على الأصابع،
وانكمش وجه صهيب من الألم لكنه لم ينبس بحرف. وضع سلام المنديل الأبيض تحت الدم حتى تلطخ، وكأن شرف العائلة قد تحول إلى نقطة دم فوق قماش.
انتفض سلام من ذكرى المشهد على صوت شهية وهي تهتف بلهفة تشق صدرها: سلام! مالك يا أخوي؟
رفع رأسه إليها بعينين مطفأتين، وهز رأسه نافيًا، ثم أخرج من جيبه المنديل الملطخي بالدم ومده إليها قائلاً بصوت أجش: خدي… سترة بتك.
تلقفته شهية بيدين مرتجفتين، كأنها أمسكت بكنز أثمن من العمر، وضمت المنديل إلى صدرها…
في تلك اللحظة انطلقت الزغاريد من حناجر النساء، دوت الأعيرة النارية مجددًا، وغمر الفرح الزائف أركان البيت… بينما في عيني سلام ظل الحزن يشتعل كجمر لا ينطفئ.
……….
في غرفة رماح الأنصاري،
دخل فهمي بخطوات مثقلة بالألم، وهمس بصوت يختنق بالوجع : لساتك صاحي يا ابوي”
رفع رماح رأسه، وعيونه تلمع بالدموع، وقال بصوت متهدج متقطع: وحد هيچيه نوم واصل في الليله ديه يا ولدي… وانعس كيف وانا واعي… ولد ولدي حالهم متشندل إكده”
جلس فهمي بثقل، وزفر بمرارة، وغمغم : مكتوب يا ابوي”
هز رماح رأسه بالنفي، وأصدر صوتا حادا ممتزجًا بالغضب والحزن: ديه مش مكتوب يا ولدي… ديه الظلم بعينه… أنا لو احط يدي على اللي صابنا بالجهر الخافي ديه… كت أجطع من چتته بسناني”
ربت فهمي على كف والده المجعد، وهمس بصوت غارق في الحزن:يابوي… احنا طلعنا على إكده… عيله ملعونه… بالكره اللي يعيش والحب يموت… ويتخنج في مهده”
أومأ رماح بحزن، وغمغم بصوت متهدج:متي يا خلج… كان العيشه للكره والموت للحب… غير عندينا”
نهض فهمي، وقبل رأس والده، وهمس:كننا منستحكش الحب يا ابوي… لازمن عشان نعيش نكره بعض… نام يا ابوي… تصبح بالخير”
أومأ رماح بحزن، وقال بصوت خافت:وانت من أهلو يا ولدي”
خرج فهمي محملاً بالألم والوجع على كاهله، وأغلق رماح عينيه بحزن مقهور، وهو يشعر بثقل يضغط على قلبه، وغمغم: استر يارب…”
………….
في غرفة نغم
كان الليل يزحف ببطء كوحش ثقيل، والهواء راكد مشبع بالرهبة…
جلست ليلة في منتصف الفراش، تهتز بجسدها النحيل كما لو كانت تتصدع من الداخل،
والنحيب يعلو منها حادا، ممزوجا بوجع عميق. غمغمت بصوت متحشرج يائس:مش جادره أصدج إن اللي كان جدامي ديه بدر… ياريتني ما حبيته، أنا لو كنت أعرف كده كت دوست علي جلبي بالچذمه.”
ربتت نغم علي منكبها برفق متردد، ومدت يدها المرتعشه وهي تحمل كوب عصير الليمون نحو صديقتها،
كأنها تمد لها طوق نجاة وسط بحر مظلم. ودموعها تنساب وهمسة برجاء: هدي يا ليله… واشربي اللمون، يروج دمك… وانتي أكتر واحده أدري بي بدر… ومتاكيده إنه هيعشج تراب رچليكي. بس المرار المخفي ديه… اللي ياما خرب بيوت وحصد أرواح.”
رفعت ليلة عينيها إليها، والدموع تتساقط كسيل لا ينقطع على وجنتيها، وقالت بارتجاف يمزق نياط القلب:
مرعب يا نغم… الصوت كنه حد يوسوسك بس متفهيش هيجول إيه… والبرد… الأوضه كانت كيف التلاچة… وضل أسود كبير جوي… كنه هيتلف علينا كيف الحنش. أنا الدراعه اللي ختها… مهتطلعش من بطني أبدًا.”
ارتعشت نغم، وابتلعت لعابها ببطء كأن الغصة علقت في حلقها، بينما نظراتها تجوب زوايا الغرفة وكأنها تتوقع أن يخرج منها شيء ما…
وهمسة بصوت يكاد لا يسمع: بس يا ليله… صحبتك هتخاف من ضلها. والدنيا ليل… يلا نناموا أحسن.”
أومأت ليلة برأسها في استسلام، ومسحت دموعها المرتعشة، ثم غمغمت برجاء خانع: بس خلي النور… أمانه يا نغم.”
قفزت نغم بجوارها على الفراش، كأن الخوف دفعها إلى الاحتماء، وسحبت الغطاء فوق جسديهما بقوة، كما لو كانت تظن أنه سيحجب عنهما العيون المتربصة في الظلام. وهمسة بلهجة مرتعشة: أنا أصلا مش هندل من علي السرير غير لما صبح ربنا يطلع… وأمي تيچي تصحيني واندل من السرير وهي وجفه چمبي.”
انسلت ليلة تحت الغطاء، تتكور على نفسها، وعيناها تدوران في الغرفة برعب، تتابع كل حركة ظل يتراقص على الجدران….
كان جسدها يرتجف وهي تردد آيات قرآنية بصوت خافت، تحاول بها أن تسكن اضطراب قلبها، علها تجد فيه الطمأنينة…
غير أن النوم ظل بعيدًا، كأن هذا البيت الموحش يأبى أن يسمح لهما بالراحة، ويصر أن يبقى
السهر حارسًا على جفونهما.
…………….
في صباح ناعم يتثاءب فوق بساتين العزيزي،
ارتفع صوت أنعام من خلف الموقد مقطعًا سكون الصباح بحنق مرح: حبيبة يا بت، حبببببيبة!
ضربت خطوات حبيبة عتبة المطبخ كمن يجر نبضة قلب خلفه… دخلت وهي تركض، فصطدم طرف إصبع قدمها بحافة الباب بقسوة عما الصمت ثوان، ثم بدأت تقفزت من الألم وتصرخ: الله يا حبيبي!
خنق الضحك أنعام وخرج مرهق من حلقها، ثم لوحت بيدها كأنها توزع وصايا النجاة: نفسي تفكري هبابه، وانتي هترمحي وتوعي الأرض كيف الناس!
تمسكت حبيبة بقدمها، وهي تقف على ساق واحدة، تعلو ملامحها شكاوى طفولية ممزوجة بردة فعل مملوءة تداعي: يعني كمان أنا اللي عميا ومش هفكر كيف الناس تشكري يا ست أنعام؟
هزت أنعام رأسها بإمعان، وقالت بلا تلطيف: الشكر لله يا بتي، يعني اغشك ميصحش، صوح.
جلست حبيبة على كرسي الطاولة، نظرتها تورق على إصبعها المتوجع، وبرق حزن رقيق في صوتها:
اتجلط ينة… وضفري انكسر، يا غلبك يا حبيبة.
قهقهت أنعام بتهكم لا يخلو من حزم وقالت : طب ربي دكرين بط بدل ما هتربي ضوافرك، يا جلب أمك.
صاحت حبيبه بحدة تكتنز تحدي: آه… أنا حبيبة العزيزي! أربي بط؟ ليه إن شاء الله أدبيت يا ست أنعام؟!
قلبت أنعام وجهها بابتسامة مرة، وقالت بنبرة تحث على الحكمة:ليه يا بتي؟ مهي البت في الآخر هتبجى لي بيتها وچوزها… أمال المغلوب على أمره اللي أمه وأمه محمد دعوا عليه يتشندل حاله لما يتچوزك؟ ونفسه تهفه على البط، هتجوليله يحنن ولا هتبعتيه ياكل عند أمه؟
اصطبغت ملامح حبيبة بسخرية مرحه وعلقت كقشدة رقيقة على صوتها، واكملت بدموع زائفة تلتقط أنفاسها:
أمه داعية عليه يتشندل حاله؟ وهتجوليها في وشي؟! لا، أنا مش بنتك …جوليلي الصراحة… وهاجبلها والله!
أومأت أنعام برأسها كما لو أنها أصابتها رؤية مؤكدة، ومن قمة سلطتها قالت: لا بتي… وحزجت فيكي من علو راسي… كنتي لازجة كأنك ماعندكش رغبة تيچي الدنيا…
هزت حبيبة رأسها بإنهاك، واستدارت لتخرج، وهتف صوتها بين ضحكة مكتومة ونبرة مقهورة: أه، ديه كان إحساسي يما.
ردت أنعام بسخرية أمية لا تخلو من تحذير: رايحة وين؟ تعالي ساعديني يا مجصوفة الرجبة مرت أخوك هتنيم بيها بنتها… ومرت اخوكي التانيه في بيت ناسها…
توقفت حبيبة للحظة، ثم عادت بخطا أقصر، شفتيها تنكمشان بغضب مترف وهمسة : أعملك السلطة.
رفعت أنعام صوتها في نبرة صارمة: يابتي! هتعيشيها على السلطة؟ إياك!
قطمت حبيبة الخيار بحدة، وقالت بصوت أضخم من حجمها:وأنا مالي؟ إن شاء الله ما طفح… أنا كت طباختها!
لوحت بيدها كمن يضع قرارًا في عنق الحياة، ونفختها بتحد أخير:بصي يا حچة… أنا مش هتچوز أبدا.
كانت الكلمات الأخيرة كصدى رتيب في المطبخ وطيف من عناد واختيار، يختمر خلفه قرار آخر ربما لم يعلن بعد.
شدت أنعام على يد ابنتها وسحبتها بعنف تخفي خلفه خوفًا عميقًا، وهتفت بصوت مبحوح ممتزج بالوجع:
على سيرة الچواز… اتحدتي مع ريم؟
أطرقت حبيبة برأسها، وانكسرت ملامحها كمن يحمل ثقلا أكبر من سنه، وهمسة بنبرة خافتة ممزوجة بحزن شفيف: يما… ريم جفلت الكلام بالضبة والمفتاح… ريم لسه هتحب طه اللي يرحمه… وكمان هتشوف أمير كيف أخوها الكبير وبس… مش جادرة تشوف حالها مع أخو چوزها يا ناس.
هزت أنعام رأسها بعناد يخلط السخرية بالتصميم، وقالت بتهكم لاذع: يبجي إنتي مخبرتيش تلفي عجلها بكلمتين. ماله أمير؟ زينة الشباب، وميتخيرش عن طه الله يرحمه!
ارتجفت أنفاس حبيبة، وارتسمت الدموع في عينيها، ثم غمغمت بحزن يقتطع الروح:صعب جوي يا يما… هي كانت هتحب طه جوي… فاتت سنة من يوم ما طه…
قطعت عبارتها، وعضت على شفتها تمنع دموعها من الانفجار، ثم همسة كمن يبرر القدر: كتر خيرها إنها بعجلها والله…
أومأت أنعام برأسها، لكن الحزن تسلل من عينيها قبل صوتها، وانحدرت دموعها حارة على وجنتيها وغمغمت بكلمات تحرق الفؤاد: اباي يا بتي… وانا كنت جولت مهتحبش طه…بس يا بتي… البنية لساتها صغيرة، وحرام يضيع عمرها أكده…. ولو اتحملت السنة ديه… مهتتحملش اللي چيه…. ولو فكرت تبعد عننيا وتعاود بيت أهلها… وخدت بت أخوكي معاها… هحس إن أخوكي مات أكده… وأنا اللي مصبر جلبي إنه هملنا حتة منيه.
ارتمت حبيبة بين ذراعي أمها، تحتضنها كمن يريد أن يرمم كسور قلبها، وقالت بصوت يختنق بالدمع:حاضر يما… هتكلم معاها تاني…. بس كفاياكي بكي، لاجل خاطري.
أطبقت أنعام ذراعيها حول ابنتها، وهمسة بدموع متساقطة: ربنا يريح جلبك يا بتي…
في تلك اللحظة، انفتح باب المطبخ، ودخل أمير بخطوات مترددة، عيناه تلتقطان المشهد بدهشة، ثم قال بمرح عابر: الحب ولع في الحلل يا يما… كنه!
التفتت حبيبة نحوه بحدة مصطنعة، تصطنع الحنق لتخفي وجعها، وصاحت: كنه يا خوي؟! أمك هتبجي عاطفية جوي وهي هتطبخ ويكي!
لكزتها أنعام في جنبها بتهكم عابس، وقالت: وه! عاطفية كيف يعني يا مدبوبة انتي؟
انفجرت حبيبة ضاحكة، ضحكة عالية كسرت وطأة الحزن، وشاركها أمير الضحك وغمغم بمرح طفولي: كت لسه هتحبوا في بعض… چلبتوا حالًا كده! يلا، أنا چعان يا يما!
هزت أنعام رأسها بنعومة، ومسحت عينيها خفية، ثم قالت وهي تتهيا لغرف الطعام: اسملله عليك يا ولدي… هغرف اهو بالعچل..
أومأ أمير برضا، ثم مال نحو حبيبة هامسًا بدعابه أخوية:
ساعدي أمك يا حب.
أومأت برأسها، وابتسمت في نصف وجهها، وقالت:
من عنيه…
وكان المشهد كله يطفو بين حزنين متكئين على الأمل، وضحكة صغيرة تتحدى خيبات العمر.
مر الوقت، وراحت أنعام وحبيبة تكملان تجهيز الطعام بليونة تقلب بين الحنان والشد،
ثم جلس الجميع حول المائدة. كان الصمت يثقل اللحظة، حمله يختصر ما لم يقله اللسان،
حتى قطع هذا الصمت بصوت أمير، الممزوج بحزن رقيق كخيوط المساء: الغالي هيچي في العشيه عشان ياخد طوفان يا ابوي.
ارتفعت أنفاس الحضور، وانحنى فوزي فوق كفه كما ينحني من عهد به الدهر؛ قال بصوت متقطع لكنه رجل مقاوم للحسرة: على خيرت الله يا ولد.
ربت عساف علي كف والده وغمغم بحزن يشوبه القرار : ديه الاحسن يابوي!! وانا عارف صعيب عليك ..بس ادي الله وادي حكمته!
اوما فوزي بحزن..و تلاقت نظرات حبيبة وريم، نظرات خليط غيظ وحزن، ثم أشارت ريمةإلى حبيبة كأنها تقول: تحدثي لا تتركي هذا يحدث ؛ فأومأت حبيبة برأسها وقالت بحزم يختنق فيه الألم: متبعش فرس طه يا اخوي كيف هيهون عليكم؟!
همسة ريم بعد ذلك بصوت ينهشه الشوق: يا عمي، الفرس ديه طه كان يحبه جوي، وريحته فيه.
زداد صوت فوزي احتدامًا، فالحزن عنده لم يزل يحترق، قال بحزم ابوي يحاول أن يحمي:يا بتي، الفرس لازم يبعد عن أهنه، إنتي واعيه من يوم المرحوم… وكل يوم والتاني عيان كده هيبجى.
هتفت حبيبة، رافضة فكرة التفريط:لا، أنا هرعيه، وحتي هبيت جمبه في الاسطبل لحد ما يجف ويقوم… بس بالله عليكم، متبعهوش انتو كده كأنكم هتبيعوا ريحة طه يا ابوي!
انفجر أمير بغضبٍ طبيعي لشاب يريد أن يرد حق ماض لا يعود:ةچري إيه! كلكم هتحبوا طه وإحنا بيعينه إياك؟!
كولنا الفرس كده هيموت وخسارة نلحجوه ولا نهملوه يموت!! فين عجلكم!
أشار عساف بيده وهتف كأنه يحاول ايقاف العاصفه : خلاص هدي حالك !!
وقفت ريم، صوتها يعلو بعض الشيء في حدة لا تكتمها المحبة: الحمد لله بالهناء يا جماعة.
صمتت الطاولة لوهلة، ثم رفعت حبيبة صوتها بتصلب يختلط فيه الدمع بالقوة: أنا مش هسامحكم لو بعتوا الفرس ديه.
تجلت ملامح فوزي بين الحزن والقسوة الأبوية، وأمر بقطع نهائي: حبيبة، چري إيه؟ هتفرحي لما يموت؟
هزت حبيبة رأسها بالنفي، ثم همسة:يا بوي…
أشار فوزي بيده قطعًا وحسمًا لا رجعة فيه، وقال:انتهينا.
بلغ السيل الزبى في صدرها، بلعت لعابها بصعوبة، نهضت مسرعة نحو غرفتها كمن تبغي هربًا من قرار لا تقبله الروح….
أغلقت الباب بعنف، واقتفتها أنفاسها تهرول معها حتى رمت بنفسها على فراشها، واحتضنت الوسادة، والدمع يسبقها في كل قسوةومن قلبها:والله ما هسكت… والفرس علي جتتي يتباع يا اخوي.
رفعت عينيها إلى صورة شقيقها الراحل، وكأنها تطلب منه عهدًا سريًا لا يمر طوفانٌ بغير أن تحفظ تركته. الدموع زلت على الخد،
والحزن تثخن في صدر البيت؛ والقرار الذي اتخذ في مجلس الرجال ينفخ غضبا في صدر الفتيات اللواتي عرفن معنى الوفاء قبل أن تفهمه الألسنة.
……….
غاب النهار خلف تلال نجع الدرنكة، وتدلى المساء على الأرض كستارة مثقلة برائحة التراب والدخان…
بينما سيارة فارس تشق الطريق ببطء، وخلفه سياره كي تحمل في جوفها ما هو أثقل من الحصان الجريح؛ تحمل ظل طه، ووجوه رجال لم يجدوا للغصة لسانًا إلا في صمت الليل.
ترجل فارس من السيارة، وكأن الأرض فسحت له صدرها، فاستقبله أمير بابتسامة متعبة، مزيج من فرح غريب وحزن مقيم : أهلا أهلا، نورتوا نچع العزيزي يا غالي.
اقترب فارس، وضمه كما يضم صديقًا لا يطلب سوى الأُلفة:منور بناسها يا صاحبي.
ضغط أمير على كتفه بعاطفة لا تخلو من مرارة: تشكر يا صاحبي. هتشتري الفرس وإنت عارف إنه عيان؟
أومأ فارس بعزم هادئ:هيخف يا أمير، وهيبجى زين.
هنا دخل بدر، والحدة تطفر علي ملامحه كشرارة عصية على الكتمان ضمه امير بحنق وغمغم: إنت عريس سايب عروستك وچاي تهبب إيه؟
ضغط بدر علي امير في حضنه وكأنه يقاوم الانفجار وهدر بصوت حاد :جاي أتمرمغ في حضنك إنت شوفت الچلطة اللي أنا فيها؟
تبادل الثلاثة نظرت وابتسامات متوترة، قبل أن يشير لهم أمير نحو الدار: يلا بينا، نشربوا الشاي لحد ما الرچالة يركبوا طوفان.
وفي الخلفية، كان العمال يتعاملون مع الحصان بحذر شديد، كأنهم يرفعون صندوقًا من الأسرار لا يجوز أن يمس بعنف…
ارتفع صهيل طوفان الموجوع، واختلط صوت حوافره على الخشب مع صفير الريح، ومزمار بعيد يجر الليل وراءه.
وعلى شرفة البيت، وقفت حبيبة وريم كعينين لا تهدآن. تقدمت حبيبة خطوة إلى الأمام، غضبها يتقد في ملامحها، ثم رمت بكلمتها كسهم لا رجعة فيه: ماشي يا أمير، بس والله ما هسكت! فرس أخويا ما يركبهاش غريب أبداً.
ارتبكت ريم، وهمسة بقلق يقطر حنانًا: هتعملي إيه يا حبيبة؟ أوعاكي تتخوتي.
أدارت حبيبة وجهها بابتسامة مرة، وقالت وهي تخطو إلى الداخل :تعالي بس، هتيلي حاجة من حاجات طه الله يرحمه، وأنا هجولك.
لحقت بها ريم، قلبها مثقل بالأسئلة. لم تفهم سر هذا الإصرار الجامح، لكنّها رأت في عيني حبيبة عهداً لا رجعة فيه؛
عهداً لذكرى لم تمت، ورسالة أرادت أن تقولها بالعمل لا بالكلام: أن طيف طه لن يباع، وأن بعض الفقدان لا يداوى إلا بالتمسك بآخر ما تبقى.
وفيما انشغل الرجال حول الفرس ومصيره، كان النجع يئن بصمت عميق، صمت أهل يعرفون أن الليل لا ينام، بل يصغي لما تحمله القلوب، ويكتب الحكايات التي لا يجرؤ أحد على قولها إلا تحت مسامير النجوم.
………………..
بعد منتصف الليل، انسلت حبيبة من غرفتها، خطواتها مترددة كأنها تسير فوق قلوب لا فوق أرض…
عينها تتفحص المكان بوجل، تخشى أن يفضحها صوت خشخشة أو صرير…
كانت ترتدي جلبابًا فضفاضًا من ملابس شقيقها الراحل، يبتلع جسدها النحيل ويزيدها ضعفًا فوق ضعفها…
رفعت طرفه عن الأرض وركضت بخفة، حتى وصلت إلى الباب وفتحته بحذر، ثم أغلقته خلفها في صمت ثقيل.
سارت نحو الإسطبل، قلبها يدق كطبول حرب، وما إن دلفت حتى اقتربت من فرسها الحبيب، تلمسه بيد مرتجفة وهمسة له بالطمأنينة…
وضعت السرج والبردعة، ثم اعتلت ظهره بمهارة تعرفها جيدًا. لكزته بخفة فانطلق يقطع السكون، يخترق ظلام الليل كوميض عابر.
وفي الشرفة، وقفت ريم تتابع المشهد بعينين مذهولتين، ترفع يدها للسماء وغمغغم برعب:استر يارب… المدبوبة ديه هطين الدنيا أنا عارفه.
بعد مرور وقت طويل …كان الليل يبتلع الطريق أمام حبيبة حتى توقفت عند سور قصر الأنصاري…
وقفت مشدودة الأنفاس، تبلع لعابها بتوتر، وهمسة لنفسها بشجاعة مرتبكة: انتي تجدري يا حبيبه… يلا همي بسرعه.
هبطت عن الفرس وسحبته لتربطه في أحد فروع الأشجار، ثم تقدمت نحو السور،
تتلفت حولها بخوف… رفعت طرف الجلباب، عضت عليه بين أسنانها، وتسلقته بخفة، قبل أن تقفز إلى الجهة الأخرى… لتجد نفسها داخل القصر.
تلفتت حبيبة حولها بعينين مذعورتين، الظلام يطبق عليها كجدار صامت،
وكل خطوة تخطوها كانت أشبه بجرس خطر يتردد صداه في صدرها…
أخذت تتحرك بحذر شديد، تبحث عن الإسطبل، بينما دقات قلبها تعلو وتعلو، حتى غطت على صوت نباح الكلاب الذي مزق سكون الليل وزادها خوفًا فوق خوفها.
وأخيرًا، وصلت إلى المكان المقصود. توقفت تتأمل المشهد بغيظ مكتوم، إذ أبصرت أحد الرجال جالسًا داخل الإسطبل،
أمامه شعلة نار صغيرة يعلو فوقها إبريق شاي، يتأمله بكسل. غصت حبيبة بغيظها، وعضت شفتها تمنع نفسها من الصراخ، ثم تمتمت بين أسنانها: ما تروح تتخمد! صاحي ليه لحد دلوق كيف البومه!
التصقت بالحائط القريب، تختبئ في ظلاله، وعيناها مثبتتان على الرجل الذي بدا وكأنه تجذر في مكانه…
مرت دقائق ثقيلة كأنها ساعات، وقلبها يوشك أن ينفجر من وطأة الانتظار…
ثم أخيرا نهض الراجل ، وتثاقل خطاه حتى غادر الإسطبل متجهًا نحو المرحاض الخاص بالعمال.
عندها زفرت حبيبة بحرقة، تكاد أنفاسها تشتعل من شدة انفعالها، وتمتمت بغل مكتوم: غور يخرب بيتك.
تلفتت حولها بارتباك، وخطاها تتعثر فوق الأرضية الترابية للإسطبل… كانت عيناها تجولان بجنون بين الصفوف، تبحث بلهفة عن طوفان…
وفي اللحظة التي توهمت أنها اقتربت من مكانه، شهقت فجأة برعب حين انطلق فأر صغير تحت قدميها،
يقطع الظلام بخفة مباغتة… قفزت حبيبة للخلف بلا وعي، وارتجف جسدها حتى ارتطمت كتفها بإحدى الدعامات الخشبية،
وفي ارتباكها لم تنتبه إلى طرف جلبابها الفضفاض وهو يلامس النار الصغيرة المتبقية من جمرة أُهملت.
لم تدرك الكارثة إلا حين تسللت ألسنة اللهب إلى القماش، فاشتعل طرف الجلباب كمن يلتهمه الجوع…
صرخت بفزع مكتوم، وراحت تنتزع الثوب عن جسدها بهلع، ثم طرحته بعيدًا بكل ما أوتيت من قوة، غير مدركة أنه سقط فوق كومة القش اليابس.
وفي لحظات، انطلقت النار كوحش مفترس، تصاعد دخانها واشتعلت ألسنتها بقسوة، حتى غطى المشهد كله وهج حارق وصوت مرعب…
ارتدت حبيبة للخلف، يديها ترتجفان ودموعها تختلط بعرقها، قبل أن ينفلت من صدرها صراخ مذعور.
في غرفة فارس،
كان الليل قد استسلم لصمته، قبل أن يقطعه دوي تلك الصرخة الممتزجة بصهيل الخيل…
انتفض فارس من فراشه، وقلبه يخفق بجنون، واندفع نحو الشرفة… اتسعت عينيه بذهول وهو يشاهد النيران تلتهم الإسطبل،
والدخان يتصاعد كأفعى سوداء… ومع ذلك الصخب، اخترقت أذنه صرخة أنثوية، حادة، لم يخطئها قلبه قبل أذنه.
زمجر فارس بغضب وهو يركض نحو الباب: النار جايده في الإسطبل يا بدر!
اندفع إلى الأسفل كالسهم، والنار تزداد اشتعالًا مع كل نفس من أنفاس الليل….ركض الي الاسفل وهو يصرخ بغضب : النار جايده في الاسطبل يا بدر يا سند
ووووووووووووو
ساحره القلم ساره احمد 🖋️
تووووووحفة
تحفة بجد دايما بتبهرينا
تحفة 🥰🥰
تحفة ❤️🥰
ايه الجمال ده البارت روعه تحفه حقيقى ❤️❤️❤️❤️
تحفه تسلم ايدك ♥️
تسلمي يا قمر ♥️
تسلم ايديكم ♥️
🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩
تسلم ايدك يا حبيبتي
تحفه
😍😍😍
جميل جدا 🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰
تسلمي يا قمر ♥️
روووووووووعة ❤️
تحفه
توووووووووووووووووووحفة
ساحرة القلم
تحفه تسلم ايدك ♥️
تحفة
أَنا “الغُولُ”، سَليلُ القَسوةِ، عَهدي الدَّمُ،
في جَوفِ صَدري حُبٌّ خَانَهُ الكَرَمُ.
إذا اقْتَربَتْ رُوحي، تَحَوَّلَ النِّبْعُ سُمُّ،
لَعْنَةُ الأَجدادِ في العِرْقِ لا تُجْتَرَمُ.
يَا لَلْعَذَابِ، حِينَ يَهْوَاكَ القَدَرْ،
أَنْ تَعْشَقَ نُورًا، وَأَنتَ ابْنُ الشَّرَر!
أَسْمَعُ هَمْسَهَا، فَيُوقِظُ القَلبَ الأَمَرّ،
نَزْعَةُ التَّمْلُكِ فِيني تُشعِلُ الحَذَر.
أُرِيدُ ضَمَّهَا، لَكِنْ يَدِي خَائِنَةْ،
أَخشَى عَلَيْهَا، فَقُوَّتي مُدَانَةْ.
هَلْ أَحْرِقُهَا بِشَوقِي؟ أَمْ أَعيشُ مُعانَاةْ؟
عِشْقِي لَهَا سِجْنِي، وَحُرِّيَّتي رِهَانَةْ!
أَنا العَاشِقُ المَكْبُوتُ، الَّذي رَفَضَهُ المُرَادْ،
مَا بَينَ أَنْ أَكونَ وحْشًا.. أَوْ أَنَّ أُصبِحَ لَها عِمَادْ!
جااامد بجد تسلم ايدك والله❤️❤️
جميل جدا
ابدعتي 👏🏻👏🏻
تحفه ❤️❤️
بارت تحفه❤️❤️
تحفه تحفه تسلم ايدك ياقلبي شكل الفارس بتاعنا قلبه الميت خلاااص هيدق البارت الجاي ♥
ايه العظمة دى ياسوا
توووووووحفه
جامده
تحفه يا قلبي ❤️❤️❤️❤️
تسلم ايدك يا قمر تحفه
تحفة يا سارة تسلم ايديك ♥️
متشوقة جدا للرواية دي
ايه الجمال ده البارت روعه تحفه حقيقى ❤️❤️❤️❤️
روعة روعه
تحفة بجد😍😍💙💙
البارت ف الجلب والله