أصفاد العشق والهوس

اصفاد العشق والهوس(الفصل الحادي والثلاثون)

اصفاد العشق والهوس(الفصل الحادي والثلاثون)

الفصل الحادي والثلاثون…

أقسى ما كتبَ نِزار قباني عندما قال :
أخافُ أن أُحبكَ جداً فأفتقدكَ ثـمَ أتألم
وأخافُ أيضاً أن لا أُحبك فتضيعُ فُرصة الحب فأندم
أخبرني كَيف أحبك بلا ألـم
وكيفَ لا أحبكَ بلا نـدم

في فيلا جلال التهامي …

وقف جلال وزاد يودعان ميرا بحزن ..وهي تنحب بين أحضان زاد ..ربتت زاد علي ظهرها وهتفت : بلاش عياط يا حبيبتي. يكفي ميرا !!
نظرت لها ميرا وهمسة بلغه عربيه ركيكه من عشرتها طوال الشهر الماضي لهم : انت هتوحشي أنا زاد !!

ابتسمت زاد برقه وقالت: وانتي كمان يا ميرا هتوحشيني اوي.. وهيوحشني كلامك اللي زي السكر ده !
ضحكت بين دموعها.. وتحركت الي جلال وقالت : شكرا لك كلال.. ارجوك لا تزعل زاد! هو يحبك كتير !!

ابتسم جلال بجانب فمه ورد: لا متخفيش! وانا بعشقها
يا ميرا ..خدي بالك من نفسك !!
هزت راسها ..وتحركت الي سامح الذي ينظر لها بوجه متهجم غاضب وقالت : هتوحشي أنا سامح !
هز رأسه ورد: وانت كمان يا ميرا..
زفرا بحنق وغمغم: يلا عشان معاد الطياره !

سحب حقيبتها وخرج.. وهي خلفه ..وفتح باب السياره وصعدت واغلق الباب ..وفتح صندوق السيارة وضع حقيبتها واغلقه ..واشاره الي جلال وصعد السياره وانطلق بسرعه …

نظرت زاد في آثارهم بدهشه وقالت: مش فاهمه ليه سامح مطلبش من ميرا تفضل ويفهمها أنه بيحبها ؟!

هز جلال رأسه وقال: هي فاهمه اكيد أنه بيحبها.. بس هو مش عايز يفرض عليها حبه ..عشان متحسش أن مساعدته ليها وراها حاجه.. هو ساعدها عشان مينفعش يسيبها… فاهمه؟!

اومات برأسها ووضعت راسها على صدره وهمسة: صعبانين عليا اوي !
مسح علي شعرها بحنان وهمس: حبيبي بموت في قلبك الحنين ده..
ابتسمت برقه ودلفا سويا واغلق الباب …

…………………………….
في سياره سامح ..

ظل الصمت مطبق علي السياره ..وكل منهما شارد في ملكوته الخاص .. نظرت له ميرا وهي تقاوم نوبة البكاء التي تهدد بالانفجار في اي وقت وهمسة لنفسها : لماذا لا تخبرني سامح أن ابقي؟! اقسم لك اني مستعده أن اترك الدنيا اجمع من اجلك سامح!! فقط قولها مره واحده ..

نظر لها سامح وكأنه سمع ما قالت وهمس لنفسه : مش عارف من غيرك هعيش ازاي؟؟ أنا روحي بقيت فيكي يا حبيبتي !! بس مش قادر امنعك ترجعي لامك مش عايز اكون اناني معاكي..

وصل المطار وصف السياره.. وترجل منها وخلفه ميرا وسحب الشنطه من صندوق السيارة وتحركا الي الداخل ..

أنهاء جميع الإجراءات سريعا.. ووقف أمامها ونظر لها بنظرات يملؤه مشاعر اعمق بكثير من الحب.. اقوي من الحنان .. بنظرات حارقه يحرقها عذابه الذي يكوي قلبه في بعدها .. أرغم نفسه علي الابتسامه وغمغم : خلي بالك من نفسك ..ورقمي معاكي لو احتاجتي اي حاجه كلميني يا ميرا من غير تردد فاهمه؟؟

اومات برأسها وهمسة بدموع : افهم سامح.. انا عارف انتي احسن راجل في عمري !
اقترب منها وقبلها علي جبهتها وتمتم: هتوحشيني اوي
حافظي على نفسك يا ميرا.. وبلاش لبس عريان فاهمه !!

رمشت بعينيها وانحدرت دموعها وهمسة: افهم سامح افهم !!
نظر لها ومسح دموعها بطرف يده وقال: بتعيطي ليه يا حبيبتي؟!
هزت راسها وهمسة: انتي هتوحشي أنا سامح !!

ضمها لحضنه بحنان وهمس: وانتي هتوحشيني فوق ما تتخيلي ميرا ..

صدح صوت الاعلان عن الطائره المتجهة إلى بيروت.. نظر لها بحنان وقال : دي طيرتك.. يلا يا حبيبتي مع السلامه!!

سحبت حقيبتها ونظرت له ودموعها تنهمر على وجنتيها وأجبرت أقدامها علي التحرك بصعوبه.. وقف سامح يراقبها وصدره يعلو ويهبط بنفعال شديد ..

حتي اختفت داخل المطار اغمض عينيه ومسح دمعه شارده هربة من بين جفنيه ..وتحرك الي سيارته توقف بجانب السياره وضرب سطحها بجنون أكثر من مره..

وهدر : ليه؟! ليه لحد اخر لحظه كان عندي امل تختارني ليه يا ميرا ليه؟؟

اغمض عينيه بقهر وضغط على رأسه بقوه.. ثم فتح عينيه بتشويش.. وهو لا يصدق أذنيه أنها هي.. صوته بالله هي !!

غمغم بدهشه : أنا سامع صوتها بجد ولا أنا اتجننت ؟!

لحظات وصدح صوتها مره اخري وهي تناديه : ساااامح !!
نظر خلفه بلهفه ودهشه.. وجدها تندفع الي أحضانه بقوه ضمها بسرعه لدرجه انه تراجع للخلف خطوه من اندفاعها لاحضانه بهذا الشكل..

لحظات مرت وهي متعلقه في عنقه وهو يمسح على شعرها وظهرها بحنان وهمس: بحبك اوي.. بحبك ميرا بموت فيكي يا بسكوته..

هزت راسها وهي تضحك وتبكي في وقت واحد وهتفت: احبك سامح احبك جدااا…
انزلها برفق مسح على وجنتيها وغمغم: تتجوزيني يا حبيبتي؟!

اومات برأسها بالايجاب وقبلته على شفتيه برقه ..
قبض على وجنتيها والتهم شفتيها بجوع وعشق وضمها بحضنه ..وحملها بين ذراعيه ودار بها وسط الشارع بفرح وسعاده …

………………………………….
في فيلا إيهم ابو الفضل ..

فتحت عيونها بثقل شديد ،و حدقت الي السقف بعيون جامده متحجره ..كانت تتمني أن لا تستيقظ مره اخرى.. ولكنها عادت وهي تشعر أن قلبها يتمزق بعنف..

لحظات وصدح صوت سلوي في أذنها : انتي متعرفيش اصلا تردي! انتي مجرد جسم جميل إيهم بيفرغ فيه طاقه.. والدليل علي كلامي أنه عمره ما هيفكر فيكي شريكه حياته انتي شريكته في السرير وبس !!

شهقت ودموعها تنهمر بجانب وجهها وهزت راسها بالنفي وغمغمت: لا مش ممكن لا!! إيهم بيحبني انا متاكده هو بيحبني !!

صدح صوت سلوي مره آخره وكأنه صفعه قويه أطاحت بها :  بيحبك! هو بيحب جسمك اه.. لكن يوم ما يختار زوجه تشرفه قدام الناس اكيد مش هتكون انتي..
انتي حتي مختيش شهادتك، ولا تعرفي تتكلمي ،ولا تتصرفي !!

نهضت بصعوبه وتحركت الي غرفتها .. وهي تنحب وتشهق بصوت يقطع نياط القلب ..وصلت إلى غرفتها وجلست على فراشها ..وجسدها يرتجف بقوه..

فتحت أحد الادراج .. واخرجت دفتر وخطت باصابع مرتجفه ،وعيون عاجزه عن الرؤيه بسبب تزاحم الدموع بعينها : كفايه يا إيهم.. لحد كده وانا مش قادره اكمل!! كنت فاكره اني هقدر ..وكنت عايزه اعيش معاك اكتر.  واحبك اكتر .. بس مش قادره !!

انساني يا إيهم وعيش حياتك اللي تليق بيك.. مع الانسانه اللي تليق بيك ..بلاش تدور عليا عشان هكون بعيد اوي عنك.. الموت هو الحل الوحيد عشان ارتاح سامحني يا حبيب عمري !!

تركت القلم وهي ترجف بشده ..ودموعها تنفجر بقوه من مقلتيها ..وكأنهم يتسابقون علي وجنتيها وحفر وديان عليها …

نهضت وتحركت الي الخارج وهي تنظر إلي الغرفه بحسره ..وتتذكر كل لحظه مرت عليهم في هذه الغرفه.. كل مره ضمها بتملك وجنون.. كل ليله مجنونه بعشق عاشتها بين أحضانه ..
عند تلك الفكره انهارت وجثت علي ركبتيها أرضا  وهي تنجب بصوت مسموع ..وكأنها تنعي نفسها وتبكي كل شئ …

مر وقت قصير وخرجت من المنزل..
كانت تمشي بلا هدف.. لكن عقلها كان مزدحم …
بصوته.. وكلماته الحنونه…

تذكرت كل كلمه ..كل همسه ..وهي تنحب بصمت وقهر!!

  • وتين أنا معاكي مهما حصل..
    –  أنا معاكي عمري ما هسيبك ..
    -أنا اللي هحميكي حتى من نفسك.. وهنقف علي أرض صلبة سوا !؟

وضعت يدها على فمها تمنع شهقتها ودموعها تنهمر كبركان انفجر وهي تتذكر ..

  • هتفضلي دايما في حضني، مهما حصل أنا بعشقك بجنون …
  • لو وقعتي هقع معاكي!
    –  هتقعي ف حضني ..

سارت وهي تجر أقدامها بصعوبه ..وصورت إيهم.. وصوته.. كلماته ..أنفاسه ..جنونه.. تهوره ..ضحكته الرجوليه ..وابتسامته التي تخطف أنفاسها …

تتذكر كل شئ وتبكي علي كل شئ.. توقفت أمام مياه النيل اللامعه.. تحت ضوء القمر ونظرت الي الماء برهبه وخوف يفتك بها ..وهي تري وجه إيهم أمامها ..

تخيلت وجهه وكأنه يقف أمامها .. يمنعها ويمسك يدها بعنف وعينه تشتعل بذعر حقيقي يصرخ باسمها:
وتين لا يا ووووتين!!

شهقت بعنف.. وارتجف جسدها وكأنها تفيق من جنونها.. وعقلها أعاد عرض كل لحظة كان فيها الأمان الوحيد لها.. كل مرة قالها فيها:  بحبك، وهفضل أحبك عمري ما هسيبك اثقي فيا يا وتين !!

هزت راسها بالنفي وغمغمت بدموع: أنا بثق فيك يا إيهم ..أيوه بثق فيك !!

نظرت إلي الماء وشهقت برعب.. وتراجعت للخلف بسرعه وكأنها فاقت اخيرا على هذا المشهد المرعب ..
هزت راسها ودموعها تنهمر على وجنتيها وغمغمت: لآلالا!! مش هعمل كده ولا في إيهم.. ولا في نفسي!!
إيهم ميقدرش يعيش من غيري.. ولا أنا أقدر ابعد عنه.. ولا هسيبه لغيري !!

علي الجانب الآخر
داخل سياره سواد رفع الهاتف وغمغم : سلوي هانم كانت هترمي نفسها في النيل !!
نهضت سلوي بفرحه عارمه وهتفت : هااا وبعدين رمت نفسها؟!

هز راسه بالنفي ورد: لا رجعت علي اخر لحظه..
ذمت شفتيها بعنف وهدرت بغضب حارق وحقد وكره نافر : اقتلها!! اخبطها بالعربيه ..

هتف حسين بحنق: انتي اتجننتي يا سلوي قتل ايه اللي بتتكلمي عنه ؟؟
اشاره له بيدها وهتفت بفحيح : اخبطها بالعربيه واقتلها وهديلك اللي تعوزه كله!!
غمغم السائق بحيره : يا هانم أنا مليش في الدم !!

صاحت بغضب شديد: افهم يا بني ادم هي كانت هتنتحر والخدامه لسه مبلغني أنها سيبه ورقه لي إيهم بكده..
يبقي هي اللي رمت نفسها تحت عربيتك انت ملكش ذنب !!

اسود وجهها وكأنها اوشكت علي التحول إلى شيطانيه وهدرت بعنف: اقتلها وهديلك مليون جنيه!
رفع السائق حاجبه بدهشه وغمغم: أوامرك يا هانم…

استدارت وتين وهي تحاول مسح دموعها بيدها وهرولت وهي تشعر بقلبها يسبقها إليه.. لا لن تتركه وحيدا ابدا !!

لكن  كان هناك ضوء قوي يقترب منها  بسرعة وفي لحظة!! مجرد لحظة..

كان ارتطام عنيف قوي.. قاسي جدا علي جسدها الضعيف الهش..
صرخت باسمه صرخه مدويه ممزقه تحمل كل الالم.. كل الحب ..كل العشق.. وكل الخوف :  أيهممممممممم!!!

سقط جسدها الهش بقوة علي الأرض.. الهواء غادر رئتيها .. والألم انفجر في عظامها ..وهمسة بترجي كأنها تقتلعه من أعماق روحها، كأنها تستنجد بمن كان دوما لها الأمان الوحيد: أيهممم!!

……………………………………..
في مكتب إيهم ابو الفضل ..

تشنج جسده فجأة.. وهو يشعر أنه سمع صوتها تناديه تستنجد به.. وضع يده على قلبه وهو يشعر كأن أحدهم غرز خنجرا في قلبه..

شعر بشيء ينهار داخله وكأن الهواء قد سحب من المكان.. مد يده المرتجفه يسحب زجاجة الماء..

ولكنه اصطدم بصورتها التي يزين بها مكتبه وسقطت وارتطم الزجاج بالأرض وتحطم إلى شظايا حاده..

انقبض قلبه بقوة وإحساس قاتل ضربه في صدره ..
مسك هاتفه بسرعة وضغط على رقمها لكن دون رد
مسح علي جبينه بجنون ..ونهض وهو يطلب رقم المنزل لكن لا أحد يجيب…

قبض علي مفتاح سيارته وانطلق بجنون كأن روحه تصرخ قبل أن يعرف ما حدث وغمغم : لا في حاجه حصلت!! لا أنا مش مرتاح .. في حاجه مش طبيعيه !!
………………………………
علي جانب آخر في منزل بدريه …

نهضت بدريه من امام التلفاز وهي تشعر فجأة بنغزه غريبه في قلبها.. وكان قلبها ينازع بين الحياه والموت!! وضعت يدها علي صدرها وتنفست بصعوبه وتمتمت بقلق : أستر يا رب قلبي مش مطمن !!

سحبت هاتفها وطلبت رقم وتين وانتظرت لكن دون رد.. حاولت الاتصال برقم إيهم لكن دون رد أيضا…

نهضت وتحركت الي الخارج وغمغمت بدموع: استر يارب هات العواقب سليمة يا كريم !!

…………………………………
في فيلا جلال …

فذت زاد من نومها بفزع وهي تتنفس بصعوبه وكان الغرفه تطبق عليها.. تململت بتوتر وسحبت هاتفه ولكنها توقفت وهي تجد رقم بدريه يدق عليها.. فتحت الهاتف وغمغمت: خير يا خالتي !!

عوده الي مكان الحادث …..
التف الناس حول جسد وتين المسجي أرضا..
وبقعت الدماء تتسع حولها ..حال من الذهول انتابت الجميع وصاح أحدهم : اطلبوا الإسعاف بسرعه دي بتموت يا ناس !!

علي أول الكوبري توقفت السيارات.. واحتشد الزحام المروري …
توقف إيهم وهو يضغط علي المقود بعنف وهدر بغضب الي احد السائقين : هو فيه ايه ياسطا؟
الطريق واقف ليه كده ؟!

ضرب السائق كف ع الآخر بشفقه وهتف : بيقولوا بنت صغيره خبطتها عربيه في نص الكوبري !!

قطب حاجبه ولا يعلم لماذا اعتصر قلبه بألم.. من كلمات السائق ودون تفكير دفع باب السياره.. وترجل منها وركض بين السيارت ..
واندفع يركض ناحية التجمع…
وهدر بصوت هائج غاضب : افتحوا الطريق عايز اشوف المصاب وسعواا كده !!

فجأة جحظت عينيه برعب.. وسقط أرضا ..وهو ينظر لها توقف العالم وتصلب جسده .. وتجمدت عينيه شعر كان  قلبه توقف علي النبض للحظة وصرخ بجنون : وووتين

لم يستطع النهوض مره اخري خانته قدمها…
  وزحف علي يديه حتي وصل إليها ..ورفعها بين يديه بحذر ..وصاح بصوت متحشرج موجوع وهو ينظر الي عينيها المغلقتين ودموعه تقطر بجنون : لالالالا يا عمري

جس نبضها بيد مرتعشه ..وشهق بقوه وكأن الهواء اختفى.. والضجيج تلاشى… لم يعد هناك صوت سوى طنين مدو في رأسه وصرخه…

صرخه خرجت من أعماق قلبه الممزق  المرعوب صرخه زلزلت المكان من شدتها: وووووووووتين !!
وتين يا عمري ردي عليا..  بالله عليكي، ردي عشان خاطري !!

رفعها بين ذراعيه وحضنها بقوة كأن روحه تتمزق بين يديه.. وركض بها نحو سيارته بخطوات غير متزنة.. وصدره يعلو ويهبط بجنون وكأن قلبه على وشك الانفجار…
وغمغم برعب : لالالالا!! انتي مش هتعملي فيا كده! مش بعد ما لقيتك.. لا يا وتين !!

وضعها على المقعد الخلفي بحذر ..وصعد السياره وانطلق بجنون …قبض علي هاتفه واتصل بالمستشفى وهدر بصوت متحشرج لاهث أقرب للجنون: جهزوا أوضة العمليات.. حالا !!حالاااااااااا…

لم ينتظر ردهم أغلق الهاتف واتصل بزاد نظرت إلي الهاتف وبلعت لعابه بصعوبه وهمس: استني يا خالتي لحظه !

فتحت علي إيهم وتمسكت بالفراش وردت: في ايه يا إيهم ؟!
أتاه صوت !! لم يكن صوت أيهم الذي تعرفه ..بل كان صوت رجل ينهار يصرخ من قلبه وكأنه يحتضر : زاد!! زاد  الحقي… الحقيني !!  وتين! خبطتها عربيه و غرقانة في دمها، الحقي على المستشفى، حالا يا زاد بسرعه !!

لم ينتظر ردها ألقى الهاتف على المقعد، ضغط على دواسة الوقود بعنف وانطلق بسرعة جنونية….

تعلقت عينيه بجسدها ..وانهمرت دموعه بقهر.. و قلبه ينزف مع كل ثانية تمر.. نظراته لم تفارقها وهو يراها
ضعيفة شاحبة وكأنها تفقد روحها بين يديه …

همس بعجز اول مره يعرفه : استحملي يا عمري! بالله عليكي متسبنيش متسبينييييش يا وتين!!
انتي عارفه اني مليش غيرك في الدنيا !!
وانتي دنيتي هموت قبلك يا روحي لو جرالك حاجه أنا روحي فيكي !!

لكنه لم يكن يعلم أن الأقدار قد قررت أن تختبر عشقهما بأقسى الطرق الممكنة…

اخيرا وصل إلي المستشفي وانحرف بالسيارة بعنف أمام بوابة المستشفى ..ضغط على الفرامل فجأة، لدرجة أن السيارة انزلقت قليلًا من شدة السرعة…

فتح الباب وانطلق إلى الناحية الأخرى، وسحب وتين من المقعد بحرص.. ورفعها بين ذراعيه وشعرها الحريري تدلى وذراعها سقطتا بلا حول ولا قوه.. وكأنه دميه مكسوره بين أحضانه …

اندفع وهو يهرول بدون وعي.. حتي أنه لم يري طاقم المستشفى الذي هرع إليه بسرير متحرك…  لكنه لم يتركها..
لم يسمح لأحد أن يأخذها منه وصرخ كوحش غاضب : افتحوا أوضة العمليات حالا !!

ركض داخل الممر وهو يضمها لحضنه بقوه.. وقميصه الأبيض أصبح ملطخ بدمائها… لكن لم يكن هناك شيء مهم الآن سوى أن تستمر في التنفس
وأن تبقى معه : متسبينيش، بالله عليكي متسبينيش يا روحي !!

ضرب باب غرفة العمليات بقدمه ودلف بها وهو لا يزال يحملها بين أحضانه.. وضعها بنفسه على السرير العمليات  وضغط على صدرها يحاول أن يشعر بنبضها ..
وصاح بحرقه : لاااااااا، نبضها ضعيف ضعيف جدًا بسرعه جهزوها بسرعه!!

بدات الممرضات بإعداد لعمليه جراحيه بسرعه …
في هذه اللحظة اقتحمت زاد  باب الغرفه بشعر مبعثر.. ووجه شاحب ..وأنفاس منقطعه.. وعينها لا تري الا جسد وتين الممدد أمامها ..بدون روح ..

اندفعت نحوها وهي لا تستطيع منع دموعها وصاحت بوجع : وتتتتتتتتين !!
جثت نبضها بيد مرتعش وفاقت علي صوت إيهم المحطم والقاسي : بسرعه يلا عقمي نفسك مفيش وقت !!

هزت راسها بسرعه وهرولت الي التعقيم ..اقترب ايهم بعد أن عقم نفسه ومسك ادوات الجراحه بيدان ترجفان وعروق نافره.. لكن عينيه لم تفارقها لو لحظه !!

اقتربت زاد منه وهي تشعر بجسده المتصلب ويديه المرتجف ..تلك اللحظه لم يكن أيهم الآن كان شخصا آخر شخصا يقاتل من أجل عشقه !!

نظرت إلي الشاشه وغمغمت : هننقذها !! هننقذها يا أيهم
لم يرد عليها وهو ينظر إلي وجه وتين الشاحب
نظراته كانت مشتعلة بجنون.. بجحيم يحرقه من الداخل..

كيف وصلت إلى هنا؟! كيف تحولت فتاته ؛ حبيبته زوجته ؛ حياته ..إلى جسد بارد ينزف تحت يديه!!

صرخت زاد برعب وهي تراقب الشاشه : ضغطها بينزل بسرعة ..والنزيف الداخلي بيزيد.. حد ينادي دكتوره صفاء بسرعه !!

تمتم ايهم بعينين تحولت إلي الزجاج وهو في قمة التركيز : مش هسمحلك يا وتين تمشي!! مش هسيبك تبعدي عني.. مش هخسرك !!

اومات زاد برأسها بسرعه وهي تمسك أدوات الجراحية. بيدين ثابته لكن قلبها كان يرتجف ..
غمغم بصوت ثابت وقلب مرتجف عاجز لاول مره  : عندها كسر مضاعف في الذراع، لازم نثبت العظام بسرعة، لو النزيف استمر مش هنلحقها !!

مر الوقت بصعوبه قاتله وإيهم وزاد يجاهدان في محاولات إنقاذها.. بأعصاب منهاره ..وقلوب راجفه !

في الخارج أمام غرفة العمليات ..
كان التوتر سيد المكان ..كانت قلوبهم يعصرها الخوف، والقلق يتملك كل خلية في أجسادهم…

كانت بدريه تتجول في المكان كالمجنونة، تدعو، تصرخ وتبكي دون أن يوقفها أحد: يا رب بنتي!! بنتي يا ناس.. بنتي جوه بتموت ..وأنا هنا مش قادرة أعمل حاجة !!

اقترب منها حمزه ..وضمها بحضنه ..وقبلها اعلي راسها بوجه متجمد ..وعينين متسمره علي باب غرفة العمليات..
يكاد لا يرمش وكأنه يخشى أن يغفل لحظة فتحدث الكارثة وهمس : خالتي بالله عليكي.. اهدي انتي ضغطك بيعلي! وهتقعي من طولك عشان خاطري تعالي اقعدي..

تحركت معه وهي تضع يدها على رأسها وتنحب بهستريه وهتفت : ازاي يا حمزة؟! قولي حاجة يابني!! طمني أنا قلبي مولع يا ناس.. مش قادرة أتنفس !!

جلست عنايات على أحد المقاعد.. وهي تمسك بالمسبحة بين أصابعها .. وشفتيها تتمتم بالدعاء.. لكن دموعها كانت تنساب بصمت كالنهر.. وكأنها تخشى أن تكون الصرخات القادمة من قلبها نذير شؤم …

نظر لها جلال.. وتحرك وجلس بجانبها ..وضمها بحضنه وقبل راسها.. وغمغم بأعصاب تحترق : اهدي يا امي ربنا يسترها أن شاء الله !!

اومات برأسها وهمسة بحزن ينخر قلبها : يارب، يارب !!

مسحت غرام علي ساقيها بعنف وهدرت بنحيب  : هما اتاخرو كده ليه؟! ليهم ساعتين جوه.. طيب حد يطلع يطمنا حرام عليكم !!

أما جلال فكان يضغط قبضته بقوة ..وفكه مشدود وعيناه تتحركان بين الغرفة ..ووجوهم الشاحبه برعب يفتك بهم .. لكنه لم يكن قادرا على قول شيء لأول مرة يشعر بالعجز المطلق…

وفجأه …

خرج أيهم من غرفة العمليات.. بخطوات متثاقلة، عرقه يتصبب بغزارة، ووجهه متجمد.. وعينيه كانتا زجاجيتين، وكأن روحه تركها هناك مع وتين علي فراش الموت …

اندفع له الجميع برعب ولهفه نظر لهم.. ولمح وجه بدرية المبلل بالدموع ..وعنايات التي كانت تهمس بأدعية غير مفهومة ..وجلال الذي كان يكتم توتره بقبضة معقودة .. وحمزة الذي كان يشد على يدي غرام وكأنه يمنع نفسه من الانهيار….

 زاد التي خرجت بعده مباشرة، خائرة القوى، بالكاد تتحرك نظرت لهم بعيون زئغه ..

صاحت بدريه بانهيار وكأنه علي حافة الجنون : حد يتكلم ..وتين جرالها ايه؟!

  • أنقذناها!!!
    كلمه واحده خرجت من بين شفتين الدكتور صفاء نظرت لهم واكملت بحزن : بس للاسف خسرت الجنين  وحالته صعبه ..ادعولها !!!

كلمات بسيطه ! لكنها كانت كافية ليشعر أيهم بألم مفاجئ في صدره.. كأن شريان داخله تمزق بعنف.. وكأن قدرته علي التحمل انتهت وحان وقت الانهيار!!

رفع يده ومررها فوق وجهه المرتعش.. لكنه توقف في المنتصف ..أصابعه كانت ترتجف.. وقلبه يدق بعنف في أذنيه ..وأنفاسه تتسارع !!

حاول أن يستعيد أنفاسه، لكنه لم يستطع… الهواء كان يضيق حوله ترنح جسده ..وصورة وتين على سرير العمليات تهاجمه كم بدات ضعيفة، هشة، تقاوم الموت بكل ما فيها…

  • أيهم
    كان صوت زاد آخر ما سمعه قبل أن يترنح خطوة للخلف، ثم يسقط فجأة على الأرض فاقدا للوعي وسط صرخات الجميع …
    صرخت بدريه كان كافيه بإشعال الفوضى اندفع جلال وحمزه نحوه يحاولون إلتقط جسده .. لكن جسد أيهم كان كالصخرة ساقطا بلا أدنى استجابة…

وصدره يعلو ويهبط بصعوبة ووجهه تحول إلى شاحب قاتم!!!

صرخت زاد برعب وهي تحاول جس نبضه
بيد مرتعشه : بسرعه علي العنايه المركزه نبضه ضعيف اوي!!

لحظات واندفع التمريض بسرير متحرك ..وحمل جسد إيهم عليه.. وسط ارتباك الجميع ورعبهم…
تمسكت بدريه بيده وصرخت بفزع: لا يابن قلبي.. اوعا تروحي مني ! دانا مصدقت يبقي لينا ضهر يا ضنايا …

تحرك المسعفون بسرعه ..وانسحبت يد إيهم من بين يديها وهي تصيح باسمه : إيهم.. إيهممممم!!

لكن أيهم لم يكن يسمع ..لم يكون يعي وكأن روحه متعلقة بخيط رفيع … وكأنه لم يكن يربطه بالحياة سوى شخص واحد .. وكأن قلبه رفض الحياه بدون وتينه ..

دلفوا به غرفة العنايه ..وسقطت بدريه جالسة على الأرض ..وهي تضرب ساقيها : ابنييي!! ابني يا ناس.. القيها منين ولا منين؟! البت بتموت جوه ..والواد بره.. نجيه يارب.. نجيهم يا كريم !

حاول حمزة تهدئتها بحزن ..وضربة عنايات علي رأسها بعدم تصديق: لا حول ولا قوة إلا بالله! الولد قلبه انخلع على البت ياربي …

كانت غرام تبكي وهي تحاول تهدئة بدرية وعنايات ..
مرت ساعه كدهر.. وجلال يدور حول نفسه في الممر وعقله لا يستوعب ما يجري ..

اخيرا انفتح الباب وخرج الطبيب وهو يسحب كمامته ببطء وخلفه زاد ..

تجمد الجميع في أماكنهم بأنفاس  محبوسة في صدورهم وأعينهم معلقة بشفتين الطبيب .. ينتظرون الكلمة التي قد تغير كل شيء!!

غمغم الطبيب بصوت هادئ جاد: للاسف ذبحه قلبيه .. الحمد لله وجوده في المستشفى قدرنا ..ننقذه بسرعة ونسيطر على الوضع قبل ما يكبر !!

زفر الجميع بارتياح وكأن جبلا كان جاثما على صدورهم وأُزيح اخيرا…
انهارت بدريه من البكاء وهي تجلس بتعب شديد.. وجلست عنايات بجانبها وربتت علي ساقيها وهتف بنحيب : استهدي بالله يا ختي وادعيلهم !!

أغمض حمزه عينيه لبرهة في محاوله استعادة أنفاسه، وقال : قولي يا دكتور هيبقا كويس! يعني مش هتأثر عليه بعد كده؟!

ابتسم الطبيب بمهنيه ورد : بإذن الله هيكون كويس بس لازم راحة تامة.. ممنوع الضغط العصبي.. ممنوع تماما ومحتاج متابعة دقيقة خلال اليومين اللي جاين !!

اوما جلال وزفر ببطء وقال: ممكن نشوفه يا دكتور ؟!
غمغم الطبيب : هو تحت الملاحظة في العناية المركزة.. لما يفوق ممكن تشوفه!! بس بلاش كلام كتير جسمه محتاج يرتاح …

اوما له جلال وحمزه ..وانهارت زاد علي الأرض وتمسك بها جلال بسرعه ..وضمها بحضنه وهمس: اهدي يا قلبي تعالي ارتاحي !!

تحرك بها الي احد الغرف.. وخلفه حمزه وغرام..
ونهضت بدريه وهي تنظر إلي إيهم من زجاج غرفة العنايه وهي تهمس: ربنا نجاك يا ضنايا.. ربنا نجاك !!

ربتت عنايات علي منكبها وقالت: احنا غلابه يا اختي وربك كبير ..

دخل أحد الغرفه …

ساعد جلال زاد حتي تمددت علي الفراش وهي تنحب وتشهق بعنف.. وجسدها يرتجف بقوه.. وصدرها يعلو ويهبط بجنون ..وانفعال حارق…

اقترب منها ومسح دموعها بحنان مفرط وقبلها على جبهتها وتمتم: متخفيش يا روحي أن شاء الله هما الاتنين هيقوموا بالسلامه انا حاسس والله !!

شهقت وهي تتمسك به وهزت راسها بالنفي وصاحت بنحيب : وتين بتموت يا جلال.. وتين !!
ااااه قلبي اتحرق ياجلال وانا شيفاها بتموت قدامي مش عارفه اعمل حاجه!!!

هز رأسه وتمتم وهو يضمها لحضنه ..وقلبه يعتصر بالم حاد: بعد الشر يا قلبي بعد الشر عليكي.. وعليها !!
اهدي ارجوكي يا زاد ..حاولي تهدي ربنا هينجيها باذن الله.. بس اهدي يا حياتي متوجعيش قلبي عليكي !!

ضمته بكل قوتها وهي تصرخ وقلبها يرتجف ..
ويصلي بكل دقه تعلو للسماء بدعاء تناشد بها الله : يارب!! يارب أنا مش هقدر ..أنا أضعف من الاختبار ده يارب وانت عالم يارب !!

مسح جلال علي ظهرها ودموعه تقطر بحزن.. يفتك به عليها وعلي لوعه قلبها ..وغمغم بصوت متحشرج: ربنا كبير يا روحي! اهدي ابوس رجلك ..مش قادر اتحمل اشوفك كده !!

صاحت بانهيار تام وتخبطت بين أحضانه بهستريه : اعمل ايه يا جلال؟ اعز اتنين بين الحياه والموت وانا مش عارفه اعمل ايه ؟!

نظر لها وهو يشعر أنها علي حافه الجنون وصاح بصوت جهوري غاضب ومرعوب : دكتور بسرعه! حد يلحقني يا حمزه !!

دلف أحد الأطباء والممرضات وحمزه وغرام وبدريه وعناياتبرعب.. والتفوا حول زاد المنهار وتصرخ بدون وعي بين أحضان جلال..
وقبض الطبيب علي رسغها وهتف : ابره مهدي بسرعه !!

سحبت زاد يدها منه بعنف وهدرت بنحيب غاضب : لالا مينفعش ايهم في العنايه.. وانا لازم اتابع حاله وتين مكانه.. اوعو كده!!

هتف جلال في محاوله لتهديتها : يا حبيبي في دكاتره كتير!  انتي لازم ترتاحي !!

هزت راسها بهستريه وهتف حمزه : يازاد انتي بحالتك دي مش هتقدري تتابعي حالة وتين اصلا ؟!

اقتربت عنايات وبدريه وربتت علي ظهرها وقالت بنحيب : زاد لازم تصلبي طولك ..عشان خاطر وتين محتجاكي !!

اومات عنايات برأسها وغمغمت بدموع تسيل بحرقه : ايوه يا بنتي.. اختك عايزكي قويه.. تشديها وتقومي بيها مش تنهاري وتسبيها توقع !!

هزت راسها ونهضت من الفراش وساعدها جلال وهتفت بنحيب : ايوه صح! ده مش وقت اقع فيها أنا !
وتين وأيهم محتاجيني …يلا أنا هروح ابص عليهم واطمنكم!!

تحركت خارج الغرفه بسرعه وجلال ينظر لها بعشق كما هي قويه، وصلبه، صعب كسرها، ومستحيل سقوطها أيضا …

مرت ليله مميته علي الجميع ..بين انتظار حارق للأعصاب ..ودموع عالقه بين الجفون.. ودعوات خافته من شفاه مرتجفه ..وقلوب راجفه برعب …

فجرا…

فتح أيهم عينيه أخيرا كان أول ما استوعبه هو الوجع!! ليس في جسده!!  بل في روحه ..كأن نارا تشتعل داخله…
كأن الألم استوطن ضلوعه ..وصار جزءا منه…
لم يكن بحاجة لسؤال أحد عنها… كان يشعر أن هناك قطعة منه مفقودة.. مكسورة متألمة في مكان آخر.
وغمغم بالم : وتين !!

لحظات وظهرت الرؤيه أمامه ..وهو يري نفسه ينام علي سرير في العنايه المركزه!!
وبمجرد أن استعاد وعيه تماما، لم ينتظر لحظه اخري..

 لم يهتم بأي توصيات طبية أو تحذيرات..
هب وانتزع المحاليل من ذراعه ..والأسلاك من صدره ونهض من الفراش.. وكأن حياته تعتمد على تلك اللحظة!!

وكأن روحه معلقة على خيط رفيع لا يمكنه الصمود أكثر من ذلك..
نهض بخطوات ثقيله وهو يترنح ..فتح باب الغرفه وشهق الجميع بذهول تام …

وهم يرونه أمامهم ..اندفع جلال وحمزه وهم يحاولون إعادته الي فراشه ..وهتف جلال بنزق : انت ازاي قومت؟! لازم ترتاح…

هز رأسه بالنفي ورد بغضب : أنا ازاي اسيب وتين بين الحياه والموت واجي انام هنا !!
اوعي يا جلال لازم اتابع حلتها لحد ما تفتح عينيها وتشوفني قدامها !!

هتف حمزه بدهشه : يا إيهم انت مش نايم بمزاجك!
انت عندك ذبحه لازم ترتاح …

نظر له بتوهان وهتف: أنا لازم اروح لوتين لو صحيت وانا مش جمبها هتخاف.. هتخاف يا حمزه !!

هتفت زاد بغضب: يا بني ادم انت تعبان.. وطول ما انت كده مش هتعرف تقاوم ..ولا هتعرف تاخد بالك من وتين افهم بقا !!

نهض وصاح بغضب: لا أنا جاتلي ذبحه عشان اصلا قلبي جوه بين الحياه والموت ..بس لما وتين تقوم بالسلامه قلبي هيرجع زي الحديد !!

وقف الجميع بذهول من هذا الايهم العاشق حد النخاع تمسكت به بدريه وهتفت بدموع : بلاش تحرق قلبي عليك يا ضنايا !!
هز رأسه بالنفي وقال: متخفيش يا حبيبتي!! انا ووتين هنبقي زي الفل …

تحرك بثقل شديد الي غرفه وتين.. ودلف واغلق الباب
توقف الزمن وهو يراها ممددة على السرير…
شاحبة ،ضعيفة، غارقة في أجهزتها الطبية،،

ليست وتين قلبه التي يعرفها.. ليست الحياة التي كانت تضيء عتمته ..كانت مجرد جسد بلا روح …
ووقتها فقط، شعر أيهم أن كل شيء داخله تحطم ..

انهمرت الدموع من عينيه ..واقترب ببطء ..وكأن خطواته يثقلها أطنان من الذنب، الحزن، العجز…

لم يكن يعلم أن هناك ألما كهذا في الحياة، ألم يجعلك تتمنى أن تتألم بدلا ممن تعشق ..
أن تحمل عنه كل الأوجاع أن تعطيه نبضات قلبك فقط ليستمر …

جلس بجوارها أمسك يدها بين راحتيه وقربها من شفتيه ثم همس بصوت مبحوح: أنا آسف! أنا آسف يا وتين قلبي.. سامحيني أن مكنتش جمبك .. بس بالله عليكي أوعي تسيبيني!! أوعي عشان خاطري!!

ارجعي لقلبي.. ارجعي للقلب اللي من غيرك يموت …
هو في قلب ممكن يعيش من غير وتينه يا عمري !!

لحظه خاطفه ضمت يدها علي يده لكن دون أن تفتح عينيها .. وكأنها تخبره أن الجرح هذه المرة أعمق مما يتخيل ..

ضحك ايهم من بين دموعها وقبل أصابعها واحد تلو الآخر وغمغم بدموع : اه يا روحي ..عارف اني مش ههون عليكي !!

وضع رأسه بجانب يدها بعجز.. لم يكن أيهم الطبيب الذي أنقذ أرواحا كثيرة ..بل كان لا يملك شيئا سوى أن يمسك يدها.. ويرجو الله أن تعود إليه!!
………………………………………
في الصباح داخل غرفة وتين ..

تسلل ضوء الصباح الخافت عبر زجاج النافذة كاشفا عن ملامحها الشاحبة.. وجسدها المنهك !!

تململت وتين قليلا وفتحت جفونها الثقيلة كأنها لا تزال عالقة بين الحلم والحقيقة…

لم تستوعب أين هي الان؟ حتي اندفع سيل من الذكريات دفعة واحدة اجتاحها بعنف…

الليل ..الجسر.. مياه النيل تتراقص أمامها …والسيارة التي صدمتها بعنف ..والألم الذي اخترق جسدها كالسكاكين.. ثم لا شيء!!

شهقة خافتة خرجت من بين شفتيها الجافتين، ارتجف قلبها داخل صدرها ..ودارت بعينيها في الغرفه ..
حتي وقعت عيناها علي وهو جالس بجانبها على كرسي صغير ..ورأسه منحني علي الفراش.. ويقبض علي يدها بقوه..

ويبدو علي وجهه إرهاق واضح مسحت على شعره وهي تتأمل وجهه بحنان.. كم بدا منهك.. مرهق.. ملامحه القوية التي اعتادت عليها.. كانت متعبة..
وكأنها حملت أضعاف عمره الحقيقي ..

حتى وهو نائم بدا جسده مشدودا.. كأنه لا يزال يقاتل في معركة لم تنتهي بعد..
لحظات ونست من هي؟! واين تكون ؟! تناست المها وما حدث!!  وكلام والدته !!

وكل ما تذكره أنه رجلها الوحيد ..زوجها ..وحبيبها الذي خاض حروبا من أجلها.. وحان الوقت حتي تخوض هي حربها.. حتي تحافظ عليه ..وعلي حياتها !!

تنهدت براحه وهمسة بصوت ضعيف متحشرج، كأنها تخشي أن يفزع من نومه : أيهم!!

بمجرد همسه منها انتفض جسده ..كما لو أن رعدا صعق جسده ..رفع رأسه وحدق بها بعينين مزعورتين محتقنه بالسواد والارهاق..

تجمد للحظة وكأنه يخشى أن تكون رؤيتها مجرد خدعة صنعها له عقله المنهك.. أو قلبه الملهوف لنظره من عينيها.. وغمغم بحذر : وتين !!

هزت راسها وهمسة: انت شكلك تعبان اوي يا ايهم !!

الق بنفسه عليها واحتضن وجهه بين يديه ..مرر أنامله المرتجفه علي وجنتيها ..وجبهتها.. وعلي شفتيها الجافه نظرت له ودموعها تنهمر بجانب وجهها..
وهمسه بندم : إيهم !!

ضمها إليه بلهفه مغلفه بالجنون.. وكأنه يريد أن يذرعها داخل صدره ..حتي لا تبتعد عنه مره اخري.. وغمغم باسمها من بين شفتيه.. كأنه النفس الاول بعد غرق طويل

همس بصوت مبحوح بنحيب حاد :  ايوه ايهم يا حبيبي.. يا روح ..وعمر.. وعقل أيهم.. وحشتيني  وحشتيني اوي كنتي هتموتيني يا وتين! كنت هموت قبلك  يا روحي …

تراجع قليلا ونظر لها.. كان وجهه قريب جدا منها..
حتي اختلطت أنفاسهم ببعض.. رأت الألم في ملامحه.. رأت الجنون في حدقتيه ..رأت العشق الذي لا يحده شيء في ارتعاشة شفتيه

وهمسة بحزن : إيهم أنا ..
وضع إصبعه علي شفتيها المرتجفه ..وهز رأسه بحزم وهو يلتهمها بعينيه بلهفه وغمغم : بعدين يا حبيبي متتكلميش دلوقتي!! متتعيبيش نفسك مش عايز أسمع حاجة غير صوت قلبك وهو بيدق.. متحرمنيش منه تاني  أرجوكِ يا وتين !!

اقترب منها وقبل جبينها بشفتين مرتجفه ودفن وجهه بين خصلتها ..وهو يحاول ان يثبت لنفسه أنها هنا !!
وأنها لن تذهب بعيدا عنه ابدا …

رفعها بين أحضانه وضمها بحضنه بحنو بالغ.. وكأنها أثمن ما يمتلك في حياته !!

في تلك اللحظة، أدركت وتين أنها أخذت القرار الصائب عندما تراجعت.. ولم تلقي نفسها من اعلي الجسر..  والا كان أيهم قفز خلفها دون تردد.. فقط ليموت بجانبها وليظل معها حتى في النهاية..

مسح علي شعرها ومرمغ وجهه في عنقها واستنشق رائحتها بعمق وكأنه يحاول التأكد أنها حقيقة بين ذراعيه.. أنها ليست مجرد وهم سيختفي مع أول رمشة عين …

غاصت أصابعه بين خصلات شعرها المبعثرة.. أخيرا استطاع التراجع قليلا.. ونظر لها وأنفاسه تشابكت بأنفاسها …
كأنه يحاول أن يدمجها في كيانه حتى لا تبتعد مجددا ..

التقط شفتيها براحه بقبله ناعمه ورقيقه بعشق فاق الحدود ..
كانت وتين تشعر به ..بجنونه.. بهوسه… بعشقه الذي تخطى كل حدود الممكن.. لم تكن تحتاج إلى كلماته لتعرف كم تألم، كم عانى ..كم كاد يفقد عقله في غيابها ..

في تلك اللحظة، وهي بين ذراعيه، لم تهتم بما قالته والدته.. لم تهتم بأي شيء.. سوى برجلها الذي ينهار حبا ف أحضانها…
  والذي لم يترك لها خيارا سوى أن تكون ملكه قلبا وروحا وجسدا الي للأبد…

اخيراا حرر شفتيها وهمس بحنو : حقك عليا يا قلبي مقدرتش امنع نفسي! كنت عايز اتاكد..
خايف اكون بحلم ..

ابتسمت بوهن واغمضت عينيها وقبلته على شفتيه برقه تنافس رقه الريشه ..تنافس رقه أوراق الورد..

نظر لها بحنان وهمس: بوستك رقيقه اوي زيك يا قلبي حلوه اوي !!
عضت شفتها بخجل وهمسة: وانت كمان !

ضحك بعبث وقال: وانا كمان ايه يا وتين قلبي..

فتحت فمها ..ولكن قطع جملتها صوت فتح الباب ودلفت زاد والطبيب وهتفت : يا سلام!  لما وتين فاقت وكمان قاعده ماشاء الله زي القمر.. مش تخرج تطمنه يا بني ادم انت !!

نظر لها إيهم بنزق وهتف : وأخرج ليه؟ مانتي طبيتي زي القضاء المستعجل اهو !!

لكزته بقوه وصاحت: احترم نفسك.. أنا مش عايز امد ايدي عليك ..انت لسه قايم من سكته قلبيه !

شهقت وتين بفزع وتمسكت به بيد واحده.. وصرخت بزعر لدرجه انها تألمت : مين ده؟ ازاي يعني!! انت يا حبيبي ؟!
وضعت يدها على صدره الصخري.. وصاحت بدموع تقطر من عينيها: قلبك! قلبك ماله قولي!! متخبيش عليا والنبي …

قبض علي وجهها بيديه واجبرها على النظر إليه وهمس بحنو لكن بصوت أجش: اهدي! اهدي يا حبيبي ..انا كويس اوي دلوقتي.. دي ازمه وعدت.. متخفيش أنا زي الفل !!

هزت راسها بعدم تصديق وهمسة : بجد! بجد والنبي زي الفل؟!
ابتسم بعشق وهمس: وحيات وتين أنا زي الفل…
أنا قلبي في صدري بس انتي وتينه!!!
لو غيبتي عنه قلبي يوقف علي طول…

شهقت بزعر وضمته بذراعها بكل قوتها وهمسة : لالاا عمري ما هبعد عنك.. لو كنت أنا وتين قلبك! انت روح قلبي ومن غيرك أموت …

وضع يده على رأسها ومرر يده بين خصلات شعرها وغمغم : اششش اسكتي! أنا هخنقك لو قلتي كده تاني !!

ضحكت زاد وضربة كف ع اخر وهتف : وبعدين في المحن ده!! عايزين نكشف يا دكتور !!
ضحك الطبيب بوقار وهتف : هي مش محتاجه كشف هي زي الفل كده !!

ضحكت وتين بخجل ..وتحرك ايهم حتي يتم الكشف والاطمئنان عليها …

انهاء الطبيب الكشف عليها.. ودلفت الدكتوره صفاء وهتفت : عروستنا عامله ايه؟!
نظر له ايهم وهتف : احلي عروسه في الدنيا !!

اقتربت الطبيبه وقالت: عامله ايه يا مدام وتين؟!
هزت راسها وهمسة: الحمد الله ..
بدات الطبيبه الكشف عليها بمساعدة زاد وهتفت : الحمد الله العمليه مسبتش اي مضاعفات.. وان شاء الله يحصل حمل تاني بسرعه!!

شهقت وتين وغمغمت بدموع: يعني ايه؟! أنا.. انا !
نظرت إلي ايهم ..واقترب منها وضمها بحضنه بحنو وهمس : خلاص يا قلبي مفيش نصيب! ربنا هيعوضنا اكيد.. متزعليش نفسك اهم حاجه انتي يا روحي !!

شهقت بجنون وهي تشعر أنها السبب في كل شئ بتهورها ..واندفاعها ..وخوفها ..وضعف شخصيتها الذي فتك بطفلها …

وصاحت بغضب مكبوت ودموعها تنهمر على وجنتيها وتخبطت بين أحضانه بحزن : انا السبب ..أنا مستحقش اكون ام ..أنا منفعش ..أنا مستهلش حبك يا إيهم !!

قطب حاجبه بدهشه من حالتها المبالغ فيها من وجه نظره.. وحاول السيطره عليها وضمها بحضنه وشدد عليها وهتف : اهدي يا وتين متقوليش كده يا حبيبي !!

اقتربت زاد منها وهتفت بحزن : حبيبتي ده قضاء الله وقدره.. اهدي يا قلبي ربنا هيعوضكم اكيد !!

صاحت وتين ..وزاد تخبطها بالم ..وهي تقبض على الفراش.. وتصبح بهستريه اقتربت الطبيبه سلوي بحقنه مهدئه ..وحقنت بها وتين لحظات.. وهدات وذهبت بنوم عميق مضطرب.. وهي تهلوس بجنون : لا!! أنا السبب..
أنا …

نظر لها إيهم بدهشه وبلع لعابه بصعوبه وقال: ايه اللي حصل ده يا دكتوره؟!
اومات الطبيبه برأسها وقالت: ده طبيعي يا دكتور.. صدمة الإجهاد لازم يكون ليها تأثير على الأم ..
معلش أن شاء الله هتصحي احسن !

اوما لها إيهم وتحركت الي الخارج ومعها زاد رفع إيهم الغطاء عليها ودثرها جيدا ..وجلس علي الكرسي وهو ينظر لها بلهفه وحيره من أمرها !!
……………………………..
بعد مرور ساعتين

دلفت سلوي غرفة وتين ونظرت لها وهي تنام علي فراشها بنفور وغمغمت بحقد : زي القطط بسبع ترواح يا بت الكلب انتي !!
تحركت الي الاجهزه الموصوله بجسد وتين ومدت يدها وووو

يتبع

ساحره القلم ساره احمد

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments